واصل عرّاب الإسلاميين، الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، د. حسن عبد الله الترابي إثارة الجدل في الساحة السودانية، بالإشارة إلى أن الحكومة غير فاسدة البتة، وإن من فساد فهو من لدن الناس ومما قاله الترابي في الصدد لدى لقائه للطلاب: (الكل صار غير أمين والسوق كل شيكاته طايرة).
تغيير لافت
المراقب لاحاديث الترابي في الآونة الأخيرة يلحظ فيها تحولاً ملحوظاً في مواقف الشيخ الأمر الذي ينبئ بأمور تدور في الكواليس وستكشف عنها الأيام، لا سيما حين قراءة ذلك مع قبول حزب المؤتمر الشعبي للدخول في الحوار الوطني من دون اشتراطات مسبقة، والدفاع بشكل مستميت عن الحوار الذي لم يبارح مكانه لأكثر من عام ونصف.
وفي رمضان الحالي نشط د. الترابي في دعوة وتلبية الإفطارات الرمضانية، وإطلاق أحاديث صحافية مثيرة تدعو الصحف لمعرفة برنامج الشيخ اليومي، علهم بخبر أو بجذوة من نار تصريحاته اللاهبة.
وأخيراً استقبل الترابي وفد الاتحاد العام للطلاب السودانيين المتهم بأنه واجهة للحركة الإسلامية وطلاب حزب المؤتمر الوطني الحاكم منذ مفاصلة الإسلاميين الشهيرة في العام 1999م، وأطلق تصريحات مغايرة لما كان يقول به لأكثر من عقد ونصف العقد من الزمان إذ قطع كسيف إن الحكومة ليست فاسدة.
مسوغات
عن ذلك التبدل المفاجئ يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية د. صلاح الدومة، إن مجيء الترابي في هذا التوقيت والحديث عن عدم فساد الحكومة وأن الشعب هو من يفسد ينم عن صفقة تطبخ في الخفاء بين الإسلاميين وتوقع الدومة أن يتم تقديمها في وقت وجيز.
وحذر أستاذ العلوم السياسية، صلاح الدومة، من مغبة تكرار التجربة الإسلامية في حكم البلاد حال وحدة التيارات الإسلامية بالسودان على خلفية دعوات الترابي الأخيرة المعروفة بـ"النظام الخالف" وقال إنه ستخلف البلاد ويلات شديدة.
وكان منبر السلام العادل، ذو التوجه الإسلامي، على لسان زعيمه الطيب مصطفى سخر من أحاديث الترابي عن وحدة الإسلاميين، واصفاً الحديث عن وحدة الصف السياسي المسلم بأنه محض أحلام.
وبالعودة إلى الدومة، فقد وصف حديث الترابي المتجاوز لتقارير المراجع العام السنوية عن عدم وجود فساد، وصفه بالمضطرب. وقال: (هذه التصريحات تؤكد اضطراب المواقف عند الشيخ ونظامه السياسي الذي كان حتى وقت قريب يعمل على إسقاط النظام).
الزمن الضائع
ابتدر أستاذ العلوم السياسية، د. حسن مكي، رده على أحاديث الترابي بضحكة مدوية وقال لـ(الصيحة) إن أحاديث الترابي تعكس خوف عميق على مصيره وتلامذته وأضاف تصريحاته بشأن الفساد تشي بأنه يعيش في كوكب آخر لا سيما وأن الفساد مبذول في تقارير المراجع العام وفي صفحات الصحف وهو ما يؤكد أن الترابي شرع في مراجعة مواقفه السياسية في مقابل توفير مطلوبات من المحتمل أن الترابي قد اتفق فيها مع الحكومة، ولا شي أدلّ على ذلك من تخطيه لانتقاداته السابقة ومهاجمته للحكومة ودعواته إياها بالمغادرة الفورية في محاولة يبدوها لعبا في الزمن الضائع، وإلّا كيف يتسق حديث الترابي عن تبرئة الحكومة من أي شبه فساد في حين أقرت الحكومة نفسها بذلك بل وأنشأت مفوضية لمحاربة الفساد.
دشن مصطلح (ولاية وزارة المالية على المال العام) في عهد وزير المالية الأسبق الراحل د. عبد الوهاب عثمان، للمالية "كنترول" على الإيرادات لأنه اكتشف وجود سوء فى التحصيل وأن هنالك أموالاً تمر عبر قنوات غير حقيقية. ومنذ ذلك الحين وتظل الإيرادات مجزأة كما أن فكرة الجهاز القومي للإيرادات لم تر النور برغم أن قانونها أجيز من مجلس الوزراء فأيهما أحق بالتفعيل؛ الجهاز القومي للإيرادات أم الجهاز القومي للحسابات؟. ونحن نتحدث عن التحصيل الالكترونى وعن المتلاعبين المقاومين للتجربة التى كشفت عن وجود 36 ألف رسم تحصيلي و40 أورنيك غير قانوني و17 ألف متحصل وجهات لها مصالح اتفق معظم الخبراء على أن حديث وزير المالية فتح الباب على مصراعيه فمنهم من دافع عن الفكرة ومنهم المندهش لما ذكره الوزير من أرقام وآخرين دعوا لتحري مزيد من الدقة ومراجعة اللجان المكلفة بحصر الرسوم وإخضاع الأمر لمزيد من الدراسات. ومن الشواهد التى أكدها وزير المالية عند انطلاقة التحصيل الالكتروني هو تأكيده على مقاومة هذه الخطوة وهو ما جدده أمس الأول بقوله إنه لم يكن يتخيل أن يواجه التحصيل الالكتروني بمقاومة شرسة لهذا الحد مما جعله يصف أولئك بالمتلاعبين يريدون النظام الورقي للاستمرار فى تجاوزاتهم. وبرغم أن خطوة وزارة المالية التى وصفها البروفسور عصام بوب فى حديثه ل"الصيحة" أمس أنها تأتي متسقة مع برامج إصلاح المالية إلا أنه أيضا يقول إنها خصم عليها باعتبار أنها المسئولة مباشرة عن المال العام ويقول بوب: "أخيراً تحدث الوزير بما ظللنا نتحدث عنه وعن معاناة المواطن"، وقال: "أتمنى أن يكون الأمر مدخلاً لكي تفرض الوزارة ولايتها وتتخذ قرارات شجاعة بإزالة الآلاف من هذه الرسوم والضرائب"، والتى قال إذا نشرت عاليما لوجدت حظها من موسوعة "جينيتس" وفى الاتجاه المغاير. يقول بوب إن اكتشاف المالية جاء متأخرا فكم من المتضررين والمظلومين من التحصيل غير القانوني ونرجو أن يكون التصحيح سريعاً وألا يستغرق وقتاً كبيراً.
إلا أن الطيب مصطفى أبو قناية وكيل المالية الأسبق ورئيس آلية مكافحة الفساد يرى فى حديثه لـ"الصيحة" فيما ذكره الوزير من أرقام "36" ألف رسم من المفترض أن تخضع لقانون وقال: "كل إيرادات الدولة مصنفة"، إلا أنه أبدى انزعاجه من العدد الكبير من الرسوم وفسر الأمر بقوله: ربما تكون الدولة على دراية وعلم بتلك الإيرادات التى يتم تحصيلها فى حسابات تلك الجهات وتساءل أين المراجعة؟ وقال هذه الإيرادات يجب أن تخضع لمراجعة على المستوى الولائي والاتحادي وزاد: "الوزير تهمه الاتحادية والولاية تهمها الولاة وكل ولاية لها قانونها"، وأبدى اندهاشه ل"36" ألف بند إيرادى، ودعا الى تفعيل الجهاز القومي للإيرادات، وقال: أتفق مع الوزير فى موارد السودان الضخمة التى تحتاج الى إدارة بيد أن سوء التحصيل يقف حاجزا. واستحسن أبوقناية البرنامج الالكتروني لأنه يتيح إدخال معظم موارد الدولة وضبطها مع علمه التام بوجود واستمرار المقاومة، مبينا أن الهدف من الالكتروني هو تقليل الاحتكاك بين المواطن والموظف.
وفى الأثناء دعا الدكتور محمد الناير الى مراجعة اللجان التى كلفت بحصر تلك الرسوم واستبعد أن تكون لمستويات الحكم الثلاثة أن تبلغ هذا العدد وربما يكون هنالك تكرار لمسميات بجانب تباين أيضا فى الفئة من ولاية لأخرى وقال لـ"الصيحة" "أتمنى أن يتم التدقيق أكثر فى هذا الرقم قياسا لماهو ممنوح فى مستويات الحكم الثلاثة". وفيما يتعلق بالأرانيك يرى أنها متعددة وقد لا تكون مالية مثلا دفتر"67" هو أورنيك وسيط ليس مالياً يحصل بأورنيك "15" الورقي ثم يدرج دفتر"67" وهى مرحلة من مراحل اكتمال توريد المبالغ للخزينة وهو لا يحسب أورنيكاً مالياً بجانب وجود فورمات أخرى لاستخراج رخص أو شهادات بعضها يعتمد كأورنيك مالي ومعظمها لا يعتمد. وقال إن التحول سيجد مقاومة لأن المستفيدين سيظلون يقاومون بشدة ونستخلص من ذلك أن الأورنيك الورقي عرضة للتزوير وفقدانه يسبب مشكلة لمن يجده سيستخدمه بالإضافة الى تكلفة طباعته بجانب الكم الكبير من المتحصلين، "تكاليف مقابل أموال"، واتفق الناير مع أبوقناية فى أهمية الجهاز القومي للإيرادات، ولكنه يرى أن الخلل الذى صاحب تجربة الأورنيك الورقي هو التطبيق باعتبار وجود جهات تعمل في إخراج الأورنيك أو تطبيق خاطئ فى ظواهر التسجيل وأن التطور يتطلب التحول الكترونياً ومن ميزاته أن التزوير فيه محرم قانونياً ووسائل تأمينه عالية ولن يتم السحب إلا بأرقام مسلسلة كما أن فئات الرسوم مبرمجة لا يمكن إجراء معاملة دون إصدار إيصال الكتروني وقال: "صحيح هنالك مهددات فى ظل الجيل الذى يتلاعب بالأجهزة الالكترونية ولكن الضوابط التى وضعت أعتقد أنها كافية".
مما يجدر ذكره أن أورنيك "15" الورقي كان واحداً لكل الدولة ومن ثم طبع أورنيك "15" لكل ولاية بألوان مختلفة فيه شعار الولاية، والخرطوم الأورنيك باللون الأصفر مع انفصال أورنيك الخارجية وهذه قللت من الإيرادات. مع العلم أن النظام المالي المحاسبي فى الدولة لم يتغير منذ العام 1956م، لم يتطور بنفس الطريقة التى من حولنا فى عدة دول.
حكى لي الدكتور الطيب مصطفى ابو قناية أمس أنه ذات مرة فى إحدى المستشفيات التى تستفيد من إيرادات الدخول كان المدخل الواحد يتم تحصيل حوالي 750- ألف جنيه يوميا فأدخلنا البطاقات الالكترونية فى الأبواب أول يوم ارتفع فيه التحصيل الى مبلغ 6 ملايين استمر الحال هكذا لمدة شهر ثم عطلت الأجهزة وعاد التحصيل كما كان فى السابق.
قال مكتب المدعي العام السويسري، إن لديه الآن 81 تقريرا حول أنشطة مالية "مشبوهة" لها علاقة بقرار الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" إسناد تنظيم بطولتي كأس العالم عام 2018 إلى روسيا و 2022 إلى قطر.
وتحقق سويسرا في قضايا فساد في الفيفا.
وحصل المحققون منذ شهر يونيو/ حزيران الماضي على 28 تقريرا جديدا حول أنشطة مشبوهة في المنظمة الرياضية، حسب متحدث عن المدعي العام.
ويركز التحقيق السويسري حول القرارات المتخذة التي حددت الدول المستضيفة لبطولة كأس العالم.
وتنفي روسيا وقطر ارتكاب أي مخالفات وتقولان إنهما يعملان على التحضير للبطولة حسب الجدول المعد لها.
وقال مايكل لاوبر، المدعي العام السويسري الشهر الماضي إن الوكالة السويسرية لمكافحة غسيل الأموال، حددت 53 عملية تحويل مشبوهة بعد الحصول على معلومات من عدة مصارف.
أعدت ولاية شمال دارفور، -غرب السودان- خطة شاملة لفتح الطرق التي تربط مناطق الولاية مع بعضها البعض، بجانب اتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز وتأمين المدن الأخرى، في إطار منظومة فرض الأمن واستعادة هيبة الدولة في كل أنحاء الولاية.
وقال والي ولاية شمال دارفور، عبد الواحد يوسف،-في تصريح اليوم عقب لقائه مع ممثلي اللجان الشعبية بالولاية- أنه تم عقد سلسلة من اللقاءات مع كل شرائح المجتمع والمؤثرين في العملية الأمنية، الذين يمكن أن يكون لهم دور إيجابي في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار بالولاية.
وأضاف يوسف، إن القرارات الأخيرة تعتبر إجراءات أولىة فقط، وستعقبها المزيد من القرارات التي من شأنها حفظ الأمن والاستقرار حتى تعود دارفور إلى سيرتها الأولى.
وأكد على المضي قدما في تنفيذ الإجراءات الأمنية دون تراجع، وقال "إنها ليست مؤقتة بل هي إجراءات لاستدامة العملية الأمنية في المستقبل".
وتابع "إن الإجراءات التي اتخذتها حكومته ليس القصد منهااستهداف أية جهة ولا قبيلة ولا أية مجموعة سكانية دون المجموعات الأخرى، بل استهدفت المجرم أينما وجد نظرا لأن المجرم ليست لديه قبيلة ولا لون ولا جنس".
ودعا الوالي الجميع إلى ضرورة التبليغ الفوري عن المجرمين وعدم التستر عليهم، دون تخوف طالما أن النية سليمة لتوفير الأمن والسلام والاستقرار للأجيال القادمة.
وقال والي شمال دارفور، إن السلطة من أولى مسؤولياتها الأساسية تأمين المواطن وتحقيق الاستقرار، نظرا لأن قضية الأمن هي قضية أساسية، وتعهد ببسط العدل بين الناس، لأنه المبدأ الأساسي للحكم والحاكم.
استعرض الدكتور حسام الدين مغازي وزير الموارد المائية والري، والدكتور صلاح الدين هلال وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، أوجه التعاون القائم مع الجانب السوداني في مجالات الري واستصلاح الأراضي، وأكدا اعتزام الجانبين المصري والسوداني دفع هذا التعاون قدمًا والعمل على تحقيق التنوع الزراعي في المحاصيل التي ستتم زراعتها، إضافة إلى تنمية الثروة الحيوانية.
جاء ذلك خلال لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي، اليوم، بمقر رئاسة الجمهورية بمصر الجديدة وفدًا سودانيًا رفيع المستوى يضم الدكتور إبراهيم الدخيري وزير الزراعة والغابات، وحسين أبوسروال والي ولاية النيل الأزرق.
حلّت الذكرى الرابعة لانفصال جنوب السودان الذي كوّن دولته المستقلة في التاسع من يوليو/ تموز 2011، من دون أن تكون الدولة الوليدة قد نجحت في حل مشاكلها السياسية والأمنية والإنسانية والاقتصادية العالقة والتي ازدادت تعقيداً، لتخيب آمال وطموحات الجنوبيين في الاستقرار والسلام بعد حرب مع شمال السودان متسلسلة لنصف قرن. وفي حين شارك في الاحتفالات التي شهدتها العاصمة جوبا، كل من الرئيس الأوغندي يوري موسفيني والرئيس الكونغولي جوزيف كابيلا فضلاً عن نائب رئيس دولة جنوب أفريقيا ووزراء خارجية السودان ومصر وكينيا وإثيوبيا، شكل غياب أبرز قادة المجتمع الدولي عن الاحتفالات التي أقامتها جوبا في ذكرى الانفصال، وبيانات الإدانة القوية لقادة الحركة الشعبية، بما في ذلك بيان مجلس الأمن الدولي، رسالة واضحة عن مدى الاستياء الدولي من مآلات الأوضاع في جنوب السودان.
الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، دعا الجنوبيين إلى وقف الحرب فوراً والدخول في مباحثات سلام. وطالب رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت وزعيم المتمردين رياك مشار بالتحلي بروح المسؤولية وعدم اللجوء إلى الحلول العسكرية. كما حملت واشنطن ميارديت ومشار والمقربين منهما مسؤولية الحرب في الجنوب، إذ أعلنت سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي للرئيس الأميركي باراك أوباما، أنّ الولايات المتحدة والمجتمع الدولي سيعاقبان المصريين على دفع الجنوب نحو الهاوية.
من جهته، طالب رئيس عمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة، إيرفيه لادسو، مجلس الأمن قبل أيام بفرض حظر على الأسلحة إلى دولة جنوب السودان وإدراج مزيد من القادة المتنافسين هناك في القائمة السوداء. وهو الطلب الذي ظل يطرح في مجلس الأمن من دون أن يجد استجابة، إذ تعترض عليه كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين على الرغم من الأزمات التي تواجهها جنوب السودان.
فبعد أقل من عامين من الاستقلال عن السودان الموحد، غرق الجنوب في حرب أهلية اندلعت وسط قادة الحركة الشعبية الحاكمة وقادت لمقتل أكثر من عشرة آلاف شخص فضلاً عن تشريد ما يتجاوز 2.3 مليون نسمة، وفق أحدث تقارير منظمات الأمم المتحدة.
وكانت الحرب بين قادة الحركة قد اندلعت منذ ديسمبر/كانون الأول 2013 على خلفية اتهام الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت لنائبه رياك مشار وقادة الحركة الشعبية التاريخيين، بينهم الأمين العام للحركة باقان أموم وعدد من وزراء الحكومة، بتنفيذ انقلاب ضده.
وفي محاولة لتدارك الموقف وحل أزمة الحرب داخل الحركة، لجأ رئيس جنوب السودان أخيراً إلى سلسلة خطوات في إطار توحيد الحركة الشعبية بإعادة رياك مشار إلى منصبه كنائب لرئيس الحركة فضلاً عن إعادة باقان أموم، على اعتبار أن شرارة الحرب تفجرت من هناك.
ولا يستبعد مراقبون أن تنجح الخطوة في إعادة اللحمة الجنوبية باعتبار أن قادة الحركة التاريخيين الذين أعيدوا أخيراً للحزب لديهم دراية بالمفاوضات، ولا سيما أنهم من قادوا عمليات التفاوض مع الحكومة السودانية وتوصلوا معها لاتفاقية السلام الشامل التي تم بنهايتها الانفصال. كما أن لدى هؤلاء القادة القدرة على الخروج من الأزمات التي كادت أن تعصف بالحركة، والتي كان أبرزها مقتل زعيم الحركة جون قرنق في 30 يوليو/تموز 2005، بعد أشهر من توقيع اتفاق السلام الذي وضع حداً للحرب الأهلية وبعد 21 يوماً فقط من أدائه القسم نائباً أول للرئيس السوداني عمر البشير.
لكن التصريحات الأخيرة لمشار، الذي بات يحمل صفة "زعيم المتمردين"، لا تصب في هذا الاتجاه بعدما لوّح يوم الخميس الماضي، بالتزامن مع الاحتفالات بذكرى الانفصال، باستمرار الحرب. كما عاد للمطالبة بتنحي ميارديت عن السلطة. وشدد مشار على أنّ السلام لن يتحقق بوجود ميارديت بقوله "لا نشعر بأنّ لدينا شريك سلام مع سلفاكير".
ولدى مشار طموح منذ أيام زعيم الحركة الراحل جون قرنق بحكم الجنوب، إذ يؤمن الرجل بأسطورة لقبيلته حملت مواصفاته كرجل سيحكم الجنوب وينقذه من حمامات الدم، وهو ما يعرف "بمون دينق".
لكن مشار ليس الطرف الوحيد في الأزمة الحالية، وهو ما تشير إليه بوضوح الاتهامات المتبادلة بين القادة الجنوبيين بشأن إفشال حلم الاستقلال وقيادة الدولة نحو الحرب. فبينما حمّل رئيس جنوب السودان شركاءه في الحركة المسؤولية، اتهمت زوجة ربيك قرنق، زوجة الزعيم السابق للحركة الشعبية، السياسيين الجنوبيين بمن فيهم هي نفسها، بخذلان الشعب الجنوبي وعدم الإيفاء بالوعود التي أطلقوها للشعب.
وكان أكثر من 98 في المائة من الجنوبيين قد صوتوا لصالح الانفصال، في ظل قناعة راسخة كانت لديهم بأن الاستقلال عن الشمال سيقود نحو حياة أكثر استقراراً. وهو ما دفع أيضاً آلاف الجنوبيين الذين كانوا يتواجدون في الشمال وحتى في خارج البلاد، إلى العودة لجوبا بحماسة قبل أن تبدد التطورات آمالهم بعد خلافات قادة الحركة وتداعيات الاقتتال، وتطرح من جديد علامات استفهام حول ما إذا كان خيار الانفصال صائباً.
وفي السياق، تقول ميري لـ"العربي الجديد" "تمر الذكرى الرابعة وأنا وحيدة بعد أن فقدت كل عائلتي في الحرب، ولا أعلم هل الانفصال كان خياراً جيداً ولا سيما أنّ الوضع لم يتغير". وتضيف "لا نزال نخشى على أنفسنا ليلاً ولا نشعر بالأمان، بل إن الوضع أسوأ من أيام الوحدة".
أما جون فيقول لـ"العربي الجديد"، "حققنا الانفصال بعد نضال ولأننا نستحق أن نعيش في سلام"، مضيفاً "صحيح أنّ الحركة الشعبية خذلتنا وأدخلت الدولة في رعب، لكن حتماً سيأتي السلام الذي يستحقه الجنوبيون".
وكانت "إيغاد" قد أقنعت الأطراف المتصارعة، الحكومة والمعارضة المسلحة، بتوقيع نحو خمس اتفاقيات سلام وأخرى لوقف إطلاق النار، لكنها جميعها ولدت ميتة ولم تجد طريقها إلى التنفيذ.
تطورات لم يغب عنها الرئيس السوداني، عمر البشير، الذي قال في وقت سابق إن هناك جهات خارجية، لم يسمّها، تحدثت معه عن "ضرورة إعادة الجنوب الى حضن السودان الواحد بعد الفشل الذريع الذي تحصل"، ملمحاً إلى رفض الخطوة التي رهنها بإجراء استفتاء للشماليين باعتبار أن قرار الانفصال كان أحادياً.
وعلمت "العربي الجديد" أنّ جهات دولية وإقليمية تتحرك جاهدة لإرساء استقرار وسلام دائمين في دولتي السودان وجنوب السودان يمكن أن يتحقق معه مقترح دولي بإنشاء كونفدرالية بين الدولتين تمكنهما من العيش في سلام، باعتبار أنّ استقرارهما يؤثر على الإقليم. كما أنّ هناك قضايا مفخخة لا تزال عالقة بين الدولتين بينها النزاع حول الحدود ومنطقة أبيي والنفط، ويمكن أن تسهم الكونفدرالية في حلها او تأجيل انفجارها.
ويرى مراقبون أن عملية الانفصال التي دفع إليها الجنوبيون دفعاً من قبل قادة الشمال والجنوب قد أثرت سلباً على الدولتين. ففي الجنوب اشتعلت الحرب الداخلية ولا سيما أنّ العدو المشترك، أي "الشمال"، قد انتفى، فضلاً عن الأزمات الاقتصادية والإنسانية.
أما السودان فقد عانى طيلة الأعوام الأربعة الماضية من أزمة اقتصادية كادت تطيح نظام الحكم، بعد أن فقد نحو 70 في المائة من إيرادات النفط الذي كان يجنيه، إثر تحقق الانفصال.
كما اشتعلت الحروب في مناطق لم تشهد نزاعاً أيام حرب الجنوب، وزادت حدة الاستقطاب السياسي داخلياً على الرغم من أنّ الحكومة وقتها نفت تماماً أن يؤثر الانفصال عليها، لتعود وتعترف في وقت لاحق بتأثيراته.
من جهته، يرى رئيس مركز دراسات السلام والتنمية في جامعة جوبا، لوكا بيونق، أن "الاستقلال تحقق نتيجة لنضالات وتضحيات ولفشل سياساتنا كشعبين وفشل الصفوة في الشمال في أن تخلق أرضية لدولة موحدة بقناعة التنوع كأساس يفتخر به. ويلفت بيونق إلى أنّ "الجنوبيين، منذ 1954 كانوا يطالبون بالفدرالية، وفي مفاوضات أبوجا 1993 كانوا يتحدثون عن الفدرالية والكونفدرالية باعتبارها أفضل خيار، أخذاً بعين الاعتبار أنّ الجنوب علماني والشمال إسلامي". ويضيف "لكن وقتها الحكومة في الخرطوم رفضت ذلك تماماً باعتباره انفصالاً مقنناً، إلى أن تحقق الانفصال"، متهماً من سمّاها "الصفوة الإسلامية في السودان" بأنها قادت الجنوبيين إلى الانفصال. ويرى رئيس مركز دراسات السلام والتنمية في جامعة جوبا أن دولة جنوب السودان بعد أربع سنوات من الاستقلال قد دخلت في ثلاث مراحل انتقالية كانت نتيجتها النهائية الحرب المشتعلة الآن، وهي الانتقال من الحرب إلى السلام في ظل تحديات كبيرة، وثانياً الانتقال من حركة تحررية إلى حركة حاكمة لديها عقلية عسكرية تطغى عليها، وأخيراً التحول من دولة واحدة إلى دولة مستقلة وفقدان قائدها جون قرنق. ويعتبر بيونق أن "ذلك كله تأثر بلعنة البترول وبالمؤسسات الهشة، فضلاً عن أنّ الجنوب دولة مغلقة محاطة بجيران لا يمكن أن يطلق عليهم أصدقاء". ويلفت بيونق إلى أنّ "الحركة الشعبية فشلت في الاستفادة من الظروف المحيطة في خلق رؤى قومية"، مشيراً إلى أنّ الهدف كان الانفصال في حد ذاته من دون النظر إلى القضايا الأخرى، وجاء على حساب المساءلة وتوحيد المؤسسات فضلًا عن مواكبة التحديات، مرجعاً كل ذلك إلى ضعف الحركة الشعبية.
أثارت تحركات زعيم المؤتمر الشعبي السوداني المعارض، حسن الترابي، الهادفة لتوحيد إسلاميي السودان، تخوفات أوساط سودانية، خصوصاً تلك التي عاشت أسوأ أيامها في العشرية الأولى التي حكم فيها الترابي السودان مع الرئيس عمر البشير (ما قبل مفاصلة الإسلاميين الشهيرة في 1999).
وأعلن الترابي أن إعادة توحيد الإسلاميين أصبحت "فرض عين"، وطالب الإسلاميين بالصلاة من أجل تحقيق الوحدة قبل رمضان المقبل.
وقال لدى مخاطبته اتحاد الطلاب السودانيين (جهاز شبه حكومي)، إن "الحركة الإسلامية ستتوحّد يوماً، طال الزمن أم قصر، وأصبح فرض عين يجب تنفيذة"، مشدداً على أهمية العمل بكل جهد "لقيام مجتمع إسلامي يصبح قدوة لكل العالم".
وطرح الترابي، أخيراً، ورقة أطلق عليها "النظام الخالف"، ليكون أساساً لتوحيد الإسلاميين تحت مسمى جديد يتجاوز المؤتمر الوطني الحاكم، والمؤتمر الشعبي، وتدخل فيه جميع التيارات الإسلامية التي انشقت عن الحركة الإسلامية.
وبدأ الرجل تحركات فعلية في هذا الاتجاه بالخروج من صمته عقب فشل دعوة البشير للحوار في يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، وعدّها الترابي أمراً ضرورياً يجب تحقيقه ليطمئن على الحركة الإسلامية قبل وفاته.
وهز انفصال الترابي عن الحزب الحاكم (الحركة الإسلامية)، التي بدأت في التراجع وأفل نجمها بعد أن نشطت في فترة الثمانينات في استقطاب السودانيين.
وترقب الأوساط السودانية بحذر محاولات الترابي توحيد الإسلاميين، ولا سيما أنها تحمّل الترابي مسؤولية ما آل إليه حال البلاد، فضلاً عن أن فترة الترابي شهدت البلاد خلالها أزمات، إذ أدخل البلاد في حروب خارجية صنّفتها ضمن الدول الراعية للإرهاب.
ويرى مراقبون أن الوضع في السودان والإقليم والمجتمع الدولي عموماً يقف عائقاً أمام توحيد الإسلاميين، وأن هناك محاولات لتفكيك الحركة الإسلامية، وهو ماتم بالفعل بغياب أقطابها عن الساحة السياسية السودانية، بينهم نائب رئيس الجمهورية السابق، علي عثمان، فضلاً عن سيطرة الرئيس البشير عبر رجاله على الحركة الإسلامية والحزب الحاكم.
ويستبعد الإسلاميون أنفسهم وحدتهم ويعدونها مجرد أمنيات لزعيم المؤتمر الشعبي حسن الترابي. ويقول رئيس منبر السلام العادل (انشق عن الحزب الحاكم)، إن دعوة الترابي لتوحيد الإسلاميين مجرد أحلام، وأضاف: "الأولى الحديث عن حل مشكلة الوطن".
ويقول المحلل السياسي محمد إبراهيم، لـ"العربي الجديد"، إن تمسك الترابي بالحوار رغم العثرات التي صاحبت العملية، يؤكد أن تركيز الرجل انصبّ على توحيد الإسلاميين، ووجد فيها فرصة لإقناع الرئيس البشير بالخطوة.
لكن الترابي، من وجهة نظر إبراهيم، "يلعب في الوقت بدل الضائع، فخطوات البشير في تصفية الإسلاميين للتقارب مع الخليج ومصر تعد الأسرع، فضلاً عن أن الإسلاميين أنفسهم فقدوا ثقتهم في زعيمهم الروحي بعد التناقض الذي بدر منه خلال فترة المفاصلة، وتراجعت عن كثير من الفتاوى التي أطلقها أيام وجوده في الحكم، لا سيما في ما يتصل بالجهاد في جنوب السودان".