تعددت ضروب الشعر وأغراضه مثل الحماسة والرثاء والهجاء وغيرها، ولكن هناك لونية جديدة ظهرت في ثنايا الشعر السوداني، وهي الكتابة لأجنبيات حظين بقدر كبير من المساحة الشعرية في مكتبة الغناء السودانية منهن اليونانيات والجزائريات والأفريقيات من بلدان شتى وحتى الجنوبيات ما بعد الانفصال.
الفنان النور الجيلاني عُرف بحبه الشديد لجنوب السودان منذ سنوات خلت، حيث أقام العديد من الحفلات الغنائية وخاض تجربة كتابة الشعر عبر رائعته (فيفيان)، حيث يقول مقربون منه إنه من فرط حبه لتلك السمراء الجنوبية، التي تُدعى فيفيان، نظم فيها تلك الكلمات لحناً وأداءً. وبحسب الرواية، فإن الأبنوسية كانت زميلة الجيلاني على أيام الاتحاد الاشتراكي، وزاملته في العمل إلى أن سافرت إلى كندا، ولم يعد يعلم عنها شيئاً.
سمراء الجنوب
تقول مطلع القصيدة
فيفيان يا أحبابي جنوبية/ ضوَّت لينا الخرطوم/ حليلك نوبة وصوفية/ جنب الوادي المجروم.
وواصل النور الجيلاني رحلة التغريد صوب الجنوب وتغنى لفتاة سمراء أخرى، وهي (ميري)، التي صاغ كلماتها الشاعر إسماعيل حسن، واصفا قوامها بفرخ الحمام ولهجتها الخليط ما بين العربية واللهجة الجنوبية التي منحتها مذاقاً خاصاً خصوصاً في تمتمتها، قائلاً:
ميري.. زي الريح تولول/ وميري زي فرخ الحمام
كنا ننضم / ويا حلاوة اللهجة / ميري.. كان تمتم.. في الكلام
وبي بشيش حدثت ميري إلى أن يصل في نهاية الأغنية قائلا: أدفنونى إن شاء الله حي في ربوع الجنة، وهي دلالة على عشقه لها ولموطنها، فميري حظيت بحب كبير يظهر في كلمات إسماعيل حسن الذي تعلق بها حد الموت.
ميري ومادلينا
كثير من الشعراء السودانيين نظموا كلمات غزل في أجنبيات جئن إلى السودان أو جمعتهم الصدف في أماكن بعيدة، ومن هؤلاء الشاعر محمد سعد دياب الذي كتب كلمات أغنية (مادلينا)، وهي أول أغنية تغنى بها الفنان النور الجيلاني، وحظيت بقبول كبير في الوسط الفني. فمادلينا هي فتاة خليط بين جنيستين والدها من العاصمة اليونانية أثينا ووالدتها من قبيلة الأمهرة الإرترية عرفت بجمالها الفاتن، وفطرت قلوب الشباب، وهي من قصائده الجميلة التي حملت اسم ديوانه عيناك والجرح القديم، ومن أشهر قصائده المغناة هي مادلينا.
الأم سليلة أمهرا.. والوالد من قلب أثينا / سمرتُها.. عفواً صحبي
فالوصفُ يعزُّ.. أحايينا/ مادلينا.. مادلينا/ الأم سليلةُ أمهرا
والوالدُ من قلب أثينا/ ترك الأهلينَ ذاتَ مسا/ وترنَّحَ بِراً.. وسفينا
من قلب اليونان
أغنية (يا مريا) التي نظم كلماتها الشاعر صلاح أحمد إبراهيم ولحنها وأداها الفنان حمد الريح كتبت في شابة أجنبية يونانية الأصل، برع الشاعر في وصفها، والرواية تقول إن (مريا) هي مريا مارينو الكساندرو من الجالية اليونانية التي كانت تعيش في السودان ولأسرتها منزل بأم درمان. ويبدو أن الشاعر كان مفتوناً بجمال تلك اليونانية، حيث كانت فاتنة الجمال ومُلفتة للأنظار.. ويقول النص: يا مريا على الأهداب ليلاً لا يُفسر/ وعلى الخدين نوراً يتكسر/ وعلى الأسنان سُكر حتى نهاية القصيده لي الصدر نوافير جحيم تتفجر/ وحزاماً في مضيقٍ ، كلما قلتُ قصيرُ/ وأنا أهفو إلى تفاحة حمراء من يقربها يصبح مذنب.
الجزائرية فضة
هناك روايات تقول إن أغنية الفنان عبدالكريم الكابلي (فضة) كتبت أيام الثورة الجزائرية ونظمت كلماتها في شهيدة بذات الاسم، ورواية أخرى تقول إنها من البحرين، حيث شبهها الشاعر بالؤلؤة “أغلى من لؤلؤةٍ بَضَّهْ/ صيدتْ من شطِّ البحرينِ/ لحنٌ يروي مصرعَ فِضَّهْ/ ذاتِ العينينِ الطَّيبتينِ/ كتراب الحقلِ كحفنة ماءْ/ كعناق صديقينِ عزيزينِ/ كملابسِ جنديٍّ مجروحٍ/ مطعونٍ بين الكتفينِ/ لم تبلغ سن العشرين /واختارت جيش التحرير”.
حرية الإبداع
وفي السياق، يرى الشاعر التجاني حاج موسى أن الإبداع لا يعرف حدوداً إقليمية ولا يرتبط بأخرى جغرافية معينة، فالمبدع معني بما كل ما يحيط به من حوله داخل وخارج حدود الوطن وغاية ما يطمح له هو أن يصل إلى كل مخاطبيه من سكان البلاد ويتجه نحو العالمية، كما فعل الروائي العالمي الطيب صالح، وكما حل بالشاعر الراحل المقيم صلاح أحمد إبراهيم التي كانت ملهمته فتاة أجنبية لأن الإلهام لا يحتاج تأشيرة دخول ولا خروج، ولذا عندما انفعل معها الشاعر ولدت قصيدة نالت إعجاب الجميع, وكذلك النماذج كثيرة على سبيل المثال الشاعر أبو آمنة حامد التي نظم رائعته (سال من شعرها الذهب) والتي كانت من نصيب إحدى الشقراوات، لذا العمل الإبداعي لا يحتاج بلداً ولا هوية. ويشير التجاني إلى أن السفر والترحال لهما نصيب في كتابة بعض الأغاني الموجهة لهؤلاء الأجنبيات، وحتى أنه يؤثر على الفنانين التشكيليين كما حدث للفنان راشد دياب وأيضا الكاتب العالمي وليم شكسبير الذي ترجمت معظم رواياته للغة العربية ووجدت قبولاً ناجحاً في كل العالم, فالعمل الإبداعي بمختلف مسمياته في المقام الأول إنساني وعام لا يتقيد بحدود ولا أمكنة
اليوم التالي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق