الاثنين، 22 يونيو 2015

وصفوه بـ«الجندي المجهول» وتعاون مع أشهر العازفين… عبد الحميد أحمد الحاج أوّل صانع لآلة العود في السودان

عبدالحميد أحمد الحاج
الخرطوم ـ «القدس العربي»:

شهد مهرجان الخرطوم الأول لموسيقى العود، الذي أقيم في النصف الأول من شهر يناير/كانون الثاني 2014 برعاية شركة دال، تكريم الموسيقار الراحل عبد الحميد أحمد الحاج، كأول صانع لآلة العود في السودان، وكانت أسرة الراحل حاضرة في هذه المناسبة ممثلة في أبنائه وبناته وأحفاده، الذين ساروا على دربه وأولهم وداد عبد الحميد التي استلمت شهادة التكريم.
وتقول السيرة الذاتية للموسيقار الراحل عبد الحميد أحمد الحاج (1921 2006)، إنه ولد في حي الركابية في أم درمان (شمال سوق أم درمان) من أصول دنقلاوية، وتلقى تعليمه الاولي في خلوة ود القاضي في أم درمان لتحفيظ القرآن الكريم وزامله في هذه الخلوة مولانا الشيخ عوض عمر المقرئ الشهير وإمام مسجد أم درمان العتيق.
وفي عام 1933 التحق بمدرسة الهجرة في أم درمان ودرس فيها حتى الصف الرابع، ثم درس في معهد أم درمان العلمي عندما كان داخل مسجد أم درمان العتيق.
وكانت تستهويه النجارة فتعلمها على يد أمين الشامي، خاصة صناعة العود الوتري، ثم التحق بمدرسة نجارة قاعدة القوات المسلحة في وادي سيدنا، وزامله فيها الفنان ابراهيم الكاشف،
ثم تحول لاحقاً إلى وزارة الاشغال ومعه زميله ابراهيم الكاشف، وتعرفا هناك على الشاعرين الكبيرين سيد عبد العزيز وعبيد عبد الرحمن في قسم تنجيد العربات. وكان يحفظ منهما القصائد التي سرعان ما يحفظها منه إبراهيم الكاشف الذي كان مشهورا بسرعة البديهة والحفظ.
وفي حوالي عام 1938 عندما تقاعد من الأشغال، افتتح ورشة ومعرضا لصناعة الآلات الموسيقية جوار مكي ود عروسة الشهير في أم درمان «الطريق الشاقي الترام».
وكان يعزف في المساء مع اصدقائه الفنانين كرومة، الحاج محمد أحمد سرور، إبراهيم عبد الجليل «عصفور السودان» وفضل المولى زنقار وغيرهم. وأورد الراحل هذه المعلومات في حوار أجراه معه في صحيفة «الوان» الزميل عبد الباقي خالد عبيد.
يقول عنه الكاتب والمؤرخ السر قدور في عموده «أساتذة وتلاميذ» الذي نشر في صحيفة القوات المسلحة، إنه أحد أعلام دنيا الموسيقى في السودان، ومع ذلك فهو ليس صاحب شهرة عند جماهير الموسيقى والغناء، ولكن صاحب شهرة كبيرة عند أهل الموسيقى والغناء، فقد وظف مهنة النجارة لصناعة نادرة في ذلك الزمان هي صناعة العود، فأصبح السوداني الأول في هذه الصناعة ويذكر أبناء الأجيال السابقة محله الشهير في بداية شارع أبوروف بالقرب من المحطة الوسطى .. وكان ذلك المحل الشهير ورشة ومعرضا لنماذج متعددة من آلة العود، وكانت ورشة عبد الحميد الوحيدة ليس في العاصمة فقط، وإنما في جميع أنحاء السودان التي تخصصت في صناعة العود حتى تلك الفترة في نهاية الثلاثينيات عندما بدأ عبد الحميد عمله في هذا المجال كانت آلة العود تستورد من مصر وبعضها من الشام..
وتعتبر ورشة عبد الحميد أحد معالم سوق أم درمان وملتقى لأهل الفن من مغنين وعازفين ومن هؤلاء التاج مصطفى وأحمد المصطفى وعثمان حسين.. 
لم يكن عبد الحميد مجرد صانع لآلة العود، وإنما كان رجلا فنانا وخبيرا بتاريخ الفن الغنائي السوداني وناقدا واعيا يحترم أهل الفن، وما يقوله عن إنتاجهم الجديد، وإذا كان هناك جندي مجهول في عالم الموسيقى فهو عبد الحميد أحمد الحاج.
كان عبد الحميد يجلس في المساء في قهوة جورج مشرقي وقهوة يوسف الفكي مع زملائه الفنانين ويستمعون في النهار إلى إذاعة أم درمان التي انتشرت أولا بالبوستة في أم درمان.
وكان يصنع العود صناعة كاملة (ضهر، وش، قماري، يد، رقبة) من «خشب الدبكر والمهوقني والسوفت اليوغندي للضهرية والخشب الأبيض للوش» وكان سعر العود في ذلك الزمان 3 جنيهات يسوق الأعواد في محلات الهندي ورتان في الخرطوم ومحلات بندة إخوان في أم درمان وعمر سوميت في الخرطوم بحري.
وتعامل معه عدد من أشهر العازفين منهم برعي محمد دفع الله – علاء الدين حمزة أما أبناء جيله في الوسط الفني فكثر منهم، بدر التهامي، الخواض، برعي محمد دفع الله، الطيب مهراني وسعد أحمد عمر. ومن أبرز الفنانين الذين قدمهم للساحة محجوب عثمان، صلاح مصطفى.
ووثق له البروفيسور الفاتح الطاهر في كتاب «أنا أم درمان تاريخ الموسيقى والغناء في السودان» واصفا دكانه بدقة شديدة فقال»: على بعد مئة متر من دكان عنبر في شارع أبوروف تقع ورشة عبد الحميد الحاج لصناعة وتصليح الآلات الموسيقية، التي كانت معلما بارزا يقصدها كل أهل الفن. ومن بين الذين تعلموا على يده عبد الرحمن الريح وبرعي محمد دفع الله وسعدية العوادية.
وتقول ابنته وداد عبد الحميد: «كان أبى مزدهرا لأنه عاش زمن الأزدهار وكان مدرسة موسيقية متكاملة. نعم ربما يكون مجهولا لغير سكان العاصمة المثلثة، لكن سيرته العطرة راسخة في أذهان ووجدان ساكني مدينة أم درمان العريقة معقل الفنون والحضارة، وقد نشأنا وتربينا في خضم هذه الجو الموسيقي النادر الذي أثر فينا ونوّر خطانا على مر الأزمان، فأصبحت هذه الآلة صديقا ملازما لكافة أفراد أسرتنا الممتدة يمتلكها العازف وغير العازف».
ضمت أسرة الراحل العديد من المبدعين، فابنته وداد عبد الحميد خريجة ومعيدة في معهد الموسيقى والمسرح سابقاً وبلجيكا حاليا. وابنه نبيل عبد الحميد، إلى جانب مهنته في طب الأسنان فهو عازف للعود. وابنه العازف والملحن سعد عبد الحميد في مانشستر، انجلترا. وله سبعة ابناء وبنات آخرون. توفي الحاج عبد الحميد أحمد الحاج عام 2006 رحمه الله.


صلاح الدين مصطفى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق