الاثنين، 1 يونيو 2015

برومو ورقة التنصيب: الساحة الخضراء تكتسي حلة زاهية يوم المهرجان.. خطاب البشير في ولايته الجديدة تحاصره الاستفهامات.. ما المأمول؟ ما المنتظر؟ وما هي التحولات الكبرى


لدقائق طويلة تُحبس الأنفاس، يدخل الرئيس البشير قبة البرلمان تماما في الوقت المحدد غداً (الثلاثاء)، يجلس على المنصة العتيقة ويلقي السلام ومن ثم يتفحص الوجوه، تبدأ الجوقة عزف السلام الجمهوري، مع بداية كرنفالات التنصيب، فبعض من العالم حاضر، والبعض الآخر يتابع من على البعد، يلقي البشير خطابه الأول في ولايته الجديدة إيذاناً بانطلاق مرحلة لها ما بعدها. قبل ذلك بـ(48) ساعة كان النائب الأول الفريق أول بكري حسن صالح يبث جملة من البشريات والتحولات الكبرى أوجزها في عناوين صغيرة، تنمية وإصلاح للدولة وحالة من الرضا ومزيد من العدالة، ولكن ما لم يخض فيه الفريق هو التفاصيل؛ التفاصيل الصغيرة، ما يلمع في الأفق تحت ظلال (التحولات الكبرى) التي عبر عنها بكري ونقلتها الصحف، هي الحكاية الأكثر تدوالاً بين حكايات شهرزاد السمراء، ابتداء بمجالس الأنس السياسي، وليس انتهاءً بجلسات الودع في الأرياف القزحية، شيئاً فشيئاً تزدهر صورة الوطن في عيون الناقمين، سحابة الأماني المتصاعدة تلقي بخراجها لكنها لا تطفئ نيران الأسعار، كمال عمر لم يكف عن الكلام المباح، يعض بالنواجذ كحال الشعبيين على الحوار الوطني ويحمل خطاب البشير (رزمة) مطالب أخرى.
صعود نحو الشمس
 من الغريب أن البشريات المرسلة يحاول الدولار في السوق السوداء كبح جماحها، الكاتيوشا في الأطراف البعيدة بدأ صوتها يخفت رويداً رويداً، الإمام الصادق المهدي يكتب مقالاً هادئاً وعميقاً في (الحياة اللندنية) يحتفي به الداخل ويتصدى له عبد الرحمن الراشد في (الشرق الأوسط) بنقد لاذع، ثمة حريق في عريشة المهدي حيث اشتعلت فيها ألسنة النيران، بينما لا زالت قوائم التسريبات تتدفق على مواقع التواصل الاجتماعي، وتتدفق الأمطار، ولا زالت جلسات محكمة (التجسس) تتكشف عن تفاصيل مثيرة، كل ينتظر ليلة القدر ويفتح ذراعيه على أقصى ما يكون نشدان ما يريد، لا سقوفات للأحلام، مثلما أن لا أحد يعلم ما الذي ينوء به خطاب البشير، من في السجون يحلم بالانعتاق، والشباب يتوقون للهجرة، والتجار يمنون النفس بالتخفف من أثقال الضرائب، بعض الساسة يحلمون بالوزارة والعابرون يأملون في خريف لا يقطعهم بين قنطرة وأخرى، كل في حيز وجوده المعتاد يتطلع وينشد ضالته، في انتظار قرار مصيري أشبه بالصعود نحو الشمس.
قفة ملاح 
ثمة لجنة شبابية لتنصيب البشير كانت قد أعلنت عن وقفة للوطن في كل أنحاء السودان وذلك بالتزامن مع أداء الرئيس اليمين الدستورية، الساحة الخضراء سوف تكتسي حلة زاهية، بينما يتوقع رئيس اتحاد شباب ولاية الخرطوم أن يحتوي الخطاب على بشريات تخدم قطاع الشباب، خاصة في ما يتعلق بمحاربة البطالة، بعيداً من خطاب الرئيس قريباً منه يقود اتحاد نقابات عمال السودان محاولات حثيثة لتطبيق زيادة العلاوات والبدلات للعاملين في الدولة، القرار المرتقب يؤكد أن زيادة الأجور تصل إلى 30%، ولكن هل سيتضمن خطاب البشير التنفيذ الفوري لتلك الزيادة؟ وهي زيادة قديمة سبقتها أخرى لم تر النور بعد، وماذا عن بقية المفاجآت حيث يتوسم الناس في كلمة البشير المكتوبة بالطبع ما لا يختبئ تحت السطور؟ ثمة مفتتح مبذول ابتداءً (أيها الإخوة والأخوات، ضيوف البلاد) وبعدها كل الحروف الفسفورية قابلة للانشطار. فيض من التكهنات ترسل طيور آمالها لتحلق في الفضاء، ما بين حكومة قومية فاعلة، وما بين جملة قرارات إصلاحية تعيد حياكة المشروع الوطني بماكينة جماعية وتنشد السلام، هنا يطالب المؤتمر الشعبي بإطلاق سراح المعتقلين وإشاعة الحريات والعفو عن حملة السلاح لضمان نجاح الحوار الوطني، بينما يطالب الشارع بمكافحة الغلاء وإيلاء (قفة الملاح) مزيداً من الاهتمام، فوق ذلك تنتصب قضية التسوية والمصالحة الكبرى، وربما يضاف إلى هذه التوقعات حبيسة الأشواق والداوخل تخلي الرئيس البشير عن المؤتمر الوطني واستقالته ليصبح رئيساً لكل السودانيين خلال المرحلة المتبقية، ليتسنى له التفرغ للقضايا الكبرى، فالمشهد الذي يقف على ناصيته اليوم أكثر من وطن أبرز عدداً من الأفكار تبشر بجملة من المعالجات الجذرية التي ستحدث انقلاباً سياسياً في الحزب الحاكم من جهة وفي الحكومة ذات نفسها من جهة أخرى، قد يتعدى مرحلة الحلف الاحتكاري الذي توطنت له مقاليد الأمور لسنوات خلت في ما يختص باقتسام الثروة والسلطة والهم العام. 
مفاجأة نوعية
على مستوى الأشخاص لا يتوقع المراقبون أيما مفاجأة أكثر من إحلال وإبدال في الوجوه نفسها، ترجح هذا الزعم عودة البروفيسور إبراهيم أحمد عمر رئيساً للبرلمان، وحديث عن الحوار الوطني والعلاقات الخارجية وزيادة الإنتاج، لكن الرهان معقود على تغيير جذري في مستوى السياسات، الدعوة للتوافق الوطني وفتح المجال بشكل جاد للحريات السياسية والإعلامية ومحاسبة المفسدين، ما يستشف من وراء هذا المجهول المنتظر هو صورة أقرب لما حدث في جنوب أفريقيا، مصالحة جماعية تنشد الحقيقة مقابل العفو، ضجيج اللحظات الأخيرة رفع مستوى الآمال إلى درجة أعلى لا سيّما أن غالب التصريحات تصب في اتجاه إحداث مفاجأة نوعية بخلاف ما أوغلت فيه الصحافة بالطبع من تسريبات متفائلة، يعضّد من ذلك ارتفاع نبرة الإصلاح العام والنصح المبذول من جموع الحادبين، مما يرجّح استعادة نماذج عالمية لإجراء ذلك التحول العميق المنتظر، الصمت الذي يطوّق دوائر صنع القرار وما يبدو حتى الآن يهيئ لترجيح زعمنا، تماماً كما يهيئ للعواصف من قبل الزبائن المعتمدين لبورصة الأخبار السعيدة.
عزمي عبدالرازق
اليوم التالي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق