الحكومات التي نؤسسها في عالم آخر خارج كوكب الأرض، أو في مستعمرات بشرية متوقعة في الفضاء مستقبلا على كوكب المريخ، قد تتحول يوما إلى حكومات مستبدة. الصحفي العلمي ريتشارد هولينغهام يلتقي بمجموعة تحاول وضع قواعد للثورة على مثل هذه الحكومات.
على مسافة قصيرة من مبنى جهاز المخابرات البريطاني MI6 يتآمر 30 شخصا من الرجال والنساء للإطاحة بحكومة ما. ليست الحكومة البريطانية بالطبع، ولا أي حكومة أخرى على كوكب الأرض، ولكنها إدارة ديكتاتورية في عالم آخر في الفضاء مستقبلا.
ليست هذه لعبة، فالعلماء، والمهندسون، وعلماء الاجتماع، والفلاسفة، والكتاب المهتمون بشؤون الفضاء اجتمعوا في لندن في مقر "جمعية الكواكب البريطانية" ويعكفون بكل جدية على دراسة إمكانية الإطاحة بالأنظمة المستبدة في مستعمرات الفضاء المتوقع للبشر أن يعيشوا فيها مستقبلا.
هذا هو المؤتمر السنوي الثالث لحرية الفضاء. في العام الماضي بحث المؤتمر مسألة كتابة دستور لمستوطنة بشرية تقام في الفضاء، وخلص المؤتمر إلى أن المستعمرات الفضائية ينبغي أن تصوغ دساتيرها بناء على قواعد الدستور الأمريكي.
يقول تشارلو كوكيل، المشرف على تنظيم المؤتمر، وهو أستاذ البيولوجيا الفلكية في جامعة أدنبرة: "نقوم هذا العام ببحث ما يمكن أن يحدث إذا لم تعجبك حكومة شكلتها، وتريد الإطاحة بها في الفضاء".
وسوف تنشر خلاصات ونتائج هذه الاجتماعات على شكل أبحاث ومقالات تُصمم لتكون كتيبات استرشادية للمسافرين إلى الفضاء.
يقول كوكيل: "نأمل في أن تساهم نقاشاتنا في وضع اللبنة الأولى للحريات خارج نطاق الأرض. إن لدينا فرصة للتفكير في المشاكل التي يمكن أن تقع في الفضاء الخارجي قبل أن نذهب إلى هناك".
السيناريوهات التي ترسمها المجموعة المجتمعة في لندن يمكن تخيلها بشكل أسهل إذا فكرت بالشكل الذي يمكن أن تكون عليه المستعمرة الفضائية في المستقبل. فربما تكون مستوطنة تغطيها قبة يعيش تحتها عدة مئات من البشر تحت سماء فضائية رقيقة يكسوها الغبار.
وسيكون ذلك مركزا بشريا معزولا، وهشا، يقع على بعد 225 مليون كيلومتر من الأرض، ويحكمه ديكتاتور يتحكم مساعدوه في مولدات الأكسجين، على سبيل المثال.المعارضة السلمية
يقول كوكيل: "لو لجأ أحدهم إلى الثورة للتخلص من حكومته التي لا يحبها، فيقوم بتحطيم النوافذ، وتحطيم ما يحيط به في ذلك المكان، فسوف يفقد المكان ضغط الهواء ويتلاشى الأكسجين، ويموت الجميع."
ويضيف: "العنف في الفضاء له نتائج كارثية أشد من تلك التي قد تحدث على الأرض، ومن هنا كيف يمكنك ممارسة المعارضة في بيئة يؤدي فيها العنف والتمرد إلى موت الجميع؟"
يعتقد كوكيل أن الإجابة عن هذا السؤال تكمن في منع ظهور الحكام المستبدين من البداية. ويمكن الحصول على ذلك بوضع قواعد لوسائل المعارضة السلمية ربما عن طريق أنظمة عمالية منظمة، مشابهة للنقابات على كوكب الأرض، أو عن طريق محاسبة ومراقبة أداء القيادة من خلال الصحافة والإعلام .
ويضيف كوكيل: "إذا لم تكن هناك صحافة حرة في الفضاء الخارجي، فستنشأ لديك مشاكل عويصة".
التركيب المادي للمستوطنة يمكن تصميمه لخفض الآثار الناجمة عن الصراع بتوزيع الماء والهواء وأنظمة الطاقة على عدة أماكن وعدم إبقائها في مكان واحد. ومن شأن ذلك أن يقلل من خطر تعرض هذه المقدرات للعطل أو الخلل، ولكن الأهم هو تجنب وقوعها تحت سيطرة شخص واحد.
لكن مع وجود إعلام حر ونقابات منظمة، توجد مشكلة في الفضاء ليست قائمة على الأرض، خصوصا عندما يتعلق الأمر بوجود شركات.
يقول كوكيل: "فكما نعرف، يمكن أن تكون الشركات الخاصة مستبدة وقاسية بنفس قدر الحكومات المستبدة. فإذا أعلنت الإضراب يمكن أن تقول لك الشركة: حسناً، دعني أرشدك إلى طريق الخروج من نطاق الهواء المتوفر هنا، لتنطلق إلى فراغ الفضاء حيث لا يوجد هواء."
وبينما نرى أن الحريات وقيم الحرية وقوانين العمل قد تطورت على الأرض، على الأقل في الأمم الديمقراطية، إلا أنها تحتاج كلها إلى تعديل قبل أن ننقلها إلى مكان آخر غير الأرض. فالفضاء عبارة عن بيئة فريدة، وهناك توازن يجب أن يراعى بين الحرية الكاملة والاستعباد.
الخروج من المستوطنة الفضائية ليس خياراً. فمستعمرة على سطح المريخ تسودها الحرية المطلقة بحيث يجلس فيها الجميع لا يفعلون شيئاً طوال اليوم لن تستمر طويلاً.
يقول كوكيل: "نريد الوصول إلى توازن يقوم على وجود مجتمع تسوده أقصى قيم الحرية، ولكن أيضاً تتوفر فيه أقصى وسائل الاستمرار في الحياة في ظل ظروف الفضاء القاتلة".
معالم الخيال العلمي
ومع أن هذه هي إحدى المرات القليلة التي يفكر فيها الأكاديميون في تحديات العيش في الفضاء، إلا أن كتاب روايات الخيال العلمي فكروا فيها منذ عشرات السنين.
أحد الأعضاء البارزين في جمعية الفضائيين البريطانيين هو آرثر سي كلارك، وتضم وفود المؤتمر الكاتب ستيفن باكستر، أحد أبرز كتاب روايات الخيال العلمي.
فرواية "آرك" لباكستر عام 2010 على سبيل المثال، تصور سفينة نجوم في مهمة على مدى أجيال متعاقبة إلى عالم جديد ناء حيث تبرز بشكل دقيق مسائل الحكم والسلطة.
ويشرح باكستر ذلك قائلاً: "لديك مجموعة من الشبان المميزين جداً يتقدمون للسفر على متن هذه السفينة، ثم يكتشفون أنهم عالقون هناك".
ويمضي باكستر قائلاً: "في البداية، يسود انضباط عسكري، ثم يتطور الأمر إلى حكومة توافقية، إلا أن ذلك ينهار، ويسيطر ديكتاتور على الوضع لأنه يتحكم في إمدادات المياه، وهو تصور له علاقة وثيقة بما يدور من مناقشات في هذا المؤتمر. لدينا أيضاً الجيل المتوسط الذي سيعيش ويموت في السفينة، وهؤلاء لديهم ثقافة المراهقين المتمردة."
بعضهم لا يعتقد حتى أنه موجود في سفينة فضاء ولكن في نوع من السجون أو العزل الاجتماعي.
ويقول كوكيل: "إن إيجاد مجتمع داخل صندوق يعتبر شيئاً رائعاً للتفكير فيه. ودائما ما يفكر كتاب روايات الخيال العلمي في خطوة تسبق العلماء، إنها أرضية رائعة لتجريب واختبار الأفكار".
في الحقيقة، من أول الكتب التي تحدثت عن ثورة الوصول إلى القمر كان كتاب "ميلاد جمهورية جديدة"، والذي ألفه جاك وليامسون، أحد كتاب الخيال العلمي خلال الثلاثينيات من القرن الماضي.
وتناقش الرواية التوترات التي يشهدها المجتمع وتلك التي تقع بين القمر والأرض. أما رواية روبرت هينلينز لعام 1966، والتي تحمل عنوان "القمر عشيقة قاسية"، تلقي الضوء على فكرة سجن مقام في مستعمرة على سطح القمر، مع مسؤول مستبد عن ذلك السجن يتحكم في إمدادات الهواء.
أما بالنسبة إلى باكستر، يساعد المؤتمر على تحويل هذه الخيالات العلمية إلى حقائق عملية، ويقول: "كلما أكثرت من التوقع والتخيل، اقتربت من أن تكون مصيباً. لن يمضي وقت طويل قبل أن نشهد مهمات ورحلات فضائية بعيداً عن الأرض، وعلينا أن نراعي نفسيات الناس الذين يعيشون في بيئة مغلقة، ويقومون ببناء حضارة على هذا الأساس".
في ثلاثينيات القرن الماضي، كان إنشاء مستعمرة فوق سطح القمر حلماً بعيداً. وحتى عام 1966، كانت البشرية على بعد ثلاث سنوات فقط من تلك الخطوة الأولى.
ومن الممكن أن نشهد أثناء حياتنا مهمة طويلة الأجل. وإذا أردنا لها أن تتكلل بالنجاح، وأن ينجح البشر في استعمار عوالم أخرى خارج الأرض، فما علينا إلا الاستعداد لذلك.
BBC
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق