الخرطوم – زهرة عكاشة
تحتفل شعوب العالم بعيد الفطر المبارك يعيده الله علينا بالخير واليمن والبركات، ومن مكان لآخر يختلف طعمه ونكهته، ويكون له مذاق خاص يميزه. لكن في كل الأحوال، فإن الطابع السوداني قلَّ أن نجد نظيراً له في أي مكان آخر، ربما يعود ذلك لأن نسقنا الاجتماعي يحتفي كثيراً بقيم الرحمة والمودة، التسامح، المطايبة، التواصل، التكافل والتعاضد الاجتماعي، بما لا ينافسنا فيه أحد، لكن عيد هذا العام طغت عليه بعض التغيرات والتبدلات التي تحتاج لوقفة حقيقية، حتى لا تتسع الفجوة وينتهي كل شيء.
قبل العيد.. احتلال السوق
قبل العيد بأسبوع تقريباً تبدل حال شوارع الخرطوم وأسواقها بشكل لافت، واكتظت بكم هائل من البشر ما بين بائع ومشترٍ، وفي سوق أم درمان لم يستطع أحد التجول بارتياح لازدحامه بالناس، وشكى عدد من المواطنين من ضيق الشوارع، لاسيما في ظل الوجود الكثيف للباعة الجائلين و(الفريشة) الذين يعيثون في السوق، ويحتلونه بالكامل بفرش بضاعتهم أينما شاءوا دون اهتمام أو اكتراث لجغرافية المكان، فلا يتركون مساحة تسمح للزبائن بالمرور والعبور، وينطبق الحال على سوق بحري الذي لن يستطيع أحد أن يضع عليه قدميه بسبب العدد المهول من البشر الذين أتوا من كل صوب وحدب للحصول على مستلزمات العيد، لكن وبعد النظر للأسعار الخرافية اكتفى أغلبهم بمتابعة خطوط الموضة. أما المواصلات التي تقلك إلى سوق أم درمان فحدث ولا حرج، إذ لا يزال الاستغلال وانعدام الرقابة سيدي الموقف، فسعر تذكرة (الهايس) الشهداء من موقف أم درمان بجاكسون بلغ (3) جنيهات بدلاً من جنيهين للفرد، وأرجع كثيرون ذلك إلى ما أسموه بالطمع الذي أعمى قلوب الناس وأفئدتهم.
بري.. لوحة زاهية
وفي أول أيام عيد الفطر المبارك لا يزال سكان أحياء بري (المحس والدرايسة واللاماب) بمحلية الخرطوم شرق يحتفظون بالعادات والتقاليد التي نشأوا عليها، فعقب صلاة العيد استقبل أهالي بري تهانئ وتبريكات الأهل والأصدقاء وجيران الحي، فشكلوا لوحة زاهية عبرت عن التوادد والتواصل الاجتماعي بالمنطقة. وفي ذات الوقت غابت تبريكات العيد في عدد من الأحياء بعد اكتفاء رجال المنطقة ونسائها بتبادل التهانئ في المسجد عقب الصلاة. وفي ذلك أوضحت آلاء أحمد أن هذه العادة اندثرت في حي امتداد ناصر رغم أنه أحد أحياء البراري العريقة التي لا تزال تحتفظ بالكثير من العادات والتقاليد المتجذرة في مجتمعنا. وقالت: من الملاحظ في السنوات الأخيرة الماضية قل التواصل الاجتماعي بين الناس وباتت تبريكات العيد تنتهي أمام أسوار المسجد، وعدت آلاء الخطوة بأنها بادرة شر تنبئ بالتخلي عن العادات والتقاليد الأصيلة رويداً رويدا.
لا أحد في العاصمة
المتتبع لطرقات الخرطوم المختلفة يجدها في أول أيام عيد الفطر المبارك خالية تماماً من الناس، وكأن الزحمة التي ضربتها قبيل أيام منه لم تكن، لذلك لم تستغرب ليلى إمام التي تقطن حي أركويت الهدوء الذي ساد طرقات الخرطوم أول أيام العيد. وقالت: دائما العيد ما يكشف عن سكان الخرطوم الحقيقيين، وهذا قطعاً دليل واضح على أن الخرطوم مزدحمة بسكان الولايات. وجاء حديث صالح عثمان الذي يقطن حي كافوري مؤكداً لليلى. وأضاف: الخرطوم خالية تماماً من السكان بعكس ما شهدته الأيام القليلة الماضية من اكتظاظ سكاني واختناق في الطرقات. وأنا الآن سأنتهز هذه الفرصة وآخذ أبنائي في نزهة مسائية، قبل أن (ترجع ريما لعادتها القديمة)، ونعود لأيام الزحمة مرة أخرى.
وقفات ومعالجات
ما يحتاج منا لوقفة ومعالجات جذرية، الشرخ الذي حدث في مجتمعنا، وبحسب ما دفع به البعض من جملة أسباب، كانت نتاج ذلك الظروف الاقتصادية الضاغطة التي يمر بها الشعب السوداني احتلت المركز الأول، تلتها الثقافات المتعددة الوافدة بفعل التوسع الكبير في تكنولوجيا الاتصالات وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي عبر الشبكة العنكبوتية التي جعلت من العالم قرية صغيرة، ينفذ من خلالها كل شارد ووارد دون رغيب أو عتيد، أفرزت سلوكيات متعددة لم تصب إلا عاداتنا وتقاليدنا التي تميزنا عن سائر خلق الله
اليوم التالي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق