الخرطوم ـ «القدس العربي»:
فجأة وبدون أي مقدمات أصبحت حياة القنفذ في السودان في خطر شديد، انطلقت شائعات قوية بأن هذا الحيوان مطلوب وبمبالغ خيالية.
روايات مختلفة تشير إلى «أصل الحكاية» حيث ضجت وسائل التواصل الاجتماعي خاصة «فيسبوك» و»واتساب» بموضوع مفاده أن هذا الحيوان المسالم بالنسبة للإنسان، مطلوب بمبالغ كبيرة تصل إلى عدة آلاف من الجنيهات السودانية والتي تعادل «عدة ملايين» حسب اختلاف تسميات العملة السودانية عند الجهات الرسمية والذهن الشعبي. أما أسباب ارتفاع الطلب على القنفذ فقد إنقسمت لسببين، أولهما رواج شائعة تفيد بأنه مطلوب بشدة خارج السودان حيث يساهم في علاج بعض الأمراض المستعصية، والرواية الثانية، فتشير إلى أن استخدام بعض أجزائه بطريقة معينة يجلب الزواج للفتيات اللاتي فاتهن ـ أو كاد ـ قطار الزواج.. وهنالك رواية ضعيفة تشير إلى استخدامه في التخفي!
القنفذ ويسمى «أبو القفند» بالعامية السودانية، حيوان صغير من الثدييات ينشط صيفاً وينام شتاءً ويعتاش على أكل الحشرات والديدان والزواحف والفئران الصغيرة وبيض الطيور التي تعشش في البراري كما يأكل النباتات والثمار.
وهو يلد ويرضع صغاره وله رأس بدون رقبة ظاهرة وأذنان صغيرتان وفم مستطيل وذو أرجل قصيرة وتغطي كل جسمه أشواك حادة وعند شعوره بأي خطر يكور جسمه على شكل كرة شوكية تقيه شر أعدائه.
ويستطيع معاركة الأفاعي والثعابين والحيات وذلك بتكوره ومحاولة التقاط ذنبها بفمه المختبئ وكل حركة للحية تزيدها ألما وضررا.
وبهذا الوصف فهو يشكل أهمية بالغة في التنوع البيئي، الأمر الذي حدا ببعض الناشطين في مجال البيئة، إصدار أصوات عالية تطالب السلطات بمحاربة اصطياده وبيعه، وهو ما حدث بالفعل في مدينة القضارف التي تقع شرقي السودان وهي منطقة زراعية يكثر بها مثل هذا النوع من الحيوانات، حيث شرعت الشرطة في حملات هدفت لمنع اصطياده وترحيله للعاصمة.
وأصدرت منظمة «السلام الأخضر» بيانا قالت فيه إن: «هذه الحملات تهدد إستقرار النظام البيئي وتضع تناغمه على المحك، فهذا الحيوان الصغير ـ القنفذ ـ بنوعيه الموجودين في السودان، الافريقي والأثيوبي له دوره الكبير في إستقرار النظام البيئي الهش أصلاً نتيجة للتغيرات المناخية الحالية. إن عملية الصيد الممنهج الواسع النطاق لهذا الحيوان تفضي إلى تناقص أعداده بكميات مهولة؛ فوجود الذكور ضروري لإستمرار تكاثر هذا الحيوان، والإناث غالباً ما يتم التخلص منها بعد فحصها لمعرفة النوع». ويقول لؤي التوم وهو ناشط اجتماعي ورئيس اتحاد الدراميين بالقضارف: «لم أحزن على شيء مثل ابو القنفد، فقد كان يقابلني يوميا في طريقي، لكنه اختفى وسمعت أن الذكر منه يباع بثمن كبير» ويؤكد لؤي أن هذا الحيوان في خطر لأن الجميع يريد أن يصبح مليونيرا. الشاعرة والكاتبة إيماض بدوي كتبت على صفحتها في فيسبوك تتساءل عن هذا الأمر وتقول: «كالعادة وجدت أنني لا أفهم شيئا، مالذي حدث لهذا الحيوان وماهو أصل الموضوع ولماذا تملأ صوره الفيسبوك». وتلقت إيماض سيلا من الإجابات، لكنها رغم ذلك لم تفهم الأمر بشكل جيد.
التجار في بعض الأسواق الشعبية بدأوا في تفسير هذه الظاهرة بقولهم إن إزدياد الطلب على القنفذ يعود لشائعات تروج أن استعمال جزء من هذا الحيوان يشفي مرض السرطان وينهي ظاهرة العنوسة، لكن لا أحد ـ في طبيعة الحال ـ يجزم بصحة هذه الشائعات.
ويقول الناشط حاتم إلياس إن أساطير المدينة هي حكايات تقفز من قاع التوتر الاجتماعي وأنبهام مصائر الخلق تحت آلة الطحن الاقتصادي والاجتماعي اليومي تحت خط الفقر والعوز لتطفو في السطح ويتم تداولها. أحياناً تكون القصة عن مخلوقات غامضة تهاجم الناس وربما تخرجها الذاكرة الشعبية من حكايات البعاتي وأحياناً عن سحرة يسرقون أعضاء الناس الحساسة.
ويرى حاتم أن مثل هذه الحكايات ليست سوى إنذارات نفسية واجتماعية ربما تحاول أن تطلعنا على إنهيار قادم كبير وليس مجرد «أبو القنفد».
الشائعات في السودان ليست جديدة، خاصة تلك التي تتعلق بوجود مورد فوري وسريع للمال، ومع تدهور الوضع الاقتصادي، تطل في كل مرة ظاهرة «تملأ الدنيا وتشغل الناس» لفترة ثم ينسى الموضوع بوجود موضوع جديد وفي ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والبطالة والفراغ يحلم الناس بما ينتشلهم من الواقع المرير.
صالح الدين مصطفى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق