السبت، 6 يونيو 2015

أدوار مختلفة.. ترقية مفاهيم الإعلاميين لتعزيز حقوق الطفل


الخرطوم - زهرة عكاشة
نظمت جمعية (إعلاميون من أجل الأطفال) بالتعاون مع سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالخرطوم ورشة العمل التدريبية للإعلاميين، بعنوان ترقية مفاهيم الإعلاميين لتعزيز مفاهيم حقوق الطفل، استمرت ثلاثة أيام تحت رعاية المجلس القومي لرعاية الطفولة.
ومن المعروف أن للإعلام دوراً يلعبه في الرقابة وتعزيز حقوق الطفل، بحسب آمال محمود الأمين العام للمجلس القومي لرعاية الطفولة. وقالت: إن السودان مواجه بتحديات ومشاكل ومعوقات تقف حجر عثرة أمام قضايا الطفولة كالنزاعات والظروف الاقتصادية (الفقر) واتساع الريف، والتي تنعكس بصورة مباشرة على الأطفال. وطالبت آمال السفارة الأمريكية التي تحرص على حقوق الإنسان أن تعمل معهم في مناصرة قضايا الأطفال ورفع الحصار عن السودان من أجل الصغار.
حقوق الصغار
في الجلسة الأولى تحدث عاطف البحر عن حقوق الطفل في المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية والبروتوكولات الدولية، في جولة سريعة. أما د. ياسر سليم المدير التنفيذي لمعهد حقوق الطفل قدم شرحاً وافياً عن الاتفاقيات وما تعنيه وكيفية تطبيق القوانين، وتحدث بتفصيل عن اتفاقية حقوق الطفل بصفة خاصة والمبادئ الأساسية لهذه الاتفاقية. وأجرى مقارنة بين اتفاقية حقوق الطفل وميثاق الطفل الأفريقي والمواد المشتركة بين الاتفاقية والميثاق. وقال إن أهم إنجازات الميثاق الأفريقي ولم يظهر في الاتفاقية هو المادة التي تتحدث عن أطفال السجينات، ومادة الشكاوى والبلاغات. وأوضح أن السودان تحفظ في الميثاق الأفريقي على بعض المواد، مشيراً إلى الإشادة التي تلقاها السودان من لجنة حقوق الطفل التي أخرجت الملاحظات الختامية للسودان بقانون الطفل (2010)م، التي طبعها المجلس القومي لرعاية الطفولة.
آليات وطنية
فيما أشارت د. أميمة عبدالوهاب مسؤول ملف التشريعات والقوانين بالمجلس القومي لرعاية الطفولة إلى أن هناك عدة انظمة في هذا المجال نظام دولي ونظام إقليمي ونظام وطني، إلا أن هناك أدواراً لابد التشاور فيها محلياً. ونبهت إلى وجود محاكم للأطفال لديها آليات وطنية تفصل في قضاياها، فضلاً عن آليات أخرى للتظلم بوزارة العدل ومفوضية حقوق الإنسان والبرلمان وديوان المظالم والحسبة، أما التنظيم الدولي يضم آليتي المحكمة الجنائية وحقوق الإنسان. وقالت: لتعزيز قضايا الطفولة لابد من تعديل التشريعات التي يوجد ببعض موادها تعارض مع قانون (2010)، وتفعيل الخطوط الساخنة لتقديم الشكاوى، ونزع السلاح وإعادة الدمج. وأكدت ضرورة تبني تشريع قومي لمنع ختان الإناث وزواج الأطفال وعمالة الأطفال، والعناية الكافية بإنشاء محاكم خاصة للأطفال الجانحين، بالإضافة عدم توقيع عقوبة الإعدام على من هم أقل من 18 عاماً.
رؤية قانونية
تم استعراض ورقة حماية الطفل في القوانين والتشريعات السودانية من قبل المستشار مولانا عواطف عبد الكريم في الجلسة الأولى لليوم الثاني. وقالت إن هناك ثلاثة مستويات للقوانين (قومية، ولائية، محلية)، مؤكدة مواءمة هذه القوانين مع الدستور الانتقالي لعام (2005)م القومي في قانون الجنسية السودانية المادة (7)، وفي قانون النشء والشباب والرياضة المادة (12)، وفي وثيقة الحقوق المادة (27ـــ3) حقوق المواطنة، والمادة (36) التي تمنع عقوبة الإعدام، والمادة (32) والمادة (5) من النصوص المهمة في الدستور وكل هذه المواد فيها حماية لحقوق الطفل، والمادة (44) التي نصت على أن التعليم حق لكل مواطن دون تمييز على أساس الجنس أو اللون أو النوع أو الإعاقة، وفي مرحلة الأساس التعليم مجاني وإلزام على الدولة، واعتبرت مولانا عواطف علي أن قانون الطفل (2010)م أميز قوانين الطفل في كل الدول، وكانت هنالك إشادة لهذا القانون لتميزه على المستويين العالمي والإقليمي لاحتوائه على جميع حقوق الحماية، ويعد البروتوكول المكمل للاتفاقية حسم تعريف الطفل على حسب السن (18)عاماً، كما عرف الطفل الجندي والطفل العامل والطفل المشرد، ولفتت إلى أن قانون السجل المدني لا توجد فيه حماية للأطفال بشكل واضح، وكذلك قانون الإتجار بالبشر.
برامج الشرطة
وفي الجلسة الثانية، أكد الناطق الرسمي باسم الشرطة اللواء السر أحمد عمر أن الإعلام والشرطة هدفهم منع الجريمة واستقرار المجتمع للعبور به نحو الأمان. وقال: الشرطة تعمل وفق استراتيجية الدولة الإعلامية وتعمل هذه المنظومة وفق الخطة الإعلامية للدولة، لكنه يلعب دوراً كبيراً في حماية الطفل وتقديم البرامج التوعية لحمايته لتفادي وقوع الجريمة ضده، مشيراً إلى سبق الشرطة في إنشاء برامج منها (مجلة للطفل، وبرامج للأطفال في إذاعة ساهرون، تصميم رسالة موجهة للطفل والأسرة). وأرجع اللواء السر المهددات التي تهدد الطفل في السودان إلى الثقافية الخارجية التي يتعرض الأطفال لها وما تحدثه من استلاب فكري من خلال مشاهدة المواد الإعلامية التي تبث للأطفال من الدول الغربية، فضلاً عن المهددات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والقانونية، ولحماية الأطفال قال إن الشرطة تعمل على إدخال بعض مواد شرطة المرور قي المنهج الدراسي، إعطاء الأمهات العاملات في الشرطة إجازة أمومة للتواجد مع أبنائهم بنص القانون، بالإضافة إلى تطبيق قانون الطفل خاصة فيما يخص توقيع عقوبة الإعدام على المغتصب، وعدم نشر الصور والأسماء للأطفال ضحايا الاغتصاب. 
كما تحدثت مسؤول ملف تدابير الرعاية والحماية الخاصة بالمجلس القومي لرعاية الطفولة نجاة الأسد عن دور المجلس القومي لرعاية الطفولة في حماية الطفولة. 
نماذج دولية
في اليوم الثالت والختامي للورشة عرض محمود الدنعو رئيس قسم الشؤون الدولية بصحيفة (اليوم التالي) نماذج دولية وإقليمية عن دور الإعلام في مناصرة القوانين والتشريعات المتعلقة بالطفل في الجلسة الأولى، فيما استعرض الخبير الإعلامي فيصل محمد صالح نماذج من الصحافة المحلية في الجلسة الثانية. وفي ختام الورشة، عرض ميثاق الشرف الإعلامي (المقترح) وتمت مناقشته وكيفية الالتزام به، على أن يتم التوقيع علية في مقبل الأيام
اليوم التالي

الخرطوم" تقرر استئصال شجر "الدمس" لتسببه في قطوعات المياه


الخرطوم – (اليوم التالي)
قال عبدالرحمن الخضر، والي الخرطوم، إن حكومة الولاية بصدد إصدار قرار لاستئصال ومنع زراعة نبات الدمس في المناطق السكنية، لتسببه في قطوعات المياه خلال العامين الماضيين، على أن يسمح به في المناطق الزراعية. وعقد الوالي، أمس (الخميس)، اجتماعاً مع محلية الخرطوم بحث خلاله الأوضاع المتعلقة بالخريف والمياه والنظافة، بحضور وزير البنى التحتية والمواصلات أحمد قاسم محمود، ومعتمد الخرطوم عمر نمر، والأجهزة المعنية بالخدمات. وبينما أكدت التقارير أن مشاكل وأعطال المياه التي حدثت مؤخراً بمناطق الجريف والخرطوم كانت بسبب إغلاق الشبكات بوساطة شجر الدمس؛ دعا الوالي الخضر كل المحليات لوضع ترتيباتها لتنفيذ القرار، مشيراً إلى أن التجربة أثبتت خلال العامين الماضيين أن الدمس يتسبب في قطوعات المياه. واتخذ الاجتماع ترتيبات تتصل بتجويد أعمال النظافة ومواصلة الجهود التي بدأت بخفض نسبة الإصابة بالملاريا، بجانب موجهات وترتيبات أخرى على رأسها إحكام التنسيق بين الأجهزة المعنية كافة لإيجاد معالجات علمية وعاجلة لأي إشكالات تحدث جراء هذه القضايا

الصادق المهدي: نراعي الحساسيات بين مصر والسودان وسايقين يمين

حاورته بالقاهرة: صباح موسى
** منذ خروجه من البلاد قبل قرابة العام والصادق المهدي بعيد بكيانه عن الوطن، ولكنه موجود في كل تفاصيله وتحولاته، فالرجل لا يمر أي حدث إلا وجدناه حاضرا ومعلقا عليه متفاعلا معه، لديه رؤية في حل الأزمات قد يختلف معها كثيرون وقد يتفق آخرون، إلا أنه يظل رقما مهما على الساحة السياسية السودانية، لا يمكن تجاوزه بحجمه وتاريخه وثقل حزبه.. اتخذ الإمام من القاهرة مقرا لإقامته، وربما لم يساعده هذا المقر في انطلاقه إعلامية كبيرة للدفاع والتبشير بأفكاره، ولكنه أصر على الوجود بمصر، قد يكون لقربها الجغرافي والوجداني من الوطن، أو لإيمانه بأنها الأكثر تأثيرا على السودان... ذهبنا للإمام الذي يتخذ من منطقة مدينة نصر مقرا له بالقاهرة كي نقف معه على مجمل التطورات الداخلية والإقليمية والدولية، ووجدناه وسط بعض أبنائه وأحفاده، تحدث إلينا وكأننا معه في بيته بالخرطوم وكان مرتاحا متصالحا مع الأمر، وعرج بنا في دهاليز أدق التفاصيل التي تسيطر على المشهد بانسيابيته المعهودة وبآرائه الجديدة دائما.. بدا هادئا قويا مبتسما، ولكننا شعرنا أنه يرغب في العودة السريعه إلى أرض الوطن، فقد تكون الانطلاقة الداخلية وحتى من داخل قضبان الوطن أفيد بكثير من الحركة داخل جدران الغربة... وفي ما يلي نص جلستنا مع الإمام الصادق المهدي.
* هناك كثيرون في مصر رفضوا رسالتك إلى السيسي ووصفوها بأنها بدون عنوان؟
- أنا لم أكتب هذه الرسالة إلا من زاوية الحرص على الاستقرار والتنمية والوحدة الوطنية في مصر، وأعلم أن هناك من سيرفضها في السودان وفي مصر، ولكن هناك ناس يقبلونها، وهذا الموضوع بيد السيسي يسمع مني ومن الآخرين ويقرر في ذلك.
* (مقاطعة).. هناك من يقول إن هذا العفو ليس بيد السيسي وإنما بيد الشعب المصري؟
- هذا كلام تهريجي... فالشعب المصري عنده دستور، وهو رئيس الجمهورية، والحقيقي أن هناك مصريين يريدون معاقبة الإخوان وآخرين لا يريدون، ولكنني أفكر بطريقة استراتيجية، ومستقبل مصر وللمخاطر الموجودة، لكن في النهاية لا يمكن أن نقول إن هذه المسألة في يد الشعب المصري، فهو غير موجود بالشارع، عنده دستور وعنده رئيس وهذا الرئيس هو الذي يقرر. كلام قلته وأدافع عنه، وما زلت أقول إننا ضحايا حركات إسلامية، فالمرجعية الإخوانية بادرناها بحب شديد، ولكنها لم تقابلنا بمودة، وعملت كل ما يمكن عمله للإساءة لنا، وأفتكر أن هذا الخطاب هناك ناس كثيرون ضده، وهناك أيضا كثيرون معه وأترك للسيسي القرار.
* قرابة العام وأنت مستقر في القاهرة... هل شعرت بمضايقات في مصر بعد تقارب واضح بين الحكومتين؟
- لا.. لا توجد مضايقات.. أنا التقيت وزير الخارجية المصري، هناك انطباع لدى الحركات المسلحة السودانية بأن مصر ضدهم، وأنهم بذلك لا يثقون في مصر ولا علاقة لهم بمصر، في باريس ناقشنا هذا الموضوع، وأقنعتهم بأن نضع في إعلان باريس نصا بأن تلعب مصر دورا في الشأن السوداني، العالم كله لديه دور في السودان، فكل العالم لديه مبعوث خاص في السودان، وقلت لوزير الخارجية هذا الكلام، وأعتقد أن مصر متحسسة من هذا الدور لأن هناك حساسية في هذا الأمر، قلت لهم: هل علاقتكم بالحكومة فقط أم بالشعب السوداني أيضا؟، مصر عندها مسؤولية تجاه الشعب السوداني، ولا يمكن أن تكون بعيدة من هذا، ولذلك كان عشمنا أن تلعب دورا، وهذا ليس معناه أن تكون مع المعارضة، ولكن أيضا تكتفي بما تسمع من الحكومة، وليس من مصلحة مصر البعد عن السودان.
* وماذا كان رد فعل الإدارة المصرية على ذلك؟
- قالوا سيدرسون الموضوع، نحن سلمناهم كلاما مكتوبا، والموضوع متأرجح، فهناك نوع من التحاشي بين الحكومتين، وعندما صدرت أحكام الإعدام، أخذت الحركة الإسلامية موقفا واضحا، والإخوان داخل الحكومة السودانية أخذوا موقفا واضحا وكذلك مساجدهم، الموقف الحقيقي أنه حاصل تدخل ورفض من السودان، والحكومة تحاول أن تراوغ في ذلك. وأرى أنه لابد أن تبنى الأمور على حقائق، والحقيقة أن النظام في السودان مرجعيته إخوانية.
* هل سياسة التحاشي المصرية التي تحدثت عنها تحجم نشاطك في القاهرة؟
- نعم... نعم... ونحن نراعي هذه الحساسيات، ولذلك نتحرك و(نسوق يمين)، على أي حال نشاطنا ليس ضروريا أن يكون داخل مصر فلدينا العالم كله، ولذلك نقدر نفهم هذه الحساسية، ونرى أن مصر يجب أن تعي الواقع الحقيقي.
* دائما تتحدث عن تقاطعات سودانية عربية وقلت إن ليبيا ستكون ساحة للصراع بين مصر والسودان والأيام أثبتت عدم صحة هذا الحديث؟
- أعتقد أنه من المؤكد أن النظام السوداني له علاقة بفجر ليبيا ويمكن أن يقنعوا فجر ليبيا بالمصالحة، لكن المؤتمر الذي تم بالقاهرة صنف الإخوان المسلمين بأنهم حركة إرهابية، وهذا لا يمكن أن يسير فيه النظام السوداني، فهو الآن يسير بطريقة متناقضة، وهذه المواقف لابد أن تصل لنتيجة، ولا يمكن أن تظل هكذا متناقضة، ونعتقد الآن أن مصر تأخذ موقفا محددا مع طبرق، مع البرلمان المنتخب وحفتر، ضد طرابلس وسرت، والسودان يراوغ، ولا يمكن استمرار ذلك، والمعارضة السودانية مع طبرق، ولكن النظام يتكلم لغة تختلف عما يقوم به.
* وماذا تقول في موقف الحكومة السودانية من عاصفة الحزم؟
- بالنسبة لموضوع السعودية، مافي شك أن النظام لديه علاقات وثيقة جدا بإيران، والآن غير موقفه، وفي رأيي أن موقفه غير مبدئي، رأيي أن عاصفة الحزم لن تحسم القضية في اليمن، ولذلك اقترحنا أنه لا يمكن لهذه الحرب إلا أن تأتي بخطر على السعودية، والخطر الأكبر على السعودية من العراق وليس اليمن، ومن داعش، وذلك يشغل السعودية عن أولوياتها الأمنية، على أي حال وحتى لو كانت أولوياتها في اليمن فالحرب لن تحسم القضية، هناك أكثر من شهرين، وعاصفة الحزم لم تحقق أهدافها المرجوة، تحالف صالح الحوثي مازال في الأرض، ولذلك اقترحنا الحل، فالمؤتمر الذي عقد في الرياض بالعناصر التي تؤيد الهادي منصور، وفي محاولة للأمم المتحدة، وأنا في رأيي الأفضل أن تقوم وساطة من خمس دول عمان والجزائر ولبنان وماليزيا.
* (مقاطعة).. لماذا هذه الدول تحديدا؟
- لأنها أقرب للحياد وللتعامل مع التنوع، لا يوجد حل في اليمن ما لم يحقق وحدة وطنية، ومعادلة سنية شيعية، وضروري جدا توقيع اتفاقية أمنية بالمنطقة تدخل السعودية وإيران وتركيا أطرافا فيها، إذا لم يحدث ذلك فستستمر الحروب بالوكالة، نعم الحوثيون أخطأوا في أنهم حاولوا أن يستولوا على الحكم بالقوة، وقامت ضدهم عاصفة الحزم، ولكنها لن تحسم هذا الموضوع، واقترحنا أن يتولى هذا الموضوع ليس مؤتمر الرياض ولا مؤتمر الأمم المتحدة، لكن الدول الخمس، حتى لو كلفت من الأمم المتحدة ومجلس الأمن بأن تقوم بهذه المهمة، لأن الأمر يتعلق بالأمة العربية والإسلامية، ويمكن أن يكونوا ممثلين لها.
* لم تقل رأيك في موقف الحكومة السودانية في عاصفة الحزم؟
- في رأيي موقف ليس مبدئيا، وليس مثمرا، ولو سئلت أقول للسعودية نحن في السودان لن نسمح باستخدام شاطئ البحر الأحمر ضد السعودية، وفي السودان عندنا علاقات مع الحوثيين وعلي عبد الله صالح، متى نكون مستعدين للتصالح مستعدين نتعاون في إقناعهم، كان ذلك أكرم للسودان، وأكثر تماشيا مع الواقع، لكن حركة إخوان السودان كفرت الحوثيين، وفي رأيي تكفير الحوثيين خطأ، فهم مؤمنون ومسلمون، صحيح أنهم أخطأوا، ولكن هذا ليس معناه أنهم كفار، وكان من الممكن أن يلعب السودان دورا في أي عملية صلح في المستقبل.
* عفوا سيدي الإمام ولكن أي موقف آخر للسودان كان سيفسر بأنه خارج الإجماع العربي ولصالح إيران؟
- على أي حال في رأيي ليس مفيدا، وكان يمكن أن يكون أفيد للمملكة أن يقول السودان نحن ضد التحرك الحوثي ومع لجم الحوثيون في اليمن ولكن ليس عندنا إمكانية للمشاركة في حرب (الفينا يكفينا)، وإننا مستعدون للمساعدة في أي حل سياسي، النظام أخذ موقفا أظهر أنه متهافت ولن يغير شيئا لأن المطلوب الآن الموقف السياسي وليس العسكري، فصعب مساعدة المملكة بوسائل أخرى.
* ذهبت للسفارة السودانية مؤخرا لعمل الباسبورت والبعض فهم من ذلك أنك تمهد للرجوع للسودان ألم يكن ممكنا ذهاب شخص آخر ينوب عنك في ذلك؟
- لا ليس ممكنا لأن الباسبورت الإلكتروني يستوجب حضوري للسفارة، وليست هناك أي إشارات من ذهابي للسفارة، صحيح في السفارة أكرمونا وعاملونا بطريقة محترمة، بالمناسبة حسب القانون السوداني أنا عندي حق كرئيس وزراء سابق في معاملة بروتوكولية معينة، ومعاملة خاصة، من جواز دبلوماسي ويستقبلونني، ويعالجون أسرتي، هناك أشياء كثيرة جدا أنا غير مستمتع بها في الواقع، ولذلك عندما أسير في شيء مثل ذلك طبيعي استقبالي بحفاوة. 
* ما هي توقعاتك للحكومة الجديدة؟
- لا يوجد شيء اسمه (حكومة جديدة)... هي نفس الحكومة وارد أن يغيروا الوجوه لكن بنفس السياسات ونفس الحكومة، ولم تكن هناك أي زيادة في السند الشعبي، في رأيي أنها استنساخ للأزمة الحالية في المستقبل.
عبد الرحمن الصادق في الحكومة الجديدة؟
- لا أدري... عبد الرحمن يقرر نفسه وحده، ولكننا لا صلة لنا بعبد الرحمن ممثلا في الحكومة، ولا أي إنسان يدخلها.. بالعكس قررنا أن أي شخص من حزب الأمه مشترك في هذه الحكومة نمنع أي نوع من العلاقة معه.
* هل بعدك عن الحزب أثر عليه؟
- أبدا... حزب الأمة لديه أجهزة تعمل وكل الناس الذين خالفونا لم يخالفوا شخصي ولكن خالفوا الأجهزة، الأجهزة شغالة، ولذلك من يقول لي تعال نناقش ونبحث، أقول إن هناك أجهزة في الحزب تأخذ القرارات.
* ولكن الخلافات مازالت حادة داخل الأمة؟
- هناك ناس خرجوا لأنهم خالفوا المؤسسات وربما يعودون.
* وبالنسبة لدارفور والحرب القبلية في شرقها؟
- كل ما يمكن عمله عملناه.
* ماذا فعلتم؟
- عملنا نداءات واتصالات بأفراد لكن الحاصل في السودان أن هناك 14 جبهة قتال، للأسف الحكومة بسياستها نشرت السلاح بصورة كبيرة وهناك كثيرون عندهم مسؤولية في الحكومة ولهم صلة بأهلهم، وللأسف يغذون الصلة بأهلهم حتى يكونوا لهم سندا بوظائفهم، ونتهم الحكومة بأنها السبب لإي إشعال النيران في دارفور.
* كلمة أخيرة؟
- نعتقد أن المنطقة كلها الآن في حالة ما يمكن أن نسميها حرب أهلية فعلية أو قادمة في كل المنطقة، وللأسف تواجه محنة كبيرة لأن الفتن القبلية والإثنية استيقظت بصورة كبيرة جدا، لابد من إطفاء هذه النيران، لأنها إذا استمرت مشتعلة فستشتعل المنطقة كلها، والسودان مع أن الأوضاع فيه مليئة بالمواجهات الحالية، أقرب إلى أن يجد مخرجا فيه عملية سلام شامل، وتحول ديمقراطي عادل، وفي رأيي مع كل المساوئ الموجودة في الشأن السوداني إلا أن السودان قادر على عمل شيء وأن يلعب دورا مع بقية دول المنطقة في إخماد هذه النيران، أنا مؤمن بهذا، وأعتقد أن الشعب السوداني لن يخيب أملنا في تحقيق هذه الآمال
اليوم التالي

محمد الفيتوري مأساة شاعر وأحزان وطن ..الأيام والساعات الأخيرة .. بقلم: طلحة جبريل



الآن وقد تراجع المشهد الحزين الى بعض ظلال الذاكرة. طرح السؤال نفسه كالعادة: إذا لم أكتب أنا؟ 
فمن ؟
 وإذا لم يكن الآن؟
 فمتى.
لذلك بدا لي أن أتحدث، وأقول، وأروي، بل أوضح وأشرح وأصحح، خاصة أن القول تكاثر، والحديث خرج عن مجراه  وموضوعه، والوقائع لم تسرد كما هي بل ابتسرت ، وفي بعض الأحيان جرى تحويرها، ثم أكثر من ذلك تزويرها. 
ومع من؟
مع شاعر عظيم سيبقى رمزاً لوطن.  
وطن عاش في دواخله. غادر دنيا الناس والوطن بين جوانحه ، ثم أن هذا الوطن ظل معه.. بأفراحه وعذاباته  .
***
في ظهيرة السبت الخامس والعشرين من أبريل، شاءت الأقدار أن أكون في غرفة باردة سجي فيها جثمان الشاعر محمد الفيتوري.
كنا أربعة أشخاص في تلك الغرفة الباردة ، حيث رائحة الموت تملأ زوايا وأركان المكان.
كان هناك شقيقي طارق، وموظف من مستشفى الشيخ زايد في الرباط، ورجل كلفته جهة حكومية مغربية بغسل الجثمان.
سحب موظف المستشفى الجثمان من الثلاجة، ووضعه فوق دكة أسمنتية في الغرفة التي كنا نقف فيها ثلاثتنا.
راح الرجل الذي سيغسل الجثمان يردد آياتٍ من الذكر الحكيم. 
سألت طارق …هل سبق أن غسلت جسداً؟
رد قائلاً : لا.
قلت له، عليك الآن القيام بالمهمة .
قلت في نفسي "على الأقل تكون هناك أيدي سودانية تغسل  جسد هذا الشاعر قبل أن يوارى الثرى ".  
إنهمك الرجل وطارق في مهمتهما النبيلة.
رحت أتأمل الجسد النحيل الذي هده المرض، وتراكمت فوقه السنون.
حدقت في الوجه كثيراً. 
رسم الفيتوري وهو يغادر ابتسامة عريضة. إذ كان كما روت لي زوجته رجات أرماز، بقى ضاحكاً مبتسماً قبل دقائق من زفرات الموت.
لاحظت ابتسامته.
عندها قفزت دمعة الى المآقي. رحت أتأمل كيف أصبح الجسد بلا روح .
بعد أن انتهت عملية غسل الجسد، شرع الرجل يلفه بالكفن و شقيقي طارق يساعده.
دخل الغرفة عمر زكريا رئيس الجالية السودانية في المغرب.
 وشرع في تلاوة الآذان في  أذن الشاعر كما تقتضي التقاليد الإسلامية.
كان رأيي وقتها أن تدخل زوجته "رجات أرماز" وابنته "أشرقت" ثم نزهة شقيقة رجات التي اعتنت بها كثيراً في سنوات مرضه .. لتوديعه بالطريقة التي يرون.
طبعت زوجته قبلة على جبينه باكية حزينة واقتصر الأمر على بضعة ثواني، ثم تركت الغرفة ، وهكذا فعلت شقيقتها نزهة.
عندما جاء دور ابنته "أشرقت" وهي بعد شابة في الثامنة عشرة من عمرها لم تستطع تحمل اللحظة، عانقتني وهي تبكي ثم خرجت مسرعة.
وقتها تحولت الغرفة الى اعصار إنساني ، مشاعر وعواطف أفلتت من كل قيد، اختلط فيها الحب والحزن.
وقفت أمام الجثمان لبرهة وأنا أتأمل تلك الابتسامة التي رسمها الفيتوري وهو يغادر.
قفزت دمعة أخرى إلى المآقي.
بدا لي  "الموت" شيئاً غامضاً ومثيراً.
بعدها نقل الجثمان الى سيارة إسعاف، بإتجاه "مقابر الشهداء" في الرباط قرب شاطئ المحيط الأطلسي.
كان ذلك هو المشهد الأخير.
***
قبل أيام من رحيل الفيتوري ، أتصلت بي زوجته رجات وقالت لي " الأستاذ يسأل عنك، أظن أنه يرغب في وداعك".
أفزعتني الفكرة، وزلزلت كياني.
قالت لي إنه يتألم كثيراً ولا يستطيع أن يشرح ما يحس به.
 زادت " لم يعد قادراً على الأكل، ولم يعد يستطيع أن يقول كلمة واحدة، إذ أن لسانه لا يتحرك".
قبل ذلك وفي فبراير الماضي، كنت إقترحت نقله الى المستشفى خاصة أن الأرق بات يلازمه. 
كانت المشكلة هي كيفية توفير تكلفة المستشفى، إذ لم يكن له أي نوع من أنواع التأمين أو التغطية الصحية، إضافة الى إنعدام الموارد باستثناء ما كان يجود به بعض السودانيين في مناطق الشتات من تحويلات عبر بعض الحملات التي دأب شقيقي طارق إطلاقها عن طريق الانترنيت.
كان أن جاء الفرج من تحركات صامته بادر بها الأخ خالد عويس.
كان خالد عويس "سودانياً" .
‫ هكذا عرفته من أيام واشنطن، ظل إنساناً نبيلاً شهماً. ‬
تحرك في جميع الإتجاهات وكانت رسائله لا تزيد عن جملة واحدة  "أتمنى أن أزوركم لأطبع قبلة على جبين محمد الفيتوري".
اتصلت سفارة الإمارات بزوجته رجات وأبلغوها أن "فاعل خير" على استعداد لتغطية جميع تكاليف علاج الشاعر الفيتوري.
طلبت منهم أن يتصلوا بي. فعلوا ذلك.
 كان اقتراحي أن ينقل الى "مستشفى الشيخ زايد" في الرباط، وهو مستشفى خاص خدماته متطورة .
في  25 مارس نقل الشاعر الفيتوري الى المستشفى وبقي هناك يوماً كاملاً أجريت له جميع الفحوصات، وكان رأي الأطباء أن يعود الى المنزل مع تناول بعض الأدوية.
هكذا كان.
يوم الجمعة 24 أبريل ، وأنا ألقي درساً على طلابي في الدار البيضاء في حدود التاسعة صباحاً تلقيت مكالة هاتفية من "رجات" . أبلغتي أن حالة "الأستاذ" كما كانت تناديه، ساءت كثيراً . 
كان إقتراحي أن ينقل فوراً الى مستشفى الشيخ زايد وسأتكفل بالترتيبات .
طلبت منها أن تتصل بسفارة الإمارات في الرباط لإبلاغهم ، وجاء الرد إيجابياً، مفاده أي تكلفة سيتحملها "فاعل الخير".
في الحادية عشرة وصل الشاعر الفيتوري  الى "مستشفى الشيخ زايد".
كان يردد الشهادتين ويقول مخاطباً زوجته وشقيقتها  بعبارة واحدة " أتعبتكم معي أستميحكم عذراً" .
كنت في تواصل هاتفي مع "رجات" حتى عدت الى الرباط في حدود الثانية بعد الظهر، أرتأيت المرور  على الصحيفة التي أتولى رئاسة تحريرها، ثم أنتقل بعدها الى "مستشفى الشيخ زايد"، وهي على بعد دقائق.
في الثالثة تلقيت من "رجات" إتصالاً هاتفياً وأنا بعد في مقر الصحيفة،  تقول فيه قبل قليل طلب منا الأطباء مغادرة غرفته ، ووصفت حالته قائلة " كان يبحلق في وجوهنا ويقبل أيادينا وهو يردد "سامحوني"، ثم وضع إبتسامة عريضة على وجهه.
قلت لها خلال دقائق سأكون معكم.
في الثالثة والربع خرج الأطباء من غرفته ، وأبلغت زوجته أن محمد الفيتوري غادر الحياة.
أتصلت بي وهي تنتحب وتقول "أخي طلحة صديقك رحل".
بقيت فترة لوحدي في حالة وجوم .
 تزاحمت الصور والمشاهد ولم تعد الدموع في المآقي بل سالت كثيراً .
كتبت تدوينة قصيرة ، في صفحتي على "فيسبوك".
إنتقلت الى المستشفي وجدت "رجات" عانقتها وبكينا سوياً.
كان هاجسي أن تغادر هي وشقيتها المستشفى.
توافد سودانيون على المستشفى، واسينا بعضنا بعضاً.
ذهبت مع رجات الى منزلهم في "ضاحية سيدي العابد" جنوب الرباط‫. ‬
كانت هناك إبنتها "أشرقت" عانقتها. بكينا جميعاً.
قلت لهم  سأتولى الآن جميع تفاصيل تشييع الجثمان.
كان رأيي أن يدفن محمد الفتوري حيث فاضت روحه لأن وصيته كانت واضحة "أرض الله واسعه ..أدفن حيث أموت". 
أتفقت مع شقيقي طارق على اللقاء في العاشرة من صباح اليوم التالي السبت 25 ابريل في  المستشفى لترتيب عملية التشييع.
في اليوم التالي كنا جميعاً في الموعد وطلبت من زوجته البقاء في المنزل حتى نفرغ من التشييع والدفن.
 توافد عدد من أبناء الجالية السودانية ، وهي جالية صغيرة  جداً مقارنة بالجاليات السودانية في الشتات.
أجريت إتصالات مع السلطات المغربية، وكان قرارهم أن المغرب سيتكفل بجميع ترتيبات الجنازة.
في زحمة الإتصالات تلقيت إتصالاً هاتفيا من "السفير" سليمان عبد التواب الزين يقول فيها إن رئاسة الجمهورية قررت نقل الجثمان الى الخرطوم  ودفنه هناك. 
اعتبر الأمر "مكرمة وتقدير كبير للشاعر الفيتوري".  ومضى يقول " الفيتوري شخصية عامة وأصبح الآن ملكاً لبلاده".
لم أعقب على هذا الهراء. 
قلت في نفسي "أهملوه حياً ويريدون أن يستغلوه الآن ميتاً..هم هكذا "هؤلاء الناس".
طلب مني "السفير" المساعدة  في تسهيل أمر نقل الجثمان الى السودان. 
أضاف جملة اندهشت لها  " لا شك هذا تقدير كبير من رئاسة الجمهورية وتأكيد لإنتمائه الى السودان".
بدت لي الإشارة الأخيرة مؤذية تماماً.
إذ من الذي يقرر الإنتماء أصلاً؟.
أجبت على المكالة الهاتفية باقتضاب، وكنت أعرف أن العواصف بدأت هبوبها.
كان رأيي إنني مع ما تقرره أسرته، وخاصة زوجته.
أتصلت  هاتفياً بزوجته ونقلت لها ما قاله "السفير"، وأبلغتها وجهة نظري، بأن يدفن في المغرب ، إذ لا يعقل أن نخالف وصية الراحل.
 ثم أن "هؤلاء الناس" لم يهتموا بالرجل حياً على الرغم من الكتابات والمناشدات، والآن يريدون وضع أنفسهم في مقدمة المشهد.
 وافقتني الرأي ، وقالت غاضبة "الأستاذ يدفن حيث توفي، ولو أدى الأمر الى أن أحضر الى المستشفى  وأنقل جثمانه الى منزله".
ثم قررت أن تحضر بنفسها الى المستشفى.
وافقتها الرأي وقلت لها أنا معك لأن الوصية واضحة.
ثم بدأ مشهد من أغرب المشاهد .
مشهد لا علاقة له بسماحة السودانيين وأخلاقهم.
جاء "السفير"  ومعه المستشار حمزة عثمان عمر.
أبلغني "السفير" شفوياً أن قرار رئاسة الجمهورية أن ينقل الجثمان الى الخرطوم ، مشيراً الى أن طائرة خاصة ستصل الرباط من أجل هذا الغرض، وقال إنه يحمل رسالة موجهة للمستشفى بعدم تسليم الجثمان.
كان جوابي لهذا "السفير" حرفياً كالتالي ، وكنت أعي وأعرف ماذا أقول " أنا لا تهمني رئاسة الجمهورية أو رئيس الجمهورية ، ما يهمني تنفيذ وصية الراحل".
أجاب بنزق" إذا لا تهمك رئاسة الجمهورية أنا تهمني ".
أجبته بوضوح " هذا شأنك".
وكان أن تعقد الموقف وتحولت ردهات "مستشفى الشيخ زايد" في الرباط، إلى مناقشات وجدال بدا بالنسبة لي غريباً.
تمسكت برأيي وكان ذلك رأي زوجته.
كانوا يرغبون في تسليم رسالة الى المستشفى بالإبقاء على الجثمان حتى تصل الطائرة، كان جواب زوجته حاسماً ذلك لن يتم إلا على جثتي.
وكان موقفي مماثلاً، قلت لهم ذلك لن يحدث مطلقاً ، وعلى جثتي أيضاً.
وقعت إدارة المستشفى في حيرة.
كان اكثر ما اثار حفيظة زوجته ان زوجة "السفير" جاءت المستشفى وقالت لها بالحرف "انت مهمتك انتهت وكثر خيرك".

هذه السيدة التي كانت تسهر الليالي الطوال لمدة عشر سنوات، يقال لها "مهمتك إنتهت".
أين هي المروءة.

اشتد غضب زوجة الراحل و بعد ان سمعت تلك العبارة بادرت الى تسليم جواز سفر الفيتوري الى (السفير) وقالت لهم "ليس لديكم شئ إلا هذا الجواز إذا تريدونه يمكنكم أن تأخذوه".
جاء عندي المستشار حمزة واقترح أن أساعد على حل ودي، كان رأيي أن الدفن يتم في المغرب، هذا من حيث المبدأ،  بعدها يمكنني تهدئة الأمور ، ثم إقترحت  أن تبلغ زوجة الفيتوري " السفير" بكل هدوء هذا الموقف تلافياً لأي تصعيد.
وهو ماحدث بالفعل.
بعدها أبلغني المستشار حمزة عثمان عمر أنهم في "الخرطوم" وافقوا على دفن الجثمان في المغرب.
كان رأيي إن هذا هو الحل، وأن تتم الأمور بهدوء لأن أي إقتراح آخر لا معنى له، ولا يمكن أن يحدث.
وردت في حديث "السفير" عبارة مفادها أن دفن الجثمان في الخرطوم رأي أغلبية أسرته. قلت للمستشار مع الإحترام الواجب لأسرته، لكن عليكم أن تعلموا أن خمسة من أبناء الفيتوري مع دفنه حيث توفى، وهم أبناؤه الأربعة من زوجته المصرية الفلسطينية الأصل (من غزة) حسام وخضر وعزة ونانا إضافة الى إبنته "أشرقت".
تزوج الراحل ثلاث مرات، كانت الأولى فلسطينية ورزق منها بأربعة أبناء (ولدان وبنتان)، ثم السودانية آسيا عبدالماجد ورزق منها إبنته سولارا وإبنه تاج الدين، ثم المغربية رجات ورزق منها بإبنته أشرقت.
نحن في المستشفى، كلفت السفارة شاباً سودانياً يتعامل معها لإحضار بعض الوثائق الإدارية، لكن عندما جاء "السفير" بإقتراحه العجيب بعدم نقل الجثمان من المستشفى حتى وصول الطائرة الخاصة، شعرت أن من كلف  يريد التلاعب بموضوع الوثائق بتوجيه من "السفير" لعرقلة خروج الجثمان  من المستشفى، بادرت بالإتصال مع السلطات المغربية و تجاوزنا عقبة الوثائق الادارية.
كنا في سباق مع الزمن لتحضير الجثمان  حتى يوارى الثرى بعد صلاة الظهر. 
تلقيت من محمد الأمين الصبيحي وزير الثقافة المغربي عن طريق مكتبه ما يفيد أن جميع الإجراءات إكتملت لتجري مراسيم الدفن بما يليق بالراحل، وقالوا أنهم خصصوا له قبراً في "مقبرة الشهداء" بالرباط، الى جانب شخصيات بارزة منهم مسؤولون كبار في الدولة المغربية ومثقفون وصحافيون وكتاب مغاربة.
اتصل بي عدد من مراسلي القنوات الفضائية  من أجل نقل عملية الدفن.
في المستشفى، وقبل أن نتوجه نحو المقابر أبلغني عمر زكريا  إن أفراد الجالية  سيتكلفون بنفقات العزاء ووجبة العشاء التي تقدم للمعزيين كما هي التقاليد المغربية، وأشار الى أن "السفير" والمستشار سيساهمان في التبرعات لتغطية التكلفة،  لم أكن في الواقع في حالة نفسية  تسمح لي بمناقشة هذه التفاصيل، قلت له كل ما تقرره الجالية موافق عليه، وأبلغته أن شقيقي طارق سيسدد أي مبلغ يجري الإتفاق عليه. 
لم أعد أتابع تفاصيل هذا الموضوع ، لكن طارق كان على إتصال مع عمر زكريا، خاصة أن صهر طارق هو الذي سيتكلف بخيمة العزاء وكل ما يقدم في اليوم الأول. 
أبلغت أسرة الراحل وأعضاء الجالية إنني لن أحضر العشاء، إذ لا أجد معنى أن أشارك في "وليمة" ، على الرغم من أنه تقليد مغربي، في ليلة رحيل الفيتوري. 
نفسياً لم أكن مستعداً لهذا الأمر.
بعد ذلك علمت ونحن ما زلنا في المقابر أن "السفير" تجادل مع عمر زكريا حول تكلفة صيوان العزاء،  وقال إنها مرتفعة، في الوقت نفسه أرسل الى الخرطوم لتنشر وسائل الإعلام ما يفيد أن السفارة هي التي تكلفت بخيمة العزاء، ولعل من الأمور التي لا يعرفها إلا قلة ، أن موقعاً موالياً للنظام رفض نشر هذه المعلومة حيث تشكك القائمون على أمر الموقع من صحة ما يقوله "السفير" . 
كان الرجل يختلق.
كنت قد سمعت هذه التفاصيل بعد العزاء، وأبلغتي  زوجة الراحل أن "السفير" أتصل بها ليبلغها بحجم مساهمته لتغطية تكلفة صيوان العزاء مشيراً تحديداً الى مساهمتي أنا وشقيقي طارق. وقتها  تذكرت الجملة التي كتبها الكاتب:
من أين جاء هؤلاء الناس؟ بل من هؤلاء الناس؟.
***
كان من المقرر أن القي كلمة رثاء قرب القبر بعد عملية الدفن. لكن بادر "السفير" في المقابر الى تناول الكلمة وراح يرص جملاً إنشائية.
هذا "السفير" لم يلتق الراحل قط ولم يعرفه ، بل زاره فقط خلال فترة كان قد فقد خلالها محمد الفيتوري ذاكرته بالكامل، ولم يعد يعرف إلا أربعة أشخاص من حوله " زوجته وشقيقتها نزهة وإبنتها أشرقت، والداعي لكم بالخير" .
قررت ألا أتحدث في المقابر ، حتى لا يشعر من حضروا التشييع ونحن بعد حول قبر الراحل، مختلفون في أمور يفترض ألا تكون محل خلاف.
وبسبب العلاقات المهنية طلب مني الزملاء في الفضائيات الذين كانوا في المقبرة الحديث عن الراحل . قلت ما أسعفتني به العبارة.
بعد المقبرة توجهت الى حيث أسرته في منزلهم في ضاحية "سيدي العابد".
بقيت هناك ساعات، ثم أخبرت زوجته إنني لن أحضر العشاء لأسباب مبدئية لا علاقة لها بالتقاليد.
***
كنت   التقيت الفيتوري عام 2003 قبل إنتقالي الى أميركا نحو الضفة الأخرى من الأطلسي  في رحلة لم تكن مقررة أو مقدرة.
كان رأيه ألا أنقطع عن المنطقة.
ودعته بحرارة ، وكان ذلك في بهو فندق هليتون بالرباط. 
ضحك ضحكتها إياها وقال بتحبب " يا ديناصور أنت الآن ذاهب لتكتشف عالماً آخر ولا أدري إذا كنا سنلتقي". 
كنت أجد متعة عندما يخاطبني وهو في حالة رائقة " يا أمبراطور" وهو ساخراً " يا ديناصور". ثم انقطع التواصل إذ لم يكن يكتب رسائل ولا يستعمل البريد الالكتروني.
عندما عدت الى المغرب من اميركا، سألت كثيراً عن الفيتوري ،كانت المعلومات التي حصلت عليها، تفيد بانه مريض ويوجد في ليبيا. لم يكن سهلاً وقتها الحصول على المزيد من "جماهيرية العقيد " لذلك كنت أنتظر زيارة ليبيا لأبحث عن الرجل وأسرته.
 رحت أجري اتصالات بلا إنقطاع مع بعض من تعرفت عليهم من رجال "العهد الجديد " في ليبيا إلى أن عثرت على خيط.
هذا الخيط هو رقم هاتف زوجته "رجات أرماز" وبيننا معرفة شخصية منذ زواجهما قبل سنوات طويلة.
أجريت إتصالاً.
ثم كانت هناك مفاجأة.
بدت زوجته سعيدة فرحة بالتواصل. قالت لي إن الفيتوري موجود في الرباط منذ عام 2005، وانه لم يغادر داره منذ ذلك الوقت. وعلى الرغم من أنه مريض طريح الفراش، لكنني ألححت في الحديث معه، جاءني صوته ضعيفاً متعباً منهكاً، ضحكنا على خبر وفاته وقال جملة واحدة "الشعراء لا يموتون ".
قلت له أنا قادم الآن.
أبلغتني زوجته أنه متعب وتناول الدواء للتو، وربما لن يكون مستيقظاً ، لذا من الأفضل تأجيل الزيارة حتى اليوم التالي.
 اتفقنا أن ازوره في وقت ملائم، وأن يكون ذلك في السابعة مساء.
المسافة من الرباط الى " سيدي العابد " تستغرق قرابة نصف ساعة بالسيارة، وبما أنني لا أعرف الدار على وجه الدقة، تفضلت زوجته وجاءت الى محطة وقود لا تبعد كثيراً عن منزلهما، ورافقتني الى حيث الدار.
وجدت أن الفيتوري استيقظ للتو.
كانت زوجته قد أبلغتني إنه فقد الكثير من ذاكرته. لذلك توقعت ألا يعرفني.
كان يتحرك بصعوبة من غرفة نومه الى الصالون، تساعده شقيقة زوجته في المشي. 
أصيب بشلل في الجزء الأيمن، لذلك لم يعد يستطيع أن يحرك يده، كما انه لم يكن قادراً على المشي بسبب شلل جزئي للرجل اليمني.
جلس على الكرسي وهو متعب ، بدا واضحاً أنه يغالب آلامه.
سلمت عليه. حاولت قدر المستطاع إخفاء حزني.
سألته زوجته: هل عرفته؟
أجاب بصوت متقطع : "يا امبراطور متى جئت من أميركا".
أدركت وقتها أنني لم أختف بعد من ذاكرته. 
لا أكتمكم القول، فارقتني حالة الحزن ، شعرت بشيء من السعادة.
طلبت منه ألا يتكلم، بل يسمع فقط حتى لا يجهد نفسه.
أبلغتني زوجته بعض التفاصيل.
في مايو 2005 تعرض الى جلطة داخل منزله. 
كان يهم بالخروج من غرفة مكتبه وفجأة سقط أرضاً ، وكان أن نقل الى مستشفى في حي أكدال في الرباط.
أمضى أسبوعين في المستشفى، وكان قد فقد جزئياً القدرة على الحديث.
بعد 15 يوم من الجلطة الأولى أصيب بالجلطة الثانية.
ثم بعد شهرين أصيب بالجلطة الثالثة.
بعدها نقل الى باريس حيث تعالج في مستشفى "سان تان" .
تحسنت صحته كثيراً الى حد أنه خرج من المستشفى راجلاً.
بعدها بأيام كان يتناول وجبة الغداء بمطعم مغربي في باريس، أثناء الأكل أصيب بالجلطة الرابعة، التي أثرت كثيراً على ذاكرته.
 أعيد مرة أخرى للمستشفى .
 كان من نتائج جهد الأطباء استرجاع قدرته على الكلام، ليس كلياً ولكن جزئياً ، لكن لم يكن ممكناً معالجة شلل يده اليمني، والجزء الأيمن من جسده.
بسبب الشلل الذي أصاب يده اليمنى لم يستطع الفيتوري الكتابة، و اثرت الجلطة على نظره ولم يعد قادرا على القراءة . ظلت زوجته تقرأ له ما يرغب في قراءته. وهو يحب أن تقرأ له أشعاراً، وعندما تقرأ له بعض أشعاره يقول " معقول ..هل كتبت انا ذلك".
في عام 2012  انتشرت شائعة وفاته. 
في تلك السنة سقط في منزله وكانت النتيجة أن حدث له كسر في الحوض. 
نقل بعدها الى "كلينك أكدال" في الرباط ".
 كانت موارده ايامئذٍ قد جفت تماما، وواجهتنا مشكلة تسديد فاتورة المستشفى. 
اقترحت على زوجته الإتصال بالقائم بأعمال السفارة السودانية، وكان يدعى الدكتور أحمد المبارك، لكن الرجل أعتذر عن فعل أي شئ على أساس أن السفير في الخرطوم، مشيراً الى أن الأمر خارج صلاحياته . بعد جهد جرى تدبير الأمر مع البنك. 
في يناير من العام الحالي راحت حالته تزداد سوءًا.
كانت أعراض ذلك ، معاناة من ألم شديد يجعله يصرخ طول الليل.
 لم تعد له شهية للأكل. ساءت ذاكرته. كان يعاني إسهالاً حاداً وحالة جفاف.
كان رأيي أن نحاول نقله الى المستشفى، بيد أن المشكلة كانت في انعدام الموارد المالية.
أجريت إتصالات مع كثيرين في أميركا وأوربا والخليج. 
بادر شقيقي طارق مع بعض أصدقائه بطباعة ديوانه "شرق الشمس غرب القمر " في القاهرة  واستجاب كثيرون مع حملة شراء الديوان بسعر تشجيعي. 
نظمت حملة تحت شعار"نحن نحب الفيتوري" حيث جاد أكرمون بما تيسر.  
كان من الذين تحركوا في جميع الإتجاهات الأخ خالد عويس. أسفرت تحركاته عن نتائج ايجابية إذ تلقينا إتصالاً من سفارة الإمارات في الرباط يقولون إن "فاعل خير" سيسدد تكلفة  العلاج في أي مستشفى يعالج فيها الفيتوري.
كان رأيي دائماً إخطار السفارة السودانية، حتى لا يقال في يوم من الأيام أنها لم تكن على إطلاع على حالة الفيتوري، او لأنني كمعارض لهذا النظام استثمر حالة انسانية لشاعر عظيم من اجل تصريف مواقف سياسية. 
في 26 فبراير أرسلت رجات أرماز رسالة الى "السفير"السوداني لإبلاغه بتدهور حالته الصحية. لم تتلق قط رداً على تلك الرسالة.
بعد فترة زارهم  "السفير" في المنزل، وأبلغتني أنه قدم لهم مبلغاً مالياً، حرص أن يقول إنه من جيبه الخاص.   
 دخل الفتيوري في 25 مارس "مستشفى الشيخ زايد" تلقى علاجات وكان رأيهم في المستشفى ألا ضرورة في بقائه هناك ، بل يمكن أن يعود الى منزله ويتلقى هناك بعض العلاجات.
ثم كان أن عاد الى المستشفى بعد شهر حيث فاضت روحه وأغمض الموت عينيه بعد أربع ساعات فقط من وصوله الى قسم الطوارئ.
***
كانت علاقات محمد الفيتوري  مع نظام معمر القذافي قد تباعدت ، باستثناء بعض الأشخاص. 
ومنذ عام 2005 عاد الى منزله في "سيدي العابد" لا يخرج منه إلا عند الذهاب الى الطبيبة التي تتولى علاجه. 
ومما زاد في حالته سوءًا ألا أحد من أصدقائه أو معارفه في ليبيا كان يسأل عنه.
 وبما ان زوجته لا تعرف أحداً في السودان ، كان طبيعياً ألا يعرف أحد تفاصيل هذه السنوات.
بعد سقوط النظام في ليبيا، قررت الحكومة الجديدة سحب جواز سفره الديبلوماسي ورفضوا منحه جوازاً عادياً. 
كانوا قبل ذلك قد أوقفوا راتبه. 
كانت بطاقة إقامته في المغرب قد انتهت، لكن السلطات المغربية ونظراً لوضعه الصحي المتردي تغاضت عن الأمر. تدخلت وقتها بعد أن عرفت بهذه الإشكالية عقب عودتي من أميركا مع  وزير الداخلية المغربي. وجرت معالجة الموضوع.
في مايو 2012  سمعت "وزير الثقافة" السوداني يقول على الهواء في برنامج إذاعي حول الشاعر الفيتوري بث من الإذاعة السودانية ، إنه كتب شخصياً رسالة بخط يده وسلمها الى "رئيس الجمهورية" يطلب فيها إصدار جواز للشاعر الفيتوري، والتكفل بعلاجه ، وتقديم دعم مالي له. 
ثم زار الفيتوري في "ضاحية سيدي العابد"، من سيبلغ زوجته بان دعوة ستوجه لهم لزيارة الخرطوم والإحتفاء به في الخرطوم.
سمعت بعد ذلك أن "قراراً قد صدر" لإصدار جواز للشاعر الفيتوري. وزاره أيضاً من أخذ بصماته من أجل الجواز الموعود، لكن لم يحدث أي شيء. ذلك الجواز لم يصل قط. 
ثم كان أن تحرك السفير جمال إبراهيم،، وظل فخر الدين كرار ينقل لي أول بأول نتائج تلك الجهود، التي اثمرت عن اصدار جواز سفر ديبلوماسي سوداني للشاعر الفيتوري.  
قبل ذلك وبعد انتشار  خبر وفاته في عام 2012، أبلغتني زوجته أن السفير السوداني في الرباط زارهم ووعد بحل مشكلة الجواز.  كان ذلك أول اتصال رسمي بشأن هذا الموضوع، اذ لم يسبقه اي اتصال من قبل . 
أذكر في هذا الصدد أنه خلال لقاء مع عبدالباسط سبدرات في الخرطوم في أغسطس من العام الماضي زعم في وجود آخرين، أن علي عثمان محمد طه  عندما كان نائباً للرئيس قرر تخصيص مساعدة مالية للفيتوري.
 قلت له ما تقوله هراء وكذب.
وإذا كان على عثمان محمد طه يقول ذلك فإنه يختلق ليس إلا. 
****
ولد محمد الفيتوري في مدينة الجنينة ، في 24 نوفمبر  عام 1936، وهو التاريخ المسجل في أوراقه الرسمية.
بعدها نزحت أسرته الى الأسكندرية ، ثم درس في القاهرة قبل أن ينتقل الى الخرطوم في الستينيات، ثم غادر الخرطوم في آواخر الستينيات الى بيروت وبعدها راح يتنقل هنا وهناك حتى إستقر بالعاصمة المغربية الرباط في عام 1984 .
سمعت منه يصف هذه الحالة في حوار أجريت معه  عام 1985 قائلاً "حينما أطل الى الوراء وأتأمل مسيرة حياتي، أجد نفسي مثل عصفور غريب، يتنقل من غصن الى غصن، من مسافة الى مسافة، ولا يعرف أين هو بالضبط، عصفور يبقى فوق أحد الأغصان لساعات، لأيام، لأسابيع، ثم يطير...أنا ذلك العصفور غير المستقر".
لم يكن يذكر الكثير عن والده أو والدته "عزيزة" . قال لي مرة عن والده " "أنا قلق.. وربما أظل كذلك، وأعتقد ان نبؤة لوالدي أثرت في كثيراً، مرة قال لي والدي إنك ستقضي حياتك غريباً عن وطنك".
كانت له شقيقة لكن لم يكن يتحدث عنها كثيراً.
الشخص الذي أثر في شخصية محمد الفيتوري هي جدته "زهرة" وهي والدة أمه، يقول عنها إنها كانت "جارية" أهديت الى جده من أمه وتزوج بها وكانت والدة الفتيوري. 
هذه التراجيديا في حياة الجدة هي التي شكلت البعد الأفريقي في شخصية الفيتوري. 
هذه الجدة هي التي أوحت له بالإنتماء الى القارة . كان مشدوداً كثيراً لقصتها، وكثيراً ما سمعته يتحدث عن  هذه الجدة .
***
السودانيون لا يقرؤون محمد الفيتوري ويتذوقونه شعره فحسب، لكنهم يرددون دوماً أشعاره.
 إنه شاعرهم الذي يحبونه.
ما أجمل كلمة" حب" آه منها، هي ذي الكلمة الفاتنة القاتلة.
عشقوه وهو يقول:
شحبت روحي، صارت شفقاً
شعت غيما وسنا
كالدرويش المتعلق في قدمي مولاه أنا
أتمرغ في شجني
أتوهج في بدني
أحبوه وهو يغني وتغنوا معه
في حضرة من أهوى
عبثت بي الأشواق
حدقت بلا وجه
ورقصت بلا ساق
وزحمت برآياتي
وطبولي الآفاق
عشقي يفنى عشقي
وفنائي استغراق
مملوكك…. لكنـي
سلطان العشاق
كتب محمد الفيتوري 28 مجموعة شعرية .
كتب عن قضايا حيوية ومهمة لحياة الإنسان المعاصر، مشاكله ومعاناته.
 كتب عن الإنسان الأسود وظروفه المأساوية، كتب عن القضية العربية وتفاعلاتها في مختلف الساحات.
محمد الفيتوري هو إبن الإيحاءات والرموز، والعالم المثيلوجي المليء بالإضاءات والألوان. 
هي الوان ممتزجة، سوداء وبيضاء،افريقية وعربية.
 هذا هو البهو الرائع الذي تحرك خلاله.
أمتص بخلايا جسده، وعيونه وحواسه، وحاول البحث عن ذاته.
عندما كتب دواوينه الأربعة الاولى "أغاني افريقيا" و"عاشق من افريقيا" و"أذكريني يا افريقيا" و"أحزان افريقيا". كان يبحث عن هذه الذات، بل كان يقف في مكان منعزل بالنسبة لمجموعة الشعراء المعاصرين.
حين كان الشعراء ينزفون منطوين على جراحاتهم الصغيرة، كان يصيح شعراً " استيقظي يا افريقيا".
 سخر منه كثيرون.
يقول هو نفسه" كنت أهتف يا أفريقيا انا زنجي، وكنت اتعمد ذلك لانني كنت انادي عمقاً نفسياً لا يمكن أن يدركوه".
كان آخر دواوينه له " بعنوان" عُرياناً ..يرقص في الشمس".
نقرأ في قصيدة اختار لها عنواناً يقول "تحديق في صورة قديمة" :
ابتسم للحضور ابتسم للغياب
ابتسم للبكاء ابتسم للعذاب
ابتسم للجنون ابتسم للخراب
ابتسم للغزاة وهم يُقبلون
للعبيد الطّغاة وهم يزحفون
للطّغاة العبيد وهم يبطشون
****
كان محمد الفيتوري يطلب مني ونحن نجلس في مقهى "باليما" بالرباط أو في مقهى الوداية الذي يطل على الأطلسي أن أتذكر كلمة، في بعض الاحيان.
 لكن إقول الآن مزهواً أنني أول من سمع منه قصيدة "عرس السودان". 
سعيداً أقولها .
ذلك المساء أتصل من هاتف منزله، إقترح أن نتناول وجبة العشاء سوياً في شقته في حي (حسان) .
كان الفيتوري يلقي أشعاره بكل حواسه .
قال لي كتبت قصيدة حول هذا الذي يحدث في السودان ( إرهاصات الإنتفاضة) سأرسلها الى الفنان محمد وردي و إريدك أن تسمعها.
ثم راح يقول :
في زمن الغربة والإرتحال
تأخذني منك وتعدو الظلال 
وانت عشقي حيث لا عشق يا سودان
إلا النسور الجبال 
يا شرفة التاريخ
يا راية منسوجة
من شموخ وكبرياء الرجال
( في وقت لاحق عدل هذا الشطر ليصبح  من شموخ النساء وكبرياء الرجال)
***
لمن تُرى أعزف أغنيّتي
ساعة لا مقياس إلاّ الكمال
إن لم تكن أنت الجمال
الذي يملأ كأسي فيفيض الجمال
***
فداً لعينيك الدماء
التي خطّت على الأرض
سطور النضال
داست على جلاّدها
وهي في سجونه
واستشهدت في جلال
***
فداً لعيني طفلة
غازلت دموعها
حديقةً في الخيال
شمسك في راحتها
خصلة طريّة
من زهر البرتقال
والنيل ثوبٌ أخضرٌ
ربّما عاكسه الخصر
قليلاً فمال
(عندما سمعت هذا المقطع، قلت له هذا كلام يزلزل الكيان)
ثم استطرد:
كان اسمها أم درمان
كان اسمها الثورة
كان العرس عرس الشمال
كان جنوبيّاً هواها
وكانت ساعة النصر
إكتمال الهلال
فداً لك العمر
ولولا الأسى
لقلت تفديك
الليالي الطوال
فداً لك العمر
عندما سمعت القصيدة مكتملة، لم أقل شيئاً.
وجمت.
***
كتب محمد الفيتوري شعراً جميلاً .
كتب لأنه يعرف كيف يكتب.
قال لي محمد الفيتوري مرة عن الكتابة وكان ذلك قبل 30 سنة "أكتب لأطهر ذاتي،لأقوم بعملية تطهير ذاتي من عقدي ورواسبي، لأقوم بعملية صهر لعلاقاتي النفسية والعاطفية. أكتب للإنسان الذي أعيش معه واشاركه هذه الحياة. أكتب لمزج الإنفعالات والخواطر في حلم شعري، في إيقاعات، في صورة، في رؤيا. أكتب لأنني أقول كلمة للآخرين، واسعى لتسجيلها لعلهم يقرؤونها. أنا أكتب للقادمين".
***
كان هناك مشروع مع محمد الفيتوري لكتابة كتاب حول المحطات الرئيسية في رحلته. 
اتفقنا أن يكون ذلك من خلال التوقف عند خمس مدن شكلت محطات فاصلة في حياته.
الاسكندرية، حيث مراتع الصبا. القاهرة وهي نقطة الإنطلاق في عالم الشعر الفسيح.الخرطوم في ستينيات القرن الماضي. بيروت في الثمانينيات. الرباط التي جاء اليها في منتصف الثمانينيات. 
كانت هذه هي المدن في حياته. عندما قلت له ماذا عن "طرابلس". أجاب محتداً عندما يكون غاضباً " أرجوك لا أرغب في تقزيم نفسي".
***
الناس ستفتقد في محمد الفيتوري شاعراً وكاتباً ومبدعاً وإعلامياً .
 أنا سأفتقد الفيتوري، إنساناً وصديقاً عزيزاً.
عندما صدر ديوانه " شرق الشمس غرب القمر" في يوليو عام 1987 أهداني نسخة كتب عليها بخط يده "إلى أخي …تجسيداً لهذا الذي بيننا من علائق في الصداقة والفكر والمواطنة".
هي بالفعل "الصداقة والفكر والمواطنة".
كان محمد الفيتوري في حياته طائراً مغرداً ، أقرب ما يكون الى طائر "الكروان" شبه المنقرض ، يطرب الناس بأشعاره. 
بعد رحيله ستبقى كلماته تصنع المتعة والوعي، معبرة عن وجدان الناس .
شاءت الصدف أن تطلب مني زوجته رجات ، كتابة كلمات تكتب على شاهد قبره. 
قالت لي بنبرة حزينة صادقة " لو كان بيينا لطلبها منك شخصياً".
ثم أشارت الى عبارته التي يقول فيها"لاتحفروا لي قبراً".
التقطت الفكرة، وكتبت  ما كتب على شاهد القبر.
منحتني زوجته هذا الشرف العظيم.
كتبت التالي:
محمد الفيتوري شاعر افريقيا.
ولد محمد رجب مفتاح الفيتوري بمدينة الجنينة في السودان في 1936‪-‬11‪-‬24 
وتوفي بالرباط في 2015‪-‬4‪-‬24 
‪***‬
لا تحفروا لي قبراً
سارقد في كل شبر من الارض
أرقد كالماء في جسد النيل
أرقد كالشمس فوق حقول بلادي
مثلي أنا ليس يسكن قبراً
وأنا من؟
سوى رجل واقف خارج الزمن
كلما زيفوا بطلاً
قلت: قلبي على وطني
***
كان الفيتوري في حياته أكبر من الحياة.
سيبقى الفيتوري بعد موته أكبر من الموت.

talha@talhamusa.com

الدبلوماسية السودانية : المقررة الأممية للعنف ضد المرأة تتبني وجهة نظر آحادية



انتقدت الحكومة السودانية ، ما آثارته المقررة الأممية للعنف ضد المرأة رشيدة مانجو ، بشأن وجود حالة من عدم الثقة والتوترات المتبادلة بين البعثة المشتركة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة "اليوناميد" بدارفور ، وحكومة الخرطوم .

وقالت وزارة الخارجية السودانية - في بيان صحفي اليوم /الجمعة/ - إن المقررة الأممية للعنف ضد المرأة ، التي زارت البلاد مؤخرا ، تبنت وجهة نظر طرف واحد دون الآخر، دون أن تدخل في نقاش وحوار موضوعي مع الجهات المعنية في حكومة الخرطوم، حتى تتضح الصورة أمامها .

وأوضح بيان الخارجية السودانية ، أن المقررة الأممية لم تطلع على أخر مجريات الأمور والعمليات التفاوضية الجارية حول وضع إستراتيجية خروج بعثة اليوناميد من دارفور ، وتابع البيان "أن هذا الأمر الذي آثارته لا يقع في دائرة اختصاص ولايتها بصورة مباشرة" .
وتعليقا على ما آثارته رشيدة مانجو ، بشأن وجود أطفال مع أمهاتهم السجينات في دار التائبات بأم درمان ، واعتبار الأمر "مقلق"،
أعلنت الخارجية السودانية ، إن الجهات المختصة قامت بتعريف المقررة الأممية على العمل القائم في النهوض بالدار لتكون مركزا اصلاحيا تتوفر فيه سبل المعالجة وتقديم الخدمات وبناء القدرات لتعزيز الفرص في مستقبل أفضل للنزيلات .

وعبرت الخارجية السودانية ، عن أملها في أن تسهم المقررة الأممية رشيدة مانجو ، من خلال ولايتها الحالية في تقديم توصيات بناءة لمجلس حقوق الإنسان من أجل دعم جهود الولاية والمجتمع في السودان لإحراز مزيد من التقدم في تمكين النساء وتعزيز مشاركتهن في جميع المجالات .

وكالات