في الوقت الذي بدأت فيه الدولة الجنوبية الوليدة تضميد جراحاتها ،عقب إجبار الغرب الأوروبي والأمريكي لرئيسها سلفاكير ميارديت بتوقيع اتفاق سلام مع خصمه د.رياك مشار وكان سبب ما آل اليه الحال في الجنوب جراء إنفصاله عن السودان عقب المرور بجسر (نيفاشا) ، هاهو القيادي السابق في المؤتمر الوطني د.قطبي المهدي، ينكأ الجراح بشأن نيفاشا ويصف التوقيع على الإتفاقية بـ (الغفلة) ، ليعيد بذلك سيناريو الحانقين على نيفاشا أمثال ، رئيس منبر السلام العادل الطيب مصطفى حتى أن قطبي كان واحداً من المؤسسين للمنبر لكن المهدي في المقابلة
التي أجراها معه الصحفي المعروف ضياء الدين بلال، في برنامجه (فوق العادة) بقناة الشروق، كشف عن اتفاق خفي صاحب (نيفاشا) ، بل إنه فتح الابواب المغلقة التي كان تقال خلفها الأحاديث الهامسة، والتي إختار قطبي إثارتها علانية بشأن الاتفاقية، حيث قال إنها توطد لعلاقة حكم مستقبلية بين (طه) والراحل جون قرنق.
مرة أخرى يجد النائب الأول السابق علي عثمان نفسه، محاصراً بالإتهامات بشكل مباشر أو غير مباشر بسعيه لتمكين نفسه في السلطة، أو هذه المرة بالعمل على خلافة البشير بشكل ناعم من خلال تصميم إتفاقية تضمن له الوصول إلى القصر (رئيساً).
منذ سنوات طويلة دفع إسلاميون بـ (طه) في بحر (الإتهامات) إلا أنه أتقن كيف يعبر للضفة الاخرى ، وللمفارقة أن تلك المحاولات ظلت مرتبطة الى حد كبير بالسلطة، ولم تتطرق إلى الطعن في ذمته المالية التي ظلت ناصعة البياض، وهو أمر يحسب لصالحه. وكانت أبرز المحطات في ذلك الصدد هي مغاضبة قيادات إسلامية وعتابها على زعيم الإسلاميين د.حسن الترابي حينما قدم طه الى (السلطة التنظيمية) عندما اختاره نائباً له في الحركة الإسلامية، في وجود رموز أمثال الشيخ يس عمر الإمام والبروفيسور إبراهيم احمد عمر ومهدي إبراهيم والبروفيسور عبد الرحيم علي.
لم يبرز موقف صريح يؤكد أن طه سعى للسلطة، أو تواثق مع جون قرنق لتكون لهم مقاليد الحكم بالبلاد. لكن الأمر المريب أن كثيراً جداً من تفاصيل نيفاشا في صدر علي وقبر الباقي مع قرنق حيث أن اجتماعات مغلقة جمعت الرجلين فقط قد خلت من المحاضر.
وسبق أن تطرق القيادي د.علي الحاج لذات الأمر حول عدم وجود توثيق لوقائع نيفاشا، وتطابق ذلك مع رؤية الرجل الذي كان ملازماً للترابي- صديق محمد عثمان، في مساجلات بينه والكاتب الصحفي والدبلوماسي خالد موسى، منتقداً بالقول: إن تسجيل وقائع المداولات والنقاش بين علي عثمان وفريقه التفاوضي بعد المقابلات الثنائية مع قرنق كما حررت لا تغني عن التوثيق الحق شيئاً».
لكن الحديث عن أن طه يعمل للانقلاب على البشير برز وبشكل كثيف عقب صدور قرار الجنائية ، وبدأ علي حذراً في تلك الفترة، وتردد أنه يخطط لذلك مع مدير جهاز الأمن والمخابرات وقتها- المهندس صلاح عبد الله (قوش) ولكن الأخير (بذكاء معهود فيه) سارع لإبعاد شبهة الإتهام عنه ،وربما رتب الأمر مع طه الذي أطلق عليه الكاتب الإسلامي د.التجاني عبد القادر وصفاً غاية في الدقة (طه من نوع الشخصيات التي تستطيع أن تتجنَّب المعارك المباشرة دون أن تترك الميدان). المهم أن قوش حذر المؤيدين للجنائية وقال إن كل من يحاول إدخال يديه لإنفاذ مخططاته »سنقطع يده ورأسه وأوصاله، لأنها قضية لا مساومة فيها) وقال قوش عندما قال مدعي الجنائية في الاسبوع الاخير من فبراير 2009 إن القرار سيصدر في الرابع من مارس وكان واضحاً أن قوش يسابق الزمن، فقد أطلق تهديداته في لقاء نظمه أبناء الجنوب بالخرطوم بمناسبة ترقيته لرتبة الفريق أول، وأضاف »كنا إسلاميين متطرفين لكن اعتدلنا ونؤمن بالتعايش والسلام«، وزاد »لكن لا محالة لعودتنا الى التطرف لادارة المعركة. ثم جاء طه وفاجأ المشهد بتصريح لا يتسق مع منهجه الذي يميل للإعتدال وقال (المتطاولون علي البشير سيقطعون بالسيف) وذلك في لقاء جماهيري الهلالية بالجزيرة نهاية يوليو 2011 وإتهامات طه بشأن السلطة ليست بجديدة ، فعقب صرخة ميلاد الإنقاذ في 1989م، بدأ البعض يتململ منه واتهم بأنه بات راغباً في الحكم والسبب أن خطة الإسلاميين والتي قامت على ذهاب البشير إلى القصر رئيساً ود. الترابي إلى السجن حبيساً قامت على أساس أن يمضي الأخير فترة قليلة في السجن أسوة بقيادات حزبية امثال الصادق المهدي بغرض التمويه ولكن ما كان مدعاة للدهشة أن الترابي طال به المقام خلف القضبان ، وكذلك تأخر قدوم القيادي د. علي الحاج الذي كان هو الاخر خارج البلاد ? وقتها – ، بغرض التمويه. وقد تساءل الحاج قائلاً: »لا أدري لماذا بقي الترابي كل تلك الفترة في السجن؟« بل أكد في حوار أجرته معه الزميلة (الإنتباهة) في مارس 2014 أن عودته للسودان كانت في أواخر ديسمبر 1989م، اتخذها بقرار بمفرده رغم أنه كان طيلة تلك الفترة على صلة بنائب الأمين العام آنذاك علي عثمان الذي قال إنه (كان يؤخر مجيئه). ووصف الحاج الفترة التي قضاها الترابي في السجن حبيساً بأنها كانت طويلة، وقال: »أنا مكثت أيضاً ستة أشهر خارج السودان ولم أتلق إذناً بالعودة، وكلما أطلب أن أعود للسودان كان نائب الأمين العام يقول لي انتظر لفترة أخرى). ومثل هذه التساؤلات الحائرة فتحت شهية البعض لإتهام طه بسعيه للتقرب من الرئيس إذ أن الستة أشهر الاولى من عمر الثورة كان ( البشير وعلي) هما من يديران البلاد ولعلها هي الفترة التي توطدت فيها علاقته بالرئيس وبشكل كبير حتى أن البشير إختاره دون آخرين نائباً له عقب استشهاد المشير الزبير في ،1998.ومهما يكن من أمر فإن المعادلة السياسية تغيرت، فقد باعد الرئيس البشير برفعه شعار التغيير بين طه وآخرين والسلطة.
تقرير : اسامة عبد الماجد
صحيفة آخر لحظة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق