الاثنين، 7 مارس 2016

سودان ما بعد الترابي: الحوار و"وحدة الإسلاميين" أبرز الضحايا


سبع ساعات كانت فاصلة في حياة زعيم "المؤتمر الشعبي" المعارض والمفكر الإسلامي السوداني حسن الترابي، الذي فارق الحياة عن عمر 84 عاماً بعد إصابته بذبحة قلبية، كانت كفيلة بإنهاء  قرن من الجدل الغزير حول شخصية الرجل.


صبيحة السبت، باشر الترابي عمله كالمعتاد، بحيث وصل إلى مكتبه بمقرّ حزبه في الموعد المحدد، ليسرّ إلى مقرّبين منه، بإحساسه بالإعياء، لكن ليس بالصورة التي تثير القلق، وإنما نتيجة للعملية التي أُخضع لها الرجل أخيراً في الدوحة، إذ إنه كان يعاني من ضيق في ثلاثة شرايين في القلب، فضلاً عن ضعف في عضلات القلب، بحسب الأطباء.
مثل خبر وفاة الترابي صدمة قوية، خصوصاً لأعضاء حزبه والحركة الإسلامية، باعتباره أحد رموزها الأساسيين. وبموته، يعتقد البعض بأفول نجم الحركة في السودان، والتي بدأت تترنح بعد خروجه من السلطة لما يزيد عن الـ15 عاماً. سيناريوهات عدّة تعقب وفاة الترابي، ستقود إلى آثار سلبية على الحوار الوطني وحزب "المؤتمر الشعبي" وحتى الحزب الحاكم. وإن كان المستفيد الأكبر الرئيس السوداني عمر البشير، الذي أصبح يمثل رمزاً أساسياً للحركة الإسلامية والشخصية المحورية داخلها بعد غياب منافسه عن المسرح.
برحيل الترابي، بات البشير اللاعب الرئيسي، ووحدة الإسلاميين حالياً تعني العودة للبشير، خصوصاً أن السلطة في الأساس مكرسة في يده، كما أن وفاة الترابي ستعضدها أكثر.
ويرى مراقبون أن الحوار دُفن مع حسن الترابي، باعتباره الرمز الوحيد الذي يعطي للحوار قيمته، ويمثل ضامناً لتنفيذ مخرجاته، دون حزبه الذي يواجه بنفسه خطر الزوال والتشتت، لأن شخصية الترابي شكّلت أساس تماسكه، باعتباره الشخص الذي يتخذ القرارا فيه. مع العلم، أن الحزب نشأ كحالة احتجاجية تعاطفية مع الترابي نفسه إبان صراعة مع المؤتمر الوطني، ما يشي بتفتت الحزب، وعودة المترددين فيه لأحضان المؤتمر الوطني الحاكم، خصوصاً أولئك الذين يحسبون ألف حساب لشيخهم، كما يحلو لهم أن يطلقوا عليه.
ويعتقد مراقبون أنه بموت الترابي انتهت تماماً فرضية توحيد الإسلاميين، وإن كان هناك من سيعمل من أجلها.
وتقول المحللة السياسية درة قمبو لـ"العربي الجديد" إن وفاة الترابي تمثل أكبر هزّة، إذ انخلع بوفاته ركن في السياسة السودانية، ذو تأثير واضح على مستوى هيكلة الدولة والتكوين الحزبي في البلاد. وتضيف أن "الترابي يعتبر أحد اللاعبين الأساسيين في المشهد السوداني رغم تواريه عن مشهد الحكم". وتؤكد أن الحوار "سيكون أول المتأثرين بوفاة الرجل، وستظهر تداعياته بشكل أسرع باعتبار أن كوادر الشعبي في الأساس، لم يكن لديها إيمان عميق بالحوار، وكانت تلبي رغبة زعيمها. كما أن الرجل كان قادراً على صدّ الإسلاميين الحانقين على الحزب الحاكم. وهذا انتهى الآن. فضلاً عن أنه عمل على خلق جو من التسامي عن الأحقاد وروح الثأر، كما قدم مبادرات أنقذت النظام".
ويعتقد البعض أن الترابي مثل صمام أمان للحزب الحاكم، رغم العداوة التي جاهر بها إبان سنين المفاصلة الأولى. ويقول أحد قادة حزبه لـ"العربي الجديد" "قد نصل أحياناً إلى مرحلة إسقاط النظام، لكن الترابي دائماً ما كان يتراجع في آخر لحظة، حتى أن البعض أحياناً تصله قناعة بصدق ما يقال عن أن الانشقاق مجرد تكتيك مرحلي يعلم بتفاصيله قادة محدودون".
ويقول الخبير بملف الأحزاب السياسية في السودان ماهر أبو الجوخ لـ"العربي الجديد" إن أول من سيتأثر بغياب الترابي حزبه، لأن إجمالي المواقف السياسية والآراء الفقهية مصدرها الترابي، ما يختصر فاعلية حزبه في شخصة.
 ويعتقد أبو الجوخ أن غياب الترابي مؤثر على البلاد ككل لتأثير الرجل المباشر في عدد من الملفات الساخنة، خصوصاً دارفور، وتأثيره الأكبر سيكون على الحوار، باعتباره الرمز السياسي الوحيد، الذي ظل يدعم الحوار، وأعطاه الزخم في ظل مقاطعة الفصائل المعارضة الرئيسية له، ما يجعل الحوار رهينة بيد "المؤتمر الوطني" يشكّله وفق ما يشاء. ويضيف "حتى إعلان (المؤتمر الشعبي) الخروج من الحوار بعد هذا لن يكون له تأثير، كذلك الأمر إن استمر فيه".
وتباينت ردود الفعل السودانية تجاه رحيل حسن الترابي. وسارعت الأحزاب المعارضة إلى أداء واجب العزاء فيه، رغم اختلافها معه، وحرصت الحركات المسلحة على إصدار بيانات نعي، وإن حاول تحميله مسؤولية أزمات البلاد. وفيما عمد آخرون إلى اعتبار موته بمثابة "موت الظالم"، معتبرين أن الأمر من شأنه أن يعود بالخير على البلاد، حاول محبوه وأنصاره التشديد على رمزية الرجل ودوره كرقم صعب في السياسة السودانية، وعلى مستوى العالم والإقليم.
ويعتبر الترابي عراب النظام الحالي الذي أوصله إلى السلطة بانقلاب عسكري، ووقف على رأسه، إذ كان الحاكم الفعلي رغم رئاسة البشير، وهو ما قاد لصراع بين الرجلين، انتهى إلى المفاصلة الشهيرة ومفارقة الترابي للسلطة  في ديسمبر/كانون الأول 1999.
ومثل الترابي شخصية جدلية بالنظر لمواقفة المتناقضة. يصفه بعضهم بالشخصية "البراغماتية"، لتقلّب مواقفة بحسب مصالحه. وعند ظهور الرجل لأول مرة في عام 1964، كان يبشر بالحرية والديمقراطية، لكنه سقط في أول امتحان، عندما عمد مع صهره وزعيم حزب "الأمة" الصادق المهدي إلى طرد الحزب الشيوعي من البرلمان، رغماً عن قرار السلطة القضائية، بإبطال قرار الطرد في العام 1965.
ويرى محللون أن ما يحاصر الترابي بعد موته تحويله الحرب الأهلية في جنوب السودان إلى حرب دينية جهادية، وما ترتب على ذلك من آثار كارثية، انتهت بانفصال الجنوب وتكوين دولته في عام 2011. فضلاً عن إحيائه للقبليات والإثنيات والجهويات، بإقرار نظام الحكم الفيدرالي، وخلق مراكز قوة في الولايات، ومراكز صراع على أساس قبلي وجهوي في تقسيم الولايات أو المحليات، ما ساهم في تفكيك النسيج الاجتماعي.
ويحمله بعضهم أيضاً مسؤولية تدهور علاقات البلاد الخارجية، التي بدأت في التحسن بعد خروجه من السلطة خصوصاً مع الدول الغربية، وبعض الدول العربية التي كانت تتخوف من طموحاته. وترى أنه يعمل على تصدير الثورة لدول المنطقة خصوصاً بعد تكوينه في عام 1991 للمؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، والذي ضم ممثلين لـ"45" دولة ممن يناهضون السلطات في دولهم. كما عمل على فتح البلاد أمام الحركات المطلبية والدينية المتشددة.
وكان للترابي دور في حرب دارفور، حيث يرى البعض أن حركة "العدل والمساواة" التي تقود حرباً في دارفور هي بمثابة جناح عسكري لحزب الترابي، وتزعم أن الأخير من أسسها ودعمها.
من جهة ثانية، حملت شخصية الترابي تناقضاً، انعكس في توقيعه على مذكرة تفاهم مع الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق في العام 2001 عقب خروجة من السلطة. وهي الحركة نفسها التي حرض السودانيين على قتالها باعتبار منتسبيها خونة وخرجوا عن السلطان، إلى جانب دخوله في تحالف مع القوى المعارضة التي ظل يوجه لها سهامه طيلة فترة حكمة.
وللترابي آراء فقهية جدلية، قادت بعض المتشددين للمطالبة بإهدار دمه، ومثلت أمراً شاذاً بالنسبة للقيادات الإسلامية، لأنها خالفت ما يعتبر مسائل قطعية ومسلمات، ما جعله يخلق مسارا فقهيا لحركته مختلفا تماما في المسائل الدينية والسياسية.
وحقق الترابي للحركة الإسلامية مكاسب، إذ حولها من الشكل الصفوي إلى الجماهيري، وأوجد لها تحالفات مع الطرق الصوفية والإدارات الأهلية ومع قطاعات أوسع من النطاق الذي كانت  تتحرك فيه. فضلاً عن أنه أخرجها من تبعية القيادة المركزية لجماعة "الإخوان المسلمين" في العالم لتكون مستقلة. وأوصل الحركة للسلطة. كما يعتبره البعض رائدا في مدرسة تجديد الإسلام السياسي.
وعُرف الترابي بقدراته على امتصاص الصدمات، وإعادة ترتيب صفوفة والصبر في تحقيقها، فضلاً عن قدرة هائلة على المراوغة. ورغم اختلاف البعض منه، لكن لا ينكر شخصية الرجل الكارزمية، ومستوى تفكيرة الذي استطاع من خلاله تكوين قاعدة للإسلاميين، حاول أن ينافس بها أكبر حزبين، "الأمة" بزعامة الصادق المهدي و"الاتحادي" بزعامة محمد عثمان الميرغني.
ويمثل الترابي أحد أشهر القادة الإسلاميين في العالم المجتهدين على صعيد الفكر والفقه الإسلامي المعاصر، ولديه عدة مؤلفات في ذلك. وسبق أن وضعه الكاتب الغربي روي جاكسون، ضمن قائمة بخمسين شخصية في الإسلام .
قضى الترابي 12 عاماً من عمره في السجن منذ دخوله السياسة في العام 1964، وسُجن للمرة الأولى في عهد الرئيس جعفر النميري لمدة ثماني سنوات، وبعدها أُفرج عنه، وعُين نائبا عاما، ثم مستشارا قانونيا للنميري.
وشكلت فكرة "النظام المخالف" تطوراً جديداً في اتجاهات الرجل، إذ قامت فكرتها على توحيد التيارات الإسلامية بمختلف مسمياتها، بما فيها الصوفية والسلفية والقومية، في كيان واحد يتجاوز الأحزاب. حلم الترابي أن يوحد الإسلاميين، ويحسن من صورتهم، قبل أن يفارق الحياة.
العربي الجديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق