قضية مكافحة الفساد قضية قديمة متجددة ذلك لانها تعالج عبر وعود لا تجد تنفيذا وقد حفلت الصحف بتصريحات جادة اطلقها رئيس اللجنة المكلفة باعداد مشروع قانون مفوضية مكافحة الفساد ونحن على قناعة بأنه سيحرص مع لجنته الى اجازة قانون جيد اذا ما سار على النهج الذي اوضحه في تصريحاته لكن المعضلة تكمن دائما في التنفيذ فقد بات للفساد اسنان وعضلات وقدرات ضخمة مرئية وغير مرئية توظف بكاملها في اجهاض اي محاولة لاجتثاثه.
لقد اوضح رئيس المفوضية في تصريحاته ان الفساد اصبح من مهددات الامن القومي وهو حديث كثيرا ما رددناه ورددها غيرنا لكن الفساد استعصى على الاجتثاث لعدم توفر الارادة السياسية المطلوبة لمحاربته وقدرة العالقين فيه على التأثير على مسار مجهودات مكافحته- وحتى القضايا التي تصل الى سوح المحاكم تتعرض للتأجيل المستمر والتجميد بشتى السبل بل والقضايا التي يعترف بها مرتكبوها تنتهي(بالتحلل) كأنما الاعتراف الجزئي يلغي مبدأ المحاسبة.
المنهج الذي اكده رئيس لجنة اعداد القانون هو الذي يدفعنا الى التكهن بأن اللجنة لو سارت وفق المنهج الذي كشف عنه رئيسها فهي ستصل الى قانون جيد إذ ان رئيس اللجنة قد ذكر مرتكزات ثلاثة ستعتمد عليها اللجنة في عملها وهي:
اولا: مراجعة الاتفاقات الدولية والاقليمية التي وقع عليها السودان والتي تلزمه بمحاربة الفساد في كافة مجالاته.
ثانيا: الاستهداء بتجارب الدول الاخرى في مجال مكافحة الفساد وعلى راسها الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد.
ثالثا: الاستفادة من القوانين والتجارب السابقة وقرارات رئاسة الجمهورية.
اضافة لذلك وعد رئيس اللجنة بعقد ورش عمل وسمنارات حرة ومفتوحة تشترك فيها كل شرائح المجتمع في اعداد مشروع القانون المقترح وبهذا يمكن ان تتوفر لهذا القانون مرجعيات فكرية محلية واقليمية وعالمية لصياغته بصورة محكمة غير انه من المهم ان تمنح الهيئة التي ينص على تشكيلها القانون صلاحيات وسلطات غير قابلة للانتقاص او اهدار واجهاض قراراته وتكون عضويتها من اشخاص مشهود لهم بالنزاهة وبالاستقلالية وقوة الشخصية وان تخضع اسماءهم لمراجعة في لجان استماع مفتوحة وان يحصن القانون قراراتهم واجراءاتهم من التلاعب بها او الالتفاف حولها- فبداية التنفيذ ترتكز على التحقيقات التي تجريها هذه الهيئة بنزاهة وحيدة ومهنية وعدم قابلية اعضائها للرضوخ للتهديد او الترهيب او الترغيب- وفي مرحلة لاحقة لابد من ان تجد مرتكزات هذا القانون مكانها في الدستور الدائم- نقول ذلك ونحن نحس ان التفاصيل التي اشرنا اليها هي التفسير الحقيقي للوعد الذي قطعه رئيس لجنة اعداد الدستور عندما قال في تصريحاته ( ان مشروع القانون سيعمل على خلق هيئة تتمكن من اداء دورها بفعالية وشفافية وستكون مسنودة بقانون فعل وقوي… وان كل ما يثيره الاعلام من قضيايا الفساد سيجد الاهتمام بالاضافة الى التحري والاستقصاء التي تبتدره الهيئة من تلقاء نفسها).
وتطرق الحديث الى قضية الحصانات وهذه هي عقدة العقد وقد اثبتت وقائع الماضي انها تشكل عائقا حقيقيا وانه حدثت مبالغة في منحها لاغلب الوظائف الهامة في الدولة وقد شكا من زيادتها وتمددها وزراء عدل سابقون ومازالت تشكل هاجسا لكل من يفكر في اللجوء الى السلطات في قضايا الفساد او قضايا سوء استغلال السلطة لأن المطاولات التي تحيط برفع الحصانة تمثل اجهاضا حقيقيا لحكم القانون ولكن رئيس اللجنة لم يحدثنا كيف يعتزم ان يتغلب على هذه القضية بل اكتفي بالقول(ان الحصانات لن تلغي)وستتم المعالجة دون ان تكون عائقا امام تنفيذ القانون) ولا نجد هذا القول مقنعا وكنا نتوقع على الاقل وعدا من اللجنة باعادة النظر في الحصانات الممنوحة لانها طالت كما قلنا معظم مناصب الدولة الهامة دون مبرر واتسع مداها لدرجة تهدد حكم القانون!
محجوب محمد صالح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق