هاشم كرار
آخر لحظة
كانا في ركن منزو، تحت جنح امسية، في حديقة منزوية قليلة الزوار.. في القاهرة.
كان هو يجلس بأدب، في طرف أريكة من الاسمنت.. وكانت هى في الطرف الآخر، تجلس.. وكان بينهما ثمة حديث، وابتسامات، ونظرات متلعثمة!
فجاة أطل عليهما الشيطان. تحسس قرنيه، قبل أن يقول لهما بنبرة اعتذار: « إنني آسف جدا على التأخير.. في البلد أزمة مواصلات حادة!
تذكرت هذا الكاريكاتير المصري الفنان جدا، وفي الخرطوم الآن، أزمة موصلات، وارتباك في المواقف.. بسبب المواقف!
من أراد ان يعرف أين الشيطان في الخرطوم الآن، فلينظر في..... التفاصيل!
الكاريكاتير- أي كاريكاتير- نكتة مرسومة. نكتة قد ترسم فيك ابتسامة، أو تطلق ضحكة. نكتة قد تثير فيك أحد الضدين: الفرح او الحزن.. وهى في النهاية موقف.. ومقال !
النكات غير المرسومة، على قفا من يشيل من مواقع التواصل الإجتماعي، والناس في السودان من شدة البكاء، يضحكون..
لا إحصائية- كالعادة- عن النكات التي تطلق في كل يوم.. والنكات التي يعاد تدويرها، وتجنيسها، وتستخرج لها الجنسية السودانية، بشهادة ميلاد تحمل تاريخ الفاتح من يناير.
بالمناسبة، من اخترع تاريخ الفاتح من يناير، يوما لميلاد المواليد الذين ليس لديهم شهادة ميلاد أصلية، أصلا.. أو للذين أضاعوا الشهادات؟
لا أعرفه.. لكنه في ظني رجل وطني غيور، ذلك لأنه ربط بدل الفاقد، بيوم استقلال السودان.
نعم، كل سوداني قح، ولد في ذلك اليوم. إنه الميلاد الثاني.. ميلاد الحرية.. ولا استثني من هذا الميلاد الثاني، كل الذين ولدوا للمرة الاولى، في أول يوم للإنقاذ، وهم الآن يتبادلون النكات عن الإنقاذ ذاتها، في مواقع التواصل.
الإنقلابات، مثلما تأكل أبناءها، تأكل أجيالها.
الإنقاذ أكلت، اكلا اعضاء مجلس الثورة، ماعدا واحدا.. وأكلت شيخها، وحواره الاول، وحرسها القديم، وأجيالا من أجيالها.. ومن يكذب الأكلة الأخيرة، فلينظر إلى أعمار الشباب الذين ملأوا حلاقيمهم بالهتافات في سبتمبر!
تاكل.. بس..
تلك هى الإنقاذ..
ولأن الناس على دين ملوكهم، فهم يأكلون الآن، ويأكلون.. وإلى الدرجة التي أصبحت فيها كل البلد مأكلة.
آه من أكل السوسة، والعافية المدسوسة!
آخر لحظة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق