اقتلعت الأشجار من آلاف هكتارات الأراضي الصالحة للزراعة. كان المزارعون يعملون فيها وينتظرون هطول الأمطار لتسقي التربة، فتنبت الأشجار والنباتات. اختلفت أمور كثيرة اليوم وخسر المواطنون فرصة التمتع بجمال هذه الأراضي الشاسعة. لم تعد الأمطار تهطل بغزارة، ما أثر بشكل كبير على هذه المساحات الخضراء. في سبعينيات القرن الماضي، كان يفترض تنفيذ بعض المشاريع التنموية، إلا أن عدم الالتزام أدى إلى هذا التدهور الوضع البيئي، بالإضافة إلى لجوء الدولة إلى الاستدانة، لتتراكم الديون على كاهل المواطن السوداني. هل انعدام التنمية هو أساس مشاكل التدهور البيئي؟ نعم. هذا ما يعرفُه سكان العالم الثالث. أكثر من ذلك، يقرّون بتحملهم الأعباء والتكاليف، من دون الحصول على أي منافع. لكن المشكلات إلى تزايد. ويقول البعض إن المستعمر ترك ما يسمح له بالاستمرار في استغلال موارد البلاد حتى بعد إعلان الاستقلال، من خلال النخب الوطنيّة الجديدة التي تحولت إلى العقل المدبر للاستغلال، بحسب مؤشرات الناتج القومي الإجمالي. ويرى متخصصون في مجال البيئة أن ثمّة نزعة استعماريّة تؤدي إلى استغلال أصحاب النفوذ للموارد، وحرمان المواطنين منها. فيقول مؤلف كتاب "الفلسفة البيئيّة"، مايكل زيمرمان، إن انعدام التنمية والنزعات الاستعماريّة أدّت إلى التدهور البيئي، وإلى فقدان التحكم السياسي بقاعدة الرزق الطبيعيّة. من جهة أخرى، كان يفترض أن تمنح المشاريع التنمويّة جميع دول العالم الثالث العافية الاقتصاديّة والعيش الكريم. بالفعل، ساهمت هذه المشاريع في تحقيق ذلك في بعض المناطق، إلا أنها أدت في مناطق أخرى إلى تدهور بيئي وفقر تعاني منهما شعوبها. فأين يكمن الخطأ؟ نعتقد أن الخطأ يكمن في النموذج الإرشادي للتنمية، الذي يركّز على التقدّم المستمدّ من اقتصاديات الغرب، باعتبار أنها مفيدة للجميع. وقد خلق هذا الاستنساخ للاقتصاد الغربي مستعمرات داخليّة وأدام الروابط الاستعماريّة القديمة، لتصبح التنمية استكمالاً للاستعمار. كذلك، ركّز بعض المعنيّين على قياس الناتج القومي الإجمالي وغيرها من المؤشرات لتحديد النجاح، بغضّ النظر إن كانت المشاريع منتجة أو غير منتجة أو مدمّرة. فما يهمّهم هو فقط القياس وفق آليّة السوق. تجدر الإشارة إلى أن ما لا تظهره هذه المؤشرات هو التدمير الذي طال البيئة وكذلك تفاقم ظاهرة الفقر، اللذيَن يرتبطان مباشرة بمشكلة التنمية في البلاد. وفي هذا الإطار، يشدّد زيمرمان على أن هذا النموذج المعتمد ليس الأفضل بالضرورة.
محمد أحمد الفيلابي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق