الثلاثاء، 21 يوليو 2015

السودانيون في(الدياسبورا).. وجدل الواقع والأحلام..!!



عبدالوهاب الأنصاري
(::)
اللجوء، أوالهجرة، بغرض الإستقرار في دولة أجنبية غربية في أوروبا، أو الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، أو أستراليا, ليس هي بالأمر الهين كما يتصور البعض، ويُمّني النفس، ويتصور ذلك حلماً بنفسجياً، لقلة خبرتنا، وهشاشة تجربينا في هذا المضمار، الذي فرضته حكومة التطهير العرقي، والإبادة، والإستبداد، وسوء الأحوال المعيشية، وإنسداد أفق الآمال، (مُجبر أخاك لا بطل).

(::)
بل هي مسألة بالغة الصعوبة، وشديدة التعقيد والمخاطر.. تبدأ ولا تنتهي حتى بعد (إكتمال أوراقك)، بنيل جنسية الدوله المعنية، أي بعد الإعتراف بك كلاجيء سياسي، ومنحك (إقامة دائمة)، وهي المرحلة التي تسّبق إكتساب )الجنسية)، بعد إستيفاء شروط تّعلم اللغة، وأداء ساعات العمل المطلوبة، حيث (الجنسية) هي المحطة النهائية، لهذا اللهاث، المارثوني الطويل، بعد (5) سنوات، وهي أقل مدة تُمنح بعدها الجنسية لتصبح بعدها (مواطن) مُتمتِع بحق المواطنه، وليست أجنبي مُقيم، وفقاً للقانون ومسجل في سجلات (البلدية) في الدولة المعنية، و مُقّيد حرية الحركة بالحدود المشروطة، ووفقاً للقانون أيضاً، و تحت (كفالة) ورعاية، أخصائيي مكتب الرعاية الإجتماعية، حتى يشب طوقك وتعمل.

(::) 
ما يقابلك من سلوك حضاري، من موظفي الخدمة العامة في (البلدية) أو أخصائيي الدعم الإجتماعي، أو مكاتب العمل، أو المدارس، وتدريجك خطوة خطوة، بغرض الأندماج في المجتمع الغربي الجاف، من وجه صبوح طلق، وعبارات رقيقة، وإبتسامات مشرقة ودّوُدة، من خلال تَعاملهم اليومي معك، وما تِستشّعره من رقة، وأدب، وذوق راقي.. وما يطرب أذنك من كلمات مهذبة بين الفينه والأخرى، بمختلف اللغات الـ 25 في دول الإتحاد الأوربي.. مثل ( يوم سعيد، مساءك سعيد، ومن فضلك، وشكراً، وتفضل أجلس).

ثم يأتيك الموظف في غرفة الإنتظار ويأخذك لمكتبه لتجلس، ثم يبدأ في إنجاز معاملتك وتوجيهك بأدب جم. وإحترامٍ بالغ، وصبر مستحيل، ما هي في واقع الأمر، إلا مسحة مدنية، لإيقاع الحياة الغربية الجاف والقاسّي، مما يستقبله الوفداون، أمثالنا بدهشة ترفعنا مقاماً إنسانياً رفيعاً محموداً الذي ننشده.

ونحن القادمون من بلدان الجفاف، والجلافة، والتعامل الفظ، وعنف البادية، والقول المُجاف: "يازول إنت ماسامع، دة راسوا كبير يا جنابو، أقفلو عشان يعرف حاجة، تعال بكرة، إنت مابتفهم، ماقلنا الخزنة قفلت، الجماعة ديل مشو (بِكا) تعال بكرة، الشبكة طاشه.. " كنا نرجم بهذا (الدُراب) ضُحى، ثم نسّمع فجاءة، ما يُوقع، فينا حبوراً آثر كأنه غزل لطيف فنُصرع بدهشه محببه للنفس، وفي بقعة، لا تجوع فيها ولا تعرى، فنصاب بالذهول !؟.

(::)
الغالبيه من اللآجئين والمهاجرين لم يسألوا أنفسهم " ثم ماذا بعد الوصول، والحصول علي الإقامة الدائمة ؟.. في (فراديس) العالم الغربي، المُتصور والحُلم المُرتجى، الذي رسخ في عقولنا، ببراعة وحذِقة عبقرية هوليود السينمائية، في المسلسلات، والأفلام الأمريكية، ونظرائِهم سحرة صناعة السينما في أوروبا الغربية، وفي الميديا وتطبيقاتها الذكية.. ومِن روايات بعض السابقين في المهاجر ورواتيهم الأسطورية، المعلقة في جدار الخيال الواسع الخصيب، ونحن القادمون من قفار الدنيا، متدثرين بالمتربة، والمفقرة، والبداوة والبدائية في كل شيء، وحاملين هموم الدنيا، وحالمين بحزمة أمنيات ثقال، ومن خلفنا أُمة من الأهل والأصدقاء، تعشم وتنتظر، الفرج المأمول، وجيش من (الحارين) والمؤملين فيك، الجيرة، وفك الحيرة.. ونحن متحزمين، وفي ذاكرتنا بلاد الخليج العربي الثرية، وتجربة الإغتراب التي غيرت مجرى حياة الكثير منا، من مشقة العسر، إلي ميسرة اليسر، بشكل مدهش، و نحن نتجمل (كذباً)، عسى ولعل.. هنا المعادلة غير، والوسائل مختلفة !؟.

(::)
لعل الإجابة على هذا السؤال الماثل، ثم ماذا بعد الوصول إلي أوروبا، أو غيرها من الدول الغربية؟ يفرضه الواقع المعاش، وفي قلب دوامة الحياة الغربية الصاخبة، يتحتم ذلك، وهو سؤال يُقلق مضاجِع الكثيرين، من المعايشين لهذه التجربة الرهيبة.
فمثل ذلك التساؤل يضعنا وجها لوجه أمام مسئلة، مؤهلاتنا، وخبراتنا، قُصاد، قوم أشبه بالسحرة، أو ساكني وادي عبقر، في تخصصاتهم ومجالاتهم العملية، وصرامة نُظمهم الأكاديمية.

مع مصاحبة أهم عنصر وهو عنصر اللغة، الذي هو مفتاح الإندماج وسر الحياة، وعنصر الزمن الذي قد يطول، وغيره من العناصر الأخري المكملة للموضوع،إضافةً لذلك قُدرتنا على التعايش مع الآخر، في بيئه الحرية فيها مُشرعة تكاد تكون لا سقف لها.

(::)
فأول ما يكتشفه المرء، مِن الحائزين على درجة علمية، من جامعاتنا، عندما يتقدم لمعادلة شهادته، والتي تتطلب مجمل شروط، يكتشف بعدها، أن شهاداته غير معترف بها، وإن كان من الممكن العمل بها بعد تّكملت عدد من الكورسات المعادلة، ولكن ذلك بالطبع لا يمكن عملياً، دون إجادة لغة البلد والتمكن منها، مثل (الفرنسية، أو الألمانية، أو الهولندية، أو الإنجليزية، أو الإسبانية) أوغيرها من اللغات حسب البلد.

و مسألة التمكن من اللغة وإجادتها ليست أمراً متعلقاً بالعمل، وحسب بل هي شرط لنيل الجنسية والإندماج في المجتمع، والعيش بسلام، ومواكبة نسق الحياة السياسية، والثقافية، والإجتماعية، اللآهث، و(من عرف لغة قوم أمن مكرهم) وإستطاع العيش بينهم.

(::)
طريقة تربيتنا، ونشئتنا الفطرية تقوم على مبدأ، وإلية الوصايا والمعيشة الجماعية، بينما ترتكز لبنة الحياة في الدول الغربية و(الليبرالية) بشكل أساسي وجوهري، على الفردية والمسئولية الشخصية، التي تجسد الواقع المادي القاسي للحياة في الغرب الرأسمالي، يتطلب ذلك حسابات إقتصادية، صارمة ومحسوبة بدقة دوان الساعة، لتسديد سيل منهمر من الفواتير، بإنتظام وحزم لا يقبل الهّزل، وإلا ستتراكم عليك مبالغ مضاعفة بإضافة حساب الفائدة للفواتير المتراكمة، من جراء التأخير في السّداد وتظل في دوامة متوالية هندسية، من الديون، وتدخل حلقة جهنمية دائرية ما لها من غرار.

(::)
يرتبط إندماجنا في المجتمع الغربي بشكل جوهري، على مدى قدرتنا على التأقلم و التكيّف في المجتمعات الجديدة، بموارد إقتصادية شحيحة حد الكفاف، (منحة الدعم الإجتماعي)، وحتى بعد دخولنا سوق العمل الصعيب، في بدايته بحده الأدنى.

ثم يتوجب عليك أن توطن نفسك وتصبر، على فراق الأهل والصحاب، طويل الأجل، والأحباب، التي قد لا يَسعفنا الزمن لرؤيتهم مرة أخرى، أو نودع أعزئنا الراحلين إلى دار الخُلود، ونحن في هذا العالم الغيهب.. المشهد بِجد، ينطلق بسرعة عالية الوتيرة، بلا كوابح، ويعصف بالذهن في بلدان المهاجر ويستحضن القلق، والظروف السياسية، والمعيشية الصعبة، في بلادنا تعطل الوجدان، ونظل بين مطرقة الوطن الممزق، وسِندان المهاجر المتحجرة نُطحن.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق