دهشت لما كتبه اسحق فضل الله ولم أصدق عيني في البداية إلى أن أعدت القراءة لأتحقق من الأمر .. فقد جاء اسحق شيئاً إمرا لا ينبغي أن يصدر عن مجنون ناهيك عن أن يكتبه أحد أكبر وأبرز نجوم الكتابة الصحافية في بلادنا.
زعم اسحق أن المفاصلة بين (الوطني) و(الشعبي)، أو قل بين القصر والمنشية، أو بين البشير والترابي كانت مجرد تمثيلية خادع الترابي بها الناس حتى يخفف من الضغط على الإنقاذ.
كل ذلك الهراء يصدر عن اسحق حتى يبرر هجومه الكاسح بعد المفاصلة على الشيخ باعتبار أن كتاباته كانت جزءاً من المسرحية والخدعة التي تلاعب بها الترابي على الشعب السوداني طوال تلك السنوات العجاف، بما يعنى أن اسحق لم يكن جاداً أو يصدر عن عداء ووقائع حقيقية في حملته الضارية وغضبته المضرية على الشيخ، وإنما كان جزءاً من الخدعة والمسرحية التي أخرجها الترابي بما يعني أنه عندما سخر قلمه للحرب على الشيخ وحزبه إنما كان يفعل ذلك لإحكام الحبكة في (مسرحية القصر والمنشية)!.
كلام هرف به (شيخ) اسحق لا ينبغي أن ينطلي على طفل رضيع ولكن لله في خلقه شؤون.
أعلم يقيناً أن اسحق يعلم يقيناً أن تلك المفاصلة كانت حقيقية، وأنه لم يكن يمثل على الشعب السوداني، كما أن الترابي لم يكن يخدع أو يخادع الناس حين خاض معركة الحريات والتعديلات الدستورية، كما أن من انقلبوا على شيخهم بمذكرة العشرة لم يكونوا يمثلون على الشعب، وأن أحداث الرابع من رمضان التي أعقبتها المفاصلة ومن ثم ذلك الفصل الدامي من الخلاف والصراع الذي قضى فيه بعض أتباع الترابي أكثر من عشر سنوات في سجون الإنقاذ لم تكن سوى حقيقة ماثلة لا يزال رجالها أحياء يرزقون ويعجبون مما يكتب اسحق في حقهم .
بربكم ماذا دهى اسحق الذي تستهويه الدراما حتى غدا بحديثه الأخير يتخيل نفسه كاتب سيناريو لمسرح كوني يحيل فيه الحياة والأحياء إلى ممثلين في إطار مشاهد مدهشة في مسلسل اللامعقول؟!.
ماذا دهى اسحق حتى غدا يتفاخر ويتباهي بأنه يكذب أحياناً على قرائه لخدمة أجندته وأهدافه بحجة أن الحرب خدعة كما فعل قبل نحو عامين، ولماذا يقوم اليوم باختلاق كذبته الكبرى الجديدة التي نعلم أنه يحاول الآن تمريرها على الشعب السوداني بل والعالم أجمع؟.
أكل ذلك لأن أحدهم (زنقه) بسؤال عن كيف يجوز له أن يبكي الشيخ الترابي وقد قال فيه أيام المفاصلة ما لم يقل مالك في الخمر ؟
لقد عارضنا الترابي بعد المفاصلة في كثير من مواقفه كما عارضنا الإنقاذ وهاجمناها كتابة ولا نجد أدنى حرج اليوم في أن نبكي الشيخ بالدمع السخين بدون أن نضطر إلى الكذب والزعم بأننا كنا نخادع الناس في إطار مسرحية امتدت فصولها لسنوات، وأهم من ذلك بدون أن نجرّم الشيخ الترابي بعد وفاته، ونحط من قدره ونظهره للجميع بمظهر المخادع الكذاب؟.
يعلم اسحق علم اليقين أن الصراع بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي بلغ أوجه وتطاير شرره واشتعلت نيرانه للحد الذي جعل الطرف الآخر يرى قرنق رغم كل أنهار الدماء التي أسالها من قوات ومجاهدي السودان أقرب إليه من الشيخ الترابي الذي بلغ به الغضب والعداء كذلك درجة أن يؤيد محكمة الجنايات الدولية ويطالب الرئيس بتسليم نفسه إليها بل بلغ أخطر من ذلك حين أدلى بتصريحات أخرى أكثر عداء ورغم ذلك كله يخرج علينا اسحق بكذبته التي ما سبقه عليها أحد من العالمين ليقول في بساطة مدهشة أنها كانت مجرد مسرحية.
لقد رحل الشيخ يا اسحق فبالله عليك ارحمه من أكاذيبك فوالله ما انخرط الرجل في الحوار الجاري الآن إلا لأنه خشي على وطن صرح على رؤوس الأشهاد أنه يخشى من أن يغادر الدنيا قبل أن يطمئن عليه بعد أن رأى الموت والخراب والدمار والتشريد الذي حل بدول كانت آمنة مطمئنة مرزوقة أكثر منا ، معولاً على عهود ضربت أمامه بأن مخرجات الحوار سيلتزم بها وأن بلادنا ستستأنف مسيرة جديدة من الحكم الديمقراطي الراشد بعيداً عن الاحتراب والتغابن الذي هوى بها إلى القاع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق