للمكان روح، وروح الإنسان- مثلما تأتلف مع روح آخر.. آخرين، تأتلف بروح المكان.
نهنهة الرجال بالبكاء، تنهنه رجال، ولن أنسى ما حييت، نهنهة صديقي وزميلى في الوطن، الأستاذ حبشي رشدي، وهو يخطو آخر خطواته، باتجاه باب الخروج، من المكان الذي كان جزءا أصيلا فيه.. وكان جزءا من روحه الشفيفة، وقلبه الأبيض، وضميره الذي لا يزال في سن اللبن.. وكان جزءا من ذهنه الوقاد، وكل ذرة في أعصابه، وكان شاهدا في كل الفصول على عطائه الصحفي الثر، الغزير.
نهنهت عينا حبشي. تساقطت- رغما عنه- دموعه.. دمعة من وراء دمعة، ونهنهت عيون زملائه، وأجهش المكان.
لئن تفارق، هو أن تموت بعض الشيء.
تذكرت هذه الجملة، وصديقي حبشي، يغالب غصة. ربتُ على كتفه، وأنا أدعو له- سرا- بجامع علاقتي برب الناس، أن يطيل عمره، ويجعل له في كل خطوة يخطوها في وطنه- أم الدنيا- سلامة وابتسامة، ورزقا طيبا، وظلا وريفا، ممدودا.
لا، لا. روح حبشي، لم تأتلف فقط بـالوطن المكان، وإنما ائتلفت، بكل ذرة من ذرات هذه الأرض الكريمة الطيبة.
تخيلتُ- وحبشي يحاول عبثا أن يزيح عبرة راحت تطعن في القلب- كل ذرة في قطر كلها، تنهنه، وتحاول عبثا أن تزيح عبرات.
تعرفه قطر، بشعره الأشيب الجميل، وقامته التي بين بين، وجسده الممتلئ في تماسك، وسياراته: الألمانية الحمراء، من طراز أودي، ثم المرسيدس الزرقاء، فنيسان البيجية، وهو يزرع مساحتها الجغرافية، يلهث من تحقيق لتحقيق، ومن خبر لخبر، لا يفتر، ولا يكل، ولا يمل، ولا يبدي ضجرا، ومهنته في الأساس هي مهنة سد جوع المطبعة التي تدور وتدور!
كنتُ أطلق عليه اسم البلدوزر.. وكان يبتسم في حياء، وهو يلملم من داخل سيارته ورقا، أو يزحمها بالمزيد من الورق.. وكان حين يتكلم عن تاريخ هذه المنطقة من مناطق قطر، أو تلك، كنتُ أعرف تماما، أن التاريخ هو الذي يتكلم، بلسان قطري صميم.
كان أرشيفا.. وكان ذاكرة.. وكان مرجعا مهما، وكان يكتب على رائحة الشيشة، في قهوة أم كلثوم، مع تحيات كل داخل- بـ أستاذ حبشي- ومع سلامة كل من عبأ الرأس، بحجر حجرين!
خطا باتجاه الباب الخلفي، وهو يمسح دموعه. ظل يفتش عن سيارته في الأمكنة التي اعتاد أن ( يبركنها) فيها.. فجأة تذكر أنه شحنها، في اليوم السابق، إلى مصر!
العادة، لا تفارق أياً منا.. وصديقي اعتاد.. ولئن كان جميلا جدا على المرء أن يعتاد على المكان ويعتاد المكان عليه، فإن ما هو مفجع حقا أن يغادر المرء هذا المكان!
فجعني رحيل حبشي إلى وطنه. لقد اعتدت على ذلك البلدوزر يا ناس!
نهنهة الرجال بالبكاء، تنهنه رجال، ولن أنسى ما حييت، نهنهة صديقي وزميلى في الوطن، الأستاذ حبشي رشدي، وهو يخطو آخر خطواته، باتجاه باب الخروج، من المكان الذي كان جزءا أصيلا فيه.. وكان جزءا من روحه الشفيفة، وقلبه الأبيض، وضميره الذي لا يزال في سن اللبن.. وكان جزءا من ذهنه الوقاد، وكل ذرة في أعصابه، وكان شاهدا في كل الفصول على عطائه الصحفي الثر، الغزير.
نهنهت عينا حبشي. تساقطت- رغما عنه- دموعه.. دمعة من وراء دمعة، ونهنهت عيون زملائه، وأجهش المكان.
لئن تفارق، هو أن تموت بعض الشيء.
تذكرت هذه الجملة، وصديقي حبشي، يغالب غصة. ربتُ على كتفه، وأنا أدعو له- سرا- بجامع علاقتي برب الناس، أن يطيل عمره، ويجعل له في كل خطوة يخطوها في وطنه- أم الدنيا- سلامة وابتسامة، ورزقا طيبا، وظلا وريفا، ممدودا.
لا، لا. روح حبشي، لم تأتلف فقط بـالوطن المكان، وإنما ائتلفت، بكل ذرة من ذرات هذه الأرض الكريمة الطيبة.
تخيلتُ- وحبشي يحاول عبثا أن يزيح عبرة راحت تطعن في القلب- كل ذرة في قطر كلها، تنهنه، وتحاول عبثا أن تزيح عبرات.
تعرفه قطر، بشعره الأشيب الجميل، وقامته التي بين بين، وجسده الممتلئ في تماسك، وسياراته: الألمانية الحمراء، من طراز أودي، ثم المرسيدس الزرقاء، فنيسان البيجية، وهو يزرع مساحتها الجغرافية، يلهث من تحقيق لتحقيق، ومن خبر لخبر، لا يفتر، ولا يكل، ولا يمل، ولا يبدي ضجرا، ومهنته في الأساس هي مهنة سد جوع المطبعة التي تدور وتدور!
كنتُ أطلق عليه اسم البلدوزر.. وكان يبتسم في حياء، وهو يلملم من داخل سيارته ورقا، أو يزحمها بالمزيد من الورق.. وكان حين يتكلم عن تاريخ هذه المنطقة من مناطق قطر، أو تلك، كنتُ أعرف تماما، أن التاريخ هو الذي يتكلم، بلسان قطري صميم.
كان أرشيفا.. وكان ذاكرة.. وكان مرجعا مهما، وكان يكتب على رائحة الشيشة، في قهوة أم كلثوم، مع تحيات كل داخل- بـ أستاذ حبشي- ومع سلامة كل من عبأ الرأس، بحجر حجرين!
خطا باتجاه الباب الخلفي، وهو يمسح دموعه. ظل يفتش عن سيارته في الأمكنة التي اعتاد أن ( يبركنها) فيها.. فجأة تذكر أنه شحنها، في اليوم السابق، إلى مصر!
العادة، لا تفارق أياً منا.. وصديقي اعتاد.. ولئن كان جميلا جدا على المرء أن يعتاد على المكان ويعتاد المكان عليه، فإن ما هو مفجع حقا أن يغادر المرء هذا المكان!
فجعني رحيل حبشي إلى وطنه. لقد اعتدت على ذلك البلدوزر يا ناس!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق