مدير شؤون إدارة يوقف موظفاً كبيراً بمعمل إستاك والمحكمة العليا تؤيد
مديرو شؤون العاملين بوزارة التجارة: تزوير الشهادة أصبح شيئاً مزعجاً
أحد الموظفين قام بتزوير شهادة ميلاده داخل ملف سجلّه الرسمي
كثرت الحيل التي يلجأ اليها موظفو الخدمة المدنية للالتفاف حول اللوائح والقوانين وذلك بدخول أيادٍ خفية تعبث بالمستندات فتستبدل المعلومات داخل المستند بأخرى بغرض التزوير
تحقيق : سعدية الصديق
ربما يكون ذلك لمصالح شخصية أو مادية تدفع البعض لتغيير مستند رسمي يحوي تاريخ ميلاد حقيقي لموظف وتجعله يمتلك أكثر من شهادة ميلاد بتواريخ مختلفة تستخدم عند الحاجة، وبالأمس القريب شب خلاف حاد بإحدى الوزارات بين مدير شؤون ووكيل الوزارة بسبب اكتشاف شهادتي ميلاد لمديرة أحدى الادارات بالوزارة وتم توقيفها وتعليق ملفها لأكثر من عامين، ووجهت الوكيلة مدير شؤون العاملين بمراجعة ملف الموظف وقام الآخر بإرجاعه للخدمة إلا أنه بعد مراجعة الديوان تم توقيفها نهائياً و إحالتها للتقاعد، ولم تتوقف مشكلة تزوير أو تغيير شهادة المواليد عند وزارة واحدة فقط، بل أصبح هذا الأمر مرضاً أصيب به عدد كبير من موظفي الخدمة المدنية في جميع مؤسساتها وهذا ما تم كشفه من خلال ذلك التحقيق
شهادات المواليد
كانت بداية مشوار بحثي التوجه لوزارة الصناعة وهناك قابلت مدير شؤون العاملين بالوزارة فائزة عبد العظيم محجوب وبعد أن طرحت عليها سؤالي حول تفشي تزوير شهادة الميلاد وسط موظفي الخدمة المدنية سكتت قليلاً، حتى ظننت أنها لا تريد الحديث معي ولكنها سرعان ما خرجت عن صمتها وقالت تزوير شهادات المواليد هو من أكثر المشاكل التي واجهتني طوال عملي في شؤون العاملين بعدد من مؤسسات الدولة، وتابعت تحكي بأنه كان ومازال يمثل مصدر إزعاج لموظفي ديوان الخدمة ومكتب شؤون العاملين بالمصالح الحكومية ومضت محدثتي وملامح الغضب تظهر على وجهها وهي تقول هذه العملية تتم عبر تواطؤ من أشخاص لم تسمِّهم ، وضحكت فائزة ثم قالت أنا في هذا المقعد لن أتساهل مع أي شخص، وكل من يفعل ذلك سيتم كشفه ،
واسترخت فائزة على مقعدها قليلاً: لا يوجد توجيه من الجهات العليا حتى الوقت تدعو لتسليم ومقاضاة فعلي لتلك القضية. وفي ردها علي سؤالي قالت تتم معالجة المشكلة عبرهم وتتم إحالة الشخص للتقاعد .
قصص مشابهة
وسردت لي مشكلة حقيقية وليست قصة من رسم الخيال وقالت لي: يا بنتى هذه المشكلة متفشية بجميع مؤسسات الدولة وقبل نقلي لوزارة الصناعة كنت أعمل في نفس الوظيفة بمؤسسة أخرى فقابلني ملف أحد الموظفين وبداخله شهادة ميلاد العمر فيها غير مطابق للعمر الموجود بالمستندات، فهو استخرج شهادة تؤكد أنه عندما تم تعيينه كان عمره (8) سنوات ولن تستبعد بأن يكون الدافع وراء تغيير الشهادات بالكمية الهائل هو التغول على أموال الدولة وسلب حقوق الغير.
غياب التفتيش الإداري
تركت فائزة وتوجهت صوب وزارة التجارة لمقابلة مدير شؤون العاملين بالوزارة عفيفي بلة عبد القادرالذي أدلى بقوله :إن تزوير شهادات المواليد بتلك الصورة المزعجة ناتج عن عدم تدقيق المراجعين وغياب التفتيش الإداري وواصل محدثي قائلاً: مسألة التزوير تؤكد عدم مصداقية الموظف تجاه عمله، فيجب عليه أن يكون أميناً أولاً مع نفسه ثم عمله الذي كلف به من قبل الدولة. وذكر عدة عوامل ساهمت على تدهور وانهيار الخدمة المدنية ،منها عدم محاسبة الموظف أولاً بأول إضافة لعدم انضباط الموظف تجاه عمله .
موظفون كبار
وسكت الرجل قليلاً ثم بدأ يسرد بعض النماذج التي واجهته طوال فترة عمله فقال: قبيل مجيئي لتلك الوزارة كنت أعمل بنفس الإدارة بمعمل استاك القومي ووجدت هناك بروفسيراً وعددا من كبار موظفي الخدمة فقمت بتوقيفهم بعد أن اطلعت على ملفاتهم. وهذا ينتج من عدم تنسيق العمل بين شؤون العاملين بالمؤسسات والكاردسك بديوان شئون الخدمة.
ومازلت في رحلة البحث والاستماع لما يحصل داخل دهاليز الخدمة المدنية كنت مشدوهة حقا من حجم القصص التي تسرد وتكشف عن حالات كثيرة امتدت فيها أياد اثمة فغيرت الكلام عن موضعه
شهادتان
محدثي أخذ يسرد تفاصيل قضية غريبة من نوعها حصلت هناك بنفس المعمل فقال: هذه المرة حصلت من قبل شخص مهم جداً في الدولة ولديه عمران بشهادتين مختلفين، الأول بتاريخ 1952م والثاني بتاريخ 1957م. وبعد دراسة ملفه جيداً قمت بتوقيفه عن العمل وإحالته للتقاعد، وهو لم يقف عند التزوير بل قام بتحريك بلاغ ضدي حتى وصلت القضية للمحكمة الدستورية وأخيراً تمت إحالته للتقاعد
وفي اعتقاد محدثي أن القضاء على الفساد المتفاقم في مؤسسات الدولة المختلفة إلا بتكوين مكاتب محايدة لمحاسبة المفسدين والمخطئين، وتساءل مدير شؤون العاملين قائلاً: من المسؤول عن منح موظف شهادة ميلاد أخرى؟ ومضى موضحا أن هذا الموظف يجب ألا يعطى شهادة إلا عن طريق مخاطبة ديوان شؤون العاملين أولاً. ويقول عفيفى: ما يحصل من منسوبي الخدمة المدنية له انعكاسات وسلبيات
ظاهرة متفشية
حملت أوراقي وتوجهت صوب ديوان شؤون العاملين وهناك تجولت على جميع مكاتبه رغم الحراسة المشددة داخل المبنى وكانت نقطة البداية مع المدير العام لديوان شؤون العاملين صديق بشير عباس فقال: لا ننكر أن هنالك بعض الجهات تساعد الموظف في سحب ملفه أو سجله. وقال: تغيير شهادة المواليد أصبح أمراً مخيفاً جداً ومهدداً لعرش الخدمة المدنية. وتوقف صديق عن الحديث قليلاً حتى ظننت أنه اكتفى بهذا القدر من الحديث ثم قال: طوال خبرتي وعملي بهذا المجال لم أجد شخصاً أتى لمحكمة بغرض إحالته للمعاش، بل جميع من يأتي يظن أنه مظلوم وتمت إحالته للمعاش قبل أوانه، ويرى أنه لا يتم معالجة ذلك إلا من خلال وضع فقرة واضحة في خطاب التعيين توضح عمره وترفق في ملفه. مضيفا بأن جميع مشاكل تزوير الشهادات تنطبق على كبار الموظفين الذين لم يصلوا لسن المعاش، وأقسم صديق في حديثه بأنهم لم يقوموا بتعديل شهادة أي موظف حتى لو تمت مخاطبتهم من قبل القمسيون الطبي بالرغم من طلب بعض الجهات الرسمية في بعض الأحيان ولكن دون جدوى.
أياد خفية
تركته وتوجهت نحو مكتب المدير التنفيذي بالديوان أسيلات عثمان ،وهي لم يبتعد حديثها كثيراً عن المدير العام فوضحت بأن جميع تصاديق عمل موظفي الخدمة المدنية تخرج من ذلك الديوان ولجنة الاختيار التى يتم عبرها اختيار الشخص، ثم تحوله لديوان شؤون العاملين. وعند تعاقد الدولة مع الموظف تطالبه بملف كامل ومن ضمنه شهادة الميلاد، وهذا الملف داخل الديوان بقسم الكار ديسك والمعلومات حتى نهاية خدمة موظف. مضيفاً بأن هذا القسم يتم فيه حفظ جميع ملفات العاملين بالدولة. وقالت: ظاهرة تزوير شهادة المواليد أصبحت متفشية بصورة مزعجة وهي تتم داخل بعض المؤسسات بمساعدة أيادٍ خفية.
جهات تساعد
وعند انتهاء مشواري بدخولي لقسم المعلومات والكار ديسك وهو المكان الذي توجد داخله جميع ملفات العاملين بالدولة بجميع وزارتها ومؤسساتها. وهذا المكان ممنوع الدخول إليه رسمياً. وعند دخولي هناك وجدت المكان كثير الهدوء، والموظفون يظهر على وجوههم شيء من الصرامة والقوة فتحدث لي مدير قسم المعلومات والكارديسك عثمان داؤود شاكياً من تفاقم وتفشي عامل تغيير شهادة المواليد، وكان الرجل قليل الحديث ربما ذلك لكثرة وجوده داخل الكارديسك أو لعدم تطور علاقته مع الموظفين.
الرأي القانوني
وبعد خروجي من ديوان شؤون العاملين بالدولة توجهت نحو الجهات القانونية لمعرفة رأيها في هذه القضية وجلست مع المحامي وموثق العقود معتز الأمين وطرحت له سؤالي، هل سعيُ الموظف وراء مصلحته بهذا المسلك يمثل جرماً يعاقب عليه القانون؟
فقال إن الشهادة كدليل إثبات أخذت تنتزع لأسباب كثيرة، والورقة الرسمية عرفها قانون الإثبات لسنة (1994) بقولها: الورقة الرسمية التي يثبت فيها شخص مكلف بخدمة عامة ما، تم على يديه أو تلقيه من ذوي الشأن، وذلك طبقاً للوضع القانوني وفي حدود السلطة والاختصاص. والورقة الرسمية حجة على الكافة ما لم يطعن فيها بالتزوير. ويثبت تزويرها بكافة الطرق. وأصبح التزوير متفشياً، وذلك يقع من ضعاف النفوس واستعمال التكنولوجيا السلبي، ساهم بطريقة ما في ذلك.
التيار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق