بعض أعضاء الحركة الإسلامية كانوا يعتقدون أن تزوير الانتخابات عبادة يؤجرون عليها
“علي عثمان محمد طه” أول من أصدر حكماً ضد (الدعارة)
أحرقنا (أكشاك القمار) والمراهنات الرياضية.. ونضرب الطلاب (السكارى) في الجامعة
الشيوعيون نزيهون وكانوا يصومون ويصلون.. و”أحمد سليمان” كان يقيم الليل
“نقد” مات نظيفاً.. ولكنه لم يُمتحن بوزارة
حوار: محمد إبراهيم الحاج
يعرف الناس عن البروفيسور “حسن مكي” ميله الشديد إلى إطلاق الآراء الجريئة التي لا تعجب كثيرين من أعضاء الحركة الإسلامية أنفسهم، ولأن الرجل عايش كثيراً من التجارب السياسية والكروية بالبلاد، وكان له في أغلبها رأي واضح يميل إلى الصراحة الشديدة في أغلب الأوقات، تجده الآن لا يتجرأ على الحديث عن كثير من الأمور التي لها علاقة بالحركة الإسلامية أو المشهد الفكري والسياسي والاجتماعي بالبلاد.
لثلاثة أجزاء حاورت (المجهر) بروفيسور “حسن” بمكتبه بـ(جامعة أفريقيا العالمية)، فتح فيها عقله وقلبه وكثيراً جداً من خزائن أسراره، وتطوفنا معه عن بدايات تكوينه الفكري الأول وانضمامه للحركة الإسلامية، وتنقلنا معه عن الفترة التي قضاها حبيساً في عهد “نميري” التي قاربت من الثلاث سنوات على مرحلتين، وسألناه عن علاقته بالشيوعيين، وعن رأيه في كثير من قادة البلاد، ورغم المناطق الحساسة للغاية التي سألناه عنها، إلا أن بروفيسور “مكي” للأمانة كان واضحاً وسريع الرد على كل الأسئلة ولم يطلب مني الابتعاد عن أي سؤال، إلى مضابط الحوار:
“علي عثمان محمد طه” أول من أصدر حكماً ضد (الدعارة)
أحرقنا (أكشاك القمار) والمراهنات الرياضية.. ونضرب الطلاب (السكارى) في الجامعة
الشيوعيون نزيهون وكانوا يصومون ويصلون.. و”أحمد سليمان” كان يقيم الليل
“نقد” مات نظيفاً.. ولكنه لم يُمتحن بوزارة
حوار: محمد إبراهيم الحاج
يعرف الناس عن البروفيسور “حسن مكي” ميله الشديد إلى إطلاق الآراء الجريئة التي لا تعجب كثيرين من أعضاء الحركة الإسلامية أنفسهم، ولأن الرجل عايش كثيراً من التجارب السياسية والكروية بالبلاد، وكان له في أغلبها رأي واضح يميل إلى الصراحة الشديدة في أغلب الأوقات، تجده الآن لا يتجرأ على الحديث عن كثير من الأمور التي لها علاقة بالحركة الإسلامية أو المشهد الفكري والسياسي والاجتماعي بالبلاد.
لثلاثة أجزاء حاورت (المجهر) بروفيسور “حسن” بمكتبه بـ(جامعة أفريقيا العالمية)، فتح فيها عقله وقلبه وكثيراً جداً من خزائن أسراره، وتطوفنا معه عن بدايات تكوينه الفكري الأول وانضمامه للحركة الإسلامية، وتنقلنا معه عن الفترة التي قضاها حبيساً في عهد “نميري” التي قاربت من الثلاث سنوات على مرحلتين، وسألناه عن علاقته بالشيوعيين، وعن رأيه في كثير من قادة البلاد، ورغم المناطق الحساسة للغاية التي سألناه عنها، إلا أن بروفيسور “مكي” للأمانة كان واضحاً وسريع الرد على كل الأسئلة ولم يطلب مني الابتعاد عن أي سؤال، إلى مضابط الحوار:
{ نتحدث قليلاً عن علاقتكم مع الشيوعيين.. هل هناك علاقات اجتماعية بينكم؟
– أعتقد أن المرحوم “يس عمر الإمام” كان أفضلنا، حتى في السجن كان يتواصل معهم وكان لا يتقيد بالكلام الذي كنا نقوله بأن نفرض عليهم عزلة في السجن، ولكن بعض اليساريين نتواصل معهم، مثلاً “محمد يوسف” الذي أصبح وزيراً بعد ذلك، وكان في داخلية “المك نمر” وأنا كنت في داخلية “الزبير”، هنالك جسور تواصل بيننا وبين اليساريين.
{ هل تتبادلون الزيارات؟
– حتى مع الإسلاميين تكون العلاقة محدودة مع الناس الذين لديهم قدرات فكرية.
{ بصراحة ما هو رأيك في الشيوعيين؟
– هي حركة سياسية وأصلاً بعد استقلال السودان كان كل الناس مثلهم الأعلى هم الإنجليز، وبعضهم تزوج منهم مثل د.”أحمد الطيّب” و”عبد الله الطيّب” وكثير من النخب السودانية في ذلك الوقت، ومعظم الذين تم ابتعاثهم إلى “إنجلترا” للدراسات العليا، لذلك مجالس الشراب كانت حاجة عادية، والحركة الإسلامية بدأت كحركة صغيرة، التيار الشعبي مثل “عوض الإمام” والتيار النخبوي الجامعي بدأ بـ”بابكر كرار” وكان حركة سرية، لذلك التيار الشيوعي كان مهتماً بالقضية الاقتصادية وقضية الخدمة والمساواة واختراق الجمعيات السرية ومعجب بتجربة الاتحاد السوفيتي، وبالنسبة لنا كنا نرغب في التعبير عن الأصالة الإسلامية، والذي جعلنا نكون ضد الشيوعيين هي الأخلاق الجديدة التي كانت طابع كل المثقفين السودانيين.
{ ماذا تعني بالأخلاق الجديدة؟
– احتساء الخمر والعلاقات المفتوحة، وكانت (الدعارة) جزءاً من المجتمع السوداني وتنتشر في “الخرطوم”، كل إنسان ينتظر دوره مع (ست البيت).
{ هل من الممكن أن أنشر هذا الكلام؟
– أيوه.. أيوة.. نحن كنا ضد هذا التيار ويرجع الفضل إلى أن أول من أصدر حكماً ضد (الدعارة) هو الأستاذ “علي عثمان محمد طه”، والذي نفذ الحكم بدقة هو “مهدي مصطفى الهادي” الذي كان له الكعب الأعلى في جعل (الدعارة) أمراً غير مشروع في “الخرطوم”.
{ ثم توالت بعد ذلك الحملات ضد (الدعارة)؟
– نعم ثم جاء “محمد عبد القادر” حينما أصبح والياً مع “نميري” وطبق هذه المسألة في الولاية حتى جاءت قوانين سبتمبر 1983م وتعطلت كل الأحكام الموروثة مع الانجليز.. وبالمناسبة الانجليز أنفسهم في قانونهم يحرمون على المثقفين السودانيين تعاطي المشروبات الكحولية المستوردة، لأنهم كانوا بيفتكروا أحسن ليهم المشروبات الكحولية العادية مثل (المريسة)، (البقنية)، (العسلية) و(العرقي).
{ تريد أن تقول إن من أهم أسباب ظهور الحركة الإسلامية كان لمحاربة ما اسميتها بالـ(أخلاق الجديدة).. ما هي آلياتكم التي استخدمتموها في هذه المعركة؟
– أولاً في ثورة شعب أحرقنا أكشاش (توتو كورة) التي تختص بالمراهنات الرياضية و(القمار).
{ كيف أحرقتموها؟
– أحرقناها بالنار.. بنكب البنزين في الكشك ونحرقوا.
{ جيتوا بالليل وحرقتموها؟
– لا حرقناها بالنهار في المظاهرات.
{ كنتوا قاصدين تحرقوها؟
– أيوة كانت الأهداف.
{ وكيف حاربتوا الخمور؟
– في الجامعة ذاتها كان هناك ناس فرسان زي المرحوم “محمد عثمان محجوب” و”محمد عوض الجيد” وغيرهما.. وديل كانوا بيتصدوا للطلاب السكارى وبيضربوهم.. ودارت مشاكل كثيرة جداً بينهم وبين الطلاب (السكارى).. لأن الجامعة وقتها كانت لا تمنع السكر واسمها (كلية غردون التذكارية)، وكان بعض الطلاب يعتقدون أنه يمارس حقه الطبيعي.
{ يعني كنتوا بتضربوا الطلاب (السكرانين) في الجامعة؟
– أيوة.
{ مفرغون لهذا العمل؟
– ما بنقدر نقول مفرغنهم.. ولكنهم كانوا يتصدون لهم.. لأن الطلاب (السكارى) كانوا يعملون ضوضاء وده كان شيئاً عادياً، وكانت حادثة (العجكو) عندما نظمت الجبهة السكرتارية للجبهات التقدمية في جامعة الخرطوم حفلات مختلطة، تصدى الإسلاميون لهذا الموضوع و(كسروا) الكراسي على رؤوس الطلاب.
{ ما هي تفاصيل إلغاء (الدعارة) في السودان؟
– أول حكم قضائي أصدره “علي عثمان محمد طه” ونفذه “مهدي مصطفى” في نهاية السبعينيات.
{ استخدم الإسلاميون الدين لمحاربة خصومهم الشيوعيين؟
– قد يكون هذا حادث خاصة أن حل الحزب الشيوعي جاء نتاج لذلك في حادثة دار المعلمين وقادته “سعاد الفاتح البدوي” و”علي عبد الله يعقوب”، وكان بأن استغلوا إساءة طالب للسيدة “عائشة” رضي الله عنها واستخدموا الحادث لتعبئة الجماهير.
{ لكنها كانت حادثة فردية؟
– نعم كانت فردية ولم تكن سياسة الحزب الشيوعي.
{ الشيوعيون بيصوموا وبيصلوا؟
– نعم بيصلوا وبيصوموا وكانوا يصلون في الجامعة، وكثير منهم الآن رجعوا زي “أحمد سليمان” كان يقيم الليل.
{ الكثيرون يرون أن الشيوعيين عفيفان وأمناء للغاية؟
– لا أدري طبعاً لأنه في ناس إلى الآن مع البروليتاريا والكادحين مثل “سليمان حامد” و”محمد إبراهيم نقد” ومات وهو نظيف.. ولكن لم يمتحن.. هل امتحن بوزارة؟ هذا هو السؤال.. لكن البعض منهم امتحنوا بوزارات وكانوا نظيفين.
{ ننتقل إلى شأن الحركة الإسلامية ذاتها.. لماذا تم اختطافها؟
– أعتقد أن الحركة الإسلامية كانت موجودة حتى انقلاب 89 وحدث أنه أصبح هناك إسلاميون حكام وإسلاميون محكومون كغيرهم من الناس، وأصبحت المسافة كبيرة جداً بين الاثنين، والإسلاميون المحكومين أصبحوا يحسوا أنهم مهمشون وأن الحكام يستخدمون آليات الحكم، وأعتقد أن دكتور “الترابي” كانت لديه أخطاء من أهمها إيمانه بالنظام الرئاسي، وأعتقد أن النظام الرئاسي لا يصلح للسودان.
{ وما هو برأيك النظام الأصلح للسودان؟
– أعتقد أن النظام المختلط هو الأنسب، ونتيجة لإيمانه بالنظام الرئاسي تم حل مجلس قيادة الثورة، وبدلاً أن تكون هناك سلطتان واحدة لرئيس الدولة والأخرى لرئيس الحكومة تم دمج رئيس الدولة مع رئيس الحكومة، وأصبح “عمر البشير” هو رئيس الدولة والحكومة، وهم طبعاً كانوا يحكمون باسم الرئيس “البشير”، وده الخطأ الثاني.
{ وما هو الخطأ الثالث؟
– الخطأ الثالث هو أن الحركة الإسلامية تضم ثلاثة مكونات.. المكون الفكري والروحي.. ويقود العمل السياسي والثقافي والفكري وفيه مكون تاني من الناس الذين يسمونهم المكون الخاص أو التنظيم الخاص.. وهؤلاء هم الذين اخترقوا أجهزة الدولة سواء أكانت الأجهزة الأمنية أو العسكرية وديل كانوا مهمين جداً لأنه بدون جهاز عسكري وأمني لا تستطيع أن تناطح في السلطة، وكان هناك المكون الثالث وهو المكون الشعبي وديل ناس يؤيدون فقط، ولكن ليست لديهم قدرات على الكتابة أو الخطابة أو حتى مؤهلات عالية للعمل في القيادات السرية، و”الترابي” حينما جاء بعد الانقلاب همش المكون الفكري وركز على المكون التنظيمي، وهذا في النهاية عندما وقع الانقسام أصبح “الترابي” نفسه بعيداً كرأس رمح للمكون الفكري والروحي، وأصبحت الدولة في قبضة المكون التنظيمي الخاص السري وهو الذي حكم الدولة (16) سنة الماضية بعد ذهاب “الترابي” وذلك نتيجة لأخطائه بأن حول الدولة إلى تنظيم سري وإلى جماعة سرية وهي التي أدت إلى أخطاء كبيرة، واعتماد الحل الأمني والعسكري في القضايا السياسية، وأدى ذلك إلى انفصال جنوب السودان.
{ كيف استوصلت قيادة الحركة الإسلامية إلى “الترابي” رغم أن كثيرين كانوا يسبقونه؟
– “الترابي” كان متقدماً لأنه عندما وقعت ثورة أكتوبر كنت في ثالثة وسطى كان عميداً لكلية القانون لمدة ثلاثة شهور كان قبله “محمد إبراهيم خليل”، وجاء بعده “زكي مصطفى” وعميد لكلية القانون في كلية واحدة وكان عمره (3) سنوات، ويحمل شهادات جامعية من الخرطوم و”لندن” و”السوربون”، بالإضافة إلى مقدراته في الخطابة وتبحره في العلوم الشرعية لذلك كان متقدماً على الكثيرين، صحيح أن هناك من كان أقدم منه مثل “صادق عبد الله عبد الماجد”، لكن كل هؤلاء بايعوه أنه رجل المرحلة، وتم تكوين جبهة الميثاق الإسلامي، والتف حوله الناس إلى أن حدث انقلاب نميري في عام 1969م، ودخل “الترابي” السجن سبع سنوات في تلك الفترة، وقراءاته في السجن كشفت عن استقامته وقوته وزهده وتحمله للمصاعب.
{ هل كان هناك خلاف بينك وبين “الترابي”؟
– الخلافات دي مرحلة متأخرة.. نحن كنا تلامذة لـ”الترابي” وهذه الخلافات كانت بعد 1994م وزي ما قلت ليك أنا كنت ضد حكاية النظام الرئاسي، وكنت مؤمناً بالتداول السلمي للسلطة وكتبت ذلك في عدداً من المجلات والجرائد، وكان “الترابي” يحتاط من هذه الحكاية، ويقول لي ما تكتب في الجرائد وخليها مذكرات داخلية، ولكنني أصررت على هذه المسألة، ولذلك أصلا طيلة الـ(5) سنوات لم يعرض على أي منصب دستوري ولا حتى عضو مجلس نواب وهو شيء لا يذكر.
{ لماذا؟
– لأنهم كانوا يعتقدون أن لدي خطاً يختلف عن خط الحركة الإسلامية التي اشتقت، وهو وأن يكون الحكم للدولة والنظام الرئاسي والسلطة الواحدة والرؤية الواحدة.
{ نقد لاذع جداً للحركة الإسلامية رغم أنك أحد أبنائها؟
– نعم لأن هناك كثيراً من الأشياء أعتقد أنها لا تليق مثلاً التكاثر بالأوراق يعتبرونها مجرد لعبة، والبعض يعتقدون أنهم يؤجرون على تزوير الانتخابات، وأنا أرى أن هذه جريمة.
{ اختلفتوا في جواز تزوير الانتخابات؟
– نعم أنا أرى أنها جريمة.
{ هل تقصد انتخابات اتحاد الجامعة؟
– كل الانتخابات… انتخابات دستور “الترابي” الاولاني.. وكل الانتخابات يعتبرونها تكاثر في الأوراق فقط.. ومثلما تنتصر في المعركة على المتمردين ممكن تنتصر في المعركة بأن تكثف أوراق.
{ عندما جئتم إلى اتحاد جامعة الخرطوم.. هل زورتم الانتخابات؟
– لا أبداً انتخاباتنا كانت صريحة وواضحة، كان المندوب الشيوعي والبعثي يقضيان الليل مع صناديق الاقتراع وكانا يعرفان أن النتيجة نزيهة ما فيها “شق ولا طق”.
هذه رسائلي إلى الرئيس و”الصادق المهدي” والشيوعيين…!!
جمهور “محمود عبد العزيز” أكبر من أي حزب سياسي!!
الإسلاميين الشايفهم ديل كلهم ما عندهم الملكة النقدية والفكرية لمناقشة القضايا الملحة
“الترابي” قدم خدمات كثيرة والاختلاف السياسي معه شيء آخر
العلماء الذين يحرّمون الغناء والمسلسلات أصواتهم ضائعة ودعوهم يصيحون حتى تنشق حلوقهم
حوار- محمد إبراهيم الحاج
{ في حديثك السابق قلت إن بعض أعضاء الحركة الإسلامية كانوا يعتقدون أن تزوير الانتخابات عمل يؤجرون عليه وهذا هو الأمر الذي جعلك تكون بعيداً بالإضافة إلى مواقف أخرى كانت سبباً في ابتعادك.. ما هي هذه المواقف؟
_ أنا كنت أفتكر أن الجهاز الخاص مهم جداً لكن تسليم أمور الدولة والسياسة أدى إلى حروب السودان، لأن الجهاز الخاص ينبغي أن يكون معه وزنة سياسية، وهذه الوزنة يصنعها الناس بالنقاش والقيادة الجماعية والتفويض والمؤسسية، وأنا افتقدت ذلك.. والأمر الثاني أؤمن بالنظام المختلط، بأن يكون رئيس حكومة ورئيس دولة لكنهم كانوا يعتقدون أن العالم كله ضدهم وإسرائيل، وتحولوا إلى ما يشبه الجمعية السرية.
{ هل تعتقد أن تجربة الحكم أضرت بالحركة الإسلامية السودانية أم نفعتها؟
_ في بعض الجوانب نفعتها لأن الحركة الإسلامية من خلال الحكم كسرت خصومها وأصبحت لديها قاعدة كبيرة وانفتح عليها المجتمع السوداني وعندما تصل الحكم مهما كانت مساوئك فإن بصماتك ستظل باقية في التاريخ.. مثلاً المهدية كان فيها دماء كثيرة وظلم، ولكنها لا تزال متواصلة في حزب الأمة، والحركة الإسلامية، لذلك ستظل بصماتها موجودة في السودان لأن الحكم يمنح التمكين المالي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي وسيظل ذلك لأجيال، لهذا فإن الحركة الإسلامية لم تعد حركة صغيرة.
{ ما هي المراجعات التي تحتاجها؟
_ تحتاج إلى مراجعات كثيرة في باب التداول السلمي للسلطة والشفافية والمحاسبة، وبناء الدولة العصرية، تحتاج في كل ذلك إلى مراجعات كبيرة.
{ مدى صحة مقولة (ناس الحركة الإسلامية دخلوا الناس المساجد وهم مشوا السوق)؟
_ دخلوا الناس المساجد وهم أيضاً دخلوا معهم المساجد، كانت المساجد في السودان محدودة جداً، ففي الخرطوم قلب العاصمة كانت الكنائس أكثر من المساجد، لكن الحركة الإسلامية ضاعفت المساجد بنسبة (500%)، في كل الخرطوم لم تكن المساجد تصل إلى مائة مسجد، الآن المساجد في الخرطوم الكبرى حوالي (8) آلاف مسجد، يعني زيادة أكثر من (80) ضعفاً.
{ لكن بالمقابل تراجع المجتمع سلوكياً بدرجة ملفتة؟
_ اتفق معك.. وهذا نتيجة للفقر.. وأنا رددت عن سؤالك المتعلق بالمساجد وقلت لك تضاعفت إلى (80) ضعفاً.
{ نعم.. لكني أعني هل أثر انتشار المساجد في تنقية سلوك الناس؟
_ نعم أثرت على سلوك الناس، والآن كثير من دهاقنة الشيوعية أصبحوا مؤذنين في المساجد، لكن أكثر ما فشل فيه الإسلاميون المسألة الاقتصادية.. مسألة البطالة بالنسبة للشباب وتدهور الجنيه السوداني، وأصبحت القوة الشرائية له معدومة، وأنا عندما خرجت من الجامعة كان مرتبي يعادل أوقية دهب.
{ كم كان؟
_ زي خمسين أو ستين جنيه وأوقية الدهب كان سعرها (25) جنيهاً والآن مرتب الخريج الجامعي (800) جنيه، وهذا تدهور مريع خلف ظاهرة الفقر التي عمت (العطالى)، والأهم من ذلك أفتكر أن المساحة الفكرية في العقل، وأعتقد أن هناك قضايا كثيرة تطرح نفسها، قضايا تتصل بالمرأة وحريتها في المجتمع، وأخرى تتصل بالمساواة الاقتصادية، وقضايا تتصل بالحريات والتداول السلمي للسلطة.. (والإسلاميين الشايفهم ديل كلهم خصوصاً الشباب” ما عندهم الملكة النقدية والفكرية لمناقشة هذه القضايا ويستنبطوا استنباطات ترضي صدمة المستقبل)، نحن سنواجه صدمة المستقبل لأننا شعوب متخلفة.. هذه هي القضايا الكبيرة في المجتمع مثل قضايا الجنس والجندر والإجهاض وقضايا الحقوق والعمل النقابي والاتحادات والشفافية، ثم إجادة اللغات الخارجية وكيف تعبر عن حضارة الإسلام في مجتمعات الحداثة والمعاصرة، والفن والغناء والموسيقى.. هل نكتفي بحرام.. حرام.. هذه كلها أشياء تتحدث عن كيفية تقديم الثقافة الإسلامية للآخر وتقدمها كرافعة للوصول إلى المستقبل أو قيادة المستقبل، والآن الثقافة الإسلامية السائرة التي تدعو إلى “الخفاض” وإلى دونية المرأة ودولة الاستبداد ومصادرة الحريات، هذا سيقود إلى مجتمع متخلف.. لهذا نحن متخلفون سياسياً واجتماعياً.
{ ما هو سبيل الخروج؟
_ الإسلاميون الذين ليس لديهم القدرة على هذه القراءات ورد على الأسئلة الصعبة التي تشكل صدمة المستقبل لن يستطيعوا أن ينافسوا في هذا السوق الفكري والرؤى والسياسي.
{ أصبحت ذهنية التحريم هي الفكرة الغالبة وأصبح صوت المتشددين عالياً جداً؟
_ مش المتشددين، ما يقود العقل الإسلامي هو ثقافة القرن الرابع الهجري، وهي تكرار وتلقين وإعادة ضخ لما كتب قبل نحو ألف ومائتي عام، بينما الناس يحتاحون الآن إلى مخاطبة قضايا المستقبل، مثلاً في بعض الدول بقيادة السيارة وهذه ليست ثقافة إسلامية، هذه ثقافة من التقاليد العربية الجاهلية، وما هي وضعية المرأة وقضية الحريات وإلى أي مدى نؤمن بالحرية، وكيف يتم استنباط قوانين من الحرية والعدالة والمساواة من الثقافة الإسلامية، وكيف نعبر عن هذه القوانين بالثقافة الحية مثل اللغة الألمانية والفرنسية والإنجليزية، وقضايا الاقتصاد والبنوك، وقضايا الفوائد، وكيف ستنشأ البنوك، والبنوك الإسلامية الموجودة الآن محدودة جداً تؤمن بالصكوك وبالمضاربة والمشاركة لكنها لا تستطيع أن تنافس في الأفق العالمي.. كل هذه القضايا نحتاج فيها إلى حل ورؤية، بالإضافة إلى قضية الأرض والمياه.
{ صوبت هذا الحديث لنفسك لأن كل ما ذكرته معني بالمفكرين الإسلاميين وكأنك تنتقد نفسك؟
_ مؤكد.. لكن هل سمح لنا.. نحن كنا نكتب في بعض المجلات وتصادر.
{ الآن المنبر متاح لك ادفع برأيك في تلك القضايا مثل رأيك في اتفاقية (سيداو) وهل تعتقد أنها تحفظ حقوق المرأة؟
_ السودان موقع عليها.. والآن السودان موقع على ميثاق حقوق الإنسان.. وهو بيكون موقع وما بيكون عارف ماذا يعني التوقيع.. بيفتكروا التوقيع ده كلام وكده.. النائب العام لا يعرف ماذا يعني التوقيع.. انظر ماذا يحدث لبعض الصحف.. القضاء يصادرها، لكن ليس هناك تأصيل لهذه القضايا.
{ لكن “الترابي”– رحمه الله- أطلق عدداً من الآراء التي يعدّها البعض تجديدية والآخرون يرونها غير ذلك.. ما هو رأيك؟
_ أنا أؤمن بأن “الترابي”- رحمه الله- له كل الحق في أن يقول آراءه والفيصل هو رأي الآخر، يعني الرأي والرأي الآخر والمستقبل هو الذي سيحدد.. وأعتقد أن “الترابي” قدم خدمات كثيرة جداً للفقه الإسلامي وللثقافة الإسلامية- رحمه الله- والاختلاف السياسي معه شيء آخر، ولكن أعتقد أن الثقافة الوعظية الموجودة في السودان لن تقدم ولن تؤخر، نحتاج إلى مخاطبة القضايا الأساسية والقضايا الكبرى التي تكتب مسارات التاريخ.
{ اجاز البرلمان قبل فترة قرضاً وصفه الناس بالربوي.. هل تعتقد أن التعاطي مع مطلوبات العصر مثل (سعر الفائدة) الذي يعرف إسلامياً بالـ(ربا) لمصلحة الناس والعباد؟
_ أنا قلت إن الصوت الغالب هو للمجموعات الخاصة، لكن إذا كان الصوت الغالب للعلماء والمفكرين فهم المعنيون بمخاطبة هذه القضايا.
{ علاقة بروفيسور “حسن مكي” بالمرأة؟
_ أنا أب لابن وبنت، وابنتي الآن مغتربة ولم أقل لها لا تغتربي وسمحت لها بالاغتراب، وزوجتي امرأة جامعية مثلي ولا أتدخل أبداً في خياراتهم سواء الخيارات الاجتماعية أو السياسية.
{ علاقة النسب بينك ود. “غازي صلاح الدين”.. هل ساهم ذلك في تقارب وجداني وفكري بينكما؟
_ د. “غازي” من أسرة متنورة.. ونحن من أسرة تقليدية سودانية وأسرة “العتباني” كانوا جزءاً من بيروقراطية الدولة منذ القرن التاسع عشر، ونحن جزء من مجتمع زراعي في الشمالية ووالدي جاء من الشمالية ماشياً على أقدامه يبحث عن لقمة العيش، لكن الجامعة والحركة الإسلامية صهرت أفكاراً متقاربة في كثير من الأشياء والمجالات.
{ علاقتك بالغناء؟
_ بسمع الغناء.. لكني لست متبحراً في ذلك.
{ إلى من تستمع؟
_ أحياناً أسمع “الكاشف” في السيارة و”أحمد المصطفى” و”وردي” و”عثمان حسين”.
{ سبق أن قرأت لك رأياً إيجابياً في جمهور الفنان الراحل “محمود عبد العزيز”؟
_ (أطلق ضحكة عالية).. أحد أبنائي معجب بالراحل “محمود عبد العزيز”.
{ قلت إنو (الحواتة) وهم جمهور “محمود عبد العزيز” تقريباً أكبر من أي حزب سياسي؟
_ أيوة، صحيح، قلت ذلك.. حتى في منزلنا الآن الذين يهتمون بالفن أكثر من الذين يهتمون بالسياسة، حتى من أبنائي.
{ ما هو رأيك في كثير من الظواهر التي تصاحب المظاهر الاجتماعية مثل ما يحدث في حفلات بعض الفنانين من تفلت من الجمهور.. هل تعتقد أن الشباب السوداني يعاني من عدم وجود قدوة حقيقية؟
_ حتى لو كانت فيه قدوة حقيقية هذه ظواهر يجب أن تكون في المجتمعات، وإذا قرأت كتاب (الأغاني) لـ”أبي الفرج الأصفهاني” في قمة ازدهار الدولة كانت هذه الظواهر موجودة مثل الفنان “زرياب” والغناء والاختلاط، وهذا كله موجود في الحضارة الإسلامية.
{ لكن ألا ترى أن هذا الأمر غريب في دولة ترفع التقاليد الإسلامية بعد (26) سنة؟
_ لا ليس غريباً.. لا يمكن أن تشكل الناس.. الناس يختلفون.. فيه ناس بيحبوا الفن وناس بيحبوا الرقيص لكن المهم هو أن لا تفرض هذا السلوك على الآخرين.
{ هل تعتقد أن دعوات بعض العلماء لحرمة الغناء ومشاهدة المسلسلات يمكن أن يكون تأثيرها سالباً؟
_ هذه أصوات ضائعة، لأنه حتى النبي “صلى الله عليه وسلم” حينما جاء إلى المدينة استقبل بالغناء.. (طلع البدر علينا من ثنيات الوداع).. لكن الناس مذاهب، والمهم الحرية، والذين يريدون أن يتزمتوا وينغلقوا على أنفسهم دعهم ينغلقون على أنفسهم.. والجماعة البيحرموا الغنا ديل خليهم يصيحوا حتى تنشق حلوقهم والمسيرة ماشة، وهم أنفسهم بيسمعوا من تحت البطانية.
{ كثير من الأوضاع الحالية تنبئ عن أننا نسير إلى الخلف.. هل ترى ثمة مخرج؟
_ الحرية أولاً لنا ولسوانا، وأهم حاجة في الحرية تجعل كل الناس متساوين.. والعدالة وهي القيمة الثانية في الإسلام بعد التوحيد معها الحرية، ثم تأتي قيم مهمة جداً ذات طبيعة شخصية مثل الصدق والأمانة، لكن الحرية والعدالة زي الهواء والأوكسجين يجب أن تكون متاحة وغير مصادرة.
{ هل ترى أن الحوار يمكن أن يحل جزءاً من قضايا البلاد؟
_ مؤكد.. أنا أؤمن أن الحوار الوطني سيحل جزءاً من المشاكل.
{ في حال تم تطبيق مخرجاته؟
_ حتى إذا لم تطبق سيكون قد خلق وعياً بضرورة الحوار، وأنه واحدة من اللوازم والشعب يتابع هل سيتم تنزيلها.. طالما الناس يجمعون حولها فسيتم تنزيلها.
{ بصراحة.. ما هو أكثر (ما يغيظك) في السياسة؟
_ مصادرة حرية الآخر.
{ ما هو أكثر (ما يغيظك) في الحركة الفكرية؟
_ مصادرة حرية الآخر.
{ ما هو أكثر (ما يغيظك) في المجتمع السوداني؟
_ مصادرة حرية الآخر.
{ هل تعتقد أن هناك قضايا حقيقية في المجتمع السوداني تحتاج إلى تغيير؟
_ أنا غير مهتم بالانحرافات الشخصية، وأفتكر المشكلة الحقيقية الآن هي الفقر، لأن البطون الجائعة لا تعرف المعاني العالية، بالفقر لا يستطيع الشاب أن يتابع تقنياته العالية، ولا يستطيع أن يتزوج، ولا يستطيع أن يجد السكن اللائق، وبالفقر يهرب الإنسان إلى الكحول والمخدرات والعادات السرية الضارة.. أنا مع الحريات وبها نستطيع محاربة الفقر.
{ أخيراً.. هل ثمة رسائل إلى هؤلاء؟
} الرئيس “عمر البشير”؟
_ احترام الحرية.
} “الصادق المهدي”؟
_ الديمقراطية داخل الحزب والسماح للأجيال الجديدة.
} “الترابي” (قبل وفاته)؟
_ من بعدك.. لابد أن يكون خلال أيام أو ساعات.
} الشيوعيون؟
_ الثقافة السودانية أساسها الثقافة الإسلامية واللغة العربية.
} رسالة بتوقيعك.. لمن توجهها؟
_ لابد أن نكون قادرين على التفاهم في أجواء صدمة المستقبل، والآن العلم وصل إلى درجة أنه يستطيع أن يجعل الرجل أنثى والأنثى رجلاً.. وأن يجعل للرجل رحماً ويحمل، ولابد أن نتجهز لها بقدرات عقلية وروحية ونخاطب هذه القضايا.
جمهور “محمود عبد العزيز” أكبر من أي حزب سياسي!!
الإسلاميين الشايفهم ديل كلهم ما عندهم الملكة النقدية والفكرية لمناقشة القضايا الملحة
“الترابي” قدم خدمات كثيرة والاختلاف السياسي معه شيء آخر
العلماء الذين يحرّمون الغناء والمسلسلات أصواتهم ضائعة ودعوهم يصيحون حتى تنشق حلوقهم
حوار- محمد إبراهيم الحاج
{ في حديثك السابق قلت إن بعض أعضاء الحركة الإسلامية كانوا يعتقدون أن تزوير الانتخابات عمل يؤجرون عليه وهذا هو الأمر الذي جعلك تكون بعيداً بالإضافة إلى مواقف أخرى كانت سبباً في ابتعادك.. ما هي هذه المواقف؟
_ أنا كنت أفتكر أن الجهاز الخاص مهم جداً لكن تسليم أمور الدولة والسياسة أدى إلى حروب السودان، لأن الجهاز الخاص ينبغي أن يكون معه وزنة سياسية، وهذه الوزنة يصنعها الناس بالنقاش والقيادة الجماعية والتفويض والمؤسسية، وأنا افتقدت ذلك.. والأمر الثاني أؤمن بالنظام المختلط، بأن يكون رئيس حكومة ورئيس دولة لكنهم كانوا يعتقدون أن العالم كله ضدهم وإسرائيل، وتحولوا إلى ما يشبه الجمعية السرية.
{ هل تعتقد أن تجربة الحكم أضرت بالحركة الإسلامية السودانية أم نفعتها؟
_ في بعض الجوانب نفعتها لأن الحركة الإسلامية من خلال الحكم كسرت خصومها وأصبحت لديها قاعدة كبيرة وانفتح عليها المجتمع السوداني وعندما تصل الحكم مهما كانت مساوئك فإن بصماتك ستظل باقية في التاريخ.. مثلاً المهدية كان فيها دماء كثيرة وظلم، ولكنها لا تزال متواصلة في حزب الأمة، والحركة الإسلامية، لذلك ستظل بصماتها موجودة في السودان لأن الحكم يمنح التمكين المالي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي وسيظل ذلك لأجيال، لهذا فإن الحركة الإسلامية لم تعد حركة صغيرة.
{ ما هي المراجعات التي تحتاجها؟
_ تحتاج إلى مراجعات كثيرة في باب التداول السلمي للسلطة والشفافية والمحاسبة، وبناء الدولة العصرية، تحتاج في كل ذلك إلى مراجعات كبيرة.
{ مدى صحة مقولة (ناس الحركة الإسلامية دخلوا الناس المساجد وهم مشوا السوق)؟
_ دخلوا الناس المساجد وهم أيضاً دخلوا معهم المساجد، كانت المساجد في السودان محدودة جداً، ففي الخرطوم قلب العاصمة كانت الكنائس أكثر من المساجد، لكن الحركة الإسلامية ضاعفت المساجد بنسبة (500%)، في كل الخرطوم لم تكن المساجد تصل إلى مائة مسجد، الآن المساجد في الخرطوم الكبرى حوالي (8) آلاف مسجد، يعني زيادة أكثر من (80) ضعفاً.
{ لكن بالمقابل تراجع المجتمع سلوكياً بدرجة ملفتة؟
_ اتفق معك.. وهذا نتيجة للفقر.. وأنا رددت عن سؤالك المتعلق بالمساجد وقلت لك تضاعفت إلى (80) ضعفاً.
{ نعم.. لكني أعني هل أثر انتشار المساجد في تنقية سلوك الناس؟
_ نعم أثرت على سلوك الناس، والآن كثير من دهاقنة الشيوعية أصبحوا مؤذنين في المساجد، لكن أكثر ما فشل فيه الإسلاميون المسألة الاقتصادية.. مسألة البطالة بالنسبة للشباب وتدهور الجنيه السوداني، وأصبحت القوة الشرائية له معدومة، وأنا عندما خرجت من الجامعة كان مرتبي يعادل أوقية دهب.
{ كم كان؟
_ زي خمسين أو ستين جنيه وأوقية الدهب كان سعرها (25) جنيهاً والآن مرتب الخريج الجامعي (800) جنيه، وهذا تدهور مريع خلف ظاهرة الفقر التي عمت (العطالى)، والأهم من ذلك أفتكر أن المساحة الفكرية في العقل، وأعتقد أن هناك قضايا كثيرة تطرح نفسها، قضايا تتصل بالمرأة وحريتها في المجتمع، وأخرى تتصل بالمساواة الاقتصادية، وقضايا تتصل بالحريات والتداول السلمي للسلطة.. (والإسلاميين الشايفهم ديل كلهم خصوصاً الشباب” ما عندهم الملكة النقدية والفكرية لمناقشة هذه القضايا ويستنبطوا استنباطات ترضي صدمة المستقبل)، نحن سنواجه صدمة المستقبل لأننا شعوب متخلفة.. هذه هي القضايا الكبيرة في المجتمع مثل قضايا الجنس والجندر والإجهاض وقضايا الحقوق والعمل النقابي والاتحادات والشفافية، ثم إجادة اللغات الخارجية وكيف تعبر عن حضارة الإسلام في مجتمعات الحداثة والمعاصرة، والفن والغناء والموسيقى.. هل نكتفي بحرام.. حرام.. هذه كلها أشياء تتحدث عن كيفية تقديم الثقافة الإسلامية للآخر وتقدمها كرافعة للوصول إلى المستقبل أو قيادة المستقبل، والآن الثقافة الإسلامية السائرة التي تدعو إلى “الخفاض” وإلى دونية المرأة ودولة الاستبداد ومصادرة الحريات، هذا سيقود إلى مجتمع متخلف.. لهذا نحن متخلفون سياسياً واجتماعياً.
{ ما هو سبيل الخروج؟
_ الإسلاميون الذين ليس لديهم القدرة على هذه القراءات ورد على الأسئلة الصعبة التي تشكل صدمة المستقبل لن يستطيعوا أن ينافسوا في هذا السوق الفكري والرؤى والسياسي.
{ أصبحت ذهنية التحريم هي الفكرة الغالبة وأصبح صوت المتشددين عالياً جداً؟
_ مش المتشددين، ما يقود العقل الإسلامي هو ثقافة القرن الرابع الهجري، وهي تكرار وتلقين وإعادة ضخ لما كتب قبل نحو ألف ومائتي عام، بينما الناس يحتاحون الآن إلى مخاطبة قضايا المستقبل، مثلاً في بعض الدول بقيادة السيارة وهذه ليست ثقافة إسلامية، هذه ثقافة من التقاليد العربية الجاهلية، وما هي وضعية المرأة وقضية الحريات وإلى أي مدى نؤمن بالحرية، وكيف يتم استنباط قوانين من الحرية والعدالة والمساواة من الثقافة الإسلامية، وكيف نعبر عن هذه القوانين بالثقافة الحية مثل اللغة الألمانية والفرنسية والإنجليزية، وقضايا الاقتصاد والبنوك، وقضايا الفوائد، وكيف ستنشأ البنوك، والبنوك الإسلامية الموجودة الآن محدودة جداً تؤمن بالصكوك وبالمضاربة والمشاركة لكنها لا تستطيع أن تنافس في الأفق العالمي.. كل هذه القضايا نحتاج فيها إلى حل ورؤية، بالإضافة إلى قضية الأرض والمياه.
{ صوبت هذا الحديث لنفسك لأن كل ما ذكرته معني بالمفكرين الإسلاميين وكأنك تنتقد نفسك؟
_ مؤكد.. لكن هل سمح لنا.. نحن كنا نكتب في بعض المجلات وتصادر.
{ الآن المنبر متاح لك ادفع برأيك في تلك القضايا مثل رأيك في اتفاقية (سيداو) وهل تعتقد أنها تحفظ حقوق المرأة؟
_ السودان موقع عليها.. والآن السودان موقع على ميثاق حقوق الإنسان.. وهو بيكون موقع وما بيكون عارف ماذا يعني التوقيع.. بيفتكروا التوقيع ده كلام وكده.. النائب العام لا يعرف ماذا يعني التوقيع.. انظر ماذا يحدث لبعض الصحف.. القضاء يصادرها، لكن ليس هناك تأصيل لهذه القضايا.
{ لكن “الترابي”– رحمه الله- أطلق عدداً من الآراء التي يعدّها البعض تجديدية والآخرون يرونها غير ذلك.. ما هو رأيك؟
_ أنا أؤمن بأن “الترابي”- رحمه الله- له كل الحق في أن يقول آراءه والفيصل هو رأي الآخر، يعني الرأي والرأي الآخر والمستقبل هو الذي سيحدد.. وأعتقد أن “الترابي” قدم خدمات كثيرة جداً للفقه الإسلامي وللثقافة الإسلامية- رحمه الله- والاختلاف السياسي معه شيء آخر، ولكن أعتقد أن الثقافة الوعظية الموجودة في السودان لن تقدم ولن تؤخر، نحتاج إلى مخاطبة القضايا الأساسية والقضايا الكبرى التي تكتب مسارات التاريخ.
{ اجاز البرلمان قبل فترة قرضاً وصفه الناس بالربوي.. هل تعتقد أن التعاطي مع مطلوبات العصر مثل (سعر الفائدة) الذي يعرف إسلامياً بالـ(ربا) لمصلحة الناس والعباد؟
_ أنا قلت إن الصوت الغالب هو للمجموعات الخاصة، لكن إذا كان الصوت الغالب للعلماء والمفكرين فهم المعنيون بمخاطبة هذه القضايا.
{ علاقة بروفيسور “حسن مكي” بالمرأة؟
_ أنا أب لابن وبنت، وابنتي الآن مغتربة ولم أقل لها لا تغتربي وسمحت لها بالاغتراب، وزوجتي امرأة جامعية مثلي ولا أتدخل أبداً في خياراتهم سواء الخيارات الاجتماعية أو السياسية.
{ علاقة النسب بينك ود. “غازي صلاح الدين”.. هل ساهم ذلك في تقارب وجداني وفكري بينكما؟
_ د. “غازي” من أسرة متنورة.. ونحن من أسرة تقليدية سودانية وأسرة “العتباني” كانوا جزءاً من بيروقراطية الدولة منذ القرن التاسع عشر، ونحن جزء من مجتمع زراعي في الشمالية ووالدي جاء من الشمالية ماشياً على أقدامه يبحث عن لقمة العيش، لكن الجامعة والحركة الإسلامية صهرت أفكاراً متقاربة في كثير من الأشياء والمجالات.
{ علاقتك بالغناء؟
_ بسمع الغناء.. لكني لست متبحراً في ذلك.
{ إلى من تستمع؟
_ أحياناً أسمع “الكاشف” في السيارة و”أحمد المصطفى” و”وردي” و”عثمان حسين”.
{ سبق أن قرأت لك رأياً إيجابياً في جمهور الفنان الراحل “محمود عبد العزيز”؟
_ (أطلق ضحكة عالية).. أحد أبنائي معجب بالراحل “محمود عبد العزيز”.
{ قلت إنو (الحواتة) وهم جمهور “محمود عبد العزيز” تقريباً أكبر من أي حزب سياسي؟
_ أيوة، صحيح، قلت ذلك.. حتى في منزلنا الآن الذين يهتمون بالفن أكثر من الذين يهتمون بالسياسة، حتى من أبنائي.
{ ما هو رأيك في كثير من الظواهر التي تصاحب المظاهر الاجتماعية مثل ما يحدث في حفلات بعض الفنانين من تفلت من الجمهور.. هل تعتقد أن الشباب السوداني يعاني من عدم وجود قدوة حقيقية؟
_ حتى لو كانت فيه قدوة حقيقية هذه ظواهر يجب أن تكون في المجتمعات، وإذا قرأت كتاب (الأغاني) لـ”أبي الفرج الأصفهاني” في قمة ازدهار الدولة كانت هذه الظواهر موجودة مثل الفنان “زرياب” والغناء والاختلاط، وهذا كله موجود في الحضارة الإسلامية.
{ لكن ألا ترى أن هذا الأمر غريب في دولة ترفع التقاليد الإسلامية بعد (26) سنة؟
_ لا ليس غريباً.. لا يمكن أن تشكل الناس.. الناس يختلفون.. فيه ناس بيحبوا الفن وناس بيحبوا الرقيص لكن المهم هو أن لا تفرض هذا السلوك على الآخرين.
{ هل تعتقد أن دعوات بعض العلماء لحرمة الغناء ومشاهدة المسلسلات يمكن أن يكون تأثيرها سالباً؟
_ هذه أصوات ضائعة، لأنه حتى النبي “صلى الله عليه وسلم” حينما جاء إلى المدينة استقبل بالغناء.. (طلع البدر علينا من ثنيات الوداع).. لكن الناس مذاهب، والمهم الحرية، والذين يريدون أن يتزمتوا وينغلقوا على أنفسهم دعهم ينغلقون على أنفسهم.. والجماعة البيحرموا الغنا ديل خليهم يصيحوا حتى تنشق حلوقهم والمسيرة ماشة، وهم أنفسهم بيسمعوا من تحت البطانية.
{ كثير من الأوضاع الحالية تنبئ عن أننا نسير إلى الخلف.. هل ترى ثمة مخرج؟
_ الحرية أولاً لنا ولسوانا، وأهم حاجة في الحرية تجعل كل الناس متساوين.. والعدالة وهي القيمة الثانية في الإسلام بعد التوحيد معها الحرية، ثم تأتي قيم مهمة جداً ذات طبيعة شخصية مثل الصدق والأمانة، لكن الحرية والعدالة زي الهواء والأوكسجين يجب أن تكون متاحة وغير مصادرة.
{ هل ترى أن الحوار يمكن أن يحل جزءاً من قضايا البلاد؟
_ مؤكد.. أنا أؤمن أن الحوار الوطني سيحل جزءاً من المشاكل.
{ في حال تم تطبيق مخرجاته؟
_ حتى إذا لم تطبق سيكون قد خلق وعياً بضرورة الحوار، وأنه واحدة من اللوازم والشعب يتابع هل سيتم تنزيلها.. طالما الناس يجمعون حولها فسيتم تنزيلها.
{ بصراحة.. ما هو أكثر (ما يغيظك) في السياسة؟
_ مصادرة حرية الآخر.
{ ما هو أكثر (ما يغيظك) في الحركة الفكرية؟
_ مصادرة حرية الآخر.
{ ما هو أكثر (ما يغيظك) في المجتمع السوداني؟
_ مصادرة حرية الآخر.
{ هل تعتقد أن هناك قضايا حقيقية في المجتمع السوداني تحتاج إلى تغيير؟
_ أنا غير مهتم بالانحرافات الشخصية، وأفتكر المشكلة الحقيقية الآن هي الفقر، لأن البطون الجائعة لا تعرف المعاني العالية، بالفقر لا يستطيع الشاب أن يتابع تقنياته العالية، ولا يستطيع أن يتزوج، ولا يستطيع أن يجد السكن اللائق، وبالفقر يهرب الإنسان إلى الكحول والمخدرات والعادات السرية الضارة.. أنا مع الحريات وبها نستطيع محاربة الفقر.
{ أخيراً.. هل ثمة رسائل إلى هؤلاء؟
} الرئيس “عمر البشير”؟
_ احترام الحرية.
} “الصادق المهدي”؟
_ الديمقراطية داخل الحزب والسماح للأجيال الجديدة.
} “الترابي” (قبل وفاته)؟
_ من بعدك.. لابد أن يكون خلال أيام أو ساعات.
} الشيوعيون؟
_ الثقافة السودانية أساسها الثقافة الإسلامية واللغة العربية.
} رسالة بتوقيعك.. لمن توجهها؟
_ لابد أن نكون قادرين على التفاهم في أجواء صدمة المستقبل، والآن العلم وصل إلى درجة أنه يستطيع أن يجعل الرجل أنثى والأنثى رجلاً.. وأن يجعل للرجل رحماً ويحمل، ولابد أن نتجهز لها بقدرات عقلية وروحية ونخاطب هذه القضايا.
المجهر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق