يستمر الرئيس عمر البشير حاكماً للسودان، لكن هذه المرة يستشعر الضعف فيسعى لتجميل صورته بصنع "نيولوك" شبيه بالرئيس المخلوع حسني مبارك في انتخابات 2005. إذ كان أعلن البشير عن اتباع التعددية عام 2010. بعد مجيئه للحكم في 1989 متولياً منصب "مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني"، ومن يومها يورث نفسه كرسي الحكم. يجمع النظام السوداني والمصري الكثير من الصفات، فكلاهما لا يريان أهمية للأحزاب أو النقاش مع أطراف المجتمع أو حل الأزمات الاقتصادية والمعيشية، حتى مؤيدي الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي لا يسمع لهم نصيحة... والوضع ذاته قائم في السودان. لا تختلف أيضاً أوضاع الشباب السوداني والمصري اقتصادياً أو سياسياً، فالذين التحقوا بالحراك السياسي محاصرين ويعانون من الملاحقات الأمنية.
تتشابه أيضا القوى السياسية في كلا البلدين في تفتتها وتصارعها وترددها في اتخاذ مواقف واضحة منحازة لمطالب التغيير، خاصة في ما يتعلق بقضية التنمية الاقتصادية، وتتمحور مجمل مطالبها في مناشدة النظام بإعطائها الفرصة في التنافس السياسي!
أما على المستوي الاقتصادي فكلا البلدين تم نهبهما من الفئات الحاكمة، ويغرق أهلهما في الفقر ونقص الخدمات أو تدهورها في أحسن الأحوال، خاصة في ما يخص ملف التعليم والصحة والسكن وتوفير الغذاء للشعب. في السودان كما في مصر ما زالت برامج التقشف الاقتصادي سائدة، وتفرض الضرائب على المواطنين مما يرفع أسعار السلع الأساسية.
حين التقى الرئيسان في القاهرة (البشير والسيسي)، اتفقا على مجمل المخاطر التي تحيط بالمنطقة، وأكدا ضيق صدرهم من الإعلام، وطالب البشير أن يتم ضبط وسائل الإعلام المصرية التي تغطي أنشطة المعارضة السودانية، ودعا إلى التضييق على معارضيه في القاهرة.
المفارقة أن بعض قوى المعارضة السودانية تخيّلت أن السيسي سوف يدعمها من منطلق أن النظام المصري له موقف ضد حكم قوى الإسلام السياسي، وظنت بعض النخب السياسية أن السيسي سوف يتناقض مع البشير، إلا أن المؤشرات والمنطق يقول إن السيسي الذي يخاف من ثورة مصرية ثانية، لا يمكن أن يدعم قوى ثورية أو أي حراك شعبي سوداني بل بالعكس، سوف يسعى إلى تجميد الحراك السياسي في مصر وفي أي دولة مجاورة خوفاً من تمددها إلى بلده مجدداً.
فقد كان مشهد انتخابات البشير التعددية مشهداً هزلياً، المرشحون هم أبناء النظام ذاته، في حين سيطرت المقاطعة الشعبية على المشهد، وحقق البشير فوزه بنسبة أصوات 94%، كما حقق بشار الأسد فوزه بـ "تعدديته" بنسبة 88.7% في انتخابات جرت تحت وقع أصوات المدافع.
وعلى طريقة احتفالات تنصيب الملوك والأمراء يستكمل البشير حكمه بحفل تنصيب، بالتأكيد الحكام كما الشعوب يتعلمون أو يقلدون بعضهم بعضاً، السيسي فعلها والبشير ليس أقل منه، وإن كانت دعوة البشير لحفل التنصيب لم تحظ بذات الاهتمام بالسيسي. إذ لم يحضر حفله سوى خمسة رؤساء دول، واكتفت دول الخليج بإرسال مندوبين.
أثارت مشاركة السيسي في التنصيب عدداً من التساؤلات، أبرزها ما الذي يجمع الحاكمين، وما الذي يستدعي المشاركة بالحفل. تمحورت الردود حول ترتيب التحالفات السياسية والاقتصادية والعسكرية بالمنطقة، خاصة مع مشاركة السودان في عاصفة الحزم والتصدي لمحاولات تمدد قوى التطرف. كذلك مثل ملف المياه وسد النهضة الإثيوبي نقطة مركزية وتحدياً للنظام المصري جعله يهتم بتقوية العلاقات المصرية -السودانية ليثبت فاعليته.
كل ما سبق من مبررات التقارب لا تلغي التشابه في الأداء والسياسات ما بين النظامين، بل بين البشير والسيسي كأشخاص. عمرياً يفصل بين الاثنين عشر سنوات، البشير عمره 71 عاماً، والسيسي 61 عاماً. كلاهما من خلفية عسكرية ووصلا إلى الحكم من دون برامج سياسية، وهما أيضاً أبناء الفئة الحاكمة التقليدية المحافظة. الفارق أن السيسي أتى في مرحلة ما بعد الثورة المصرية، بينما البشير حاول الشعب إسقاط نظامه أكثر من مرة ولم يستطع.
عصام شعبان
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية)
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق