فتحت جائزة البوكر باب الترشح لدورتها التاسعة لسنة 2016، وهذه الجائزة كانت قد أثارت طيلة دوراتها السابقة جدلا واسعا. وقد وصل الروائي السوداني حمور زيادة إلى القائمة القصيرة الخاصة بجائزة البوكر العالمية للرواية العربية هذه السنة، بعد أن كان قد حصل قبلها بشهور على جائزة نجيب محفوظ عن روايته “شوق الدرويش”، وهي الرواية التي لاقت نجاحا ملحوظا بين جمهور القراء وكانت قد سبقتها روايته الأولى”الكونج” ومجموعتان قصصيتان، هما “النوم عند قدمي الجبل” و”سيرة أم درمانية”. “العرب” التقت الروائي وكان لنا معه هذا الحوار حول البوكر وتجربته مع الكتابة.
العرب نرمين يسر
التقينا الكاتب السوداني المقيم بالقاهرة منذ 5 سنوات، حمور زيادة يدخن بشراهة، ويشرب القهوة الفرنسية، ويتحدث باسترسال عن كل شيء عدا مشاريعه الجديدة، شأنه في ذلك شأن كثير من الكتاب الذين يرون أن الفكرة لا ينبغي أن تخرج من عقل كاتبها، إلا إلى الورق مباشرة، وإلا فسدت وضاع بريقها. ثم إن حمور زيادة أشبه بموسوعة ثقافية أثرية فنية بشرية، موسوعة بشرية.
البوكر والمتشككون
بخصوص أسس وتقييمات جائزة البوكر، وما أثير حولها من جدل مؤخرا وأحقية الحصول عليها، يعتقد الروائي السوداني حمور زيادة أن البوكر جائزة حيادية، ويراها من أكثر الجوائز احتراما وقيمة، بينما لا يتفق مع من يتهمونها بالانحياز والمجاملة.
ويتعجب من استمرار هذه الاتهامات لمدة ثمانية أعوام متواصلة، هي عدد دورات المسابقة، دون تقديم دليل إثبات واحد على صحة الاتهامات، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك لجنة جديدة كل عام لنفي شبهة المجاملة.
ويرى صاحب “شوق الدرويش” التي بلغت القائمة القصيرة للبوكر في دورتها الأخيرة، أن تكرار الاتهامات نفسها كل عام يُضعف منها ويجعلها أقرب إلى الشائعات منها إلى الحقيقة، كما يعتقد أن كاتبا مثل سعود السنعوسي الذي فاز بالجائزة الكبرى عن رواية “ساق البامبو”، لم يكن اسما كبيرا، وكذلك الكاتب العراقي أحمد سعداوي الذي حصل أيضا عليها العام الماضي عن روايته “فرانكشتاين في بغداد”، لم يكن اسما معروفا، وعلى هذا الأساس لا يمكن اعتبار أن الجائزة تمنح فقط للأسماء اللامعة، ولكنها فرصة لكل رواية تستحق الفوز.
ويؤكد زيادة أن على هؤلاء المشككين أن يتقدموا بالحلول أو البدائل أو الاقتراحات، هذا إن كانت لديهم بدائل أو اقتراحات أو حلول فعلية لما يعتبرونه أزمة أدبية بسبب البوكر، حتى وإن كان اقتراحا بإلغاء الجائزة نفسها. ولكنه يبدو راضيا تماما عن اختيارات لجنة التحكيم رغم أنه في كل عام يتفق ويختلف مع هذه الاختيارات في بعض الأمور التي تعود إلى اختلاف الذائقة في النهاية.
ويستبعد حمور وجود إجماع كامل على عمل أدبي واحد من قِبَل كل الآراء، بينما يفضل التأكيد على الذائقة المختلفة للجنة، حيث يراها أمرا طبيعيا ومنطقيا، مشدّدا على أن هذا الرأي غير مرتبط بوجود روايته “شوق الدرويش” في القائمة القصيرة، فهذا هو رأيه المعلن والمنشور منذ سنوات عن الجائزة من قبل ترشحه لها، والأمر الثاني أنه لم يفز بالجائزة الكبرى، وبالتالي ليست لرأيه علاقة بأي مجاملة.
عن اعتباره الفائز بجائزة البوكر لهذا العام من قبل قرائه ومعجبيه، يتحفظ حمور على هذا النوع من الأحكام المسبقة، والتي تبدو من وجهة نظره مطلقة وغير حقيقية، ويرى أن هناك روايات أخرى ذات قاعدة جماهيرية عريضة، فالبعض كان يتوقع فوز “الطلياني”، وهو ما حدث بالفعل، بينما توقع البعض الآخر فوز “طابق 99” لجنا الحسن.
الأدب السوداني
وبالعودة إلى روايته “شوق الدرويش”، يتحدث عن سبب اختياره لبطلها العبد “بخيت قنديل” الذي يقدم لنا الرواية بأكملها من خلال وجهة نظره، وليس من خلال وجهة نظر “السيد”، مؤكدا أن ذلك أسهم في فتح المجال أمام خيال القارئ من خلال قيامه بنسج سيناريوهات محتملة، هذا بالإضافة إلى أنه لم يجلس ليفكر ويقرر من هو بطل روايته، مؤكدا أن بخيت جاءه هكذا، يحمل اسمه وحكايته، ولأن لكل اسم قوة تليق به، لهذا لم يتصور اسما آخر له، مثل قصة ماركيز “أجمل غريق في العالم”، لمّا وجد أهل القرية الغريق فتلقفوه، وعندما كانوا في طريقهم إلى دفنه قرروا تسميته، وصاح الجميع مؤكدين أن الاسم يليق بالغريق. فلكل اسم قوته الخاصة.
بدأ زيادة كتابة الرواية في عام 2011، في بداية الثورات العربية، وكان يرى الحياة وقتها مشرقة ومتفائلة، حيث الثورة المصرية في عنفوانها، وكذلك الثورة التونسية، وكان الأمر يبدو مبشرا، قبل البدء في تلك التعقيدات التي تخص تبادل الأدوار، كما حدث في رواية “مزرعة الحيوانات” لجورج أورويل، فعندما امتلكت الخنازير زمام الأمور في المزرعة أصبحت تتعامل مع رفاقها من الحيوانات كما كان البشر يتعاملون معها. وبعيدا عن الأدب، في أحداث الثورة الفرنسية مثلا، تحوّل المساجين بالفعل إلى جلادين لزملائهم.
يمكن للأدب الأدب أن يؤرخ لفترة تاريخية على خلاف التاريخ
تعدّ “شوق الدرويش” أيضا بمثابة مرجع تاريخي يُستند عليه في ما يخص الثورة المهدية، وفي هذا الصدد يتحدث عن الفارق بين الأدب والتاريخ، حيث يعتقد أن الأدب يؤرخ لفترة تاريخية على خلاف التاريخ الذي يعرض الأسباب والنتائج. مثال ثورة ستالين في ظل المذابح ومعاناة الشعب الروسي، والتي يتعامل معها التاريخ بقدر من التوازن بين حسنات فترة حكم ستالين وسيئاته، ويذكرهما معا في تقرير تاريخي واحد.
أما الأدب فلا يعنيه هذا التوازن بقدر ما يعنيه أكثر الجانب الإنساني في المسألة. ففي الأدب يمكنك أن تروي قصة حياة رجل واحد لتقدم من خلالها للقارئ أحوال تلك الحقبة ككل. أما عن شوق الدرويش، فبعض الحقائق التاريخية المذكورة فيها كانت من بعض المصادر التي تدين الثورة المهدية بينما بعضها الآخر كان من مصادر تمجدها.
وعن أفضل مراحل الأدب السوداني يرى أن فترة الستينات كانت تعدّ فترة “الطيب صالح” دون منازع، حيث أحدث نقلة نوعية في الرواية السودانية وكذلك العربية عموما.
كما يعتقد أن الرواية السودانية أيضا ليست على شاكلة الرواية المصرية أو السورية، حيث لم تبدأ منذ وقت طويل مثلهما، فالرواية السودانية شعرية حكائية في الأساس، والحكاية في دماء الشعب السوداني، لذا فقد بدأ ظهور الروايات السودانية في الثلاثينات من القرن الماضي، وكانت رواية رومانسية ليس لها علاقة بالواقع، ثم انتقلت إلى مرحلة أكثر واقعية تتناول تفاصيل الحياة الأسرية والمهنية، لذا تأخرت الرواية السودانية عن مواكبة التطور الإبداعي حتى أنها باتت تشبه في موضوعاتها وطريقة سردها روايات القرن السابع عشر على سبيل المثال، ومن هنا تأتي قيمة إنجاز الطيب صالح هو وجيله ممن قاموا بتغيير النمط التقليدي لهذا الشكل القديم.
الكثيرون يكتبون للتنفيس عن ذواتهم، إلا أن المشكلة تحدث عندما يتمّ إهمال تلك الكتابة وعدم تسليط الضوء عليها لعدم توافر الزخم في الأدب السوداني، ويؤكد الكاتب أن عدم توافر الدعاية اللازمة يمثل قتلا للإبداع من بداياته. ويعتقد أن استمرار معاناة الكاتب من الإهمال وعدم قراءة عمله وعدم تسليط الضوء على كتاباته، يسوقه إلى التوقف عن الكتابة وموت إبداعه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق