القاهرة ـ «القدس العربي»:
في ندوة تحت عنوان «الهوية الأفريقية بين التفاعل الثقافي والصراع»، قدم حيدر إبراهيم علي، الباحث السوداني وأستاذ فلسفة العلوم الاجتماعية ورقة بحثيه بعنوان «الشخصية الأفريقية وتصارع الهويات، زمن العولمة ومخاطر التطرّف في القبول والرفض»، قال فيها إن مفهوم الهوية في السياق الأفريقي يتراوح بين الوهم والواقع، فالهوية ليست جوهرياً أو معطى مسبقاً، بل تصنع وتكون اجتماعيا، فكيف تصنع المجتمعات والنخب الأفريقية هويتها؟ وهل تؤدي وظيفتها في التماسك الاجتماعي والوطني؟ وأضاف أن بحث الهويات الأفريقية عمل عقيم ومضر، مع وجود هذا التنوع الثقافي الهائل، وأشار إلى أنه يبحث في نقد مفهوم الهوية وتفضيل مفهوم الشخصية الأساسية، باعتباره أكثر عملية وواقعية، وتعريفات إجرائيات يمكن أن يضيء الوقائع بلا غموض، فمفهوم الهوية يقارب أن يكون مصطلحاً ميتافيزيقياً لا يساعد كثيراً في الفهم والتحليل.
ويضيف أننا نقع كثيراً في تعميم مخل حين نتحدث عن الثقافة الأفريقية كشيء واحد، بينما أفريقيا طيف عريض من الثقافات التي لا يمكن أن تشكل هوية واحدة، ونقابل في كثير من الأحيان بين الثقافة الأفريقية والثقافة العربية، وهذه مقاربة خاطئة، لذلك تظل أفكار مثل «الزنوجة» و»السودانية» و»الغابة والصحراء»، مجرد تمارين ذهنية، وقد وضحت حيرة أفريقيا عقب الاستقلال، فقد رضيت النخب بصورة الأقنعة البيضاء والوجوه السوداء، ولذلك كانت البداية الخاطئة في أفريقيا، كما سماها رينيه ديمون، وكان لابد أن تقع أفريقيا في دائرة التخلف الشريرة، مما حدا بالبعض للدعوة إلى عودة الاستعمار.
ويؤكد أن أفريقيا المعاصرة تميزت بفشل الدولة وفشل المجتمع، مما جعلها مكشوفة للعولمة والرأسمالية المستوحشة، والتطرف الديني الإرهابي، وعودة القبلية والعنصرية بأشكال متجددة، وتعجز أفريقيا في عملية الولوج في الحداثة، فتقنع بتجديد الاستبداد وبعث التخلف والتبعية في كؤوس التحرر الوطني، ورضيت بترك مصائرها لقادة متوسطي القدرات ويحكمون بالتجربة والخطأ وبلا رؤي، فقد دخلت أفريقيا عصر العولمة حسب الزمن الفلكي، أي القرن الواحد والعشرين، ولكن حسب مستوى التطور الحضاري، فهي تقف قروناً كثيرة خلف العصر، فهي مثقلة بالفقر والجوع والأوبئة والفساد والقمع، وهذا الوضع يعني بالضرورة غياب أي شروط تجعل الحديث عن أي ثقافة ممكنا، فهذه ظروف تعمل على حيونة الإنسان الأفريقي وتحرمه من أوقات الفراغ، ومن الوصول إلى وسائل الثقافة الراقية والجادة.
ويشير إلى أنه حين تأتي أخبار «بوكو حرام» ومطاردة المهجرين في جنوب أفريقيا والاقتتال الديني والإثني في أفريقيا الوسطى والسودان، يكون من الصعب الحديث عن ثقافة، والمشكلة ليست البحث عن هوية ومعرفة من نحن، ولكن كيف يمكن تهيئة شروط ازدهار الثقافات الأفريقية واحترام تطورها وتنوعها.
السيد فليفل أستاذ التاريخ وعميد معهد البحوث والدراسات الأفريقية الأسبق، قال في بحث تحت عنوان «الشخصية الأفريقية في مواجهة العولمة الحاجة إلى رؤية ثقافية للاتحاد الأفريقي»، أن كثيرا من المحللين يعتبرون أن القارة الأفريقية من أقل قارات العالم نصيباً من الثورة التكنولوجية، وبالتالي هي الأقل تأثيراً بمعطيات العولمة ومفرداتها الأساسية من تواصل اجتماعي وتقدم علمي ومعلوماتي، إلى الحد الذي جعل البعض يعتبرون أفريقيا من أكبر الخاسرين في عصر العولمة ومتطلبات القرن الواحد والعشرين.
وأضاف أنه على الرغم من وجود نقاط مضيئة في مجال التمتع بمزايا العولمة على أرض القارة الأفريقية، فإن ذلك يشكل استثناء ممن اعتبروه قاعدة وحكماً عاماً، وأضاف أنه بمراجعة الهيكل التنظيمي للاتحاد الأفريقي وكذلك التفاعلات والأنشطة المتنوعة التي يقوم بها سوف نجد أنه نجح في توجيه اهتمام جوهري في محاولة فرض الأمن والسلم في ربوع القارة بل وكون لذلك مجلس السلم والأمن الأفريقي الذي أصبح شريكاً للأمم المتحدة في هذا المجال.
أما على الصعيد الاقتصادي فقد نجح الاتحاد في بلورة عمل اقتصادي جيد، سواء عبر قمم أفريقية متعددة، أو عبر تأسيس وتكوين تجمعات للتعاون الاقتصادي في الأقاليم الخمسة، كما كرس مبادرة الشراكة مع العالم الخارجي للنهوض باقتصاديات الدول الأفريقية «نيباد»، وبهذا يمكن القول إن الاتحاد الأفريقي قدم جهداً ملموساً على صعيد المكانة الدولية للقارة، وعلى صعيد صورتها السياسية وأدائها الاقتصادي.
أما على الجانب الثقافي فإننا لا نلاحظ نشاطاً مماثلاً، على الرغم من التشوه الذي تعانيه صورة الإنسان الأفريقي، سواء عبر شبكات المعلومات الدولية أو الفضائيات الدولية أو وكالات الأنباء الوطنية في الدول المتقدمة، فضلاً عن سيادة صورة نمطية سلبية، سواء للإنسان الأفريقي أو للدول الأفريقية، أو لحالة التقدم الحضاري في القارة، مما يجعل الشخصية الأفريقية مهضومة الجانب وتتجسد صورة سلبية بين قارات العالم.
ودعا إلى إعادة إيلاء اهتمام أفريقي، سواء على مستوى الاتحاد الأفريقي أو الأقاليم الفرعية أو الدول الأفريقية لصورة أفريقيا في العالم، عن طريق مراجعة تشكيل هيكل الاتحاد الأفريقي، بحيث يتضمن هذا الهيكل آلية ثقافية مختصة بإبراز الشخصية الأفريقية على المستوى الدولي والمراجعة المنتظمة مع المنظمات الدولية والإقليمية والدول الأجنبية في هذا الصدد، عبر صوت أفريقي واحد، بالإضافة إلى ضرورة عقد قمة أفريقية مختصة بإعادة الاعتبار للشخصية الأفريقية، ورفض امتهانها وتصعيد الرؤية المنشودة للشخصية الأفريقية الحضارية والفاعلة والإيجابية في منظور العالم لمقاومة الاستعمار والتخلف والساعية للتقدم والتنمية.
ويؤكد على ضرورة عقد ملتقى علمي متخصص يضم خبراء إعلام أفارقة ودوليين للبحث في آليات تغيير الصورة النمطية السلبية للشخصية الأفريقية ودعم اتجاهاتها الإيجابية وعقد المؤتمرات وورش العمل على المستويات كلها لدعم الرؤية المنشودة، بالإضافة إلى دعوة وزارات الثقافة والتعليم والهيئات الإعلامية الأفريقية إلى التنوير الثقافي بالصورة الإيجابية للصورة الأفريقية، سعياً إلى جيل جديد يواجه عصر العولمة ويجابه متطلبات القرن الواحد والعشرين على نحو أفضل مما فعلت النخب الأفريقية في العقود الأخيرة.
وأشار إلى أن على المثقفين من مؤرخين وروائيين وأدباء ومفكرين وسينمائيين وصحافيين التركيز على الجوانب الإيجابية للشخصية الأفريقية في أعمالهم حتى يشكل هذا حافزاً على التفاؤل ومقاومة الإحباط ويمنع الأجيال الجديدة من الاستسلام للتخلف والقبول به باعتباره واقعاً لا مناص منه.
صالح أبو بكر علي عميد كلية القانون والدراسات الاقتصادية في جامعة آدم بركة في جمهورية تشاد، يرى في بحثه بعنوان المنظور الأفريقي للعولمة بين الإيجابية والسلبية انه لا ريب في ما تتميز به القارة الأفريقية والمجتمعات الأفريقية من خصوصية، مقارنة بغيرها من المجتمعات، إذ تبرز جملة من التمايزات لم تكن وليدة اللحظة أو نتاج حقبة زمنية قريبة، حيث نجد الكم الهائل من الثقافات التي تتلاقى حيناً وتتمايز أو تتباين حيناً، ولم تكن نتاج البعد الجغرافي، بل باتت التمايزات تشمل القطر الواحد، إذ تتنوع الأعراق والثوابت الموروثة عبر الأجيال إلى حد صيرورة إيجاد محور التقاء للفهم والحوار المتبادل ضرورة ملحة في الدول الواحدة أحياناً وتكون لغة الحوار والتفاهم ليست أصيلة أحياناً وحينا لغة التلاقي تكون هي المرتكز، وهي محور إجماع ومطية للتواصل.
وأضاف أنه يمكن اعتماد الثقافة والفنون والتراث أسوة بالتعدد اللغوي والإثني في القارة الأفريقية، إذ تعج القارة بأنماط مختلفة من التراث الموروث من قبل الأسلاف، الذي يعد مصدر الهام يذكر بالاجداد حيناً واعتزاز بالأصالة والتميز حيناً، كما تختلط بالطقوس والمعتقدات المنقولة عبر الأجيال المتعاقبة أحياناً.
وتجدر الإشارة إلى أن العولمة بمختلف امتداداتها باتت القارة متأثرة بها سواء عبر الجوانب الاقتصادية أو السياسية، وهكذا انعكاساتها على الجوانب الثقافية.
منذ أن بدأ مصطلح العولمة يتأصل كواقع باتت الدول والمجتمعات الأفريقية تتأثر بها وبشكل متسارع كما باتت ردود الأفعال والمواقف حيال القبول والرفض، على غرار شعوب ومجتمعات الجنوب الأخرى، التي تعد متلقية هي الأخرى لمؤثرات العولمة، فباتت المجتمعات الأفريقية ما بين مرحبة ومستبشرة بها وبمؤثراتها، ورافضة لها وبعواقبها على الثوابت والموروثات المتأصلة بالخصوصيات، وكذا ما بين داعٍ للانتقاء والعزل بحذر.
رانيا يوسف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق