حول مائدة رمضانية عامرة حفلت بما لذ وطاب من مباهج الدنيا ، حشد الشيخ شباب الإتحاد العام للطلاب السودانيين بمنزله بالمنشية ليحدثهم عن إمكانية إقامة نموذج جديد لحكم الإسلاميين لقيادة المجتمع ، متمنياً أن يكون جيلهم هذا أفضل من الأجيال السابقة وكأنَّهم ذرية صالحة من ظهور أؤلئك المبطلين !!!
ألم يسمع هذا الشيخ أو يحدثه أحدٌ من خاصته ، وهو يقدم ساعة هدية لرئيس الإتحاد العام للطلاب السودانيين ، أنَّ هذا الشاب ومكتبه التنفيذي قد احتجوا على سيارات الكورولا موديل ٢٠١٥ التي خُصصت لهم وطالبوا بماركات أقيم منها تناسب عطاءهم وبذلهم وتضحيتهم ؟!!!
ألم يسمع هذا الشيخ أو يُسر اليه أحد من خاصته بأنَّ قيمة السيارة الواحدة من هذه السيارات التي لم تعجب هذا الشاب وأعضاء مكتبه التنفيذي ، تبلغ ٤٥٥ مليون جنيه ؟ وأنَّ جملة قيمة السيارات الخمسين التي خُصصت لهم بلغت ٢٢ مليار جنيه ؟!!
أهؤلاء هم القادة الجدد الأتقياء الأنقياء الذين يحتفي بهم الشيخ على مائدته الرمضانية ويريد أن يقيم بهم نموذج الحكم الجديد للإسلاميين ؟!!!
أهؤلاء هم القادة الجدد الأصفياء الأبرياء من كل فساد والذين تم إعدادهم ليقودوا النظام الخالف ؟!!!
لم أسمع في حياتي سياسياً عاقلاً أو مخبولاً يصف شعبه بأنه فاسد ويطلق حكماً جزافياً لا قيمة له في ميزان الحق مثل هذا.
أيها الشيخ أنا لا يحيرني ولا يدهشني كونك شرِّيراً ، ولكن يدهشني أنَّك لا تستحي !!! كيف تصف شعباً كاملاً بأنه فاسد دون أن يطرف لك جفن ؟!! وكيف تصف حكومة غارقة في الفساد حتى أذنيها بشهادة أهلها، ودونك حديث بابكر قشي الذي قال فيه إنَّ الأمن القومي للبلاد مهدد بالفساد ، تصفها بأنها غير فاسدة دون أن تتلعثم ؟!!
حقيقةً أن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى ، إذا لم تستح فاصنع ما شئت !!!
كان يمكن أن يكون قولك صادقاً لو قلت أنّ نسبة ١٪ من الشعب فاسدة ، وهي الفئة التي تملأ السوق الآن بالشيكات الطائرة والكاشفة والمضروبة ... وكان يمكن أن تكون أكثر صدقاً لو اعترفت بأنّ أغلب هذه الفئة من المنتمين للإنقاذ بشقيها الوطني والشعبي ... وأنّها هي الفئة التي أكلت أموال الدولة والبنوك والنَّاس بالباطل ... وأنها هي الفئة التي تسببت في خلق عجز السداد في النظام المصرفي بنسبة ٦٧٪ ... وأنها هي الفئة التي أدت الي تآكل رؤوس أموال البنوك بنسبة تفوق ٧٠٪ ... وأنّها هي الفئة التي وُضعت فقرة التحلل في القانون من أجل حمايتها وستر سوءاتها ... وأنّها هي الفئة التي امتلكت العمارات الشاهقات وركبت الفارهات وركبت ال ٩٩٪ الباقية من شعب السودان ... وأنّها هي الفئة التي يُخَيَّلُ إليك من ضخامة فسادها أنّ الشعب كله فاسد !!!
وكان يمكن أن تكون أكثر صدقاً مع الناس ومع نفسك لو اعترفت بأنّك كنت ومازلت معلم هذه الفئة ومرشدها لأكثر من نصف قرن من الزمان منذ العام ١٩٦٤ وأنَّك عرَّابها ، وشيخ خلوتها ، وإمام صلاتها ، ومربي صغارها ومحنها ، وطابخ سمومها ، ونافخ كيرها ، وزاجر طيرها ، وعازف أوتارها ، وقارئ كفها ، ومدبر إنقلابها !!!
أيها الشيخ لم أسمع في حياتي سياسياً تضطرب أقواله وتتناقض مثل أقوالك ، فهذه الحكومة التي برأتها اليوم من الفساد ، وصفتها بالأمس في أحاديث موثقة بالصوت والصورة بأنها ضالعة في الفساد ، وبررت سقوط أتباعك من الإسلاميين في فتنة المال والسلطة بعذر أقبح من الذنب حين قلت بأنَّ منهج التربية السلوكية والذي كنت تقوم أنت شخصياً بتدريسه لتلاميذك لم يكن مشتملاً على مقاومة فساد المال السلطاني ، وأنَّ المنهج الذي تربوا عليه لم يكن فيه سلطان ، وأنهم لم يكونوا في السلطة ولم يحلموا بها !!!
إذا كان الأمر كذلك أيها الشيخ المخبول فلماذا حلمت بالسلطة واندفعت لها قبل أن تقوم بواجبك في التربية السلوكية المرتبطة بالحكم ؟ لماذا تقدمت صبياناً يملؤهم حب المال والدنيا قبل أن تحصنهم بمنهج ديني يحميهم من فساد المال السلطاني ودفعتهم لسرقة السلطة بليل على ظهور الدبابات ليسرقوا الوطن كله ؟
أيها الشيخ إنّ هذه التبريرات الفجة والفطيرة لفساد أتباعك هي محاولة سخيفة لتبرئة نفسك ولا يمكن لعاقل أن يقبلها لأنّ التربية في منهاج النبوة الذي تدعيه والذي جاء به معلم البشرية هو منهج واحد ينتهجه الفرد في كل ضروب الحياة إذا كان في الحكم أو خارجه ، ولكنها اللجاجة والعناد ومحاولة لي عنق الحقيقة الذي اشتهرتم به ، وعليك أن تعلم أنّ كل فساد أمطرت به هذه الفئة أرض السودان فإنّ لك منه نصيباً وافراً وستحمل وزره الي يوم الدين !!!
ومايدهش أيها الشيخ من عدم استحيائك أنَّك تفكر في إقامة نموذج جديد لحكم الإسلاميين لقيادة المجتمع وكأنَّ الذي نحن فيه لم تخرج طامَّته من جرابك !!!
إنّ التجربة التي نعيشها اليوم هي أسوأ تجربة عرفها الإسلام في تاريخه ، وأساءت له بدرجة يعجز عنها أعداؤه ، وإذا كانت أمنيتك قبل أن يتوفاك الله ، كما عبرت عنها ، أن ترى نهضة جديدة للدين في السودان فإنك تهرف بما لا تعرف لأننا مازلنا نضرس بحصرمك !!!
أيها الشيخ إنّ الإعتكاف بأم دوم خارج الخرطوم لهندسة عجل السامري الذي جمعت له ذهب الإنقاذ المسروق من خزائن الوطن وسميته العجل الخالف لتستبدل به العجل التالف ، لن يعكف عليه الاّ أنت وأهل الفساد حتى تدرككم نار الثورة لتحرقه وتنسفه في ملتقى النيلين نسفاً ، وإنَّ لك موعداً لن تُخْلَفَه ويومها لن تنفعك حفنة قبضتها ولا عجلاً أخرجته لتنقذ به نفسك والهلكى !!!
Mahdi Zain