تحوّل العنف الطلابي في السودان إلى ظاهرة. تكفي مطالعة ما تنشره الصحف عن القطاع الطلابي للتحقق من ذلك. فغالبية الأخبار تنقل إمّا وقائع العنف بين الطلاب في ما بينهم، أو بين الطلاب والأجهزة الأمنية، أو تتحدث عن فعاليات تبحث في هذه الظاهرة وأسبابها وتضع توصيات لاجتثاثها من تربة الجامعات.
شهر دموي
خلال شهر مايو
الجاري، خرجت عن السيطرة الأوضاع في "كلية شرق النيل" وفي "جامعة
بحري". ففي الكلية الأولى، شرقي العاصمة السودانية الخرطوم، اندلعت معركة بين
طلاب حزب المؤتمر الوطني الحاكم وطلاب مؤيدين لـ"الجبهة الثورية" التي
يخوض جنودها معارك ضارية ضد الجيش الحكومي ومليشيات النظام في ولايات النيل
الأزرق، جنوب كردفان، ودارفور. ومع تبدد غبار المعركة التي استخدمت فيها الهراوات
والعصي والسواطير، ظهرت الخسائر المؤلمة. قضى الأمين
العام لطلاب "الوطني" في الكلية، محمد عوض الزين، وأصيب ثلاثة من زملائه
إصابات متفاوتة، فضلاً عن نشوب حريق في معظم مباني الكلية.
وفي
"جامعة بحري"، شماليّ الخرطوم، هاجم طلاب
المؤتمر الوطني تجمعاً طلابياً، وأجبروا طلاب دارفور على إبراز بطاقات هويتهم
بحثاً عن منتسبين إلى "حركة جيش تحرير السودان" المتمردة، بقيادة عبد
الواحد نور. أما السبب الحقيقي، فكان الانتقام لزميلهم القتيل في كلية شرق النيل.
من يمارس العنف؟
المشترك الوحيد
في كل المعارك الطلابية داخل جامعات السودان هو مشاركة طلاب حزب المؤتمر الوطني
الحاكم الذين اعتادوا مقارعة زملائهم الطلاب بالكلمات، أو باللكمات.
قال لرصيف22 ماهر
أبو جوخ، أحد كوادر "التحالف الوطني السوداني" المعارض في جامعة أم
درمان الإسلامية: "إن اتكاء طلاب الوطني على السلطة يجعلهم يأبون التوقيع على
مواثيق الشرف الجامعية، ويصرون على قيادة المنابر النقابية الخاصة بالطلاب في جميع
الجامعات مستخدمين في ذلك طرائق الترهيب والترغيب وحتى التزوير".
وتحدّث عن
عوامل مهمة يراها سبباً في لجوء طلاب الحزب الحاكم إلى العنف ذاكراً "خطاب الكراهية الذي يبثه الحزب ضد المعارضين"،
إضافة إلى لجوئهم إلى القفز فوق مشاكلهم الداخلية المتركزة عادةً حول الأموال التي
يضخّها الحزب لمصلحة طلابه وآخرها ما كشفته صحيفة "التيار" عن شراء سيارات فاخرة
لقيادات الطلاب بقيمة 22 مليار جنيه سوداني (مليونا دولار).
أسباب العنف
إن كان طلاب
"الوطني" ضالعين في العنف الطلابي أكثر من غيرهم، فهناك عوامل كثيرة
تؤدي إلى إذكاء العنف. وقال لرصيف22 الطالب في جامعة الخرطوم، ناجي إبراهيم،
المنتمي إلى رابطة الطلاب الاتحاديين وهي الفصيل الطلابي للحزب الاتحادي
الديمقراطي، إن "الوحدات الجهادية" تمثل أهم دعامات العنف بالجامعات.
و"الوحدات
الجهادية" هي ذراع قوات الدفاع الشعبي، إحدى مليشيات حزب المؤتمر الوطني، وقد
أُنشئت بدايةً لتجميع "الجهاديين" المستخدمين لقتال قوات الحركة الشعبية
لتحرير السودان، قبل انفصال جنوب السودان عام 2011. وبعدها، سُجّلوا كطلاب وتحولت
مهماتهم من "جهاد الميادين"، على حد تعبير الخرطوم وقتذاك، إلى
"جهاد" ضد طلاب المعارضة. فأصبحت مقارّ هذه الوحدات أمكنة للاستنفار
لقمع المعارضين، ولفض التظاهرات الطلابية.
ويرفض حزب
المؤتمر الوطني حل "الوحدات الجهادية" ويرى أنه بحاجة إليها لقمع تحركات
الطلاب المناوئة للسلطة، لا سيما أن الطلاب استطاعوا خلع نظامين عسكريين في
انتفاضتين، الأولى ضد نظام الجنرال إبراهيم عبود في أكتوبر 1964 والثانية ضد نظام
جعفر نميري في العام 1985.
تعقيدات أخرى
وتبرز أيضاً
عوامل مختلفة مثل "إدارات الجامعات" و"الحرس الجامعي"
و"صندوق دعم الطلاب" كمسببات في زيادة وتيرة العنف، بسبب انحيازها
الصريح لطلاب الحزب الحاكم.
فمديرو
الجامعات يعيّنهم الرئيس السوداني عمر البشير. واتباع ما تسميه السلطة "سياسة
التمكين" دفع أساتذة الجامعات غير المنتمين للوطني إما إلى ترك المهنة أو إلى
الهجرة.
أما الحرس
الجامعي فلا يتورع عن التدخل في أية صراعات طلابية لمصلحة حزب المؤتمر الوطني، فهو
تارة يغض الطرف عن إدخال طلابه الأسلحة إلى حرم الجامعات، وتارة أخرى يتعامى عن
دخول عناصر من الحزب غير مسجّلين في الكلية. ولم يحدث أن أوقف الحرس الجامعي
طلاباً يتبعون للوطني على ذمة قضايا عنف وتخريب.
وأخيراً يأتي
"صندوق دعم الطلاب" الذي يموّل عمليات إسكان طلاب الجامعات، والذي يرفض
إيلاء مسألة إدارة المساكن الطلابية إلى إدارات الجامعات، ويُسكن طلاب من جامعات
مختلفة في سكن واحد، كما يمارس سياسة تمييز في تقديم الخدمات بين مؤيدين السلطة
ومعارضيها. والأسوأ أنه يفرز الطلاب على أساس جهوي وتالياً بتنا نسمع، على سبيل
المثال، عن استهداف طلاب إقليم دارفور.
اتهامات باطلة
ينكر طلاب حزب
المؤتمر الوطني، أيّة صلة تربطهم بوقائع العنف في الجامعات السودانية. ويتهمون
المعارضة بزعزعة استقرار الجامعات. وقال محمد خال، أحد قادة الوطني المتخرج من
"جامعة النيلين" لرصيف22 إن المعارضة تعمل على تصفية حساباتها مع الوطني
من خلال تحريك خلاياها المسلحة في أوساط الطلاب لإثارة العنف، وإيقاع ضحايا، لكي
تسوّق في الخارج لفكرة أن الحكومة هي سلطة قمعية بإمتياز".
طلاب كثر سقطوا
ضحايا العنف الطلابي، معظمهم من أم الجامعات "جامعة الخرطوم". فبشير
الطيب قضى على يد زميل له عام 1989. وحصد رصاص الأمن أرواح التاية أبو عاقلة، وأبو
بكر سليم، وطارق محمد ابراهيم. بينما أودى رصاص طلاب الوطني بحياة علي أبكر موسى
عام 2014. وجراء التعذيب في معتقلات الأمن توفي محمد عبد السلام في العام 1998.
وفي
"جامعة الجزيرة" قُتل معتصم الطيب في تظاهرات طلابية. وفي حادثة أخرى،
عام 2012، تم انتشال جثث أربعة طلاب دارفوريين من جوف النيل وهم: محمد يونس، وعادل
محمد أحمد، والصادق عبد الله يعقوب، ونعمان أحمد القرشي.
وفي العام
الفائت تحولت الانظار ناحية كلية "شرق النيل"، حيث اختُطف الطيب صالح
قبل العثور عليه جثة هامدة في مياه النيل. وتلت ذلك وفاة محمد عوض الزين في
اشتباكات طلابية.
خلّف العنف
الطلابي ندوباً بارزة في الجامعات وأدى إلى نأي الطلاب بأنفسهم عن ممارسة الأنشطة
السياسية. وقالت شيماء، طالبة اقتصاد في كلية شرق النيل لرصيف22 إنها تفكر في
الانتقال إلى جامعة خاصة تحرّم النشاط السياسي، مخافة تمضية سنوات إضافية قبل
حصولها على شهادتها بسبب القرارات الإدارية المستمرة في إغلاق أبواب الجامعة إلى
"أجل غير مسمى"، عقب كل حادثة عنف.
وقال وائل،
الطالب في جامعة الخرطوم، إنه اضطر إلى ترك مقعده في كلية الهندسة/ قسم الكهرباء
نتيجة إصابة في يده أثناء اشتباكات طلابية، الأمر الذي أجبره على الانتظام في كلية
الأداب.
أما أشد
العبارات وقعاً فقد قالها عبد الرحمن، طالب في جامعة الخرطوم، حين تمنى لو لم تعرف
الجامعةُ السياسةَ إطلاقاً ليبقى صديقه علي أبكر حياً، وأضاف: "الجامعة ما
دفتر وقلم، الجامعة دم".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق