على غير العادة ، استغرق تشكيل حكومة عمر البشير الجديدة اكثر من اربعة اجتماعات احدهما خارج مقر حزب المؤتمر الوطني الحاكم وعقد داخل قصر الضيافة ، في حين كان تشكيل الحكومة الجديدة سابقا لا يستغرق عدة ساعات في اجتماع واحد داخل مقر الحزب.
وأشار مراقبون ومصادر من داخل هذه الاجتماعات الى وجود خلافات بين تكتلين ، احدهما يقوده النائب الاول السابق علي عثمان محمد طه وآخر يقوده الرجل صاحب النفوذ القوي ومساعد الرئيس السابق نافع علي نافع بحيث دفعت كل كتلة قائمة من وزراء وولاة ولايات للرئيس البشير .
ومع ان طه نفى خلال حوار اجرته معه صحيفة السوداني مؤخرا صحة هذه التسريبات وقال ان كل ماحدث هو " امر شوري داخل مؤسسات الحزب وان المكتب القيادي عمد الى وضع بعض التعديلات على مقترحات تقدمت بها اللجنة المعنية بتشكيل الحكومة، الا ان مراقبين يرجحون ان هنالك واقعا جديدا برز على السطح وهو ذهاب الوجوة الاسلامية المعروفة وادخال وجوه تلقى القبول لدى دول الخليج عموما والمجتمع الدولي عموما.
فقد خلت الحكومة المكونة من ٦٧ وزيرا وخمسة مساعدين و١٨ والي ولاية من الأسماء المعروفة بانتمائها الصارخ والمعروف لجماعة الاخوان المسلمين التي جاءت وساندت حكومة الانقلاب العسكري في ١٩٨٩. حيث تم التخلص من اخر من تبقي من الحرس القديم أمثال علي كرتي وزير الخارجية السابق، ومصطفي اسماعيل الوزير برئاسة الجمهورية، بعد ان تم التخلص أصلا من القيادات النافذة(علي عثمان محمد طه، نافع علي نافع، عوض الجاز) في اخر تعديل وزاري قبل اكثر من عام أما الرجل المقرب من الرئيس ووزير الدفاع السابق عبد الرحيم محمد حسين فقد تم تعيينه واليا لولاية الخرطوم التي يقطنها ثلث سكان البلاد، في خطوة فسرها مراقبون بأنها رغبة من البشير في إحكام سيطرته على العاصمة وهي مركز الثقل السياسي والسكاني والأمني، لا سيما ان ولاية الخرطوم كانت من أقل الولايات تصويتا في الانتخابات الماضية رغم انها الاكبر في عدد السكان، ورغم الموارد الضخمة والامكانيات اللوجستية التي يختص بها المؤتمر الوطني هذه الولاية لأهميتها الاستراتيجة لنظام الحكم، مما يدل ان التيارات المناوئة لاستمرار البشير في السلطة من داخل المؤتمر الإسلامي والحركة الإسلامية فعلت فعلها في إخراج العملية الانتخابية التي راهن عليها البشير بذلك الشكل المحرج، وقد ظهر ذلك جليا في بيان رسمي أصدرته الحركة الإسلامية بولاية الخرطوم في اليوم الثاني للانتخابات تحث فيها العضوية على التصويت رغم ما أسماه البيان"شنآن الحال" والشنآن معناه السخط وعدم الرضا، وبطبيعة الحال فإن البيان الداعي للتصويت وإنجاح الانتخابات أصدره الجناح الموالي للبشير في الحركة الإسلامية المنقسمة على نفسها هي الأخرى كما ظهر في آخر مؤتمر عقدته عام 2012.
وكل هذه المؤشرات تدل على ان البشير يريد ان يسنده ظهره في ولاية الخرطوم على قائد عسكري من خاصته، كما يتخوف نشطاء سياسيون وحقوقيون من تصاعد وتيرة القمع على هذه الخلفية.
البعد الخارجي:
في هذا الصدد يقول المحلل السياسي عادل مجذوب ل" التغيير الالكترونية " عبر الهاتف " من الواضح ان الرئيس البشير أراد إرضاء أطراف خارجية خاصة دول الخليج عندما أزاح شخصيات كانت مثار علامات استفهام من قبل بعض الزعماء الخليجيين وخاصة الإماراتيين. . واراد إرسال رسالة فحواها انه تخلص مما تبقي من الأخوان المسلمين في حكومته وانه جاهز لدخول الحلف الجديد مع السعودية والإمارات ومصر وهي دول لديها عداء معروف مع جماعة الاخوان المسلمين".
كما عمد الرئيس البشير الي إحاطة نفسه وتعيين ولاة الولايات التي تشهد نزاعات مسلحة من شخصيات ذات خبرات عسكرية وأمنية عندما أعاد تعيين شخصية مثيرة للجدل مثل الفريق طه عثمان مديرا لمكتبه بالقصر الجمهوري وبمجلس الوزراء ومنحه صلاحيات واسعة تتعدى في بعض الأحيان صلاحيات الوزراء والمساعدين معه في القصر الجمهوري. وقرر ايضا اعادة تنصيب احمد هارون ، احد المطلوبين في محكمة الجنايات الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب في دارفور واليا على شمال كردفان والتي تجاور ولايتي شمال دارفور وجنوب كردفان. وايضاً عين عبد الواحد يوسف واليا لشمال دارفور، أبو القاسم الأمين بركة واليا لغرب كردفان وكل هذه الشخصيات معروفة بخبرتها العسكرية والأمنية الواسعة. ويفسر مجذوب هذا الاتجاه الجديد بان البشير يريد انهاء التمرد في مناطق النزاعات بالوسائل العسكرية ولا يريد اي شخصيات لديها رغبة في التفاوض.. والواضح جدا ان الفترة المقبلة ستشهد أعمالا عسكرية كبرى خاصة في ولايات كردفان وجنوب دارفور".
والملاحظة التي لا يمكن تجاهلها ان البشير نقل والي البحر الأحمر محمد طاهر ايلا والذي يمتاز بالنفوذ الواسع في شرق السودان الى ولاية الجزيرة التي تعاني من مشكلات متراكمة ومعقدة.
يعتقد مراقبون ان الرئيس يريد ان ينهي سطوة ابن البحر الأحمر المتزايدة. وهو ذات ما ذهب اليه المحلل السياسي عادل مجذوب عندما افاد " ايلا سيواجه مشكلات معقدة في الجزيرة واولها ان هنالك متنفذين في الولاية ولهم مصالحهم التي تتعارض مع مصالحه. كما ان مشروع الجزيرة مازال مليء بالحفر والمطبات ولا يمكن لوالي مهما كانت قدراته حلها لانها وببساطة شديدة هي مشكلة دولة كاملة وتحتاج الى دولة مصغرة لادراتها. والاهم من ذلك في رأيي هو ان ايلا كان يهتم بمدينة بورتسودان الساحلية الصغيرة وليس كل ولاية البحر الأحمر التي تعاني اجزاء كبيرة منها من الفقر والجوع.
وحسب مراقبين من الممكن ان تكون تولية إيلا لولاية الجزيرة تمهيدا للتخلص منه نهائيا في المرحلة المقبلة وفق سيناريو تصعيد الأزمات في الولاية المأزومة أصلا.
التغيير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق