تحقيق: روضة الحلاوي
(الوفاق الزراعية) بولاية سنار، هي شركة مساهمة عامة مملوكة لأكثر من سبعة آلاف مزراع، تأسست في العام 2013م كفكرة جديدة لجأت إليها الدولة لخصخصة مشاريع الإعاشة بالنيل الأزرق، بتمليكها للمزارعين لتضييق دائرة الفقر المتمددة في المنطقة، بجانب إحداث نقلة في نظام الشراكة الزراعية الذي اتجهت إليه الدولة مؤخراً للنهوض بالزراعة والتدرج في رفع يدها من تمويلها، إلا أن لعنة الصراعات وسوء الإدارة ظل يطارد الشركة منذ تأسيسها -على حد تعيبر المزارعين المؤسسين لشركة الوفاق- الذين زاروا «الإنتباهة» يطلبون إنقاذ الشركة التي يتهددها شبح الانهيار بعد أن ضربتها عاصفة الصراعات وسوء الإدارة والتصرف في المال الشيء الذي جعلنا ننتقل لولاية سنار مدينة السوكي حيث مقر الشركة للوقوف على الحقيقة مجردة بالسماع لطرفي النزاع، الإدارة والمزارعين الذين حكوا كل مراحل الصراع من بداياته مع حكومة الولاية على الأرض وحتى آخر مراحله التي وصلت لدرجة أصبحت تهدد بنسف الشركة وتبديد حلم المزارع البسيط الذي ظل ينتظره على مدى أكثر من ثلاث سنوات ليراه حقيقة ليكتشف أنه دفع أمواله لتبقى مشروعات على الورق، استفاد منها آخرون، وهذا ما سنكتشفه نحن أيضاً من خلال هذا التحقيق:
مراحل الصراع
لخص المزارعون الذين زاروا الصحيفة حديثهم في أن الشركة تدير عدداً من المشروعات الزراعية وبرأس مال أساسه المزارع، لكن الصراع عليها نشب من بداياتها بين الوالي السابق أحمد عباس والإدارة المنتخبة من المزارعين حول الأرض الزراعية بعد أن حاولت حكومة الولاية نزعها لصالح شركة سكر السوكي الذي روَّج له أحمد عباس وسوَّقه وتمكن المزارعون من حسم الصراع بعقد جمعية عمومية من إدارة المشروعات الثلاثة التي قررت تأسيس شركة (الوفاق الزراعية) كشركة مساهمة عامة دون أية وصايا عليها من الدولة ممثلة في حكومة الولاية ووزارة الزراعة الاتحادية. بعدها نجحت الشركة في استقطاب قرض من شركة السكر لزراعة موسم (2013 ـ 2014) الذي حقق درجة إنتاج عالية، إلا أن التدهور أصاب المشروع بصورة مفاجئة لعدة أسباب في مقدمتها فشل مجلس إدارة الشركة في توفير مواعين للتمويل ولسد هذه الثغرة لجأت الإدارة لاستثمار جزء من الحواشات وفرض ضرائب عالية على الري تراوحت بين (1000 ـ 1500) جنيه على الحواشة الواحدة، إلا أن هذه المعاجلة فشلت بعد أن عجزت الإدارة عن توصيل مياه الري لمنطقة شاشينا وبعض المناطق الأخرى بالدندر، ما أدى لتدني الإنتاجية والحاق خسائر بالمزارعين بسبب تدني الإنتاجية وضريبة الري العالية، ويؤكد المزارعون إن هذا الفشل كشف لهم عيوب الإدارة ممثلة في قصور الرؤى والضبابية في شؤون الإدارة نتيجة سوء التخطيط وانعدام الخبرة والكفاءة حيث أغلب أعضاء مجلس الإدارة ليست لهم مؤهلات وخبرات علمية تساعدهم في التخطيط الجيد لإدارة المشروع وفق رؤى واضحة تخرج المزارعين من الفقر والديون ويذهب المزارعون الى أن بعض أعضاء مجلس الإدارة أميين لايعرفون «فك الخط» ويبصمون، وفوق هذا تجاوزت أعمار بعضهم السبعين سنة، والأغرب من ذلك أن رئيس مجلس الإدارة كان يعمل فني كهرباء بمشروع غرب سنار.
شبهة فساد
ويشير المزارعون الى أن أبرز الممارسات التي رفضوها وأدت لتفاقم خلافاتهم مع مجلس الإدارة، أن تكلفة صيانة البيارات وتطهير الترع منحت لجهات دون طرحها في عطاء للمنافسة، الشيء الذي جعل شبهة الفساد تحوم حولها ـ على حد تعبيرهم ـ بجانب لجوء الإدارة لبيع إنتاج المزرعة التجريبية من القصب لشخص ليختفى قبل أن يكمل المبلغ، ويفترض عدم بيعه واستغلاله في زيادة الإنتاج كما حدث في مشروعي كنانة وسنار لأن تكلفة ريه يدفعها المزارع، بجانب أن الحواشات التي تم استثمارها جزء منها تتم رزاعته بعباد الشمس والقمح التي تستهلك كميات كبيرة من المياه التي تخصم تكلفتها مناصفة بين المزارع والمستثمر وهذه واحدة من أسباب تدهور المشروع -على حد تعبيرهم- إضافة لصيانة مباني الإدارة التي بلغت تكلفتها مبالغ طائلة، في وقت يتوجب في توجيه هذا المبلغ لصيانه وتطهير الترع، إضافة لإيجار عربات وحوافز أعضاء مجلس الإدارة لحضور الاجتماعات المنعقدة في الخرطوم وتشمل تأجير سواقين وعربات لموزين ونثريات في وقت يتقاضى فيه مجلس الإدارة حوافز من شركة السكر مقابل هذه الاجتماعات، ويؤكد المزارعون في حديثهم أن هناك مبلغ واحد جنيه في كل جوال مساهمة يدفعه الشعب السودان لصالح منصع سكر السوكي لأكثر من أربعة أعوام، ووصل المبلغ الآن لمليارات الجنيهات يتم الصرف منها على نثريات وحوافز مجلس الإدارة، ولم يُصرف منها على قيام المصنع سوى المزرعة التجربية، ولا توجد رؤية واضحة ولا خطة لقيام المصنع – والحديث لوفد المزارعين الذي زار الصحيفة- والذي ختم حديثه إنه لم تقم أية جمعية عمومية منذ قيام الشركة ولم تتم أية مراجعة داخلية. بعدها حملنا كل هذه الاتهمات والقضايا التي أثارها وفد المزارعين وتوجهنا بها الى ولاية سنار للتأكد منها على أرض الواقع وسط المزارعين وأعضاء مجلس الإدارة وموقف الوالي ووزير الزارعة بالولاية منها، فكانت أولى محطاتنا مدينة السوكي حيث مقر الشركة فمكاتبها عبارة عن مبانٍ قديمة أكل عليها الدهر وشرب، يخيم عليها البؤس ولا حياة فيها عبارة عن (خرابات) من يراها للوهلة الأولى يعتقد أنها مساكن للبوم. مكاتب بلا سور استقبلنا أحد موظفيها ودلفنا لأحد المكاتب وجلسنا الى مجموعة من المزارعين والتقينا بالمدير المالي للشركة وبعض أعضاء مجلس الإدارة والمستشار القانوني للشركة وبعض من المستثمرين والمزارعين الذين كانت بداية حديثي معهم.
على أرض الواقع
ابتدر الحديث المزارع عبدالله احمد ابو كروك من تفتيش شاشينا قائلاً: تُفرض علينا رسوم عالية لاتتوافق مع امكانياتنا وتكلفة الانتاج عالية من قبل الشركة دون دراسة متكاملة، واهملت عملية تطهير الترع والقنوات والمصارف التي اعتبرها الآن غير مؤهلة لايصال المياه على الرغم من الحديث عن المليارات التي صرفت فيها مشيراً الى أن الشركة تمنح المزارع دورة واحدة من جملة ثلاثة دورات زراعية وان رغب في الثانية تمنح له كاستثمار ما يتنافى مع الاتفاق المبرم بين الشركة والمزارع الذي يأخذ دورة والشركة اثنين وألا يدفع المزارع اية رسوم اخرى لاي بند لحين حسم ما أسماه بالفوضى التي ضربت علاقة الانتاج بين الشركة والمزارع وأرهقته كثيراً وجعلته يسأم وينفر من العمل في المشروع ويبحث له هن مصدر دخل آخر. ويمضي المزارع ابوكروك متسائلاً: عن اصول الشركة الثلاث عربات والعشرة مواتر أين ذهبت ولمصلحة من؟، والشركة الآن تستأجر العربات!!، كيف يستقيم ذلك؟ هذا سؤال يتداوله الـ«7.350» مزارعاً عن تلك الاصول كمساهمين؟.
في مداخلة بنبرة تكسوها الحسرة تحدث المزارع الصادق محمد توم محمدين صاحب الحواشة رقم «598» مبيناً ان الزراعة مهنة توارثوها منذ الاجداد وهي مصدر رزق اساسي، ولكن بسبب سوء الادارة تقلصت مساحتها واصبحت ضيقة لا تتجاوز الخمسة أفدنة وإنتاجها عائده لا يغطي الخسائر ولا يزيد في مجمله عن الاربعين جوالاً كمحصول (لوبعت في مائاتين) العائد «8» آلاف في حين أن الخسائر تبلغ «5» آلاف واالمتبقي لا يتعدى الـ«3» آلاف جنيه. فهل تكفي احتياجات الاسرة لعام كامل؟؟ هذه حالة منفرة حقيقة من الزراعة كمهنة. ويمضي الصادق مطالباً مجلس الادارة الذي قال إنهم انتخبوه بضرورة الالتفات الي مشاكلهم ، ونادى بادخال زراعة القطن كمحصول نقدي ضمن الدورة الزراعية للمشروع، وان تنعقد الجمعية العمومية بصورة راتبة نهاية كل موسم حتى نجد فرصة ليجلس معنا رئيس مجلس الادارة لمعرفة اشكالاتنا وحلحلتها بالطريقة المثلى لانصاف المزارع المقلوب على امره الذي يعاني الامرين الآن من مشكلة الري، وحتى تنهض الشركة وتتحسن اوضاع المزارع الذي وصل الى أدنى درجات الفقر لابد من الاستعانة ببيت خبرة زراعي واقتصادي..
قنعت منهم
فيما ضج المزارع الطيب احمد عبدالله بتفتيش شاشينا بالشكوى من تغول احدهم على حواشته التي ظل يزرعها لمدة «45» عاماً دون أن تقف معه الشركة وتقدم له السند القانوني عبر مستشارها القانوني، بل تركته يواجه مصيره منفرداً في وقت اعتبر فيه الجميع التعدي الذي وقع عليه هو تعدٍ على الشركة وليس على شخصي -والحديث للمزاع الطيب- الذي اردف قائلاً : بعد أن (قنعت من خيراً فيها) رفعت دعوى بجهدي الشخصي والآن قضيتي امام النيابة.. بعد سماع المزارعين الذين زاروا الصحيفة والمجموعة التي التقيناها خلال جولتنا الميدانية في موقع المشروع بمدينة السوكي. حزمنا كل الاتهامات التي وجهت للادارة ومجلسها وعرضناها بداية على المستشار القانوني للشركة للتأكيد على التزامنا بالقانون والحياد في تناول هذه القضية، واظهر المستشار القانون تعاوناً ودرجة من الشفافية في رده على تساؤلات الصحيفة التي أكد فيها أن مجلس ادارة الشركة منتخب من جمعية عمومية ستة آلاف مزارع وانعقدت بوجود المسجل العام ونتج عنها مجلس ادارة «15» عضواً وتم اختيار المجلس التنفيذي وباشرت الشركة عملها من الصفر، مشيراً الى ان عمر صغير الشركة لايتعدى بضعة اعوام وغيركافٍ لاجراء تقييم لتجربتها في الوقت الحالي، مؤكداً إن كانت هناك اخطاء فمجلس الادارة قادر على معالجتها وإن الاختلاف ليس عيباً بقدر ما هو للمصلحة العامة الانتاج كان مميزاً ووصل الى نسبة 90% اما بالنسبة لعدم التعامل بالعطاءت فنحن نستعيض عنها بالتفويض وتشكيل اللجان.
في الجزء الثاني من التحقيق سنعرض وجهة نظر اعضاء مجلس الادارة وحديث المدير المالي للشركة ومديرها العام وبعض المستثمرين ورأي وزير الزراعة ووالي الولاية الذين ادلوا بدلوهم تجاه هذه القضية..
الانتباهة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق