قمة جوهانسبيرج |
د. محمد مراد
بناء على قرار صادرمن المحكمة القضائيه العليا في بريتوريا تم احتجاز البشير في مطار جوهانسبيرج ومنعه من السفر خارجها, المحكمة طلبت من السلطات ان تقوم بالاجراءات اللازمة لتنفيذ القرار, بدلا من ذلك خرج الرئيس جاكوب زوما معلنا ان البشير قدم الى بلاده ضيفا للمشاركة في قمة الاتحاد الافريقي والمحكمة العليا في بريتوريا تمثل السلطة القضائيه العليا في البلاد وارتكزت فيما توصلت اليه على القرار الصادر من المحكمة الجنائيه الدوليه في العام 2009 يقضي بتوقيف الرئيس عمر البشير والعمل على تسليمه للمحكمة لكي ينظر في التهم الموجهه اليه والمتصله بالجرائم التي ارتكبها في دارفور وهي ارتكاب جرائم ضد الانسانيه والابادة الجماعيه, بناء عليه ونسبة لتوقيع جنوب افريقيا في اتفاقية روما وموقعه في نظامها واصبحت ملزمة بتنفيذها والعمل على توقيف البشير وتسليمه المحكمة الجنائيه.
الجانب الاخر المهم هو ان المحكمة الجنائيه ببريتوريا, كونت بقرار من مجلس الامن وهو الذي حول التهم الموجهه الى الرئيس البشير الى المحكمة الجنائيه ومما تقدم ذكره ان الحكومة في جنوب افريقيا نفذت القرار الذي اتخذته الدول الافريقيه في آخر مؤتمر للاتحاد المنعقد في اديس ابابا الذي قرر بمقاطعة المحكمة الجنائيه الدوليه وعدم الاعتراف بها لانها اصبحت تستهدف الرؤساء الافارقه وتعاديهم.
معلوم ان الرئيس الكيني كنياتا قد انصاع لدعوة المحكمة له ومثل امامها ودافع عن التهم الموجهه اليه واخلي سبيله ورجع لبلاده حرا لاجنح عليه, تلك المبادرة لم ترضي الرؤساء لانهم تعودوا على ارتكاب افظع الجرائم في حق شعوبهم دونما حسيب او رقيب ودون ان تجد من يردعهم ويحاسبهم.
الرئيس موغابي الرئيس الحالي لدورة الاتحاد الافريقي عنف وهو وكنياتا اثناء القمه الاخيرة للاتحاد قائلا له ان والدك جومو كنياتا كان مناضلا قويا ضد الاستعمار وانت تذهب الى محكمتهم وتقف امامها للدفاع عن نفسك, ماتجدر الاشارة اليه ان تامبو أمبيكي الرئيس لجنوب افريقيا كان والده احد المناضلين الافذاذ في المؤتمر الافريقي ولكن للاسف الشديد فان ثامو امبيكي قد وضع نفسه وسمعته وامكانياته لمصلحة الرؤساء الذين ظلموا وافقروا شعوبهم وشعوب القارة الافريقية والتي وصفها الشيوعي البريطاني جاك قوديس في كتابه الصادر عام 1960 استقلال معظم بلدان افريقيا بصحوة الاسد والامل كان كبيرا ان تنهض افريقيا من كبوتها وتتوحد وتتطور وتساهم شعوبها مع بقية شعوب العالم في السلام والامن والتطور السياسي والاقتصادي لكن قوة الاستبداد والفساد لدى حكامها قلب النوايا الحسنه والتطلعات الى بناء مستقبل زاهر, انني اتعجب واستغرب للموقف الذي اتخذه جاكوب زوما وحكومته بالقرار الذي اتخذاه المحكمة العليا في بريتوريا بخصوص الرئيس البشير , فزوما والبعض من افراد حكومته تحوم حولهم شبهات الفساد والاتهامات الماليه واستغلال المناصب لخدمة اغراضهم الشخصيه, اقدموا على مصادرة الحريات واصدار الاوامر لتفريق مظاهرات الاحتجاج واطلاق الرصاص على عمال المناجم الذين وصل عدد القتلى منهم الى 34 قتيلا في احدى المظاهرات, وهم يعلمون ان البشير قادم واعطوه الضمانات للمشاركة والعودة الى الخرطوم.
وسائل الاعلام والاتصالات العالميه ووكالات الانباء تابعت بدقه وشفافيه مشهد دخول البشير وحتى وصوله الى مطار الخرطوم , في هذا السياق لابد من ارسال تحيه وتقدير لاسهام الاعلاميين السودانيين خاصة في مجال قنوات التواصل الالكتروني الذين مدوا المتابعين للاخبار والمعلومات دونما انقطاع حتى ساعات الليل المتأخرة, بناء عليه اصبحت الحقيقه واضحه وانقطع حبل الكذب والنفاق في يد السيد وزير الخارجيه غندور والذي عقد مؤتمرا صحافيا في المطار مباشرة بعد وصول طائرة الرئيس, حيث لخص غندور كل المشهد الدرامي الذي تعرض له البشير بأنه عباره عن فقاقيع اعلاميه والذين روجوا لها قبل حضور البشير بعشرة ايام, ذكر ان البشير تم الترحيب به من قبل الرؤساء المشاركين في القمة, وقد انجز المهمة التي اتى من اجلها بجدارة ووصفه بنجم افريقيا وان الخرطوم ظلت صامته طيلة الفترة الزمنيه الحرجه التي قضاها وفد السودان في جوهانسبيرج وسعى اعلام السلطة مباشر البث بصورة عاديه كأن شيئا لم يحدث.
ساكنو القصر الجمهوري لم يسمع لهم حديث وقادت المؤتمر الوطني وجماهيرهم المزعومة غابت عن المشهد ولم تكن في استقبال الرئيس والوفد المرافق له سوى اعداد قليله للغاية مقارنه بالجماهير التي يتم حشدها في مثل تلك المناسبات. المسئول الوحيد الذي لفت ظهوره في التلفاز هو وزير الدفاع السابق عبدالرحيم محمد حسين والي الخرطوم حاليا, ظهر وهو يباشر عمله الجديد ليتفقد العمل في حفر الخيران استعدادا للخريف ثم محطات الصرف الصحي ومستودعات القمامه والاوساخ هكذا يجازي البشير الايادي المجرمة التي نفذت سياساته التي أدت لاشعال الحرب والابادة وقمعهم في ديارهم بل واغتصابهم رجالا ونساء.
وفي ختام المؤتمر اكد غندور ان الرئيس سيواصل في تحركاته الخارجيه سعيا لتنفيذ المهام الموكله اليه , وان الدول التي تعادي السودان ستواجه موقفا حازما من قبل الحكومة.
مما لاشك فيه ان الضربه التي وجهت للبشير نتيجة مشاركته في القمة الاخيرة سيكون لها تداعيات على الحزب الحاكم والحكومة وعلى شخص الرئيس الذي هلل وكبر ورقص طربا بمناسبة فوزة, ومما لاريب فيه ان رد المحكمة الجنائيه الدوليه على تعنت البشير واصراره في السير في طريق الرفض وعدم الاستجابة لقرارها والاذعان لها سيكون هذه المرة قاسيا, ثانيا التداعيات المؤلمه ستكون احكام طوق العوله على النظام ورصده في اطاره الخارج على الشرعيه الدوليه ومنظومة الامن التي تمثلها الامم المتحدة وسيترتب على ذلك عقوبات دبلوماسيه واقتصاديه لايستطيع الوضع الهش تحملها في السودان الان. ولايغيب على البال ان النظام صب جام غضبه على المعارضه الشعبيه وقياداتها التي تناضل في سبيل اسقاطه ويرفع من وتيرة سياسة الارض المحروقه ويمضي في الاعتقالات والبطش والتنكيل والقتل ومحاربة الناس في عيشهم ورزقهم, بناء عليه لابد من ان تراجع قوى المعارضة وضعها وتقف وقفه جادة وحازمة في اتجاه مايعد لها من مخططات شريرة وتجديد خطابها وتحدد اولوياتها في حدود امكانياتها استعدادا لجولة قادمة والتي نأمل ان تكون الاخيرة مع النظام الغاشم والمتفلت المرتبك.
محمد مرادبراغ 17 يونيو2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق