سمير عطا الله |
نقلتُ عن «الغارديان» هذا الرقم: 35.000.000.000.000.000. لا أعرف ماذا يشكل. لكن الصحيفة تقول إنه يساوي بعملة زيمبابوي دولارًا واحدًا. هذه حصيلة 35 عامًا من حكم روبيرت موغابي البالغ 91 عامًا، والذي أعلن أنه سوف يخوض معركة الرئاسة عام 2018، وإلا، فزوجته التي كانت سكرتيرته.
إيزابيلا، التي خلفت زوجها خوان بيرون، كانت راقصة. كان موغابي واحدًا من المناضلين الذين حملوا الاستقلال إلى بلادهم. ومقابل الاستقلال، أخذ البلد. ووفقًا لـ«الغارديان» أيضا، بلغ معدل التضخم في إحدى المراحل 4 مليارات في المائة، وكان سعر الصرف يتغير مرتين في النهار. قبله، طبع اثنان من الرؤساء ورقة المليار: الدينار العراقي أيام صدام حسين، والدينار اليوغسلافي أيام سلوبودان ميلوشيفتش. السابقة الأولى كانت المارك الألماني أيام هتلر.
لماذا لا تحدث هذه الأرقام فوق الخيالية إلا في ظل حكم الفرد؟ لأن شعبه مجرد رقم، كما قال ستالين. عشرة ملايين قتيل ليس مسألة مهمة. أول شيء فعله ديغول لإعادة هيبة فرنسا، خفض الفرنك. عشرة فرنكات تساوي عشرة فرنكات، وليس مليون فرنك قديم. قبل اليورو، كانت العملة الإيطالية مضحكة الأرقام. ألوف الأصفار التي لا معنى لها. على أثر هبوط الجنيه الإسترليني بعد عدوان السويس بقليل، ذهب رئيس الوزراء هارولد ماكميلان إلى واشنطن وقال لجون كينيدي: ساعدونا. الجنيه الضعيف إهانة لنا. صحيح أننا لم نعد إمبراطورية، لكن الجنيه يجب أن يظل إسترلينيًا.
العملة رمز وطني. بعد تحرير الكويت استعادت الدولة كل دينار ملغى بدينار كامل. لم تقبل أن يشاركها أحد في الخسارة التي ألحقها بها الاحتلال. الجماهيرية كانت تخفض الدينار الليبي مرتين في العام. سألت الشقيقة «المجلة» أوائل أيام الثورة الليبية، الدكتور محمد عبد المطلب الهوني: أين اختفت أموال البلد. قال: على العصابات والجنون. أسلحة تصدأ. و«نهر عظيم» بالمليارات بدل تحلية المياه. وتمويل الحركات البائسة في كل مكان. وغير ذلك من المغامرات.
اسمحوا لي أن أخرج عن الموضوع لأذكر ماذا قال المفكر الليبي في تلك المقابلة: «لقد أفرغ القذافي البلاد من كل المؤسسات. ولا أشك أنه يسقط ذات يوم. ولكن بعده سوف تتحول ليبيا إلى ساحة حروب بين عصابات متقاتلة على الثروة». وقال إن فرصة ليبيا كانت في نجاح المشروع الإصلاحي الذي عمل من أجله سيف الإسلام القذافي. لكن إخوته دخلوا في صراع معه. ووالده كان مصابًا بالانفصام. ولجان السرقة تحذره من أن أي خطوة إصلاحية، ستؤدّي إلى انهيار النظام والنظرية الثالثة التي تتطلع إليها شعوب العالم.
الشرق الأوسط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق