الأربعاء، 16 مارس 2016

انشقاقات جديدة تهز أركان (العدل والمساواة) وتعلن نهايتها

“جيدن جيتو حبابكم عشرة “، بهذه المفردات المختصرة، كانت حجة مريم تردد وهي مبتهجة، على بوابة مدينة نيالا حاضرة جنوب دارفور، خلال استقبال المدينة للمنشقين من حركة (العدل والمساواة)، بقيادة اللواء “مهدي جبل مون” وقواته،  قادمين من دولة “جنوب السودان”، للالتحاق بمسيرة السلام، وهم يدخلون المدينة للاحتفال بهذا الحدث من خلال تسليم أنفسهم للقوات النظامية، نافضين عنها غبار التمرد، مفضلين العودة إلى حضن الوطن، ولأسرهم وذويهم، الذين كانوا حاضرين في استقبالهم من خلال احتفال كبير بمقر أمانة حكومة ولاية “جنوب دارفور”.
وقد تحرك المنشقون بقيادة اللواء “مهدي جبل مون” بعد عملية تمويه، من دولة جنوب السودان، وبالتحديد من منطقة (ديم زبير)، ومنها إلى مدينة (بور)، ومن ثم سلكوا طريقاً وعراً حتى اجتازوا الحدود من منطقة (كافي كنجي) ودخلوا البلاد، وواصلوا سيرهم حتى وصلوا منطقة (الردوم)، وهناك سلموا أنفسهم وعتادهم العسكري لقوات الدعم السريع.
شركات خاصة
وقال “مهدي جبل مون”، في تصريحات صحفية بأنه خاض (100) معركة عسكرية ضد الجيش السوداني،  وإنه كان من المخططين في صفوف الحركة لهذه المعارك.
و”مهدي” من مواليد “جبل مون” شرق الجنينة، ومتزوج من 3 نساء، وله من الأبناء 8 وعمر أكبرهم  21 عاماً.
وعن الأسباب التي دفعته للانشقاق، ومغادرة صفوف حركة التمرد والالتحاق بركب السلام، قال: بأن حركة (العدل والمساواة) في الماضي، أبان فترة قيادة “خليل إبراهيم” لها، كانت تقاتل من أجل أهداف منشودة،  ومن أجل المواطن، ولكن في الفترة الأخيرة باتت هي والحركات المتمردة الأخرى، أشبه بالشركات الخاصة، حيث إن رؤساءها على غرار “جبريل”، الذي يترأس (العدل والمساواة) و”عبد الواحد” و”مناوي”، باتوا يقتاتون على أعناقهم، وأنشأوا شركات خاصة بالجنوب.
وواصل “مهدي جبل مون” حديثه قائلاً: بأنه تمرد في العام 87م مع “دريج”، قبل أن يتخلى عن التمرد في العام 89، وذلك بسبب العنصرية التي اتسمت بها تلك الفترة من التمرد، والتحق بالدفاع الشعبي وخرج منه، وعاد للتمرد حيث يعد من المؤسسين للحركة عام 2003م وقال: ” كنت عقيداً ومن ثم تدرجت لقائد قطاع ثم قائد فرقة، وأخيراً قائد أركان”. وأشار إلى أن معارك حواتيل، التي بلغت 11 معركة، كان من أسوأ الحروب التي خاضها، ووصف “خليل” بأنه رجل صامد وأنه كان يوقر الكبير والصغير، وأضاف: “بعد فقدنا له تضررت الحركة، حيث وضح  بأن “جبريل” لا يستطيع قيادة الحركة، فخلق الجهوية والقبلية، ووضع كل من قدم له النصيحة في قائمة سوداء.
(العدل والمساواة) انتهت على الأرض:
“مهدي” أشار إلى أن (العدل والمساواة) انتهت على أرض الواقع، خاصة بعد معركة (قوز دنقو)، وأن العائدين من تلك المعركة قليلون جداً، وأغلبهم إما  تعرضوا للأسر، أو ماتوا ولم يتبق منها شيء داخل “دارفور”.  وأصبحت مجرد مليشيات في الجنوب تقاتل من أجل المال وأيضاً في “ليبيا”، ولا يتعدى  عدد جنودها الــ(4) عربات، مشيراً إلى أنها تعيش في أسوا حالتها العسكرية، مشيراً إلى أنهم يحاربون بـ”جوبا” تحت إدارة ودعم “سلفا كير”.
وكشف “مهدي” بأن معسكر الحركة الرئيسي، بمنطقة “يونتي” بالجنوب والتي دخلوها في العام 2010م، واعتبر بأن الحركة كانت في عز قوتها في العام 2012م حتى معركة (هجليج)، وبعدها أصابها التدهور تدريجياً.
وأشار “مهدي” إلى أنه عاد برفقة عدد كبير من الآليات العسكرية والقيادات العسكرية، وأعلن عن أن دارفور آمنة وخالية من التمرد.
ودعا “مهدي” من تبقوا بالتمرد لان يعودوا إلى حضن الوطن وأن يتخذوا الحوار سبيلاً، مشيراً إلى أنهم حاربوا، ولكن في نهاية المطاف اقتنعوا بأنه لا سبيل سوى الحوار، معتبراً بأنه المخرج الرئيسي لازمات البلاد. وأن التفكير في الانضمام لركب السلام راوده منذ أبريل الماضي، ولكنه لم يحالفه الحظ للخروج  من مناطق الحركة، وأضاف بأن أي رئيس لأي حركة مسلحة لديه شركة خاصة بـ”جوبا” أو “كمبالا”، وأغلبهم لديهم شركات للخمور.
وواصل “مهدي” حديثه، قائلاً: بأنهم تلقوا أمراً من “جبريل” للمشاركة في العمليات العسكرية والوقوف إلى جانب القوات الحكومية الموالية لـ”سلفا كير”، ومواجهة المتمرد “رياك مشار” في مناطق (لفة الكهرباء، ربكونا، ميوم، فاريانق، بحر العرب، وتنجا)، وذلك بموجب اتفاق بين “جبريل” و”سلفا”، على أن أي غنائم يخرجون بها تحسب لصالح (العدل والمساواة)، وتتمثل تلك الغنائم في السيارات والأسلحة. وأنهم بالفعل دخلوا “بانتيو” ونالوا حظاً وافر من الغنائم خاصة السيارات من المنظمات، ثم تحركوا بتلك الغنائم وتجمعوا بمنطقة (خور شمام)، وهو التجمع الذي سبق معركتهم مع الحكومة بــ(قوز دنقو)، والتي نالوا فيها هزيمة ناكرة جعلت القيادات تهرب وتتوزع ما بين “جوبا”، “راجا”، “واو” و”أويل”.
()
أحد أهم العائدين ويدعى العميد “محجوب حسن يعقوب” والذي كان قائدًا للعمليات العسكرية حتى العام 2011م، ثم ترقى إلى أن أصبح قائد عمليات عسكرية، بالإضافة إلى أنه عمدة قبيلة (الارنقا)، ويعد مستشار “جبريل إبراهيم” لشؤون الإدارات الأهلية، فقد قال لــ(المجهر) بأن انضمامه للسلام هو خطوة موفقة خاصة، وإن الحوار بات الخيار الرئيسي لاستقرار البلاد، خاصة بعد انحراف الحركة عن مسارها وأهدافها الأصلية.
احتفال أمانة الولاية
وعمت الفرحة أرجاء مدينة “نيالا” حاضرة جنوب دارفور بمجرد وصول نبأ العائدين، واحتفت أمانة الولاية بالحدث بحضور ضخم من قيادات الولاية الدستورية والتشريعية وقادة الأجهزة الأمنية المختلفة،  وذوي العائدين وبحضور ممثل والي الولاية نائب الوالي، “حمد أبوردية” الذي عبر عن سعادته بعودة العائدين، وأعلن عن تبرع الحكومة بمبلغ (50) ألف جنيه للاحتياجات العاجلة، وناشد المنضوين تحت لواء حركات التمرد بالعودة إلى حضن الوطن واختيار السلام والحوار للمساهمة في استقرار وتنمية البلاد.
من جانبه خاطب قائد القوات المسلحة بولاية “جنوب دارفور” اللواء “عادل حمد النيل” الاحتفال، وأكد تحرير القوات المسلحة لأكثر من (15) موقعاً بالولاية في غضون شهر واحد، وأشار إلى أن هنالك خيراً كثيراً ينتظر المواطنين بـ”جبل مرة”، وبعث برسالة للمتمردين مفادها (أن أتيتم فمرحبا، وإن لم تأتوا فنحن جاهزون، براً وجواً)، مشيراً إلى أن القوات المسلحة لن تسمح بأي عمليات تخريبية بالولاية. وتعهد اللواء “عادل” بحماية مشاريع التنمية، وقال إن الجيش سيرفع التمام قريباً بأن ولاية “جنوب دارفور” الأولى من حيث الاستقرار والأمن والتنمية. وأثنى على قوات الدعم السريع، واعتبر أن جميع القوات النظامية قامت بفرض الأمن بالقوة بالولاية.
العودة للاستقرار
وعقب الاحتفال التقى العائدون بذويهم وكان أبرز المشاهد الملفتة مقابلة أحد العائدين، ويدعى “محمد آدم” ويلقب بــ(كلجو) بأسرته المكونة من زوجته وطفلته التي بلغت عامين ووالدته، بالدموع. وقال “كلجو” لــ(المجهر) بأنه كان يمسك بزمام الأمن والمخابرات بالحركة لولاية “جنوب دارفور”، والتحق بها بالعام 2011م، مشيراً إلى أنه خرج رفقة (العدل والمساواة) لأهداف وبرامج منشودة، ولكنهم اصطدموا بانحراف الحركة في الآونة الأخيرة عن خطها، وأصبح قادتها يعملون لمصالحهم الخاصة. وزاد: لدينا مقاتلون أصيبوا وفقدوا أطرافهم، ولكنهم لم يعالجوهم في حين أن أبناءهم يدرسون ويستثمرون في “كمبالا” و”جوبا”.
وعن التقائه بزوجته “أمينة” قال: طبعاً هي مشاعر لا أستطيع التعبير عنها، وآخر مرة رأيت فيها ابنتي كانت بعمر الشهرين، والآن هي في عمر سنتين، وأنا سعيد للغاية بلقائهم.
وناشد “كلجو” من تبقى من الحركات بالانضمام إلى ركب السلام والمساهمة في رفعة الوطن بالحوار، واعتبر بأن الحركات المتمردة باتت أضعف، ولم تعد لديها المقدرة الكافية لمجابهة الحرب، وباتت تمتهن  الارتزاق.

صحيفة المجهر السياسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق