حيدر المكاشفي
ورد في الأنباء أن أطباء مستشفى أم درمان نفذوا يوم الأربعاء الماضي
إضراباً عن العمل، احتجاجاً على تعرض إحدى زميلاتهم للإهانة والعنف اللفظي بعبارات
نابية من قبل مرافقي أحد المرضى في ساعة متأخرة من الليل، دون أن تجد الحماية حتى
من أفراد التأمين والحماية بالمستشفى، وكانت قد سبقت هذه الحادثة المشينة وقوع
العشرات مثلها في عدد من المستشفيات بمدن البلاد المختلفة خلال السنوات الأخيرة،
أذكر من أعجبها تلك التي تعرض فيها طبيب يحمل رتبة ملازم أول للضرب والشتم من جندي
أزبليطة، فمن عجائب تلك الحادثة أنها ضربت وفجعت قيمتين بركلة واحدة، فجيعة الضرب
نفسه وفجيعة اختلال القيم والموروثات العسكرية، وسقوط قيمة الضبط والربط والانضباط
التي إذا ما فقدها جيش ما فقل عليه السلام، ومن محن السودان في هذا الزمان أن يجد
مثل هذه الإهانة من رابط وصابر وصبر من الأطباء على العمل داخل البلاد، محتملاً في
سبيل ذلك الكثير من العنت والرهق والمعاناة، بينما الكثير من زملائهم حزموا حقائب
الهجرة وغادروا البلاد، فمثل هؤلاء المرابطين الذين يستحقون عن جدارة كل تكريم
وتبجيل واحترام، للأسف يلاقون بدلاً من ذلك الضرب والركل والسب والشتم، فماذا
بالله عليكم سيبقى للأطباء بعد ذلك ليبقيهم داخل بلدهم...
هل يبقوا لتلقي المزيد من الصفعات والركلات والإهانات على خدهم، وهضم
حقوقهم المشروعة ومطالبهم العادلة على الخد الآخر، الحكومة من أمامهم وبعض
المتفلتين من أفراد القوات النظامية وبعض مرافقي المرضى من خلفهم، إنها عملية دفع
رباعي لمغادرة البلاد واللحاق بمن هاجروا من قبيلتهم المهنية، فهل هذا ما يُراد
لهم وبهم، ومن يمارس مهنة الطبابة من بعد أن تفرغ البلاد من أطبائها، هل يمارسها
الأطباء (باعتبار ما كان) مصطفى عثمان إسماعيل وإبراهيم غندور والمتعافي والطيب
سيخة والجميعابي، وغيرهم ممن تركوا الطب وانغمسوا في السياسة التي نصبتهم حكاماً،
ولولاها لكانوا اليوم على رأس احتجاجات الأطباء واعتصاماتهم، والسؤال الآن بعد أن
تكررت بصورة مزعجة الاعتداءات على الأطباء داخل المستشفيات وفي مناطق مختلفة من
البلاد، وبعد أن لم تسفر كل الاحتجاجات والاعتصامات السابقة عن شيء سوى الاستمرار
في هذا السلوك المشي ، إلى من ترفع هذه القضية ومن يوفر الحماية للأطباء، بل وكيف
يتم وضع حد نهائي لهذا السلوك القبيح الذي يكاد أن يصبح عادياً ومعتاداً لا يثير
الدهشة ولا يجد الاستهجان والامتعاض...
التغيير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق