الخرطوم: عاصم اسماعيل
دشن مصطلح (ولاية وزارة المالية على المال العام) في عهد وزير المالية الأسبق الراحل د. عبد الوهاب عثمان، للمالية "كنترول" على الإيرادات لأنه اكتشف وجود سوء فى التحصيل وأن هنالك أموالاً تمر عبر قنوات غير حقيقية. ومنذ ذلك الحين وتظل الإيرادات مجزأة كما أن فكرة الجهاز القومي للإيرادات لم تر النور برغم أن قانونها أجيز من مجلس الوزراء فأيهما أحق بالتفعيل؛ الجهاز القومي للإيرادات أم الجهاز القومي للحسابات؟. ونحن نتحدث عن التحصيل الالكترونى وعن المتلاعبين المقاومين للتجربة التى كشفت عن وجود 36 ألف رسم تحصيلي و40 أورنيك غير قانوني و17 ألف متحصل وجهات لها مصالح اتفق معظم الخبراء على أن حديث وزير المالية فتح الباب على مصراعيه فمنهم من دافع عن الفكرة ومنهم المندهش لما ذكره الوزير من أرقام وآخرين دعوا لتحري مزيد من الدقة ومراجعة اللجان المكلفة بحصر الرسوم وإخضاع الأمر لمزيد من الدراسات. ومن الشواهد التى أكدها وزير المالية عند انطلاقة التحصيل الالكتروني هو تأكيده على مقاومة هذه الخطوة وهو ما جدده أمس الأول بقوله إنه لم يكن يتخيل أن يواجه التحصيل الالكتروني بمقاومة شرسة لهذا الحد مما جعله يصف أولئك بالمتلاعبين يريدون النظام الورقي للاستمرار فى تجاوزاتهم. وبرغم أن خطوة وزارة المالية التى وصفها البروفسور عصام بوب فى حديثه ل"الصيحة" أمس أنها تأتي متسقة مع برامج إصلاح المالية إلا أنه أيضا يقول إنها خصم عليها باعتبار أنها المسئولة مباشرة عن المال العام ويقول بوب: "أخيراً تحدث الوزير بما ظللنا نتحدث عنه وعن معاناة المواطن"، وقال: "أتمنى أن يكون الأمر مدخلاً لكي تفرض الوزارة ولايتها وتتخذ قرارات شجاعة بإزالة الآلاف من هذه الرسوم والضرائب"، والتى قال إذا نشرت عاليما لوجدت حظها من موسوعة "جينيتس" وفى الاتجاه المغاير. يقول بوب إن اكتشاف المالية جاء متأخرا فكم من المتضررين والمظلومين من التحصيل غير القانوني ونرجو أن يكون التصحيح سريعاً وألا يستغرق وقتاً كبيراً.
إلا أن الطيب مصطفى أبو قناية وكيل المالية الأسبق ورئيس آلية مكافحة الفساد يرى فى حديثه لـ"الصيحة" فيما ذكره الوزير من أرقام "36" ألف رسم من المفترض أن تخضع لقانون وقال: "كل إيرادات الدولة مصنفة"، إلا أنه أبدى انزعاجه من العدد الكبير من الرسوم وفسر الأمر بقوله: ربما تكون الدولة على دراية وعلم بتلك الإيرادات التى يتم تحصيلها فى حسابات تلك الجهات وتساءل أين المراجعة؟ وقال هذه الإيرادات يجب أن تخضع لمراجعة على المستوى الولائي والاتحادي وزاد: "الوزير تهمه الاتحادية والولاية تهمها الولاة وكل ولاية لها قانونها"، وأبدى اندهاشه ل"36" ألف بند إيرادى، ودعا الى تفعيل الجهاز القومي للإيرادات، وقال: أتفق مع الوزير فى موارد السودان الضخمة التى تحتاج الى إدارة بيد أن سوء التحصيل يقف حاجزا. واستحسن أبوقناية البرنامج الالكتروني لأنه يتيح إدخال معظم موارد الدولة وضبطها مع علمه التام بوجود واستمرار المقاومة، مبينا أن الهدف من الالكتروني هو تقليل الاحتكاك بين المواطن والموظف.
وفى الأثناء دعا الدكتور محمد الناير الى مراجعة اللجان التى كلفت بحصر تلك الرسوم واستبعد أن تكون لمستويات الحكم الثلاثة أن تبلغ هذا العدد وربما يكون هنالك تكرار لمسميات بجانب تباين أيضا فى الفئة من ولاية لأخرى وقال لـ"الصيحة" "أتمنى أن يتم التدقيق أكثر فى هذا الرقم قياسا لماهو ممنوح فى مستويات الحكم الثلاثة". وفيما يتعلق بالأرانيك يرى أنها متعددة وقد لا تكون مالية مثلا دفتر"67" هو أورنيك وسيط ليس مالياً يحصل بأورنيك "15" الورقي ثم يدرج دفتر"67" وهى مرحلة من مراحل اكتمال توريد المبالغ للخزينة وهو لا يحسب أورنيكاً مالياً بجانب وجود فورمات أخرى لاستخراج رخص أو شهادات بعضها يعتمد كأورنيك مالي ومعظمها لا يعتمد. وقال إن التحول سيجد مقاومة لأن المستفيدين سيظلون يقاومون بشدة ونستخلص من ذلك أن الأورنيك الورقي عرضة للتزوير وفقدانه يسبب مشكلة لمن يجده سيستخدمه بالإضافة الى تكلفة طباعته بجانب الكم الكبير من المتحصلين، "تكاليف مقابل أموال"، واتفق الناير مع أبوقناية فى أهمية الجهاز القومي للإيرادات، ولكنه يرى أن الخلل الذى صاحب تجربة الأورنيك الورقي هو التطبيق باعتبار وجود جهات تعمل في إخراج الأورنيك أو تطبيق خاطئ فى ظواهر التسجيل وأن التطور يتطلب التحول الكترونياً ومن ميزاته أن التزوير فيه محرم قانونياً ووسائل تأمينه عالية ولن يتم السحب إلا بأرقام مسلسلة كما أن فئات الرسوم مبرمجة لا يمكن إجراء معاملة دون إصدار إيصال الكتروني وقال: "صحيح هنالك مهددات فى ظل الجيل الذى يتلاعب بالأجهزة الالكترونية ولكن الضوابط التى وضعت أعتقد أنها كافية".
مما يجدر ذكره أن أورنيك "15" الورقي كان واحداً لكل الدولة ومن ثم طبع أورنيك "15" لكل ولاية بألوان مختلفة فيه شعار الولاية، والخرطوم الأورنيك باللون الأصفر مع انفصال أورنيك الخارجية وهذه قللت من الإيرادات. مع العلم أن النظام المالي المحاسبي فى الدولة لم يتغير منذ العام 1956م، لم يتطور بنفس الطريقة التى من حولنا فى عدة دول.
حكى لي الدكتور الطيب مصطفى ابو قناية أمس أنه ذات مرة فى إحدى المستشفيات التى تستفيد من إيرادات الدخول كان المدخل الواحد يتم تحصيل حوالي 750- ألف جنيه يوميا فأدخلنا البطاقات الالكترونية فى الأبواب أول يوم ارتفع فيه التحصيل الى مبلغ 6 ملايين استمر الحال هكذا لمدة شهر ثم عطلت الأجهزة وعاد التحصيل كما كان فى السابق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق