الاثنين، 1 يونيو 2015

أفورقي.. لا «تخلع» الشدة!



لئن كان النضال من أجل الاستقلال قاسيا، وصعبا، فإن نضال ما بعد الاستقلال- أيضا- يبقى قاسيا وصعيبا!

إريتريا، من نضال إلى نضال.

كان نضالها من أجل التحرير، مزدوجا: تحارب اثيوبيا هيلاسلاسي وأثيوبيا منقستو هايلي مريام.. وتحارب اثيوبيا التي تساندها أميركا والاتحاد السوفياتي معا!

أميركا، تساند من اجل اثيوبيا الكبرى بكل تاريخها مع كنيسة أوكسوم القبطية، وروسيا تساند من اجل منقستو الأحمر! لأول مرة، يجتمع الشرق والغرب معا، ضد التحرير! لا فترت عزيمة الثوار.. ولا استكانوا، والثورة تهزأ بمن تقاتل.. والثورة تهزأ بلعبة المصالح.

أذكر أنني قبل الاستقلال، كنت قريبا جدا من حدود إريتريا، كانت طائرات منقستو تضرب، وكان هنالك على قمة جبل مقاتل يبتسم هزءا، وإصبعه على زناد كلاشنكوف. لم يحن قامته، ولا تخندق. هكذا هم الثوار، يموتون واقفين، «مثلما امتد كضوء الفجر يومُ»!

تموت إريتريا، ولا تأكل من ثدييها.

ذلك شعار كل حرة.. ولأجل ذلك، كان قرار الرئيس أفورقي: لا، لن نمد أيدينا إلى مايسمى بالمساعدات الدولية. في مد اليد ضعف، ونحن أقوياء.. وفي مدها نوع من الخنوع.. وفي مدها تعليم لشعبنا على الكسل، ونحن الذين حفرنا الصخر بأظافرنا!

تلك رؤية قائد، لا يزال ينتعل (الشدة) والشدة التي تغنى لها المقاتلون في الميدان- وهم من جبل لجبل ومن وراء كيس رمل لوراء كيس رمل ومن غرس شهيد في باطن الأرض لغرس شهيد- هي حذاء من المطاط، أخذ من شكيمة المقاتلين، شكيمة.. ومن بأسهم بأسا.. ومن كل خطاويهم الراسخة إلى الاستقلال المجيد، خطاوي!

في الذاكرة الإريترية،( الشدة).. وحين يرتفع صوت المغني بالشدة، يستبدُ بكل جسد إريتري، نوع غريب من العنفوان.

في الذكرى الرابعة والعشرين لاستقلال اريتريا، ارتفع صوت المغني الإريتري، في صالة ريجنسي- الجمعة- يغني (الشدة) واستبدت بأجساد الإريتريين- رجالا ونساء- كل مظاهر العنفوان.. واستبدت بأرواحهم، ولم يأخذ شكل سفيرها علي ابراهيم، شكل السفير، وإنما شكل مقاتل في قمة جبل!

شعب لا يزال يعيش ذكريات (الميدان) هو شعب لا يزال يعيش في (الميدان).. وخاسر تماما من يظن أنه لن ينازل كافة تحديات مابعد التحرير.. وأهمها الأطماع، ومحاولات فرض الوصاية، والإنقلاب على تعاليم (الميدان)!

أحر التهاني لإريتريا، إذ هي تسترجع في يوم تحريرها، عطر أنفاس شهدائها.. وإن كان من ثمة همسة في أذن الرئيس اسياسي أفورقي، فإنني أهمس: (لا تملص) الشدة على الإطلاق.. اربطوا الأحزمة على البطون، فإريتريا الحرة، تموت ولا تأكل من ثدييها. وتلك هي الحياة.. حياة الاحرار في كل مكان.

هاشم كرار
بريد الكتروني:
hashem_karar@al-watan.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق