في احد الأمسيات الصيفية في مدينة كاردف زارنا شاعر الشعب محجوب الشريف بدعوة قدمت له من ابناء الجالية هنا وقد قدم لنا العديد من قصائده وشاركته احدي كريمتيه بغنا جميل لقصيدته الاكثر شهرة تبتبا مع روائع اخري..ورغم ان غالبية سوداني كاردف بالمدينة ،(كاردف علي فكرة عاصمة مقاطعة ويلز ببريطانية وهي مدينة ساحرة وتنام علي علي شاطئ الاطلسي وتمتاز بطيبة اهلها وحبهم للغريب) حينها كانوا قلة حضورا مقارنة بالاعداد المهولة اليوم، فيهم من ترك السودان لعقود اواتي من دول البترول فعلاقتهم بمحجوب وابداعه يبدو انها كانت ضعيفة ما عدا القلة منهم ومن هم ملتزمون حزبيا..ولكن اكثريتهم تهمهم قضايا بلدهم لحد العشق..لذا تجاوبو مع المحجوب بصورة جعلته يجلس معي ويهمس في اذني كلام شعري...(ياناس كاردف عصيركم دوا)..ثم بدا يحكي لي كيف ان الناس هنا في بريطانية يتخلصون من اشياء قيمة وليه ما نحاول (نحن) ان نجمعها ونساهم في إرسالها للمحتاجين في البلد وعندما وجد الدهشة على وجهي ذكر لي انه وجد جهاز تلفزيون مرمي في الشارع ومنتظر ان ترفعه عربات القمامة فما كان منه الا ان اخذه الشقة التي كان يقيم بها وعندما جربه وجده يعمل وانه جاهز لمن يحتاجه..هكذا عاش محجوب وهو مملؤ بحبه للناس الغلابة وقد طبق مشروعه الذي نظمه شعرا وهذا هو الانسان المشروع بعينه.. ولعمرك هذه الصنعة لم تات من فراغ فالمحجوب صاحب فلسفة يسارية كاملة ومؤطرة تحترمه عليها..وطريقته هذه اشبه بطريقة الام تريزا مع الفارق الكبير اكيد فتيريزا فلسفتها روحية ذات بعد ديني عميق اما صاحبنا الشريف محجوب فتغلب عليه الروح العملية 'وان كانت بالقدر المحدود....اولم يقل (حنبنيه البنحلم بيه يومياتي) فقد وضع المدماك الاول...وواضح ان أبا مريم قد ترجم ذلك الشعار الي عمل وبذلك يكون قد اوفي بما قال، وقد كان يعمل علي بنا الذات السودانية ووصلت كلماته من به صمم..ورغم اني واحسب غيري كثيرون لا نؤمن بالشيوعية كمنهج للحياة لكني احترم في المحجوب تمسكه بشيوعيته و صلابته وقوة ارادته وعنادو كمان ...ارجع لاعماله الشعرية ستجد هذا العناد والصلابة حتي في.المواقف العاطفية..ومدرسة محجوب شريف الادبية زاخرة بجميل الدرر...وعلي فكرة للشاعر محجوب مفردات من نوع السهل الممتنع وقد ذكر بان قصائده يلتقطها من كلام الناس العاديين...وهذه ان لم تكن الواقعية الحقيقية فماذا تكون..ومن محجوب تتلمذ الكثيرون وسار علي دربه الركبان خاصة في الثبات على المباديء ومحبة العمل العام..واعتقد اننا سنحتاج لوقت طويل حتي نجمع ارث هذا الانسان.. ولم اسمع في حياتي قط ان هناك من احبه الناس كل الناس كما المحجوب واستحق ان يكون المحبوب..وظهر ذلك في خروج اصناف من البشر بكل سحناتهم وبعفوية في موكب تظاهري وشاركت فيه المراة في حمل نعشه وكانها تريد ان ترد له الجميل كما فعل هو..حتي الأطفال حفظوا اشعاره ولقد أصابتني الدهشة وعقدت لساني وانا اسمع الصبي خطاب صلاح راشد وهو ينشد بعض من قصائد محجوب في منزل جده عزالدين جبرة بابروف ولعمري ان هذا الصبي ذو مستقبل باهى ان وجد الرعاية ... ارقد مرتاح ابو مي و ما تركته من خير سيبقي واما الزبد الذي دروسنا به فليذهب جفاء وحري بالغلابة الذين أحببتهم ان يفتقدوك ولو في البلد حقانية لبني لك تمثال او سمي شارع او حي شعبي وطئته قدماك،باسمك
اللهم اغفر لعبدك محجوب وانت الرحيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق