محجوب محمد صالح
عندما أعلنت إثيوبيا أنها بدأت تنفيذ مشروع سد النهضة الإثيوبي كسد عملاق يحجز أربعة وسبعين مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق ويولد ستة آلاف ميجاواط من التيار الكهربائي دون سابق تفاهم مع دولتي الحوض الأخرى -السودان ومصر- كان رد الفعل المصري الرافض للمشروع سريعاً وغاضباً ورافضاً ومهدداً بمواجهة حاسمة بينما أيد السودان إثيوبيا واعتبر أن السد سيحقق له مصالح وفوائد مائية وإمدادا كهربائيا، حدث ذلك كله وسط مخاوف حقيقية من تصاعد الصراع بين مصر وإثيوبيا لمواجهة تقود إلى حرب مياه. ولكن منذ ذلك الوقت حدثت تغييرات سياسية عديدة في مصر، وبعد أن تولى الجنرال السيسي الحكم سعى لحل الأزمة من منظور جديد يقوم على التعاون والتنسيق لاستغلال مياه النيل لمصلحة كل دول الحوض مما أدى إلى نزع فتيل الأزمة رغم أن المخاوف ما زالت قائمة حول الآثار الجانبية لهذا السد وأثره المباشر على كمية المياه التي تصل مصر، ومصر ليست في موقف يسمح لها بقبول أي انخفاض في حصيلة النهر تهدد أمنها الغذائي بل وجودها، ووصل مشروع التعاون بين دول الحوض ذروته عندما وقعت الدول الثلاث إعلان المبادئ الذي يكرس لحل المشاكل بين دول الجوار عبر الحوار والتعاون وهو مشروع رعاه رؤساء تلك الدول.
وصاحبت إعلان المبادئ موجة من التفاؤل ولكننا نلاحظ أنها بدأت تنحسر الآن وعادت الشكوك والمخاوف تتجدد نتيجة للتباطؤ في بدء الدراسات التي اتفقت الدول الثلاث على إجرائها بأسرع ما يمكن وأن يتولاها بيت خبرة عالمي مشهود له بالقدرة العالية ويتم تحديده عبر مناقصة عالمية، ورغم مرور ما يقرب من العام على اتخاذ ذلك القرار لم يتم حتى الآن توقيع العقد مع بيت الخبرة لكي تبدأ الدراسة الهامة التي تهدف إلى تحديد أثر هذا المشروع على دول الجوار وعلى الوضع البيئي في المنطقة ومدى سلامة التصميم وهي قضايا هامة ويتوقف عليها إما وجود مخاطر حقيقية تستوجب العلاج أو التأكد من أن السد لن يكون له تأثير سالب على مصر والسودان.
الشكوك سببها البطء الذي اتسم به تعيين بيت الخبرة ثم البطء الذي صاحب توقيع العقد بعد اختيار مكتبين عالميين أحدهما فرنسي والآخر هولندي وقبولهما القيام بهذه المهمة وكان المقرر أن يتم الاتفاق على الصيغة النهائية للعقد في اجتماع ثلاثي انعقد في القاهرة الأسبوع الماضي لكن الخلافات التي سادت مناقشة الجانبين أدت إلى تأجيل الأمر إلى اجتماع لاحق يعقد الأسبوع المقبل في الخرطوم.
هذا التأجيل المتكرر زاد من التكهنات بأن الصراع سيتجدد بين دول الحوض لأنه في الوقت الذي تتأجل فيه الدراسات من شهر لآخر يتواصل العمل في بناء السد الذي بات من المقرر أن يكتمل في العام 2017 ويضع الجميع أمام الأمر الواقع وسيستحيل يومها إدخال أي تعديلات تستصحب ملاحظات الدراسة المرتقبة وهذا يعني أن تكون إثيوبيا منفردة قد فرضت على الجميع أمراً واقعاً.
لقد عكست الصحافة المصرية هذه المخاوف وهاجم بعض الكتاب وزير الري المصري واتهموه بالتهاون في حماية حقوق مصر ومجاملة إثيوبيا بل طالب البعض بإقالته معتبرين أن الدراسة المتأخرة غير ذات جدوى لأنها ستخرج للملأ بعد أن يكون السد قد اكتمل بناؤه، وفي الوقت نفسه تصاعد الجدل في السودان حول مخاطر محتملة وظل وزير الري السابق وخبير المياه كمال علي يواصل مقالاته التي تؤكد أن مشروع السد بحجمه وتصميمه الحالي يشكل خطراً كبيراً على السودان وهو يواجه خبراء وزارة الكهرباء والموارد المائية السودانية ويفند حججهم الداعمة لمشروع سد النهضة محذراً من أن هذا المشروع الإثيوبي يعرض الزراعة والإنتاج الكهربائي في السودان لخطر كبير وأن المشروع الإثيوبي الأصلي كانت طاقته التخزينية 11 مليار متر مكعب لكن المشروع الحالي ضاعف سعة الخزان حوالي السبع مرات وأن تصميمه لم يتم وفق دراسات متكاملة وأن هناك شكوكا حول ضعف الصخور الجيولوجية التي يقام عليها هذا السد البالغ الضخامة مما يجعل سلامته محل شك كبير وأن الدراسات المطلوبة عندما تكتمل يكون تشييد السد قد شارف النهاية ولا يمكن تعديل شيء فيه لمواجهة الخلل الذي قد تكشفه الدراسة.
نحن إذن أمام شكوك تثيرها بعض الجهات المصرية والسودانية لكن الجميع سيجدون أنفسهم أمام أمر واقع لا سبيل لإصلاحه وهذا من شأنه أن يعود بالجميع إلى مربع المواجهة رغم أن الجهات الرسمية في الدول الثلاث تبدو حتى الآن متفائلة وتلتزم الصمت حول ما دار في الاجتماع الأخير وتأمل أن تتجاوز الخلافات في اجتماع الخرطوم القادم. فهل ينجح الاجتماع في تقديم إجابات تقنع المعترضين؟ نشك في ذلك!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق