مصطفى عمر
مفتاح نجاح المقاومة المدنيًة بسيط و هو قوة المشاركة و فعاليتها، قوًة المشاركة تنشط جميع المفاتيح الأخرى للنجاح، مما يدعم المصداقية و عدالة القضيًة و هو دليل دامغ على أن تكاليف الوضع الراهن لا يمكن تحملها..في الجانب الآخر، النظام لديه الكثير من الأشخاص الذين يعملون في مليشيات الأمن، الخدمة المدنية، النخب الاقتصادية والرأسماليًة الطفيليًة و النفعيين من رجال الأعمال، النخب التعليمية،و وسائل الإعلام و غيرها في مؤسسات الدولة التي تدعم النظام... هؤلاء سيبدؤون في التساؤل عما إذا كان هذا هو الواقع الذي يرغبون في استدامته..، فالمزيد من الناس لا يرغبون في ذهاب النظام فحسب.. إنًما يشاركون فعلاً في ذلك.. مما يدل على أن التغيير بدأ يلوح في الأفق،.. والمزيد من الناس في الأركان المختلفة من أجهزة النظام يبدؤون في التساؤل عما إذا كان لا يزال هنالك متسعاً من الوقت أمامهم.. ، و يتنازعون مع أنفسهم بقوًة عمًا اذا كان من مصلحتهم مواصلة دعم النظام الذي يرونه يتداعى..، تقول الدراسات و التجارب العمليًة أنً احتمال حدوث انشقاقات وسط قوات الأمن في مثل هذه الحالات أمر مؤكًد بنسبة 100%..، هذه وحدها إن كانت بدرجة مؤثرة ستزيد من احتمالات النجاح بنسبة أكثر من 60٪ ..، و أن الحملات اللاعنفية التي تكون كبيرة في الحجم ومتنوعة أكثر انتزاعاً لتلك الانشقاقات في صفوف قوات القمع .."الشرطة و الجيش" ( نعني بقوات الأمن جميع القوًات النظاميًة و المليشيات التي تدافع عن النظام و تسحل النًاس)...
تحليل وتحديد أركان الدعم (ركائز الدعم الرئيسيًة التي تزود النظام بالقوًة) يمثل عنصراً أساسيا في تشكيل إستراتيجية الحملات اللاعنفية لبلوغ النجاح لأنً هذا من شأنه تحديد نقاط الضعف القاتلة للنظام و استهدافه بالضرب المستمر فيها ...
تسعى الحركات اللاعنفية باستمرار لفهم المعاناة والتحديات واحتياجات الناس العاديين من أجل بناء وحدة وطنية حول رؤية مشتركة للغد...لذلك عملها في المراحل المبكرة يتمحور حول البحث في المشكلة، والاستماع لأصحاب المصلحة كمرحلة أولى من مراحل التخطيط الاستراتيجي...ففي المراحل المبكرة تنضج الظروف لمشاركة الجماهير عندما ينتشر الوعي بالمشكلة و تبدأ الحشود في التشكًل نتيجةً لعمل التعبئة الجماهيريًة...(هنالك تسعة مراحل ضمن الخطة الإستراتيجية لحركة المقاومة اللاعنفيًة سنتحدث عنها لاحقاً..)
في كتاب ماريا ستيفان عن فعالية المقاومة المدنية و تحديد الأسباب الذي تحدثنا عنه في المبحث السابق ، كانت النتيجة أنً الحملات اللاعنفية متوسطة الحجم يزيد عدد المشاركين فيها عن نظيراتها العنيفة (العسكريًة على وجه الخصوص) بمعدل 150 ألف مشارك وذلك لأن الحواجز الأخلاقيًة والالتزامات المادية و الاعلاميًة للمشاركة أقل بكثير من الحملات العنيفة. .. ليس بالضرورة أن تكون شابًاً أو لائقاً طبيًاً أو تلقيت تدريبات على استخدام الأسلحة و عمل المتفجرات للمشاركة في الحركات اللاعنفية. .عوضاً عن ذلك معظم النًاس بطبيعتهم ينفرون من العنف، و لا يمانعون الانخراط في الحركات اللاعنفية، نظراً لاتساع وعمق التكتيكات المتاحة و ملاءمتها فعلاً مع أدوارهم المحتملة و يجدون فيها الحافز... ومع ذلك، ليست الأرقام و أعداد المشاركين هي الفيصل في النجاح و إنما تنوع المشاركين أمر بالغ الأهمية لفعالية الحملات بما في ذلك النساء والأطفال وكبار السن، وذلك بفضل الطيف الواسع من التكتيكات والأنشطة المتاحة التي تناسب الجميع (الاعتصامات، والبقاء في المنازل، مقاطعة المستهلكين، المواجهات، العصيانات، المخاطبات و الحشود الجماهيريًة، الدعم و التشجيع..الخ، لو تلاحظون أن كل واحد من هذه الأساليب يكون أكثر جاذبيًة من غيره لشريحة محدًدة من النًاس)... التنوع يعني أن الفرصة سانحة للناس من ذوي الخلفيات والخبرات المختلفة لنقل المعرفة والمهارات الخاصة بهم مما يسمح بالابتكار التكتيكي وتعزيز القدرة على التكيف مع الحملة والقدرة على المناورة...، علاوة على ذلك، مشاركة الناس من مختلف الفئات العمرية والأجناس والطبقات والمهن و الحرف والانتماءات السياسية ، يزيد من احتمالات الانشقاق و تحولات الولاء بين النخب في معسكر الخصم حتًى على مستوى كبار المسئولين في السلطة لأسباب كثيرة..،.
جنبا إلى جنب مع الابتكار والولاء و التحولات التكتيكية، هنالك آليات أخرى تساعد على تفسير أسباب النجاح..الحملات اللاعنفية أكثر مرونة عند مواجهة القمع ومحاولات الاستقطاب. حيث أنًه بإمكانها جذب المزيد من الدعم الدبلوماسي الدولي؛ والأهم من ذلك،..استخدام القمع من جانب الخصم سيأتي بنتائج عكسية... قوات الأمن ستكون معرضة لاستقطابات حادة و أكثر عرضةً للانقسامات و بالتالي العصيان داخل صفوفها و رفض تنفيذ التعليمات..و أبعد من ذلك، الانضمام إلى صفوف حركة المقاومة عندما تكون هنالك مجموعات كبيرة من المقاومة المنضبطة والمتنوعة. ...، من خلال تفعيل هذه الآليات تكون المقاومة المدنية قادرة على فرض تكاليف باهظة على النظام و هياكل السلطة القائمة هذه التكاليف سيعجز النظام عن استيفاؤها و تكون سبباً مباشراً لفقدانه ركائز الدعم الحيويًة...، و حتًى العناصر المرتزقة هي الأخرى لن تستطيع فعل الكثير لأنً هنالك حملات أخرى تستهدف إيقاف تدفق الأموال التي تعمل من أجلها و بالتالي سيوجهون أسلحتهم للنظام لا المقاومة في هذه الحالة.
حدوث الانشقاقات وفقاً لمبدأ الجو جيتسو ( المصارعة اليابانيًة):
في أحدث تجربة لنا خلال انتفاضة ابريل حدث انشقاق في الجيش على مستوى قيادته بعد مرور ستة أيام فقط من الاحتجاجات السلميًة ....، ما الذي يفسر ذلك؟ يقول جين شارب في كتابه "من الديمقراطيًة إلى الديكتاتوريًة"أن إدارة الصراع في اللاعنف تتم بنفس مبدأ المصارعة اليابانية الجوجوتسو و تعني الكلمة "الطريق للخضوع"، تطور الجوجوتسو بين الساموراي في اليابان الإقطاعية كطريقة لهزيمة خصم مسلح دون استخدام أسلحة نظرا لعدم فعالية ضرب الخصم المدرع فقد كان أكثر الأساليب فعالية لهزيمة العدو هو عمليات لي المفاصل والرمي... ، الجو جيتسو السياسي يعنى أن نستخدم قوة الخصم لإضعافه من خلال تنفير المزيد من الناس من دعمه و تحويلهم للمقاومة، ..نوع من رد الفعل العكسي عندما يكون النظام وحشي للغاية، فبدلاً من تتوقف الثورة نتيجة القمع يحدث العكس و يُدفع الناس للنفور من النظام و تُدفع الجماعات والمؤسسات لسحب تعاونها و طاعتها..
تم تطوير هذه التقنيات حول مبدأ استخدام قوة النظام ضده بإحداث خلل في التوازن بين استخدام العنف من قبل (الخصم) واللاعنف من قبل المقاومة، أي وضع الخصم في موضع يفتقر إلى التناسق والانسجام (موضع الضد) .. المبدأ الأساسي لزيادة عزلة الخصم يستهدف ثلاث مجموعات أساسية: 1- أعضاء جماعة الخصم نفسه، 2- المواطنين الذين يؤثر عليهم الوضع، 3- الأطراف المشاركة في الصراع بشكل غير مباشر...، ويكون هدف الحملات التي تقودها المقاومة تلك الجماعات وذلك لزيادة المعارضة الداخلية في معسكر الخصم، وتحويل بعضهم إلى صف المقاومة.
هناك ضرورة لتقويض قوة الخصم وخاصة إذا كان سلطة شديدة العنف ذات طابع فاشي في التحريض..، خنق النظام يحدث من خلال تقويض مصادر قوته المتمثلة في شرعيته بنظر المدافعون عنه...، المصادر البشرية من الأشخاص والمجموعات المؤتمرة بالسلطة و تتعاون معها، المهارات والمعرفة: التي يحتاجها النظام ويقدمها المتعاونون.، العوامل غير الملموسة و تضم العوامل النفسية والفكرية، المصادر المادية و تعني الممتلكات العامًة والمصادر الطبيعية والمالية والنظام الاقتصادي ووسائل الاتصال والمواصلات. ، و أخيراً العقوبات التي يهدد النظام باستخدامها لضمان خضوع الناس وتعاونهم..(يفصل الفيديو كيفيًة استهداف ركائز الدعم)..
مرفق (1): ركائز الدعم، الصورة أدناه مأخوذة من كتاب حول استراتيجيات الصراع اللاعنفي، تبين ركائز الدعم التي يقف عليها النظام (الحكومة ) و تمده بالقوًة التي تحصل عليها بدورها من تعاون و دعم الأفراد المنتسبين لها.
القوة في المجتمعات يعبر عنها من خلال المؤسسات والأفراد الذين يمتلكون الوزن والتأثير على غيرهم..، وهم الذين يمثلون الركائز التي يستمد منها النظام قوته ، فهمنا للقوًة مهم جداً في أساليب عمل المقاومة اللاعنفيًة التي تعمل في الأساس على الامتناع عن الطاعة و الإذعان و التوقف عن تزويد النظام بالقوًة، لذلك خصصنا لكل منها مقالاً كاملاً في المبحث السابق ...، فنحن في الواقع لا نستهدف النظام بطريقة مباشرة إنًما نستهدف مصادر قوًته لأنًها عندما تنهار سيسقط ، يمكنكم أن تتخيلوا الصورة عن ركائز الدعم و هي تتساقط تباعاً ، ما سيحدث للنظام الذي يتربًع أعلى الركائز أنًه سينهار بمجرًد انهيار أي ثلاثة منها لأنً الأخرى و إن ظلًت صامدة لن تستمر طويلاً ، .. إستراتيجية اللاعنف تعمل على إصابة النظام بالاختناق ، أي عزله عن مصادر قوته عبر التحكم فيها وتفكيك الروابط بين النظام ومصادر القوة، عندها سيعود التحكم في القوة إلى مكانه الطبيعي بين أفراد ومؤسسات المجتمع المتمثلة في مكونات المقاومة... و كذلك بالتأثير في وعي النظام بموازين القوى، فعبر التحكم في مصادر القوة وسحب التعاون التام ينقلب وعي النظام بموازين القوى، وتصبح قوى القمع باعتبارها أكبر قوًة لاتزال تعمل معه غير فعالة في مواجهة الشعب الذي يرفض التعاون بهيئاته ومؤسساته وأفراده، و يستحيل على النظام توفير قوات قمع بالدرجة الكافية في كل المناطق..، و أرجو الانتباه إلى أمر مهم جدًا: إستراتيجية المقاومة أساساً تقوم على دفع النظام لاستخدام العنف المباشر إلى أقصى حد لحصوله على أدنى حد من الطاعة وبالتالي تحدث انشقاقات كبيرة تنكسر معها إرادة النظام وتتحول القوة إلى مكانها الطبيعي في المجتمع ( سأتحدث في مقال لاحق عن جزئية إستراتيجية المقاومة و لماذا نريد أن يستخدم النظام أقصى ما لديه من العنف لأنً النتيجة ستكون حصوله على أدنى قدر من الطاعة..)
الآن دعونا نلقي نظرة على النظرية وراء حدوث التمرد داخل ركائز الدعم: الجميع في النخب و الركائز هم الذين يمدون النظام بالقوًة، غالبيتهم ليسوا سعداء بما يجري في النظام، إستراتيجية المقاومة توقظ لديهم نزعة الخوف و توقظ جميع مخاوفهم المختلفة (اقتصادية، شخصية، أخلاقيًة ، الخ)، لذلك فهم يخافون من التعبير عن قلقهم خوفاً من بطش النظام ...، وبالتالي يرون حلاً لمشكلاتهم في استخدام تكتيكات المقاومة مثل الإضرابات المدنية، والمقاطعة، الاحتجاجات .. ، و هكذا سيتجمع الناس في صف المقاومة حتى الوصول إلى النقطة التي تحدث فيها انشقاقات بكميات كافية في معسكر الخصم (نقطة التحول)، والعناصر الرئيسية ضمن الركائز يحدث فيها ما يلي: فجأة يرفض بعض العسكريين التعليمات بضرب التحركات...ثم يبدأ الجيش و الشرطة في فصل مجموعة من الضباط في الرتب الصغيرة و المتوسطة..، تحدث انشقاقات، قيادة النظام لم تعد لديها القدرة للتحكم في الطريقة التي تسيطر بها على وضع معسكرها ، و بعدها يعرضون التفاوض.. بعد أن تعم الاضطرابات و يتوقف كل شئ..، يعجز النظام عن الدفع للمرتزقة فيمتنعون عن التعاون معه..حدث انشقاق من نوع آخر..، القوى الدوليًة تضغط على النظام و تهدد..، المقاومة تنجح في تسويق القمع ، و كلما سقط شهيداً ترتفع وتيرة عمل المقاومة..، يفر كبار قيادات النظام..، و هكذا يحدث التغيير..
تطبيق عملي (1) الاستفادة من التجربة الصربيًة:
استخدم الثوار الصرب إستراتيجية عبقريًة في نشر الوعي الثوري بين عامة الناس بعد أن اشتد بهم البطش ، ما هي ؟ و كيف يمكن تطبيقها و تطويرها حتًى تساهم في التعبئة؟ أيضاً في صربيا كانت إستراتيجية الاحتجاجات تقوم على ترتيب الصفوف حيث الفتيات و النساء و المعاشيين في المقدمة..يحملون الورود..، كيف استفادوا من ذلك؟ و إلى أي درجة يمكننا أن نطور هذا الأسلوب؟
تطبيق عملي (2): تجربة نساء مادلين في كولومبيا:
نساء الأحياء المزدحمة والقذرة في مادلين بكولومبيا قررن القيام بإجراء لحل مشكلة النقص في المياه النظيفة... ذهبن في البداية للتحدث مع رئيس البلدية الذي وعدهن ولكنه لم ينفذ وعوده... بعد ثلاثة أشهر قررن القيام بعمل مباشر فقمن بأخذ أطفالهن الصغار وذهبوا جميعاً إلى النافورة الجميلة المضاءة في البلدة و غسلن الأطفال في البرك الصغيرة المحيطة بالنافورة... نساء من الطبقة الوسطى المكونة من عشر نساء اقتربن وسألنهن عما يفعلن مما أتاح المجال للنساء الفقيرات أن يعبرن عن معاناتهن... جاءت الشرطة وأبعدت النساء عن المنطقة... ثم قامت مجموعة أخرى من عشر نساء بنفس العمل تعاملت الشرطة معهن بالضرب،نساء الطبقة الوسطى قمن بالدفاع عنهن فاعتقلتهن الشرطة... ثم قامت مجموعة أخرى من عشر نساء بنفس الشيء مما ضاعف من ردة الفعل... وبالنتيجة تشكلت لجنة نسائية أجبرت البلدية بإقامة نظام مياه نقية في الأحياء الفقيرة..
الآن و الخرطوم تعاني من مشاكل مياه...كيف يمكن دراسة خيارات مثل هذا للعمل المباشر ، علماً بأنًه لا حاجة لمخاطبة النظام لحل المشكلة..، يمكن أن تكون حملات المقاومة على هذه الشاكلة و يفضل أن يكون هذا عملاً نسائياً خالصاً لاستفزاز الرجال للقيام بعمل مماثل فيما يتعلق بقضايا أخرى..
هام بشأن التطبيقات العمليًة: التطبيق يكون بعمل مجموعات بشرط المعرفة الجيدة بين أفرادها للمناقشة و العصف الذهني و نشر الفكرة و تنفيذها.
مصطفى عمر
mustafasd1@hotmail.com
الراكوبة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق