عثمان شبونة
* يظل دكتاتور بلاد السودان يبحث عن حريته بسجن الشعب كله إلى أن يموت أو يُقتل مثل كلب ضال.. هذه الحقيقة المرة يتغافل عنها القلة من الهتيفة الذين انتظروا "خيبته" بخيبتهم، وهم يحملون لافتات ساذجة وبائسة كعقولهم، تأييداً لمجرم الحرب العائد من قمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة بجوهانسبرج، وتلبيساً للباطل بفضائل لن يكون البشير بقربها في يوم ما.. فالعلاقة بين الطاغية والفضيلة في تنافر أبدي..!
* القلة الشاذة، الذين استقبلوا الهارب من العدالة عمر البشير في مطار الخرطوم، لابد من وجودهم في كل زمان ومكان كشيء مكمل "للسفل".. فإن لم تكن ثمة أدران في هذا الوجود لما احتفينا بنقيضها وانتشينا.. علينا دائماً رصد المحتفلين بكائن يظل مجرد الظهور بقربه يستدعي الاعتذار والتطهر والشعور بالعار.. فالبشير ليس (بشر عادي) وليس (شيطان!) إنما شيء ينتمي إلى الشر، بل يزيد بهذا الانتماء عن قبح الشيطان، وأرى في القول تطاولاً على الأخير..! فهو ــ أي البشير ــ يتصرف بمعزل عن "الإرادة البشرية" سليلة الفطرة الطبيعية، ولذلك كل ما يبدر منه ليس غريباً ولا يهين كرامته.. فالشرط في الكرامة وجودها مسبقاً.. من يقل إن للبشير كرامة مهانة إنما يغالط نفسه بفجاجة.. إنه يهين الشعب بإرادته في الغالب وبغير إرادته كثيراً، وفي كليهما غير آبه.. إذ هو ليس من الشعب.. بل حتى أسرته لا تنتمي إلى الشعب الآن.. الأسرة التي تمثل نموذجاً صارخاً للطفيلية المتغذية "بإطمئنان" عبر منصب الرئاسة "المنهوب"..! مخطئ من ظن أن البشير شيء غير "الهوان" ذاته.. وقد تكفل الطغيان بإطفاء ما تبقى من شعيرات الإدراك بداخله..! فما الذي "يفرق" مع سفاح يائس تطارده "هواجسه" والدم، أكثر مما تطارده المحكمة الجنائية؟!
* ربما ضاقت اللغة على اتساعها إذا حاولنا استخدامها في وصف "المادة" المركبة لدكتاتور السودان، والتي كلما حاولنا الإمساك بشقٍ منها يستنفد الشق الآخر عباراتنا في معاني "الحطّة" وذيولها..! فدعونا نتجاوز هذه المادة "المفحوصة" سلفاً، لندلف إلى بعض مغالطات قومه ــ أمراء الكذب على مستوى العالم ــ إبان القمة الإفريقية، وهم يحمّلون المعارضة في جنوب أفريقيا ما جرى لبشيرهم من "حصار رهيب" بواسطة المحكمة الجنائية التي تطلبه كمجرم لا غير.. وكعادتهم ــ قومه ــ يعتبرون الحق مؤامرة على البشير الذي لا يوجد متآمر أو مخرب أو إرهابي حي "يبزه" في إفريقيا وغيرها..! فأمر "الجنائية" الذي أدخل "غنادير السلطة" في الحرج و"الرجفة" لا علاقة له بحكومة أو معارضة في جنوب افريقيا التي حل عليها المجرم ضيفاً أثقل من الفولاذ.. أمر الجنائية يتعلق بالبشير نفسه والقانون الذي يهرب منه، ولن يجعله الهروب بطلاً إلاّ في نظر "المطاميس" الذين يرونه كذلك عنوة منهم..! وتبدو نظرة نظام الخرطوم للمعارضة في جنوب إفريقيا التي تبعد آلاف الأميال عن السودان هي ذاتها النظرة البلهاء "المتعارضة" التي ينظرون بها للداخل المناوئ.. مع تجاوزهم لإسراف البشير في الكبائر وهو يقلب الواقع كله في السودان ويرجه رجاً أحاله إلى مسمى غير "الحياة"، إذ تغير كل شيء إلى الأسوأ أو دونه.. صارت الخيانة بطولة.. وصار العار شرفاً.. وامتدت أصابع "المتأسلمين" الفجرة إلى الإنسان لتجرده من "متلازمة الوطن!!" إن صح المعنى العميق في "الأفهام"..! وحين يظل ماعون الوطنية مفرغاً تسهل عليهم ــ أي عبيد أمريكا ــ إكمال سياستهم التفتيتية للشعب.. فالمهمة التي يتمسك البشير وجماعته بالكراسي من أجلها لم تنته ــ ولن ــ إلا بتلاشي هذا الوطن... فما الذي سيتغير إذا قبضت المحكمة الجنائية على المجرم عمر البشير لوحده بإعتباره الأفعى الكبيرة، وتركت الآلاف من مليشياته التي بدأت تتسيد الآن، حتى بالتصريحات ضد ما يسمى مجازاً "الجيش" أو الشرطة؟! لو كان هنالك جيش حقيقي لما أصبح الصبح والجيفة في مكانها.. ومن الذي قال إن البشير أخطر من وزرائه وحاشيته ومن "غندور" وزير خارجيته الذي ستصبح السمسرة بالوطن في عهده إكمالاً لمهام أسلافه الإرهابيين..!
* لا شك؛ المحكمة الجنائية ستؤدب البشير ولابد منها.. لكنها لن تحل مشاكل البلاد... الحل الموضوعي أن نتحول "نحن" إلى "عصابات" على طريقتهم.. أعني شعب كامل في مواجهة قلة ليست مجرمة فحسب، بل نتنة في "عقلها الجماعي" ولن تتبدل في أسلوب خبثها وخبائثها "المستوردة!!".. قلة يقودها أحقر كائن يمر على تاريخ السودان "الماضي ــ الحاضر ــ والقادم".. كائن يعرف أنه معاف ومبغوض ويصر على ارتداء "البامبرز" كلما راودته فكرة المغامرة بالسفر، ليقول المغفلون ــ حينما يؤوب ــ إنه بطل تحدى المحكمة الجنائية الدولية...! سبحان الذي جعل الهارب بطلاً..!! فلولا هذه الميديا التي فضحت كل صغيرة وكبيرة لصدق الكثيرون بأن "الدجاجة" أسد..!! الحل الأمثل ــ قبل أن نتحول إلى عصابات ـــ هو ألا نخاف على أجسادنا "التي لم نشتريها"..!!! الحل هو أن يتكثف الوعي بالمصيبة التي تعني "البشير وجماعته" وهم يطمئنون الآن إلى أن خراب بقية السودان ممكن مع "قهر الشعب"..!! ونذكركم بأنه قبل أن ينفصل الجنوب، لم نكن نحلم حين قلنا إن "جماعة الخرطوم" سيجعلون أنحاء الوطن الأخرى تدخل دارفور بجوازات سفر..! والحل قبل ذا وذاك أن نتخلص من "مرض النسيان" فالنسيان مثل دودة "الكيزان" التي يغفل من ظن أنها تموت بسهولة..!!
* إن الذين يؤيدون البشير لا يقلون حطة منه.. فهو خلق ليكون هكذا "سفاحاً" يتحدى ثقلاء التاريخ أجمعين.. أما هؤلاء ــ الرجرجة الهاتفة والأمنجية ــ فلهم مآربهم، ويعلمون أنهم يدعمون الباطل والقاتل بإرادتهم الغالبة على الجيوب.. وبئس "هم"..!
* لقد عزز بعض الرؤساء الأفارقة الطاغية الرخيص عمر البشير بأن جعلوا له مقاماً، بالمشاركة في التتويج الأرعن عقب "اقتلاعه" لصناديق الانتخابات "دون منافس"!! وهاهم ــ البعض ــ يحمونه كمطلوب للعدالة الدولية.. أي يناصرونه على قتلاه "اليوميين" من جبال النوبة حتى "الجريف شرق!!" ومن دارفور حتى حدود الذل والجوع والمرض شرقاً ــ إلى حلايب.. ومن حلفا المسلوبة وكجبار إلى أحراش النيل الأزرق.. ويظل الباغي "العِر" فوق جراح هؤلاء محاطاً من شرذمته بأوهام الزعامة.. بينما شرفاء الشعب يرددون مع الراحل "كجراي" ويصرخون:
لن نهتز
من صوت العصابات المخيفة
نصّبوا الطاغي إماماً
بايعوا تحت ظلال القصر جيفة
آه.. ما أبعد هذا اليوم من يوم "السقيفة"..!
ها أنا أصرخ في سمع الخليفة
إن كل الخطب الجوفاء
في منبره المحفوف بالجند سخيفة
كل تهريج الأناشيد هراء
وعيون الغضب الصامت سخط وازدراء..!
* نعم... كل تهريج الأناشيد و"الصحف" هراء ومراء في شأن مجرم ينتصر جنده السخفاء على "النساء" فقط، ويتركون الحدود والمخدرات وتجارة البشر "مفتوحة!!".. وكيف لا يتركون الحدود إذا كان أسياد الجند هم تجار المخدرات والبشر والأرض..؟!
* السؤدد للثوار.. والعار للبشير وحزبه..!!
أعوذ بالله