محجوب محمد صالح
في الأسبوع الماضي بدأت بوادر صراع بين حكومة السودان ومجلس السلم الإفريقي بعد أن أصدر المجلس قرارا في الخامس والعشرين من الشهر الماضي رسم فيه معالم رؤيته حول معالجة الأزمة في دارفور وفي ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، إضافة إلى رسم معالم استراتيجية الحوار الوطني السوداني الذي يستهدف الوصول لحل شامل لأزمة السودان بكافة أبعادها مقترحا أن يبدأ الحوار بين كافة أطراف الصراع في مقر الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا وبتسهيل من لجنة الاتحاد الإفريقي رفيعة المستوى المنوط بها الوساطة لحل الأزمة السودانية، وكان المجلس قبل إصداره لهذا القرار قد استمع لممثلين للمعارضة السودانية بشقيها المدني والعسكري.
وقد رأت الحكومة أن موقف المجلس الإفريقي كان خاطئاً في كلا الأمرين، وعابت عليه أن قراره حول الأزمة السودانية لم يأخذ في الاعتبار إنجازات الحكومة في مجال السلام، وأن لقاءه مع ممثلي المعارضة السودانية، والمسلحة خصوصا، كان خطأ وأنه ليس من حقه ولا سلطته أن يلتقي المعارضين فهو -منبر للحكومات لا للمعارضة خاصة المسلحة- وهذا يعني أن الجانب الحكومي السوداني يعتزم الدخول في مواجهة مع المجلس حول هذين الأمرين، وأن ممثليه في الاتحاد الإفريقي سيثيرون هذا الأمر في جلسات لاحقة- فهل حقا أخطأ الاتحاد الإفريقي في تناوله لهذه القضايا؟
أي قراءة متأنية للقانون المؤسس للاتحاد الإفريقي ولبروتوكول مجلس السلم والأمن الإفريقي تشير بجلاء إلى أن المنظمة الإفريقية تحركت في إطار صلاحياتها الرسمية ومارست عملها وفق قوانينها ولوائح إجراءاتها والسلطات الممنوحة لها، وهي قد ظلت تمارس نفس هذه الصلاحيات طوال السنين الماضية وبمعرفة وموافقة السودان.
مجلس الأمن والسلم الإفريقي نشأ وفق بروتوكول محدد أجازته وصدقت عليه كل الدول الأعضاء بما فيها السودان، ودخل حيز التنفيذ في اليوم السادس والعشرين من شهر ديسمبر عام 2004 وكانت قضية دارفور من أولى القضايا التي تولاها بموجب الصلاحيات الممنوحة له في ذلك البروتوكول، وكان السودان عضوا في المجلس الأول الذي أجاز دخول بعثة سلام إفريقية لدارفور ومنحها صلاحياتها.
المجلس بحكم ذلك البروتوكول نشأ على غرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وهو الذراع الدائم للاتحاد الإفريقي المنوط به حل النزاعات ودعم السلام والاستقرار في كل الدول الإفريقية، ويتمتع بصلاحيات واسعة وردت في ذلك البروتوكول، ويتكون من خمسة عشر عضوا يتم اختيارهم عبر الانتخاب الذي تشارك فيه كل الدول الأعضاء، ويراعى في تكوينه تمثيل كافة مناطق القارة الإفريقية وذلك باختيار ثلاثة أعضاء لكل منطقة من مناطق شرق ووسط إفريقيا والجنوب الإفريقي، وأربعة أعضاء من غرب إفريقيا وعضوين من شمال إفريقيا ويتم اختيار خمسة من هؤلاء الخمسة عشر عضوا لفترة ثلاث سنوات والعشرة الآخرين لمدة عامين، ثم يتجدد الانتخاب بآخر نهاية عمر الفترة، ويكون للدول الأعضاء وجود دائم -عبر المندوبين الدائمين- طوال الفترة في مقر الاتحاد الإفريقي، كما ينعقد المجلس أحيانا على مستوى الوزراء وأحيانا على مستوى رؤساء الدول، وتتداول رئاسته الدول الأعضاء شهريا، أما صلاحيات المجلس فتشمل: تحقيق السلام في مناطق النزاعات وبناء السلام وحفظه وتشكيل بعثات حفظ السلام والعمل على حل النزاعات والاستماع لكل أطراف النزاع ومنع تطور النزاعات، إضافة للترويج ودعم الحكم الديمقراطي الراشد، بل ويملك المجلس حق التوصية للاتحاد الإفريقي للتدخل في أي دولة يصل فيها الصراع مرحلة الإبادة الجماعية أو انتهاك القانون الإنساني الدولي؛ فصلاحيات المجلس شبيهة بصلاحيات مجلس الأمن الدولي.
ويمتلك المجلس صلاحية كاملة لكي يستمع لكافة أطراف الصراع في أي بلد سواء كانوا في الحكومة أو المعارضة أو منظمات المجتمع المدني أو الدولي، وفي هذا الإطار التقى بالمعارضة السودانية لأن بروتوكول تأسيسه يمنحه هذا الحق في المادة الثامنة البند العاشر الفقرة (ح) وتقرأ:
(يحق للمجلس أن يدعو أية آلية إقليمية أو منظمة دولية أو منظمة مجتمع مدني ذات صفة أو لها علاقة بحالة نزاع معروضة على المجلس للمشاركة في مناقشة الموضوع دون أن يكون لها حق التصويت).
والبند الحادي عشر يقول:
(يجوز لمجلس السلم والأمن الإفريقي أن يعقد جلسات تشاورية غير رسمية مع كل الأطراف المعنية بنزاع معروض على المجلس، كما يجوز عقد تلك المشاورات مع أية آليات إقليمية أو منظمات مجتمع مدني حسبما تقتضيه الحاجة لأداء المجلس لمسؤولياته).
ومن هذا يتضح أن للمجلس حقا مكفولا للاستماع لآراء أطراف النزاع كافة وليس الحكومات وحدها، كما له الحق في عقد جلسات تشاورية مع الأطراف الأخرى بما في ذلك منظمات المجتمع المدني وليس هناك إستثناء لحملة السلاح فهو يستطيع أن يستمع -مثلا- للدكتور ريك مشار (قائد المعارضة المسلحة بدولة جنوب السودان) مثلما يستمع للرئيس سلفاكير (رئيس دولة جنوب السودان).
يبدو لي أن المسؤولين الذين عابوا على المجلس عقد هذه اللقاءات مع المعارضة لم يطلعوا على هذه المواد، ولكنني كنت أتوقع أن يتذكروا أن منظمات مجتمع مدني سودانية مدعومة من الحكومة قابلت المجلس في وقت سابق وبرضا الحكومة وأبلغته معارضتها لتدخل محكمة الجنايات الدولية في الشأن السوداني!!
العرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق