حذرت دراسة يابانية من عدة سيناريوهات «سوداء» نتيجة استمرار بناء سد النهضة الإثيوبى بالمواصفات نفسها المعلن عنها حاليا، ليس فقط على مستوى دولتى المصب، مصر والسودان، موضحة أن أخطر تلك السيناريوهات انهيار السد، واختفاء السودان، وتهجير 4 ملايين مصرى من سواحل البحر المتوسط، وهو الأمر الذى أكده عدد من خبراء المياه والرى المصريين، فى تعليقاتهم لـ«المصرى اليوم»، عن الدراسة.
وأوضحت الدراسة، التى أعدها أستاذ السدود والمياه بجامعة كيوتو اليابانية، سامح قنطوش، أن التأثيرات السلبية ستطول البحر المتوسط، بعد انخفاض مستويات المياه بنهر النيل، والذى سيؤثر أيضا على نوعية المياه ومحطات الشرب فى مصر، كما سيؤثر سلبا على مخزون المياه فى بحيرة ناصر، وفقا لموقع «المونيتور» الأمريكى، المتخصص فى أخبار الشرق الأوسط.
وتشمل الدراسة، التى مازالت قيد الإعداد، تقييم عدة سدود عملاقة على مستوى الأنهار فى العالم، وما يتعلق بسد النهضة الذى تُقيمه أديس أبابا على النيل الأزرق، ووضعت الدراسة مثلثا بيانيا لحجم الأضرار التى ستطول نهر النيل، بعد تشغيل السد، المرتقب أن يبدأ فى يوليو 2016، وتأتى قاعدة المثلث لتُظهر مستويين من التأثيرات بدولة المنبع إثيوبيا، يبدآن بتراكم الطمى داخل بحيرة سد النهضة، نتيجة عدم وجود فتحات كافية عند القاع لتمرير المواد الرسوبية، ما يزيد من احتمالات انهياره، إلى جانب زيادة معدلات البخر والغازات المُسبِّبة للاحتباس الحرارى، فضلا عن تدهور المواصفات البيولوجية والكيميائية والفيزيائية للمياه.
ووفقا للدراسة، فقد وضع الرسم البيانى حجم التأثيرات على مصر والسودان بثلاث درجات، الدرجة الأولى من التأثيرات هى منع وصول الطمى للسودان، وتقليل كميات المياه ونظام السريان إلى مصر، يتبعه تدهور جودة المياه وتلوثها، بينما تشمل تأثيرات الدرجة الثانية على مصر والسودان البيئة البرية، نتيجة تدهور نوعية المياه التى تصل تباعا إلى اللافقاريات، ثم الأسماك، بينما تأتى فى قمة الهرم التأثيرات السلبية للكائنات الثديية والطيور.
وقال «قنطوش» إنه يعكف- منذ عدة سنوات- على دراسة نماذج مختلفة لتأثيرات السدود «المسعورة» على مستوى عدد من أنهار العالم، والتى تحجز المياه والطمى خلفها وتُحدث خللا فى اتزان النهر الطبيعى، ولا تأخذ الدول فى الاعتبار عند إعداد التصميمات الخاصة بها تدابير تقليل هذه الآثار السلبية على البيئة والمجتمعات الواقعة أمام وخلف السد، وأضاف أن «السبيل الوحيد هو إنشاء سدود شفافة تولد الكهرباء ولا تعوق المياه والرواسب».
وتابع «قنطوش»: «خلال 10 سنوات، سينخفض مجرى نهر النيل باتجاه مصر والسودان أسفل سد النهضة بأكثر من 5 أمتار، إذ سيؤثر السد على تآكل المجرى النهرى، بما يهدد ساحل البحر المتوسط، الذى سيطغى على أراضى الدلتا ويغرقها».
واستطرد: «يحتاج الأمر إلى تدابير هندسية وبيئية سريعة- قبل اكتمال إنشاء سد النهضة- للحفاظ على السواحل المصرية من التآكل».
وقالت الدراسة: «يعانى البحر المتوسط- بعد بناء السد العالى بمصر- من تدهور نوعية المياه به، وتراجع الثروة السمكية، وانقراض أنواع عديدة منها، نتيجة حجز مياه النيل ببحيرة ناصر، بينما سيضيف سد النهضة مزيدا من الأزمات البيئية للبحر المتوسط»، وهو ما أكده نادر نورالدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، وأكد، فى تصريحات لـ«المصرى اليوم»، ما جاء بالدراسة بأن تأثير سد النهضة يُهدد بالتعجيل بتهجير 4 ملايين مصرى يعيشون بالمدن الساحلية، وبما أن منسوب «المتوسط» يرتفع حاليا من 1 سنتيمتر إلى 2 سنتيمتر سنويا، بينما فى المقابل، تنخفض أراضى الدلتا بمصر ملليمترا إلى 3 ملليمترات، فستزداد هذه النسب بانخفاض مستويات مياه النيل.
من جانبه، قال الدكتور زكى البحيرى، خبير الدراسات الأفريقية وحوض النيل، الأستاذ بجامعة المنصورة، لـ«المصرى اليوم»، إن مشكلة تراكم الطمى فى بحيرة سد النهضة يمكن بالفعل أن تؤدى إلى انهياره، ما سيتسبب فى فيضان سيُدمر 3 سدود سودانية، ووقتها ستختفى السودان، وعندما يأتى إلى مصر، سيسبب خطورة على السد العالى، الذى لن يستوعب كميات المياه المتدفقة إليه، وبالتالى يمكن أن ينهار السد العالى، وفى هذه الحالة، لن يكون هناك ما يُسمى «الشعب المصرى».
وبدوره، قال هانى رسلان، رئيس وحدة دراسات حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية، إن «عمر سد النهضة لن يتعدى 100 سنة على أبعد تقدير»، واتفق رسلان مع وجود احتمالية كبيرة لانهيار سد النهضة، لأن منطقة بنائه هى منطقة زلزالية خطيرة ومُعرَّضة للانهيار فى أى لحظة، مضيفا أنه فى الـ40 سنة الأخيرة، وقعت عدة زلازل مُدمِّرة، كما أن التربة البازلتية نفسها مُعرَّضة للانهيار، لاحتوائها على فجوات، ومبنى السد سيتسبب فى الضغط عليها.
ويرى «رسلان» أن إثيوبيا لن تتأثر كثيرا بانهيار سد النهضة، لأنه يقع فى الـ30 كيلومترا الأخيرة من أراضيها، وبالتالى ستكون هذه هى المنطقة المتضرِّرة فقط، لكن السودان ستتضرر كثيرا ببناء السد، لأن مناطق طرح النيل على الجانبين، والتى تقوم عليها الزراعة ستنخفض، ما سيُضرّ بالزراعة. وأكد «رسلان» أن مصر تواجه مشاكل كبيرة فيما يتعلق بالفتحات المائية التى تطالب بزيادتها، تتعلق بالأمن المائى المصرى والاستغلال فى فترات الجفاف أو حدوث أعطال لتوربينات توليد الكهرباء.
وقال الدكتور أحمد فوزى دياب كبير، الخبير المائى بالأمم المتحدة، أستاذ الموارد المائية بمركز بحوث الصحراء، خبير استراتيجيات المياه، إنه إذا لم تجد إثيوبيا حلا لمشكلة الإطماء فى بحيرة سد النهضة، فسينهار السد بالفعل، موضحا أن أضرار السد تمتد لجوانب أخرى مثل تغير المناخ، الذى سيتسبب فى مشاكل واسعة بإثيوبيا تتعلق بالزراعة، كما ستتأثر مصر بتغير المناخ، بسبب انخفاض منسوب سريان المياه فى مصر.
وأوضح «دياب» أن نوعية المياه ستتأثر كثيرا بكمية سريان المياه، التى تلعب دورا كبيرا فى تقليل معدل تلوث المياه، ما يعنى ارتفاع نسبة تلوث مياه الشرب، والذى سيؤثر على الزراعة والتربة، خاصة فى ظل ارتفاع نسبة المخلفات فى مصر.
وفيما يتعلق بتهجير 4 ملايين مصرى من السواحل المصرية، أكد «دياب» أن تغير المناخ- بسبب ندرة وصول المياه إلى المناطق الساحلية- سيؤدى إلى تغير خريطة توزيع السكان والزراعة والصيد، وبالتالى ارتفاع معدل الهجرة الداخلية.
كتب: غادة غالب
المصري اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق