الاثنين، 8 يونيو 2015

"الجنجويد"... قنبلة السودان الموقوتة


أصبح اسم قوات الدعم السريع "الجنجويد" مثيراً للرعب في نفوس شريحة كبيرة من السودانيين بسبب الاتهامات والانتقادات التي ظلّت تلاحق "الجنجويد" حديثة النشأة، في ما يتصل بارتكاب انتهاكات في أي مكان تطأه قدماها، الأمر الذي ظلّت الحكومة وقيادة القوات نفسها تنفيه بشدة.
تمدّدت قوات الدعم السريع بسرعة في المشهد السياسي السوداني في أقل من عامين. اقترن اسمها بالقوات المسلحة السودانية، في ما يتصل بالأخبار التي تصدر عن العمليات العسكرية في ولايتيْ النيل الأزرق وجنوب كردفان وإقليم دارفور التي تقاتل إلى جانب القوات الأخرى، فضلاً عن تمتّعها بميزات تفوّقت من خلالها على الجيش السوداني، بما فيها العتاد العسكري والمرتبات، الأمر الذي جعل البعض يطلق عليها "مولود النظام المدلل".
لكن يرى مراقبون أنّ "الجنجويد" قنبلة موقوتة قد تنفجر في أية لحظة، ويعتبرون أنّ الحكومة في الخرطوم أقدمت على "دق مسمسار نعشها بيدها" عبر ضمّ تلك القوات إلى مركز الدولة ونشر ثلاثة آلاف منهم في مناطق مختلفة في العاصمة المثلثة.

قوات الدعم السريع في الأصل مليشيات قبلية، "قبائل عربية"، استعانت بها الحكومة لمواجهة التمرد الذي اندلع في إقليم دارفور عام 2003، واعتمدت عليها بشكل أساسي، حتى أنّ الرئيس عمر البشير أكّد في تصريحات سابقة له، أنّه كان لهذه القوات فضل كبيرة في حسم التمرد.


وتواجه
"الجنجويد" بمزاعم تتصل بضم أفراد أجانب من النيجر وتشاد ومالي ينتمون إلى القبائل العربية هناك، ما ظلّت الحكومة تنفيه، حتى اعتراف قائدها محمد حمدان حميدتي بأنّ أغلبية القوات من القبائل العربية في إقليم دارفور، نافياً تماماً ضم أجانب إليها، وأنه مستعد لتقديم مائة ألف مقاتل من دارفور في حال طلبت الحكومة، معتبراً أنّ القتال في صفوف الحكومة بمثابة وظيفة حيث يتلقون مقابل عملهم المال.وقبل أن يتم التوافق على اسمها الحالي، عُرفت بتسميات مختلفة، منها "حرس الحدود". دولياً، تُتهم تلك القوات بارتكاب انتهاكات في إقليم دارفور، منها، حرق قرى واغتصاب. وتسبّبت القوات في استدعاء البشير إلى المحكمة الجنائية التي أصدرت مذكرة توقيف بحقه، وبحق عدد من المسؤولين السودانيين، بينهم وزير الدفاع عبدالرحيم محمد حسين.
وفي فيلم وثائقي لحميدتي، أكد أنّ البشير استدعاه وطلب منه المساعدة لحسم التمرد في دارفور وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ومنحه المال.
في العام 2014، وحّدت الحكومة هذه المليشيات التي كانت تعرف محلياً ودولياً بـ"الجنجويد"، وأطلقت عليها "قوات الدعم السريع". ولتقنين وضعها، أدخلتها تحت المسؤولية المباشرة لجهاز الأمن، لا سيما بعد تواتر معلومات عن رفض الجيش السوداني أن تكون جزءا منه، باعتبارها مليشيا فوضوية لا ترتكز على عقيدة قتالية بل قبليّة، ما أقرّ به حميدتي عندما شدّد في تصريح عقب إقالته من منصبه كمستشار للأمن في ولاية جنوب دارفور، "أنا إنسان حرّ، لديّ أهلي، ولديّ جيشي وإمكاناتي، ولا يستطيع أن يقلّص الوالي صلاحياتي".

ووفقاً لبعض المصادر، فإن حميدتي البالغ من العمر 43 عاماً، الذي لم يكن له أي علاقة بالجيش أو أي من القوات النظاميّة، قبل عام 2003، اشترط تقنين قواته مقابل مشاركته في القتال لصالح الحكومة في مناطق العمليات. ويقول مقرّبون من حميدتي إنّه "قرّر الاستفادة من تجربة ابن عمه موسى هلال الذي ساهم في إنشاء حرس الحدود، وقاتل بقوة إلى جانب الحكومة، قبل أن تعمد إلى تهميشه، على الرغم من تعيينها إياه في منصب وزير اتحادي، فضلاً عن عضوية البرلمان، ليحتج على التهميش، بعد تراجع التمرد ويتمترس حول مناطق احتلّها بقوة السلاح بانتظار الاستجابة لمطالبه التي من ضمنها تقنين وضعه".
في نهاية عام 2014، عدّل البرلمان السوداني الدستور الانتقالي، وبموجب التعديل، حُول جهاز الأمن إلى قوة نظامية، كما الجيش والشرطة، الأمر الذي أتاح أن تكون قوات الدعم السريع الذراع العسكرية للأمن، لتقاتل في مناطق العمليات المختلفة.

وأخيراً، كان لها دور في معركة "النخارة" في ولاية جنوب دارفور، وألحقت خسائر بقوات "حركة العدل والمساواة"، وكافأها البشير محتفلاً معها بمناطق العمليات، ووزّع على قادتها النياشين فضلاً عن الترقيات بالرتب العسكرية.

قبل إجراء التعديلات الدستورية، صرّح حميدتي بأنّهم طالبوا بسن تشريع يوفّر لحرس الحدود الذي كان قائداً لاستخباراته، سلطات أسوة بالقوات النظامية الأخرى، فضلاً عن رتب عسكرية، ومطالب تتعلّق بالمشاركة في السلطة وتنمية مناطق الرحل، مشيراً إلى دورهم في حسم التمرد في دارفور، ومساهمتهم في إنجاح مفاوضات الخرطوم مع الحركات المسلحة الدارفورية والتوصل لاتفاق سلام الدوحة.

لكن يتخوّف مراقبون من طموح حميدتي، الأمر الذي يهدّد استقرار البلاد ويحوّلها إلى دمار بعد الميزات التي منحتها له الحكومة. والجدير ذكره، أنّ هذه الأخيرة أظهرت ضعفها بعد أن وضعت "الجنجويد" ضمن قائمة الخطوط الحمراء، وأقدمت على معاقبة قادة سياسيين لانتقادهم القوات، ممّا نسف دعوة الحوار الوطني، لا سيما عند اعتقال زعيم حزب الأمة المعارض،
الصادق المهدي، الذي كان يمثّل الركن السياسي في الحوار، لانتقاده "الدعم السريع" واتهامه لها بارتكاب جرائم عدة وضمّ أجانب. ونقلت تصريحات لحميدتي تعليقاً على اعتقال الصادق حينه، أنّ "الجنجويد" أصبحت تملك زمام الأمور في البلد، وبإمكانها فك أسر الصادق أو إبقاؤه.ويعد حميدتي الذي يحمل رتبة "عميد"، التي قال إنّه حصل عليها من خلال إنجازاته، وخصوصاً أنّه لم يلتحق بالكلية الحربيّة، أحد سلاطين القبائل العربية التي تصدّت للحركات المسلحة الدارفورية، وأصبح قائداً لقوات حرس الحدود التي شكّلها موسى هلال لأول مرة عام 2003، وعُين مستشاراً للأمن في ولاية جنوب دارفور قبل إبعاده إثر أحداث شهدتها ولاية جنوب دارفور، اتهم بالضلوع فيها، لا سيما بعد الخلافات التي وقعت مع حاكم جنوب دارفور السابق حماد إسماعيل، الذي اتهمه حميدتي باستهداف قبيلته الرزيقات الأبالة بشكل مباشر. وشهدت المنطقة بعدها فوضى كادت أن تحرق الولاية. 


بعد هذه الأحداث، علا شأن حميدتي، خصوصاً بعد تمرد هلال غير المعلن على الحكومة. عندها اعتبر حميدتي أنّ قبيلته ما إن رفعت يدها عن الولاية، حتى عاد إليها التمرد، ليسطع نجمه، وأصبحت أخباره تتصدر الصحف السودانية. في المقابل، أصبح حميدتي يشكل هاجساً، واقترنت قواته بارتكاب عمليات نهب وقتل في عدد من المناطق التي مروا بها في طريق عودتهم من مسارح العمليات في جنوب كردفان، فضلاً عن الانتهاكات التي تنسب إليهم في دارفور، وهو ما أقرّ به حميدتي نفسه في مؤتمر صحفي، عندما أكد أنهم كانوا يفاجأون في كل مكان يمرّون به، بإغلاق المحال التجارية لأنّهم يسببون الذعر في نفوس الناس. وقال: "قوّاتنا منضبطة ولا يصدر عنها أي انتهاكات، إنما يقوم بها آخرون بالمنطقة التي يتزامن خروجهم منها"، معترفاً، "قد يحدث انفلات داخل قواتنا، لكنّها فرديّة، ونحسمها مباشرة، فهم ليسوا ملائكة، وقد تحدث أمور مشابهة مع أي قوات أخرى".


سبق للنظام الديمقراطي الذي كان الصادق المهدي رئيس وزراء حكومته، قد أقدم على تسليح قبائل المسيرية والرزيقات في ثمانينات القرن الماضي لمواجهة تمرد الحركة الشعبية بقيادة الراحل جون قرنق لتحمي نفسها، وعرفت بمليشيات الصادق، حتى أن البشير، وفي أوّل أيام الانقلاب، تحدّى أن تنجح مليشيات الصادق في مواجهة الجيش الذي انقلب عليه، ما جعل مراقبين ينظرون ل
قوات الدعم السريع على أنّها ستكتب نهاية النظام الحالي.وفي فترة سابقة، دفع حميدتي بتصريحات حاول من خلالها إظهار قواته كصمام أمان. فمع تزامن نشر الحكومة ثلاثة آلاف من قوات الدعم السريع، اعتبر حميدتي قواته الحامي الأساسي للعاصمة، لتعيش بأمان. وفي رده على الانتقادات بنشر القوات، قال "جئنا ندافع عنكم، ويجب عليكم شكرنا، وإلّا لتركنا قوات التمرد تهاجمكم". وتُتهم الحكومة بالاستعانة بالقوات في قمع تظاهرات سبتمبر/ أيلول 2013، التي اندلعت احتجاجاً على زيادة أسعار الوقود، وأدّت إلى مقتل وإصابة المئات بالرصاص الحي.



ويقول المحلل العسكري (الذي طلب عدم ذكر اسمه) لـ"العربي الجديد"، إنّ "الشرطة والجيش لديهم نظام وتقاليد راسخة لا يمكن تجاوزها. لذلك اقتنعت الحكومة بأنّ قتال المليشيات أفضل، باعتبارها مرنة، فضلاً عن أن الجيوش وُجدت لقتال مثيلاتها، ما يصعّب عليها مواجهة التمرد القائم على حرب العصابات". وتابع، "كما أن للتجييش الشعبي حساباته، فهم يبحثون عن ملكية أرض وزعامة وأموال". ويؤكد المصدر أنّ كل التجارب أثبتت فشل الاعتماد على النظام الأهلي، ما يفرض على الحكومة أن تعمل على جمع كل السلاح المتفلّت الذي يقدر بـ4 مليون قطعة، بين ثقيلة وخفيفة، قبل أن ينقلب الوضع عليها عبر وسائل ترهيب أخرى. ويعتبر المصدر أنّ بقاء الوضع على حاله، من شأنه أن يخلق تمرداً جديداً في مواجهة الحكومة، يؤدي إلى تحالفات مع الحركات المسلحة الدارفورية، وتنتهي باستقلال الإقليم أسوة بالجنوب.  
ويؤكد محلّلون أنّ النتيجة الحتمية لقوات الدعم السريع التي تنتشر في الخرطوم ومناطق النزاع، ستنذر بأزمة تثير رعباً أكبر في العاصمة، باعتبارها قوات متفلتة، فضلاً عن طموح قائدها في الوصول إلى السلطة أو محاولة بعض قادة الحزب الحاكم الاستعانة به، ممّا يجعل الأمر، قنبلة تنتظر الانفجار.
العربي الجديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق