الخرطوم ـ «القدس العربي»:
يقيم معهد أبحاث السلام في جامعة الخرطوم في السودان مهرجانا كبيرا في أيلول/سبتمبر المقبل يجيء ضمن شراكة مع المبدعين من أجل تسليط الضوء على «كارثة» الحرب.
والمهرجان ضمن عمل مستمر للمعهد في هذا الإتجاه يندرج تحت الحملة الوطنية لمناهضة الحرب، وهي عبارة عن جهد مستمر يشمل برامج التثقيف ونشر الوعي وتستخدم الحملة وسائل الإعلام والفنون والمدارس والمساجد والكنائس ومجمل قطاعات الرأي العام.
ويشتمل المهرجان على حفل غنائي كبير تشارك فيه مجموعة من الفرق والفنانين الذين يدعمون مسيرة السلام، إضافة إلى ندوة فكرية كبرى وورشة عمل ومعرض تشكيلي يهدف لإبراز فظائع الحرب.
وشهد السودان عدة حروب أهلية بدأت عام 1955 قبيل استقلاله وتوقفت عام 1972 لتندلع مرة أخرى في عام 1983 وتعتبر إحدى أطول وأعنف الحروب في القرن وراح ضحيتها ما يقارب 1.9 مليون من المدنيين، ونزح أكثر من 4 ملايين منذ بدء الحرب. ويعد عدد الضحايا المدنيين لهذه الحرب أحد أعلى النسب في أي حرب منذ الحرب العالمية الثانية. انتهى الصراع رسميا مع توقيع اتفاق نيفاشا للسلام في كانون الثاني/يناير 2005 واقتسام السلطة والثروة بين حكومة رئيس السودان عمر البشير وقائد قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق.
وشهدت منطقة دارفور حربا منذ عام2003 خلفّت أكثر من 300 ألف قتيل وتجاوز عدد النازحين فيها إثنين مليون مواطن وتمتد رقعة الحرب في منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق منذ عدة سنوات، حيث اندلع القتال في مدينة الدمازين، عاصمة ولاية النيل الأزرق في الاول من أيلول/سبتمبر من العام 2011 وخرج بذلك الوالي مالك عقار ليصبح رئيسا للجبهة الثورية التي تضم مقاتلين من جنوب كردفان والنيل الأزرق وتخوض حربا ضد الخرطوم.
ويقول محمد محجوب هرون إن معهد أبحاث السلم في جامعة الخرطوم، إبتدر نشاطا في يوم 21 ايلول/سبتمبر يشتمل على أنشطة فكرية وفنية، منها كيفية توظيف الفن لمناهضة الحرب، وذلك عبر نشاط متصل يقوم على شراكة فاعلة يختتم فيها العام الأول باحتفالية كبرى في الثامن والتاسع والعاشر من أيلول/سبتمبر المقبل.
ويرى عادل عبد الله أن هناك خطورة كبيرة على وجود السودان، وإن الفنانين هم القادرون على صياغة وجدان سوداني موحّدوترسيخ السلام بوصفه فعلا يوميا يتجاوز الإحتفاليات.
ويقر الفنان التشكيلي راشد دياب أن مشاركة الفنانين في السلام موجودة منذ الأزل، لكن المطلوب بلورتها وإظهارها، ويقترح من أجل ذلك إقامة ورش تشكيلية يشارك فيها فنانون عالميون يهتمون بموضوع السلام، وتخصيص واحد من الميادين الكبيرة للسلام تحشد فيه مخلفات الحروب وتقام عليه مجسمات تظهر فظاعة الحرب ويصبح قبلة للزوار، وتـجـمــيل الـقـبح المــوجود في الشوارع بنماذج فنية تصب في ذات الإتجاه ويتزامن ذلك مع قيام مؤتمر عالمي للسلام يتم فيه حوار فكري صرح وجريء عن أسباب الحروب.
محمد عثمان الحلاّج من مركز كردفان للتنمية الإجتماعية والثقافية، طالب أن ينزل المبدعون إلى مناطق الصراع من خلال المسرح الجوّال أو فرق التراث مع ضرورة إشراك الفنانين المحليين وتوظيف إبداعهم لحل النزاعات، على أن تستصحب ذلك إنجازات تنموية ملموسة مثل حفر الآبار وتوفير مقدمات التنمية.
ويرى عبد الماجد محمد حمد من مركز السلام في جامعة السلام، ضرورة استصحاب التراث الشعبي المحلي مثل»الحكّامة والهدّاي» وتوظيفه لأجل السلام، ويقترح طارق الأمين وهو فنان وصاحب تجربة ثرّة في الفرق الفكاهية، تدريب الفنانين في مجالات المسرح والشعر والتشكيل بأصول النزاعات وتطورها، واستخدام مناهج جديدة مثل المسرح التفاعلي الذي يتيح فرصة الحوار المباشر- حول العرض- بين المؤدي والمشاهد مع ضرورة وجود حوافز مباشرة «مشاريع تنمية».
ويقول إن القضاء على جذور العنف يسهم في بناء السلام ضاربا المثل بالعنف الطلابي في الجامعات ويرى ضرورة محاربة التطرف والإرهاب.
ويلفت د.محمد محجوب هارون الإنتباه إلى أن الفن يكون أحيانا سببا في تأجيج الصراع مثل فعل الحكّامة «وهي منشدة شعبية تؤلف الأهازيج وتحمس أبناء القبيلة على القتال» ويطالب بدور أكبر للمبدعين من أجل توظيف الفن لقضية السلام.
الفنان والمغني عبد القادر سالم له تجربة عالمية في هذا المجال، ويشارك في العديد من المهرجانات الموسيقية في أوروبا مقدما موسيقى وأغنيات تدعو للسلم، قال: إن دور الفن مهم جدا واقترح ضرورة تنظيم مهرجان دولي للسلام في السودان. وطالب سالم الفنانين بالذهاب لمناطق النزاعات وترسيخ ثقافة السلام عبر الفعل الفني.
ويتساءل عبد الله حسب الرسول من وزارة الثقافة عن آليات التنفيذ، مشيرا لوجود الكثير من الأفكار الفنية مثل المسرح القومي، الفنون الشعبية، الإكروبات والفرق التراثية التي يمكن أن تساهم في هذا المجال.
ويعرض حسب الرسول تجربة لفرقة الفنون الشعبية في معسكرات النازحين بدارفور ويقول إن ثمرة 15يوما من العروض ظهرت في التقرير الأمني حيث سجلت معدلات الجريمة صفرا في تلك الفترة ويقول إن الشراكة الفاعلة هي التي تثمر، واضعا كل إمكانات فرقة الفنون الشعبية لخدمة هذا المشروع.
مخرج الأفلام الوثائقية سيف الدين حسن أكد أهمية الصورة وتأثيرها في كل فعل إبداعي وقال إن الرئيس الأسبق جعفر نميري كان أكثر ذكاء عندما استغل السينما المتجولة لتوصيل رسائله، وأضاف «إن الفيلم الوثائقي تأثيره قوي لأن الحقيقة أكبر من الخيال. لايمكن لأي كاتب أن يتخيل ما حدث في دارفور».
وقال الإذاعي مزمل سليمان، بضرورة وجود شراكة حقيقية وفاعلة بين معهد أبحاث السلام وكل وسائط العمل الإذاعي وأشار إلى أن خطاب السلام في السودان مهزوز وجارح، وطالب بتحفيز المبدعين لإنتاج مواد فنية في هذا الإتجاه، خاصة في المناطق التي تأثرت بالحرب، مع الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، خاصة أثيوبيا في تغيير السلوك ودعم التعايش السلمي.
الشاعر عالم عباس دخل إلى الموضوع من زاوية مغايرة وقال إننا بحاجة للنظر بعمق أكبر للموضوع، مؤكدا وجود فجوة كبيرة بين الذين ينظّرون والذين يعيشون في قلب مآسي الحرب، وطالب بضرورة البحث في دور الفنون في تأجيج النزاعات، قائلا: إن خريطة الأولويات الآن مقلوبة فالمعهد عليه تبني دراسات أكاديمية عميقة يحدد من خلالها طرق ووسائل مساهمة المبدعين وغيرهم في الحلول.
ويقول البروفيسور الطيب حاج عطية المدير السابق لمعهد أبحاث السلام إن الموضوع واسع جدا ولذلك من الضرورة بمكان وضع حدود لمساهمة الفن فيه، وإن النزاع موجود في كل مكان والحرب تمثل أعلى درجات الصراع، مضيفا أن الفنون قادرة على ترسيخ مفاهيم التعايش والسلام معترفا بصعوبة المهمة حيث يرى البعض «في الشق الآخر» ان الدعوة للسلام هي نوع من التخذيل.
ويرى أبو عبيدة يوسف «من إذاعة دارفور» أن البُعد السياسي له تأثير كبير ويقول إن 13 سنة من الحرب في دارفور أوجدت ثقافات جديدة وافرازات خطيرة وصلت إلى الخرطوم نفسها، ويطالب بعدم النظر للمشكلة من جانب واحد.
عبد الإله أبو سن وكيل وزارة الثقافة أكد دعم الدولة لكل ما يؤدي للسلام، مشيرا إلى أن وزارته ستسعى مع الجهات الأخرى لإنجاح هذا العمل وأضاف:» وزارة الثقافة يقع عليها دور كبير، لكن صوت الوزارة وحركتها وقدرتها مربوطة بحيوية المجتمع المدني».
صلاح الدين مصطفى