رأي القدس
وصف التيار الرسمي للتيار الوطني الحرّ الذي يقوده الجنرال السابق ميشال عون على موقعه الالكتروني رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام بأنه «داعشي» قائلاً: «يا شعب لبنان العظيم… الداعشي سلام يهين المسيحيين ووزراء التيار… كرامتكم بالدق (أي على المحكّ)». جاء ذلك على خلفية تحريك التيار لعشرات من مناصريه ومحاولتهم اقتحام مقر الحكومة اللبنانية وسط بيروت احتجاجاً على ما قال عون إنه «تهميش المسيحيين في النظام اللبناني».
وما لبث أنصار التيّار أن تهجموا على عناصر الجيش اللبناني التي تحمي «السراي» (القصر الحكومي) بالشتائم والضرب، مما أدى إلى جرح سبعة عسكريين، واصفين الجيش بأنه «داعش من عرسال (البلدة اللبنانية على الحدود مع سوريا)، فيما خاطب الجنرال عناصر الجيش قائلا «أنا لم أعلمكم هكذا»، في إشارة إلى التسعينات حين كان عون قائداً للجيش.
وما «علّمنا إياه» الجنرال كثيرا حقاً: بدءاً من أحداث عام 1988 حين عين عون قائداً للجيش اللبناني، وما كان من رفضه انتخاب رئيس للبنان وتأليفه حكومة عسكرية برئاسته (في حين كان أمين الجميل، رئيس الجمهورية آنذاك، قد عين سليم الحص رئيساً للوزراء بالوكالة)، وما حصل بعد ذلك من استقطاب مسيحي لصالح حكومة عون وآخر إسلامي لحكومة الحص، وما تبعه من إعلان عون «حرب التحرير ضد الاحتلال السوري للبنان»، ويفيد التذكير أيضاً أن جبهة نشأت آنذاك لمقاومة عون ضمّت «حزب الله» (حليفه الحالي) ومن تصريحات الحزب آنذاك أنه لا يقبل رئيساً مارونياً و»يرفض الذل تحت اسم التعايش مع النصارى».
قرار عون آنذاك أدّى إلى خضّة لبنانية كبرى ومعارك طاحنة مع النظام السوري وأيضاً مع حلفائه السابقين من المسيحيين أنفسهم مما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا كانت خاتمتها مقتل حوالي 1000 عسكري واعتقال المئات من عناصر الجيش الموالين لعون، وأسدل الستار على الحلقة الدموية تلك بمغادرة عون لبنان إلى فرنسا عام 1991، وكان من نتائج ما أدّت إليه حركته الهوجاء خسران ما يسمى «المارونية السياسية» جزءاً من صلاحيات رئيس الجمهورية بعد أن ذهب أطرافها إلى مؤتمر الطائف عام 1989 متقاتلين، منهكين ومشتتين بعد «حرب الإلغاء» التي شنها عون على «القوات اللبنانية».
وبرغم الانقلاب التامّ والدوران 180 درجة سياسية حيث أصبح ميشال عون حليفاً مركزياً للنظام السوري و»حزب الله» اللذين تعاونا على طرده من لبنان في نهاية ثمانينات القرن الماضي فإن ميشال عون ما زال هو نفسه: الجنرال البونابرتي المتغطرس الساعي إلى الرئاسة بأي طريقة ولو كان الثمن المدفوع إعلان البيعة لأعدائه السابقين، والمقامرة بمستقبل المسيحيين الذين يزعم الدفاع عن حقوقهم، والدمار للبنان.
قد يتذكّر البعض قولة الجنرال الشهيرة قبل قرابة 27 عاماً أن الرأس الوحيد الذي سيتكسر في لبنان هو رأس حافظ الأسد، ويقارنه الآن بحلفه المقدّس مع بشار الأسد، ثم يدقّق في تعريفه المبتكر لـ»الداعشية» الممطوطة لتضم كل من يقف في وجهه، ويلاحظ أن دفعه لشباب تياره إلى الشارع و»دفاعه عن المسيحيين» يبدأ (وربما ينتهي) بالحفاظ على مصالح صهره وزوج ابنته جبران باسيل وزير الخارجية الحالي بعد أن كان وزيرا للاتصالات، ووزيرا للطاقة، وهي مناصب «ساعدت» في جعله مليارديرا، وبضغوطه الكبيرة لتعيين صهره الآخر وزوج ابنة أخرى له، العميد ميشال روكز، قائداً للجيش، وهو ما قد يعبّد الطريق ـ الحلم إلى الرئاسة التي أفنى الجنرال شبابه (وحيوات الآلاف من المسيحيين) للوصول إليها.
يتغير حلفاء وخصوم الجنرال، لكن ما يمكن التأكيد في خصوص «نضاله» وحروبه المستمرة، التي تهون دماء اللبنانيين في سبيلها، هو أن هذه الحروب تتعلّق بمرض الزعامة المزمن، وأنها تتركز على علوّ مصالحه وسعادة وغنى بناته وأصهاره على مصالح وسعادة وغنى أي مسيحي أو لبناني آخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق