الخرطوم – الأناضول: لأكثر من 25 عاما استطاع الرئيس السوداني عمر البشير أن يصمد في وجه عزلة غربية قاسية، وأزمات اقتصادية متلاحقة، تغذيها اضطرابات سياسية وحرب أهلية، في ثلاث جبهات قتالية.
لكن السؤال المحوري في بلاده هو مدى قدرته على عقد تسوية سياسية مع خصومه، تجنبه اندلاع ثورة شعبية، تطيح بنظامه الذي كان في صدارة الأنظمة المرشحة للسقوط، عندما تفجرت ثورات الربيع العربي قبل 5 أعوام.
فالرجل الذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب عسكري مدعوما من الإسلاميين عام 1989 أدى للتو اليمين الدستورية لولاية جديدة، مدتها 5 سنوات، بعد اكتساحه للانتخابات الرئاسية التي أجريت في أبريل/ نيسان الماضي، وقاطعتها فصائل المعارضة الرئيسية.
وفي أول خطاب له، خلال تنصيبه، الثلاثاء الماضي، تحدث البشير بنبرة تصالحية مع المعارضة، مجددا الدعوة «لحوار وطني شامل»، والتي سبق وأن طرحها مطلع العام الماضي، إلا أن فصائل المعارضة الرئيسية قاطعتها آنذاك، بسبب رفضه لشروطها، واعتبرتها مجرد «مناورة لكسب الوقت».
وفي الخطاب ذاته، أمام نواب البرلمان قال موجها حديثه لأحزاب المعارضة، وحركات التمرد المسلحة «أقول لكم إن حضن الوطن لا يزال مفتوحا لحوار وطني جامع».
وفي المقابل لم يشر الرئيس السوداني إلى أي تنازلات بشأن شروط المعارضة لقبول عملية الحوار، التي تتوسط لجنة تابعة للاتحاد الأفريقي لإنجاحها، برئاسة رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو أمبيكي.
ومن أبرز شروط المعارضة لقبول دعوة البشير تأجيل الانتخابات التي أجريت فعليا في أبريل/ نيسان الماضي، وآلية مستقلة لإدارة الحوار، وتشكيل حكومة انتقالية تشرف على صياغة دستور دائم، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
ويعتقد على نطاق واسع أن دافع البشير في طرح دعوته للحوار هو الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في سبتمبر/ أيلول 2013، وكانت الأقوى على مدار سنوات حكمه، حيث خلفت عشرات القتلى.
واندلعت الاحتجاجات ردا على خطة تقشف حكومية شملت رفع الدعم عن الوقود، وزيادة الضرائب، وتعويم العملة الوطنية، وكانت الأحدث من بين إجراءات مماثلة لجأت لها الحكومة لتدارك أزمتها الاقتصادية الناجمة عن انفصال جنوب السودان في العام 2011.
وبانفصال جنوب السودان بموجب استفتاء شعبي أقره اتفاق سلام أبرم في 2005، وأنهى عقودا من الحرب الأهلية، فقدت البلاد 75 ٪ من حقول النفط، كانت تمثل أكثر من 50٪ من الإيرادات العامة، ونحو 80 ٪ من مصادر العملة الصعبة، لهذا البلد الذي يستورد غالبية حاجياته من الخارج.
وما يفاقم الأزمة الاقتصادية الحرب التي يخوضها الجيش مع 4 حركات تمرد مسلحة في 8 ولايات من أصل 18 ولاية سودانية، 5 منها في إقليم دارفور غربي البلاد.
ومع رفض البشير لشروط المعارضة لقبول دعوة الحوار وإصراره على إجراء الانتخابات بحجة أنها «استحقاق دستوري» تكتلت فصائل المعارضة المدنية والمسلحة في ديسمبر/ كانون أول الماضي، ووقعت على اتفاق أسس لأوسع تحالف للإطاحة بنظام البشير.
ورغم أن الوثيقة التي وقعتها فصائل المعارضة بعنوان (نداء السودان) أقرت التنسيق فيما بينها لتحقيق «الانتفاضة الشعبية»، إلا أنها أبدت مرونة بقبولها الانخراط في عملية حوار وطني، مع حكومة البشير في حال استجابته لشروطها.
لكن البشير حذر المعارضة ضمنا من عواقب ما تخطط له قائلا «السودان يقع في محيط أقليمي مضطرب وعلينا أن نجنب بلادنا هذا المصير بمذيد من وحدة الصف».
وفي تعليقها على خطاب البشير رأت تنظيمات المعارضة أنه «لم يحمل جديدا ولم يبد جدية في الحوار عبر خطوات عملية»، وهو نفس ما ذهب إليه أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم حاج حمد.
وقال حمد في حديثه إن «الأزمة السودانية مركبة ومتراكمة ولا سبيل لحلها إلا عبر تسوية سلمية».
ورأى أن حزب البشير (حزب المؤتمر الوطني) «قطع الطريق أمام الحوار بإصراره على قيام الانتخابات والأن عليه اتخاذ خطوات جدية يحل بها أزمة انعدام الثقة بينه وبين المعارضة».
وبشأن تخطيط المعارضة لانتفاضة شعبية حاسمة قال أستاذ العلوم السياسية «رغم أن النظام أضعف الجهات التي يمكن أن تحتض الانتفاضة، مثل النقابات ومنظمات المجمتع المدني وغيرها، إلا أن قيامها يظل احتمالا واردا بسبب التردي الاقتصادي والاحتــقان السـيـاسـي».
ويتفق صلاح الدومة أستاذ العلوم السياسية في جامعة «أم درمان» الإسلامية مع حمد، واصفا دعوة الحوار التي طرحها البشير بأنها «تكتيك وليست خيارا استراتيجيا بالنسبة لحزبه».
ويرجح «اندلاع احتجاجات شعبية بشكل أقوى من سابقاتها ما لم يلجأ النظام لإصلاحات كبيرة تفضي لتحول ديمقراطي كامل». وأكثر من مرة أكد مسؤولون نافذون في حزب المؤتمر الوطني الحاكم أنهم لن يقبلوا بعملية حوار مع المعارضة هدفها «تفكيك النظام» في معرض دفاعهم عن مبادرة البشير التي يقولون إن هدفها التوافق على «ثوابت وطنية» بين جميع الأطراف السياسية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق