محمد عبدالله برقاوي |
الحرب الباردة التي سادت العالم بعد الحرب العالمية الثانية هي حروب الوكالة بين الدولتيين العظميين الولايات المتحدة والراحل الإتحاد السوفيتي .. فبدلاً عن المواجهة
المباشرة بالأصالة تقوم أطراف هي ربيبة لكلا الطرفين بالتنازع إنابة عنهما في مناطق معينة بغرض فرض سطوة هذا الطرف أو ذاك .
في هذا السياق كانت الولايات المتحدة قد فكرت في إستقطاب المد الإسلامي على تواضعه حينئذ في منطقة الشرق الأوسط بدافع قطع الطريق على التمدد الشيوعي والقومي الذي كان في عنفوانه !
بعد سقوط الإتحاد السوفيتي وإنفراط عقد المعسكر الشرقي وما صاحب ذلك من تفكك منظومة اليسارفي رقعة واسعة من بساط العالم وضعف قبضة التوجهات القومية في المنطقة .. لم تهنأ الولايات المتحدة والغرب بصفة عامة بإنفرادها بالساحة لان القطط التي ربتها لأكل أعدائها ممن كانت تسميهم فئران المعسكر المناهض قد أصبحت سمينة بالقدر الذي جعلها تتجاسر على من رباها .. فدلفت الى جحور أفغانستان وتفرخت عنها فرق ومعسكرات الى أن أفلت الزمام الى هذا القدر من الفوضى غير الخلاقة التي تدفع منطقتنا ثمنها غالياً في ظل وجود أنظمة تهتم ببقاء ذاتها أكثر من إهتماهها بسلامة الأوطان !
ومن ثم نشأت تلك الحرب الباردة بصورة أخرى في المنطقة بين القوى الشيعية الصفوية التي تريد إحياء إمبراطوريتها الآفلة تحت رايةٍ إسلامية وبالمقابل يريد التيار الوهابي السني أن يعقل مسيرة المنطقة في حظيرة الزمن السالف !
أنشأ الشيعة كيانات البسها دروع مقاومة العدو الإسرائيلي ولكنها حينما أنجزت مهمتها عند الحدود الجنوبية للبنان كانت عينها على ابتلاع الداخل استقواءاً بالنظام السوري الذي سعى لتحويل البلاد الى إحدى مقاطعاته المستسلمة فاشترى الذمم إما بالإغراءات أو بالترهيب .. فغابت هيبة الدولة اللبنانية التي باتت في فراغ دستوري يملاء جوانبه تسلط موازٍ بل هو أقوى عن الدولة، فبات في لبنان حاكم غائب ومليشيا زعيم هو الحاكم المتحكم بذراع خارجية ونصف جيش حكومي لا حيلة له البتة !
ولعلنا في حلِ عن سرد المآلات التي نجمت عن الحرب الباردة في منطقتنا وقد بلغت درجة تسخينها أن كل طرف أشعل حريقاً في طرف ثياب الثاني ..!
فاللهيب السني في سوريا يقابله الجحيم الشيعي في اليمن بعد أن يئس عن قطع الجسر الرابط بين المنامة والدمام !
حكام الإنقاذ عندنا لم يستوعبوا كل تلك الدروس ..فانشأوا من حر مال الشعب كتائب لقطط سمنت هي الآخرى بعد أن تذوقت طعم الدم وملأت جيوبها بالمغانم فبدأت تستأسد على القوات النظامية والجيش الذي تراجع دوره تحت قيادة وزير دفاع همه أن يدرك الفجر في بيت الرئيس وقد حمل جردل اللقيمات الحارة إسترضاء للملكة الآم .. ولكن غفلة نظره عن حماية الحدود نهاراً تتفاقم عند حلول الظلام حينما تتسلل الطائرات الغائرة وهي بدون إضاءة بيد أنها لا تخطي الهدف حتى وهي كفيفة البصر!
الآن البلاد فيها رئيس هو شبيه برئيس لبنان منتهي الصلاحية الدستورية وحكومة محاصصة أشبه بحكومة استرضاء الماروني والشيعي والدرزي والسني مع إختلاف العدد وحزب الله هو من يحدد متى ينعقد برلمان البلاد ومن يكون الرئيس إما بإرادته أو لايكون !
و القائد حميدتي يخطو في ذات الطريق ليتسيد الغرب ..مثلما يفعل حسن نصرالله في ضاحية بيروت الجنوبية.. فحميدتي ايضا ًبمليشياته ليس ببعيد عن ضواحي العاصمة .. فهو يستثير المواطنين في ديارهم ويستفز الشعور العام بمنطق قوة السلاح التي قد تغلب الشجاعة !
والأمة مشغولة بصراخ المصارين التي يزعج الناس تمزقها أكثر من تقطيع البلاد الى شقف بيد الذين باتوا مشرطاً مسموماً ينشط في جسد الوطن تشريحاً لإرضاء كل من يرفع السلاح!
وأماالحالمون بطاولة الحوار .. فالتأجيلات وترحيل المواعيد من قبل الحكومة التي عبرت بعدم شرعيتها الي عدم أخر تقول لهم موت ياحمار !
ومرجل الحزب الحاكم يغلي وفي داخله العظام الكبيرة تريد أن تقفز قبل أن تحترق تحت أثافي الجيش و حطب الأمن اللاهب .. لكن الشيء المخيف أن طنجرة السودان كله باتت من معدن ضعيف لا يحتمل المزيد من جمر الغضى وقد يذوب في حرب أوارها ليس بارداً .. حيث لن يجدي الندم عند التغني ..كنا زمان وكنا و كان لنا سودان كبير.. باعه الكيزان بأبخس الأثمان.. وطنٌ لم نحمه نساءاً ورجالاً ..فنبيت نبكيه كأطفال مشردين بلا مأوى !
محمد عبد الله برقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق