حالة من المد والجزر تسود العلاقة بين واشنطون والخرطوم منذ تسعينيات القرن الماضي، فقد ظلت الإدارة الأمريكية تتعامل مع أزمات الخرطوم بسياسية الجزرة والعصا ، فكلما قدمت الأخيرة قربانا طلبت منها الأولى أكثر من القرابين وظل الحال يدور أخذ دون عطاء.. ولعل ابرز ما قدمته الخرطوم في سبيل إرضاء غرور سيدة العالم وإرضاء نرجسيتها، كان انفصال الجنوب في مقابل رفع العقوبات ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي، وهذا ما عضده المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي بريستون ليمان في محاضرة سابقة عن العلاقات الأمريكية السودانية، حينما قال: سبب توتر العلاقة بين البلدين يرجع الى أنه كلما جاء السودان، بمتطلبات التطبيع، جاء بكبيرة محقت جائزته معترفاً في الوقت نفسه بأن السودان قد أوفى بمتطلبات العصا الأمريكية ولم يلق جزرتها..
التحليلات ذهبت منذ ذلك الوقت الى أن النكوص الأمريكي المتكرر عن الوعود، ما هو إلا دليل علي عدم جديتها في التطبيع مع الخرطوم، وانطبع في أذهان الكثيرين أن من شيم سيدة العالم المراوغة كما الفتاة اللعوب، بهدف كسب مزيد من التنازلات، حينها وصف ليمان تعامل واشنطون مع الخرطوم ( بمن يرحل قوائم المرمي في كرة القدم، فكلما اقترب من إحراز هدف محقق، ضاعت تلك الفرصة منه)، ولخص ليمان عدم حظوظ الخرطوم في اغتنام الجزرة الأمريكية بقوله: لقد حانت الفرصة للسودان لتطبيق العلاقة في اتفاقية السلام الشامل(نيفاشا 2005م) إلا أن أزمة دارفور محت حسنات ما أوفت به نيفاشا، ثم جاءت الفرصة الثانية والحاسمة لقبول السودان بنتائج استفتاء جنوب السودان واعترافه بذلك، الى أن لاحت في الأفق حرب ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وهنا تطرح تساؤلات عدة وهي لماذا كلما أقترب أوان تطبيع علاقة واشنطون، تشتعل الحرائق وتنفجر قنابل الخرطوم، تجعل منها الإدارة الأمريكية ذريعة لوقف التطبيع مع الخرطوم، سؤال يتم استحضاره كلما تحدث مسئول في واشنطن أو في الخرطوم عن قرب التطبيع بين البلدين، وماذا تم من خطوات في هذا السياق؟ خاصة بعد زيارة نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني بروفيسور غندور الأخيرة الى واشنطن، وحديث الحكومة عن أنها أول دعوة رسمية مباشرة لمسئولين سودانيين، وهذا ما فسرته الحكومة بأنه رضا عنها من قبل أدارة واشنطون وبداية لتحسين ما أفسده جهر الانتماء الإسلامي للحكومة واتهامها باسم الإرهاب وتمويله على الرغم من التعاون الذي أبداه السودان في تسليم عدد من مطلوبي الجماعات الإسلامية لـ(السي. أي. ايه) . تطورات متكررة لسيناريو علاقة واشنطون بالخرطوم تطل برأسها بين كل حين وآخر، كان أخرها رفع الحظر عن استيراد الأجهزة الطبية ومجال الاتصالات، وكان رئيس القطاع السياسي بالوطني د.مصطفي عثمان إسماعيل ذكر في حديث سابق أن عدم قبول الولايات المتحدة الأمريكية بنتائج الانتخابات الرئاسية، لا يعنيهم في شيء باعتبار أن واشنطن لم تقدم للخرطوم منذ مجيئها أي معونات أو مساعدات حتي تتأثر الخرطوم بمواقفها.
وصلنا الميس:
بعد صراع دام بينهما سنين عددا حول تطبيع العلاقة أعلنت واشنطن أن علاقتها مع الخرطوم قد وصلت لمرحلة التفاهم وقال المستشار الزراعي بالخارجية الامريكية مستر جي فرانكوم أن إمكانيات السودان الطبيعية في مجال إنتاج الصمغ العربي وإمكانية تعزيز التعاون المشترك معه في هذا المجال،وأضاف جي بعد لقاء نهاية الاسبوع الماضي بمسؤولين بالحكومة أن الهدف من الزيارة الوقوف علي أثار وتداعيات المقاطعة الامريكية علي السودان.
حسم موقف:
وما أن تم إعلان فوز الرئيس المشير عمر البشير بدورة رئاسية في الانتخابات الماضية ،حتي سارع المؤتمر الوطني الى أعادة لغته القديمة عن أهمية الحوار مع أمريكا من عدمه ،وصرح وقتها القيادي بالوطني د. نافع علي نافع أنهم غير مهتمين باستئناف الحوار مع الولايات المتحدة ولا يعنيهم قبولها بنتيجة الانتخابات في شيء ، مضيفا (نحن أي زول بنتكلم معاهو وقت ما نريد وفي الموضوع الذي نريد أن نتكلم فيه).
زيارة واحدة لا تكفي:
وفي حديث سابق أكد مسؤول رفيع في الخارجية الامريكية أن زيارة المسؤولين السودانيين الى بلاده تأتي في أطار التواصل وقال : أن زيارة واحدة أو ثلاث زيارات لا تكفي لبدء حوار بناء، مضيفا (نحن نريد أن نفهم أهداف كلا البلدين وما نرغب في تحقيقه) مشيرا الى أن( ذلك يتطلب ثقة بين الطرفين، وهذا ما سوف نحاول أن تبدأ به الخرطوم )، معتبرا الرفع الجزئي للعقوبات الأمريكية المفروضة علي السودان خاصة في مجال الاتصالات أرضاء للخرطوم مقابل أتباعها سياسات إقليمية ودولية مختلفة عن السابق وقال :لابد أن نكون متفائلين بذلك.
كسب اللوبي:
من جانبه أوضح المحلل السياسي بروفيسور حسن الساعوري في حديثه لـ(ألوان) أمس، أن التذبذب في علاقة واشنطون تجاه الخرطوم ينبع من اختلاف صناع القرار داخل الإدارة الأمريكية، وذلك لأن القرار تضعه اللوبيات داخل الكونغرس الأمريكي، وهذا القرار غالبا ما يكون متحامل علي الخرطوم ، وإذا أرادت الخرطوم تطبيع علاقتها مع واشنطن عليها كسب ود تلك المنظمات، وإذا لم تقبل ما علي الخرطوم إلا أن تقنع من أي تطبيع حالي أو مستقبلي مع واشنطن.
تقرير: عايدة سعد
صحيفة ألوان
صحيفة ألوان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق