إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ) صدق الله العظيم.
نسمع هذه الأيام، تصريحات كثيرة، هنا وهناك، من أفراد عرفوا بالانتماء لتنظيم الاخوان المسلمين، الحاكم في السودان، وتقلدوا في حكومته المناصب الرفيعة، نسمعهم يهاجمون تنظيمهم، ويعلنون تبرؤهم منه، وخروجهم عليه. فمن ذلك مثلاً ( تقدم القيادي بالمؤتمر الوطني عوض الله الصافي باستقالته من الحزب لعدم امتلاكه رؤيه واضحه لوقف الحرب في جنوب كردفان التي تسببت في معاناة مواطنيه. وقال الصافي في بيان امس ان احد اسباب استقالته الفساد الذي عم البر والبحر والانانيه والمحسوبيه التي سادت بين قيادات المؤتمر الوطني متناسين ادبيات الحركة الاسلاميه والشعارات البراقه التي ظللنا نسمعها طيلة الخمس وعشرين عاما الماضيه. يعتبر الصافي من ابرز قيادات حزب المؤتمر الوطني بجنوب كردفان ومن الناشطين بالمركز وكاتب اعلامي في الصحف)(حريات 23/7/2015م).
ولعل كثير من السودانيين، قد انخدعوا بدعوة الاخوان المسلمين منذ منتصف الستينات، حيث كان الحزب الشيوعي يسيطر على الساحة الفكرية والثقافية، فقامت حركة الاخوان المسلمين، كرد فعل لذلك، فلقيت قبولاً في مجتمع مسلم، يحب الدين .. واستمرت في تقدم في المدارس الثانوية، والجامعات، بأساليب من التجنيد غريبة على السودانيين، ودخيلة على مجتمعهم، حتى نهاية السبعينات، حيث بدأ الكثيرون يخرجون عنها، ويرفضونها .. ولذا يمكن ان يكون عوض الله هذا، صادقاً فيما ذهب اليه، وهو يستحق الشكر لفضيلة الشجاعة، والاعتراف بالخطأ.. ولكن التوبة الدينية، عن اثم مشاركة الاخوان المسلمين في حزبهم أو حكومتهم، لا يكفي فيها مجرد الخروج عنهم، بل لا بد من مناهضتهم، والسعي لازالة حكمهم، من باب رد الحقوق الى أهلها، وهو من شروط التوبة النصوحة .. وحتى يكون هذا العمل ذو أثر، لابد من البحث عن البديل الفكري، عن فكرتهم، لأن مجرد نقدهم مع بقاء الشخص على نفس الفكرة، معناه انتقاد اشخاص، وأن الحل لديه هو تغيير الاشخاص فقط، وهذا حل خاطئ، لأن العلة في الفكرة التي تربى عليها هؤلاء الأفراد أولاً، ثم هي في الأفراد ثانياً ..
كما نقرأ أيضاً (في كتاب المطالعة في الصف الثالث إبتدائي قصة إسمها “دهليز الإغراء” ملخصها أن أحد الملوك قام بدعوة كل أهل مدينته للعشاء في قصره و عند دخولهم يمرون بدهليز مُظلم ممتلئ بالمجوهرات و عندما يجد الفرد من المدعوين نفسه في هذا الموقف ، يقوم بحشو ملابسه بالمجوهرات. عند نهاية الحفل، طلب الملك من الجميع أن يقوموا ليرقصُوا، فقاموا متثاقلين حتى لا تسقط الجواهر إلا شاباً واحداً كان يرقص بخفة و رشاقة. أوقف الملك الحفل و قال للجميع ” أنا إخترت هذا الشاب زوجاً لإبنتي و ولياً للعهد لأنه الوحيد الذي لم تغريه الأموال و هو لوحده في الدهليز” ! إن الإختبار الحقيقي عندما يكون بإمكانك فعل الخطأ و يمنعك إيمانك و ورعك.. و بهذا الإختبار سقط “الأخوان المسلمون” بفسادهم و هم في “دهليز السُلطة” و لم يعُد يردعهم إيمان و لا ورع و لا قانون و لا أخلاق .. ! و المغالطنا منهم يقوم يرقص..؟) (صحيفة السوداني وأعيد نشرها بمنتديات الحصاحيصا 20 يوليو 2015) وكاتب هذا النقد اللاذع هو د. كمال عبد القادر، وهو قد عرف بأنه من أعضاء تنظيم الاخوان المسلمين، ومن المشاركين لهم في كافة دهاليزهم .. فلماذا وكيف انقلب عليهم ؟! وهو حين يتهمهم جميعاً بالسرقة لأموال الشعب، ويسألهم ان يبرءوا أنفسهم إن استطاعوا، لا يخبرنا هل هو نفسه كان بريئاً من الفساد، حين صمت عنه كل هذه المدة ؟!
د. ياسر محجوب الحسين، من اسرة السيد علي عثمان محمد طه، كان يعمل بقطر، وخلال هذه الفترة حصل على لقب دكتور من جامعة ما بالسودان .. ثم جيء به بمخصصات عالية، على صغر سنه، رئيساً لتحرير صحيفة الحزب الحاكم، التي سرعان ما توقفت. على أن تلك الوظيفة العالية، أتاحت له من ضمن ما اتاحت، اتخاذه لزوجة ثانية، وبناء العمارة.. وحين بدأ تزحزح السيد علي عثمان من السلطة، اضطر د. ياسر للعمل مع الطيب مصطفى، في صحيفة الصيحة كرئيس تحرير، ثم فجأة سافر الى لندن، وطلب حق اللجوء السياسي !!
كتب مؤخراً (المدهش حقا أنه كلما تضخمت الحكومة وزاد وزنها، كلما انعكس ذلك سلبا على قدرة الدولة على إدارة الحكم وسيطرتها على الأوضاع.. لقد شكل الحزب الحاكم برئاسة عمر البشير خلال الأسابيع الماضية أكبر حكومة في تاريخ البلاد؛ فقد بلغ عدد الوزراء ووزراء الدولة 74 وزيرا، فضلا عن نائبين للرئيس، وخمسة مساعدين، و450 عضوا برلمانيا قوميا، ورئيس لمجلس الولايات، ونائبين له، و12 رئيس لجنة برلمانية بدرجة وزير، و18 واليا، و18 رئيس مجلس تشريعي ولائي، و1408 أعضاء مجلس تشريعي ولائي، إلى جانب المعتمدين وعشرات الوزراء الولائيين.. أما مخصصات هذا الجيش الجرار من الدستوريين، من رواتب وغيرها تقدر بأكثر من 19.5 مليار جنيه سوداني شهريا، أو ما يعادل نحو ثلاثة ملايين دولار أمريكي.. الجميع يذكر أنه قبل 3 سنوات قال الرئيس البشير أمام البرلمان إنه قرر إجراء إصلاح هيكلي لتقليص عدد المناصب الدستورية والوزراء، حيث سيطال التقليص أكثر من 100 منصب في الدولة، كما سيطال المئات من المناصب الإدارية في الولايات، لكن الأقوال شيء والواقع المرير شيء آخر.. الوطن المأزوم غدا حقل تجارب، فالسياسيون استخدموا العديد من المصطلحات لوصف تجاربهم الفاشلة، فمن حكومة قومية، إلى حكومة عريضة وأخرى رشيقة وهلم جرا.. كل تلك التجارب لم تفض إلا إلى فشل متراكم كأنه ظلمات بعضها فوق بعض …… العام الماضي وفي نفس التوقيت نشرت صحيفة الصيحة ملفات فساد، لكنها أوقفت لفترات طويلة وشهد مقر الصحيفة عقب تعليق صدورها حملة تفتيش من نوع حملات “الدفتردار” صودرت خلالها ملفات ووثائق كثيرة منها ما نشر ومنها ما لم ينشر بعد.. لكن ثبت أن الفساد بحر يفيض باستمرار وأكبر بكثير من يغطي عليه أو يحاصر أو يصادر.. لقد واجهت الصحافة السودانية في عمومها حملة “حقد” حكومي كما لم تواجه مثله من قبل.. المسؤولون الذين أقضت كراسيهم الصحافة هم الذين يتصدون اليوم وبمختلف الأسلحة غير المشروعة للصحافة والصحفيين)(الشرق 4/7/2015م). نعم !! كل ما ذكره د. ياسر محجوب صحيح، ولكن لماذا لم يكتب عن الفساد حين كان يحرر صحيفة الحكومة ؟! لماذا لم يكتب عنه حين كان يحرر صحيفة الخال الرئاسي ؟! كم من الحقوق ضاعت بسبب صمته ذاك، عن توضيحها، وكم من المواطنين تشرد وأصبح لاجئاً مثله الآن بسبب فساد الحكومة وظلمها لمعارضيها ؟!
ومن الكتاب الذين يهاجمون تنظيم الاخوان المسلمين، وحكومته في السودان د. عبد الوهاب الأفندي، وهو بالرغم من حديثه عن فساد حكومة الاخوان المسلمين إلا أنه يشيد بالحركة الاسلامية التي أنجبت هؤلاء المفسدين وحملتهم الى سدة الحكم !! أسمعه يقول (ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻛﺎﻥ ﻟﻬﺎ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻛﺒﻴﺮ ﺇﻳﺠﺎﺑﻲ ﻓﻲ ﻣﻄﻠﻊ ﻋﻬﺪﻫﺎ، ﺣﻴﺚ ﻧﻤت ﺍﻟوﻋﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻭﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻋﻨﺪ ﺷﺮﺍﺋﺢ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ، ﻭﺣﺎﺭﺑﺖ ﺍﻹﻟﺤﺎﺩ ﻭﺍﻟﻤﺮﻭﻕ . ﻭﻛﺎﻥ ﺃﻫﻢ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻣطﻠﻊ ﺍﻟﺴﺒﻌﻴﻨﺎﺕ، ﺣﻴﻦ ﺩﻋﻤﺖ ﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ ﻭﺗﺒﻨﺖ ﺍﻟﻄﺮﺡ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻲ، ﻭﺩﺍﻓﻌﺖ ﻋﻦ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﺸﻌﺐ ) ثم يقول (ﺃﻋﺘﻘﺪ ﺃﻧﻨﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﻧﻜﺴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ . ﻓﻨﺤﻦ ﻻ ﻧﺸﻬﺪ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﺤﺰﺏ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ،ﻷﻥ ﺍﻟﺤﺰﺏ ﻟم ﻳﻌﺪ ﻟﻪ ﻭﺟﻮﺩ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻧﺸﻬﺪ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﺗﺤﺎﻟﻒ ﺍﻻﻧﺘﻬﺎﺯﻳﻴﻦ . ﻓﻜﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺑﺎﻟﺼﻔﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺘﺠﺖ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺒﺔ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻥ ﻟﻤﻨﻔﻌﺘﻪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ، ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﻭطن ﺃﻭ ﺣﺘﻰ ﺣﺰﺏ . ﻭﻳﺴﺘوﻱ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤؤتمر ﺍﻟوطني ﺍﻟﺬﻱ ﻟم ﻳﻌد ﺳوﻯ ﺧﺘم لقيادته، ﻭﺍﻟﺤﺰﺏ ﺍﻻﺗﺤﺎﺩﻱ ﺍﻷﺻﻞ ﻭﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ، ﻭﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﻌﻘﺪ ﺍﻟﻔﺮﻳﺪ ﻣﻦ ﺃﻧﺪﻳﺔ ﺍﻻﻧﺘﻬﺎﺯﻳﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﺻﺒﺤوﺍ إنقاذيين ﺃﻛﺜﺮ ﻣن ﺍلإنقاذ . ﻓﻨﺤﻦ ﺇﺫﻥ ﺃﻣﺎﻡ ﻛﺎﺭﺛﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺃﺧﻼﻗﻴﺔ، ﻭﺿﻴﺎﻉ ﻓﺮﺻﺔ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻹﺧﺮﺍﺝ ﺍﻟﺴوﺩﺍﻥ ﻣﻦ ﺃﺯﻣﺘﻪ ﻋﺒﺮ ﺣﻠوﻝ ﺗواﻓﻘﻴﺔ …. ﺛم ﺗﺒﻨﻲ ﺍﻟدﻛﺘﺎﺗوﺭﻳﺔ ﺃﺻﺎﻟﺔ ﺑﻌﺪ ﻳوﻧﻴو ﻋﺎﻡ 1989، ﻭﻣﺎ ﺗﺒﻊ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﺭﺗﻜﺎﺏ ﺍﻟﻜﺒﺎﺋر ﻭﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻨﻬﺎ. ﻭﻗﺪ ﺃﺻﺒﺤﻨﺎ ﺍﻟﻴوﻡ ﻓﻲ ﻭﺿﻊ ﺃﺻﺒﺢ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻳﺴﻤوﻥ ﺃﻧﻔﺴﻬم ﺑﺎﻹﺳﻼﻣﻴﻴن ﻣﻦ ﺭﺀﻭﺱ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ، ﻳﻌﻴﺸوﻥ ﺍﻟﺘرﻑ ﻓﻲ ﺑﻠﺪ ﻳﻤوﺕ ﺃﻫﻠﻪ ﺟوﻋﺎً . ﻓﻜﺎﻧوﺍ ﺑﺌس ﺍﻟﻨﺎطق ﺑﺎﺳم ﺍﻟﺪﻳن، ﻳﻘوﻟون ﻣﺎ ﻻ ﻳﻔﻌﻠوﻥ، ﻭﺇﺫﺍ ﻗﻴﻞ ﻟﻬﻢ ﻻ ﺗﻔﺴﺪﻭﺍ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻗﺎﻟوﺍ ﺇﻧﻤﺎ ﻧﺤن ﻣﺼﻠﺤوﻥ، ﻭﺇﺫﺍ ﻗﻴﻞ ﻟﻬﻢ ﺍﺗﻘوﺍ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﺧﺬﺗﻬم ﺍﻟﻌﺰﺓ ﺑﺎﻻﺳم، ﻧﻌوﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻏضب ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺳوءﺀ ﺍﻟﺨﺎﺗﻤﺔ)(الراكوبة 29/7/2015م). هذا حديث د. الأفندي وهو قد كان الناطق الاعلامي، بالسفارة السودانية، بالمملكة المتحدة في التسعينات .. فهو إذن لا يعترض من حيث المبدأ على الانقلاب العسكري، وإلا لما عمل في حكومة إنقلابية، ولا يعترض على ان يحكم الاسلاميون، ويطردون الآلاف من المواطنين، من العمل، بدعوى الصالح العام، وتمكين عناصرهم من المناصب، ويسجنون كل المعارضين السياسيين .. ولا يعترض، بل كان يدافع، ويبرر بالحق وبالباطل، ما تقوم به حكومة الإنقاذ، من تعذيب للشرفاء في ” بيوت الأشباح” !! ولقد كان يدعم الحكومة ويؤيدها، وهي تقتل المواطنين السودانيين الجنوبيين، تحت رايات دعاوي الجهاد، إبان هوجتها في بداية التسعينات، وكان يؤيدها وهي تزعم أنها طبقت الشريعة الاسلامية، التي وصفها السيد الرئيس بعد عشرين سنة من تطبيقها، بأنها شريعة ( مدغمسة) !! وهو حين يعترض الآن لا يعترض على المبادئ، التي سوغت باسم الإسلام، كل هذه الجرائم، وإنما يعترض على أفعال افراد، موهماً نفسه، ومحاولاً إيهام الآخرين، بأن كل ما نحتاجه، هو تغيير هؤلاء الاشخاص الفاسدين، واستبدالهم بعناصر جيدة، من الحركة الإسلامية، أمثال د. الأفندي !!
والحقيقة أن الخلل هو في فكرة الاخوان المسلمين، وتصورهم للاسلام .. ففكرة الاخوان المسلمين أهملت جوهر الدين، وهو التربية الاخلاقية، وتسعى الى السلطة بأساليب لا علاقة لها بالدين، وحين تحصلها تحافظ عليها بمفارقة أكبر، ثم ان مجرد تصور، أن التطبيق الذي تم في الماضي للشريعة الإسلامية، يمكن نقله كما هو، دون أي تطوير، ليحكم المجتمع في الوقت الحاضر، بعد ألف وخمسمائة عام من التطور، عجز عن فهم حكمة التشريع، لا يسوق صاحبه إلا الى التطرف أو النفاق !!
وقبل الأفندي خرج على التنظيم د. الطيب زين العابدين، و د. التيجاني عبد القادر، ثم خرج د. غازي صلاح الدين، وكل منهم كتب في الهجوم على تنظيمهم، وعن ما يعاني رفقائهم من الفساد والسوء. كما خرجت مجموعة ” سائحون”، ولم تتوانى في النقد اللاذع للتنظيم، واظهار مفارقة اعضاؤه لروح الإسلام، وكانت في ذلك أكثر جديّة وأكثر إصراراً.
كتب اسحق فضل الله، وهو من الاخوان المسلمين المتطرفين، المهووسين، وكان من ضمن جماعة “الدبابين” (والجماعة القوية والدين كلاهما يضرب. رحم الله يس عمر قال: اصبحت استحي الآن ان ادعو احداً للحركة الاسلامية .. عدم الانتماء يجعل من الملايين الثلاثين ثلاثين مليون عصابة .. وقانون ” اخطف واجر” يجعل من كل احد عصابة منفردة للخطف … والدولة عندما وهذا هو الاصل تعجز عن ايقاف الفساد أي فساد لا احد يطارد ثلاثين مليونأً … بضائع تالفة تهريب ورشوة خيانة وتمرد تزوير)!! (الإنتباهة 28 يوليو 2015) ومع ان اسحق يكتب بطريقة مليئة بالغموض، مثل رسائل الجواسيس، ولا تشبه الصراحة، ووضوح القصد الذي دعا له الإسلام، إلا أنما يمكن ان يفهم من حديثه هذا، هو ان غياب الرقابة، أدى الى انتشار الفساد، والدولة عاجزة عن ايقاف الفساد، وما تركه اسحق لفطنة القارئ هو ان الدولة أي دولة إذا عجزت عن محاربة الفساد فإن ذلك يرجع الى أحد سببين : إما أنها لا تملك قوانين، تحدد، وتترجم، وتعاقب على الفساد، ولا تملك قوات شرطة تنفذ منع الفساد، أو أنها لا تريد محاربة الفساد، لأن السلطة في قمتها مشاركة فيه. كما ان اسحق يحدثنا عن ان الجماعة القوية- ويقصد بها جماعة الاخوان المسلمين- والدين كلاهما ضُرب، ولكنه لا يحدثنا عن من الذي ضربهما ؟! جماعة الاخوان المسلمين ضربها فساد أفرادها، والدين لم يضربه أحد. بل لن يستطيع ان يضربه أحد !! وظن اسحق بأن ضرب أعضاء الحركة الاسلامية، هو بالضرورة ضرب للدين محض جهالة لا يحسد عليها.. والحق هو ان ضرب جماعة الاخوان المسلمين، إنما هو بشارة بقرب مجئ الحق الموعود. ونحن نترحم مع اسحق، على يس عمر الإمام، فقد ملك الشجاعة، الي تبرأ بها من الاخوان المسلمين، قبيل وفاته .. واسحق اذ يكرر عبارته، لا يستطيع ان يقف موقفه، ولهذا ذكر عبارة يس، وكان يمكن ان يقول انني اسحق فضل الله، استحي أن ادعو أي شخص لينضم لجماعة الاخوان المسلمين، ولكن اسحق لا يزال يخشى قادته وحكومتهم، أكثر مما يخشى الله، ولهذا يورد نقده لهم بالقدر الذي يكسبه مكانة وسط المتذمرين ولا يخسره القيادة العليا.
إن الحقيقة هي ان جماعة الاخوان المسلمين جماعة سيئة، وبعيدة عن الإسلام، وان تجربة الحكم قد كشفتهم لمعظم أهل السودان، وهم يرتكبون من الجرائم والآثام والظلم في حق الشعب، ما لا يجعل عاقل يستطيع الدفاع عنهم، أو تأييدهم صراحة .. فالشعب على ما به من افقار، وتجويع، تقطع منه الكهرباء والماء، في عز الصيف، في مدينة تقع بين نهرين !! ووزير الكهرباء يقول: “من اراد الترف والاسراف فليشتر بسعر الانتاج”، وكأن الحكومة كانت تدعم الكهرباء، وهي الآن سترفع الدعم فيزيد سعر الكهرباء!! ولو سلمنا جدلاً بما قاله وزير الكهرباء، وسألناه لماذا ترفع الحكومة الدعم ؟! لأجاب إنها مضطرة لذلك، لأنها لا تملك المال اللازم لتغطية الدعم، ولكننا نقرأ في نفس الصحف التي جاءت بتعليق وزير الكهرباء ” حكومة ولاية الجزيرة تشتري 35 سيارة برادو موديل 2015م، وسيارة لاندكروزر و4 سيارات بكاسي دبل كبينة بعدد دستوري الولاية” ولا شك ان ولاية الخرطوم فعلت مثل ذلك وأكثر، وكذلك بقية الولايات، فلماذا لا يقلل الصرف الحكومي البذخي، وتدفع من عائداته تكلفة دعم الماء والكهرباء ؟!
أما الاخوان المسلمون، الذين تبرأوا من تنظيمهم، والذين هم قادمون في نفس الدرب، فلا يكفي مجرد الاعلان بالخروج، ولكن لابد من النظر في أمر الدين من جديد، وليكن هاديهم في ذلك وصية النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر، حين قال ( دينك .. دينك يا ابن عمر ولا يغرنك ما كان مني لأبويك. خذ ممن استقاموا ولا تأخذ ممن قالوا ).
د. عمر القراي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق