الاثنين، 14 سبتمبر 2015

انتهاك حقوق الإنسان والاحتماء بالدول الصديقة.. خبر اعتقال وليد الحسين هز مواطني العالم لأن تسليمه لحكومة السودان يعرضه للتعذيب أو القتل.



بسم الله الرحمن الرحيم 

د.سعاد إبراهيم عيسى

درجنا وفى مثل هذا الوقت من كل عام وباقتراب موعد انعقاد مجلس حقوق الإنسان بجنيف,ان نستمع إلى ذات المعزوفة التي تطلقها الحكومة في شان حقوق الإنسان السوداني, والتي لا تخرج عن الادعاء بان هنالك جهات خارجية, وعلى رأسها بالطبع, الولايات المتحدة الأمريكية, تسعى للنيل من السودان وسمعته بإلصاق ما يحلوا لها من التهم التي يعرضه لما ترى من العقوبات الخاصة بمنتهكي حقوق الإنسان. والحكومة وحتى اليوم لا تلتفت للنظر في السبب الحقيقي الذى يجعل تلك الدول تصوب نظرها وبتركيز على كسب حكومة السودان في مجال حقوق الإنسان, بعيدا عن أوهام ان السودان مقصود من تلك الدول بسبب خيراته بباطن أرضه وظاهرها, وهى الخيرات التي لم ينعم بها مواطنوه حتى الآن حتى يقفوا مع السلطة ضد الطامعين فيها.

وما ان يقترب موعد انعقاد ذلك المجلس, حتى تصحو الحكومة من غفوتها وتنهض لتبدأ في البحث عن الكيفية التي تدارى بها مختلف عوراتها والتي صنعتها بيدها في مجال حقوق الإنسان طيلة العام, وهى تعتمد في تجنب تبعات ما انتهكت من حقوق على ما ظللنا نسمعه في كل عام أيضا, من أن البعثة السودانية بجنيف تقود تحركات مكثفة مع دول صديقة لإجهاض تحركات الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها ومن معها, والتي ترمى للإضرار بالسودان بإعادته إلى الفصل الرابع الخاص بالرقابة على مدى احترامه لحقوق إنسانه, مع التأكيد بان البعثة هنالك وبالتعاون مع الدول الصديقة, ستقاوم اى محاولة لزعزعة ملف حقوق الإنسان السوداني. والغريب ان الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية, أكد بان استهداف تلك الدول للسودان والسعي لإعادته إلى مربع الوصاية, لم تكن الأولى, وان البعثة السودانية وأصدقائهم ظلوا قادرين على تفنيد اى مزاعم لتلك الدول من خلال تقديمهم للتطورات المحرزة في أوضاع حقوق الإنسان في الفترة الماضية. فما هي هذه التطورات التي أحرزت خلال هذا العام يا ترى؟

ولا زلنا نذكر في عام مضى, الضجة الكبيرة التي صاحبت تمكن البعثة في ذلك العام وبعد لأي, في (مخارجة) السودان من الفصل الرابع, وطبعا, بمساعدة الدول الصديقة التي تعمل على مناصرة صديقها ظالما أو مظلوما, وبدلا من ان تحافظ السلطة على ذلك المكسب بمحاولتها مواجهة الواقع والحقيقة بالتوقف عن انتهاكات حقوق الإنسان بما تحقق اى قدر من تجميل صورتها للعرض القادم, تواصل سيرها على ذات طريقها القديم الذى يجعلها عرضة لإرجاعها إلى ذات المربع الذى أخرجت منه بشق الأنفس.

والحكومة لا تلوم إلا نفسها في كل ما تواجه من مشاكل في شان حقوق الإنسان, اذ بيدها وحدها تمهد للدول التي تقول بأنها تسعى للنيل منها كي تحصل على كل الأدلة والبراهين التي تعزز اتهاماتها بانتهاك الحكومة لحقوق إنسانها. فالقوانين المقيدة للحريات لا زالت سارية ومفعلة وتسرى على قدم وساق. فحرية الصحافة لا زالت مكبلة بما ترسم الحكومة من خطوط حمراء لا يجوز تخطيها, ومن تفعل من الصحف فان المصادرة تظل سيفا مسلطا عليها, ولمزيد من تأكيد قسوة تلك القوانين, أصبحت الصحف عرضة للمصادرة وبالجملة, هذا إضافة إلى التضييق على الصحفيين الذى لم يكتف باعتقالهم وبحرمانهم من التعبير وإلى اى اجل ترى السلطة, فقد وصل التضييق مراحل الاعتداء عليهم بالضرب إلى محاولات القضاء عليهم بالقتل. 
كما ولم تسلم الأحزاب السياسية من انتهاكات الكثير من حقوقها في مقدمتها حرمانها من حقها في مخاطبة جماهيرها خارج دورها, وفى ذات الوقت الذى ينفرد فيه الحزب الحاكم بكامل ذلك الحق, وقد اضطر هذا الحرمان تلك الأحزاب للبحث عن طرق أخرى لمخاطبة الجماهير خارج دورها, فأصبحت تقصدهم باماكن تجمعاتهم اليومية حيثما وجدت. فلم ترحمها الأجهزة الأمنية باعتقالها لكل الكوادر التي تقوم بتلك المخاطبة. 

والحكومة ولأجل تغطية انتهاكها لحقوق تلك الأحزاب في مخاطبة جماهيرها, ابتدعت طريقة جديدة للاعتقال بان تجعله مستمرا خلال اليوم منذ صباحه الباكر والى ساعات متأخرة من ليله, ومن بعد يسمح للمعتقل بالذهاب ليقضى ما تبقى من ساعات الليل بمنزله ليعود إلى ذات الموقع في اليوم التالي ولتكرار ذات الممارسة السابقة, وبما ان المعتقل لا ينام في المعتقل فهو مسجون (خارجي) واستنادا على تلك البدعة تعلن الحكومة عن خلو سجونها من المعتقلين السياسيين. والسجن هو المكان الذى يحرم فيه المسجون من حقه في الحرية ليؤدى عمله أيا كان نوعه, وليقضى ساعات يومه كما يريد. فان فكرة الاعتقال الجديدة تقود إلى كل تلك الانتهاكات التي يسببها السجن, فتصبح كل الكوادر المعتقلة حاليا هم مساجين سياسيين بسجون الحكومة.
وبصرف النظر عن ويلات الحروب التي لا زالت مشتعلة بأطراف السودان, والتي جردت مواطني تلك المناطق من اقل حقوقهم الإنسانية, المتمثلة في مجرد العيش الآمن ولو على هامش الحياة. حيث يواجه أولئك المواطنين, وبجانب هروبهم من ديارهم وتكبدهم مشاق النزوح واللجوء, فإنهم ظلوا عرضة للسلب والنهب والترويع بمختلف أشكاله وألوانه وسائله. ولا زالوا. وما هو أسوأ من انتهاك حق الإنسان في الحياة؟

أما الدليل الأكبر والأحدث على انتهاك حقوق الإنسان السوداني, بل وأهمهم على الإطلاق, ما رشح أخيرا عن اعتقال المواطن السوداني وليد الحسين, مؤسس صحيفة الراكوبة الذى اعتقلته السلطات السعودية منذ أكثر من شهر ودون تقديم اى تهمة إليه تبرر ذلك الاعتقال, بينما جاء بالأسافير أيضا, ان الرجل أوضح بان اعتقاله قد تم بناء على طلب من حكومة السودان من اجل تسليمه إليها. وقد هز خبر اعتقاله هذا مواطني مختلف دول العالم ممن تؤمن باحترام حقوق الإنسان وحريته, فانبرت تنظيماتهم الإنسانية بالمطالبة الفورية لإطلاق سراحه, ودون مجرد التفكير في أمر تسليمه لحكومة السودان. لقناعتهم بان في ذلك الفعل ما يعرضه لمختلف أنواع المخاطر من أدناها التعذيب إلى أقصاها القتل.

وكالعادة, فقد سكتت حكومة السودان عن ذلك الاتهام دهرا ثم نطقت كفرا,على لسان سفيرها بالمملكة العربية السعودية, الذى نفى أي مطالبة من جانب حكومته باعتقال الرجل وتسليمه إليها, وحتى ان قبل هذا النفي, فما هي الخطوات التي اتخذتها حكومته وعبر سفارتها بالمملكة السعودية أيضا, من اجل الوقوف بجانب أحد مواطنيها الذى اعتقلته السلطات السعودية ودون ان تقدم له اى اتهام ثم أودعته السجن ليظل سجينا به بلا تهمة حتى الآن؟ وبالطبع لا يمكن ان يقبل احد بان تخلع حكومة السودان تهمتها بطلب اعتقال الوليد لتلبسها للمملكة السعودية, خاصة وفى ظل مليكها الذى اشتهر بالعدل وإغاثة المظلوم وحماية من يستجير به مما سارت به الركبان,الأمر الذى يجعل من الاستحالة بمكان ان تقدم المملكة العربية السعودية على مثل ذلك الفعل الذى لا يتسق مع عدلها ولا عدالة الشرع الذى تحكم به. أما وقد علمت بمدى خطورته فلا أظنها ستعمل على تنفيذه إرضاء لحكومة السودان, مقابل إغضاب كل حكومات وشعوب العالم.التي ترفض مثل ذلك الفعل.

ولتأكيد ان حكومة السودان هي التي تقف وراء المطالبة باعتقال وليد الحسين, كان إعلان وزير إعلامها الذى أفصح عبره عن اتهامهم للإعلام الالكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي, بأنها تعمل على بث الشائعات المغرضة والخادشة للحياء, والتي تعمل على تشويه صورة السودان. كما أضاف سيادته بأنهم بصدد إصدار قانون خاص بالإعلام الالكتروني يمكنهم طبعا, من ملاحقة أصحابه وكل الأقلام التي تتعامل مع مواقعه. وحتى تكتمل صورة إخراس كل الأصوات التي لا يسبح بحمد حكومته داخليا وخارجيا..

وصحيفة الراكوبة, وهى تقف على رأس الإعلام الالكتروني, أصبحت في نظر حكومة السودان جريمة يعاقب بموجبها من بادر بإنشائها, وليد الحسين, لا لشيء إلا لان الراكوبة قد أفلحت في سد كل الثغرات التي تتسرب عبرها الكثير من الآراء النيرة والقيمة وتحرم من مصافحة عيون القراء فقط لأنها لم تأتى بما تشتهى سفن الحكومة. 

وبما ان الحكومة قد حددت للصحف بالداخل مدى الحرية الذى يجب عدم تعديها لها, أصبح لزاما على تلك الصحف الامتثال للطلب والعمل بموجبه على أساس (خادم الفكي مجبورة على الصلاة) ذلك لان اى صحيفة تحاول تحدى تلك الأوامر فمصيرها المصادرة ذات العقوبة المزدوجة حيث المصادرة بعد الطبع, فتحرم من فرصة التوزيع, ومن بعد تواجه أقسى عقوبة, فقدان عائدها المادي, وفى ظل كل ذلك العنت والتضييق ظلت الكثير من الأقلام تهرب بموضوعاتها التي ترفضها الرقابة قبلية أو بعدية, إلى الصحف الالكترونية وخاصة الراكوبة, والغريب ان 90% تقريبا من الموضوعات بصحيفة الراكوبة هي ذاتها التي نشاهدها في الصحف السودانية يوميا, وان ألأخبار التي تنشرها, هي ذاتها التي نسمع ونشاهد عبر وسائل إعلام الحكومة. إذا, أين المشكلة أو الجرم الذى ارتكبه وليد الحسين في حق الحكومة أو غيرها يستوجب مجرد مساءلته دعك عن اعتقاله؟ أطلقوا سراح الرجل وقبل ان يتوجه وفدكم إلى جنيف, وإلا فبم سيبر ر اعتقال رجل كل جرمه انه انشأ مظلة ليستظل بها كل المحرومين من ظلال حرية التعبير بصحف وطنهم؟ 

suadeissa@yahoo.com

الراكوبة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق