‏إظهار الرسائل ذات التسميات حوارات ومقالات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حوارات ومقالات. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 16 مارس 2016

أبو عيسى: النظام السوداني لا يريد الحوار


منذ اعتلى النظام الحالي في السودان سدة الحكم، رفعت أحزاب المعارضة، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي وحزب "الأمة" القومي بزعامة الصادق المهدي، و"الاتحادي الأصل" بقيادة محمد عثمان الميرغني (الذي دخل أخيراً في تحالف مع النظام)، شعار إسقاط النظام. ودخلت أحزاب المعارضة في تحالفات متنوعة ضمّت اليمين واليسار لتحقيق هذا الهدف، غير أنها طيلة 26 عاماً لم تنجح في إسقاطه، وإن عمدت في فترات متفاوتة إلى محاورته والدخول في اتفاقيات، قادت بعضها للمشاركة في الحكومة والبرلمان.
التقت "العربي الجديد" برئيس هيئة تحالف المعارضة فاروق أبو عيسى، وفتحت معه ملفات عدة تتصل بالحوار الوطني الذي أعلنه الرئيس عمر البشير، فضلاً عن ضعف المعارضة وتراجع شعبيتها في الشارع السوداني أسوة بالنظام.
- كيف تنظر إلى الحوار الوطني ومخرجاته؟
نحن على قناعة تامة بأن النظام لم يكن جدياً في إطلاق دعوة الحوار. وظهر ذلك من خلال خطاب الوثبة الذي ألقاه الرئيس البشير في 27 يناير/كانون الثاني 2013، وأعلن عبره عن انطلاق الحوار. وبما أن الخطاب جاء في حينها بلغة مبهمة، كي لا يورط النظام نفسه في التزام مع الشعب أو المعارضة، اتخذنا قراراً بعدم المشاركة. إضافة إلى ذلك، لا نثق إطلاقاً في النظام، واتفاقية القاهرة التي وقعتها مع الحكومة في العام 2005 كانت خير دليل على أنه لا يلتزم بعهوده.
- لكنكم أعلنتم الموافقة على الحوار وفق شروط محددة؟
نحن لا نرفض مبدأ الحوار قطعاً، وهي فكرة نيّرة لحل الأزمات. معظم أطراف التحالف رأت أنه لا مانع من المشاركة في الحوار وفق شروط محددة، لأنه لا يمكن أن ننعزل إقليمياً ودولياً بتمسكنا بالرفض المطلق لكل المبادرات. غير أننا قطعاً لسنا مع أي حوار يحولنا إلى أدوات للحزب الحاكم. لذلك نحن مع الحوار الجاد والشفاف والذي يقود في النهاية إلى تفكيك نظام الحزب الواحد، وإقامة نظام ديمقراطي يتم فيه تداول السلطة سلمياً، وفق شروط محددة. وهذه الشروط أصرّرتُ عليها شخصياً لمعرفتي بجماعة النظام، رغم أن بعض زملائي كانوا يستعجلون الحوار ظناً منهم أنه سيقود لنتائج. وتلك الشروط تتعلق بتهيئة المناخ ووقف الحرب وتأمين الحريات وخلافه. وإذا لم تتحقق، لن نقبل بالجلوس في الحوار ونضيع الوقت والمال في أمر غير منتج.
 - كيف للنظام أن يقبل بحوار يعمل على تفتيته؟  
إذا اختل توازن القوى وأصبح في صالح المعارضة، عندها سيقبل. إذا حدثت تظاهرات واضطرابات، سيهرولون خلف الحوار وبالشروط نفسها.
- هل تعتبرون أن ميزان القوى في صالحكم؟
الآن ليس في صالحنا بالتأكيد، لأن المعارضة لم تقو بعد بالمعنى الذي يغلب دواليب الدولة والحزب الحاكم. لكن في المقابل، فإن النظام في أضعف حالاته، ما يجعلة يقترب ويلين، وهو ما دفعنا إلى إطلاق الشروط (للحوار). 
- وماذا بالنسبة لمخرجات الحوار الذي قاطعتموه؟

اعتماداً على قناعتي الأولى، فإن الحوار الدائر حالياً لن يقود إلى نتيجة، لأن هذا النظام إذا لم يُضرب في رأسه وتُضعف قدارته ويختل توازن القوى لديه، لن يقدم أي تنازلات في سبيل تحقيق الديمقراطية. النظام الآن لم يضعف بالصورة المطلوبة. كما أنه يملك الحظ والظروف المساعدة، إذ إنه في كل مرة يقع فيها، يجد من يسنده. بعد الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي أدخلوا فيها البلاد، وجدوا من خلال المناورات، وعبر التوازنات في الإقليم، مدخلاً للخروج من الأزمة. وإن كنت على قناعة أن الأمر سينقلب عليهم، باعتبار أنها مجرد تكتيكات، لأن التحالفات الخارجية الأخيرة (في إشارة إلى عاصفة الحزم في اليمن) تكتيكية.
- ماذا بشأن المخرجات؟
صحيح أن بعض النقاشات بين عدد من الأحزاب غير المرتبطة بالحزب الوطني، أو التابعة له، تبدو وكأنها وضعت وثائق المعارضة أمامها وتقرأها، إلى جانب أن بعضهم شارك في إعداد تلك الوثائق، لا سيما المتصلة بالبديل الديمقراطي، عندما كانت جزءاً من التحالف. لذا، من الطبيعي أن تقول بعض ما هو وارد من أفكار نحن طرحناها في المجتمع كبدائل. على الرغم من هذه الجهود، إلا أنها لن تتقدّم، ولن يتحقق شيء غير رؤية النظام الحاكم ورغبته. الآن، بدأ بعض المشاركين في الحوار يشتكي من عمليات تزوير في التوصيات، التي اعتقد أنها ستستمر لمئات المرات قبل الوصول لطاولة البشير. وكل ما سيحدث أن مخرجات الحوار ستصاغ في وثيقة جميلة وتعلن من خلال مهرجان احتفالي لتوضع بعدها في المتحف.
- هل واجهتم أية ضغوط خاصة من المجتمع الدولي بشأن الحوار؟
لا يمكن أن يضغط علينا أحد، فإرادتنا هي إرادة الشعب والانتماء له ولا نفعل إلا ما نقتنع به. ولم يحدث، ورغم أننا نتواصل مع المجتمع الدولي، أن مارسوا ضغوطاً علينا، مع أنهم يرمون الكلام، غير أننا ندرك ما يرمي إليه المجتمع الدولي.
- وإلى ماذا يرمي المجتمع الدولي؟
يريد أن يرفع من قيمة جماعات إسلامية صغيرة معينة، لتكون بديلاً للحركة الإسلامية الحاكمة في البلاد حالياً.
- ولماذا بديل الإسلامي إسلامي، ومن تقصد بالجماعات الإسلامية؟
أنا على قناعة بأن الولايات المتحدة، ومنذ نكسة 1967، طرحت في مراكز الدراسات معلومات مفادها بأنه يمكن أن تتعامل مع الحركة الإسلامية، باعتبارها أكثر تنظيماً، بعدما ضُربت التنظيمات الأخرى عقب النكسة. وهو ما يفسر خطوتها في أزمنة ماضية، باختيار أذكياء الحركة الإسلامية في مصر والسودان وبلدان أخرى، ونقلهم الى واشنطن للدراسة وتلقي التدريبات. وفي الخرطوم حالياً، هناك الكثير من حملة الشهادات ممّن تلقوا تعليمهم في الولايات المتحدة، وتسلّموا السلطة، وجرى ذلك من خلال التعاون بين الحركة الإسلامية والاستخبارات المركزية الأميركية "سي أي إيه" في البلاد.
- لكن الواقع يقول إن واشنطن تفرض عقوبات وخناقا على النظام الحالي؟
هي لا تحاربهم، إنما تعمل على إبقائهم، وقد تكون الخطوات العقابية مقصودة لتحقيق فعل معين، وليس لضرب الحركة ككل. حتى الآن، لم تُخلق حركة لمواجهة الإسلاميين، وتُقنع واشنطن بأنها البديل. فضلاً عن أن الأخيرة تحركها مصالحها. اليسار العربي في العموم حالياً مفتت، وإن كانت هناك محاولات للمّ الشمل والتوحد. لكن ما يحصل حالياً، هو أن الأميركيين يحمون مصالحهم، وأولها الإبقاء على اسرائيل وعدم زعزعتها. وبالنسبة لحكومتنا، فإننا نجد أنها تتحدث الآن علناً عن التطبيع مع إسرائيل، والأخيرة بمثابة مصلحة عليا لواشطن، تأتمن عليها الإسلاميين.
- هناك من يصف المعارضة السودانية بالضعف لفشلها في تنفيذ برامجها المعلنة بإسقاط النظام؟
لا أجزم بدقة ذلك، وإن كان يفترض بشكل عام أن تكون المعارضة أقوى مما هي عليه. لكن الواقع، هو أن المعارضة قدمت تضحيات بأرواحها، فضلاً عن التعذيب، لمقاومة النظام منذ وصوله للسلطة. كان لها موقف من اليوم الأول، وعملت على نشر الوعي حول مساؤى النظام وفساده، ونشرت ملفات الفساد، التي أخرجتها بأشكال مختلفة. والمعارضة لا تعني رفض قادة النظام بأسمائهم المختلفة، وإنما رفض النظام بمجمله.
- لكنكم ظللتم ترفعون شعار إسقاط النظام من دون أن يكون له أثر على الأرض؟
يعود ذلك إلى أن القضايا التي تشكل برنامج إسقاط النظام غير متفق عليها من الأحزاب، لأنها ليست قضية حزب واحد، فلكل حزب فلسفته وتكتيكاته، وإن كان المفروض ترك هذه الفلسفة خارج اجتماعات التحالف. لكن للأسف، الكثير منهم دخلوا التحالف بتلك التكتيكات، وهي ما قادت لهذا الإرباك الأخير عقب التوقيع على وثيقة نداء السودان مع المعارضة المسلحة.
- هناك من يرى أن تحالف نداء السودان كان سيطيح بتحالف المعارضة؟

من كان لهم رأي مخالف في وثيقة نداء السودان، استطاعوا زعزعة الأجواء، خصوصاً أن لهم قدرة على النشاط والحركة. لكن الاتفاق يمثل إنجازاً كبيراً، لأن الهدف لا يكمن في تفاصيله، التي أُريد من وراءها التسوية السياسية مع النظام، وإنما في قيمته كونه مثل بذرة لوحدة المعارضة السلمية والمسلحة، باعتبار هذه الوحدة شرطاً أساسياً لإسقاط النظام. إن أهم ما أنتجه اتفاق نداء السودان، هو أنه جمع بين العمل العسكري والسياسي. والتشويش عليه كان عند دخول حركة "العدل والمساواة" لأم درمان في عام 2008، وتمت إخافة الشارع من الحركات المعارضة وتصويرها بشكل يناقض الحقيقة. إذ إنها حركات تهتم بتخليص البلد والناس من النظام، ولم يكن من المفترض أن يتم التعامل معها بنظرة حزبية ضيقة، ولكن القبول بالإطار العام. في العموم تجاوزنا ذلك الآن، على الرغم من أنها أضعفتنا وهزتنا إلى حدّ تقديم استقالتي احتجاجاً على ما وصلنا إليه.
- كيف لمعارضة تعاني من كل تلك الخلافات أن تسقط النظام؟
صحيح، أن الشعب اهتز من الحادثة الأخيرة، التي لم يكن هناك ما يبررها. ومن أقاموها وتسببّوا بها سيسألون أمام التاريخ. هي خلافات لم تفد المعارضة، ولا الشعب في شيء. على أية  حال، هي مرحلة وتجاوزناها.
- لكنكم لم تقتربوا في 26 عاماً من مرحلة إسقاط النظام؟
هناك من قاتل أنظمة ديكتاتورية لمئة عام. ونحن لم نبلغ بعد القوة التي تجعلنا نخلق التوازن لصالحنا، وعجزنا يمكن أن يكون ناتجاً عن أن النظام في الأساس دموي، إذ قتل الشباب في تظاهرات سبتمبر/أيلول عام 2013 بالرصاص الحي، وصار يرعب الناس. وكانت أي عائلة تعلم أن ابنها سيشارك في تظاهرة، تقوم بتقييده خوفاً من قتله.
- لكن أنتم رفعتم الشعارات ودعوتم لها قبل أحداث سبتمبر، فهناك برنامج المئة يوم لإسقاط النظام؟
أولاً، نحن لم نقل مئة يوم لإسقاط النظام. كان مجرد برنامج، والنظام هو من روج لذلك عبر استخدام الآلة الإعلامية. ولكن عموماً، السبب يكمن في ضعف قدرات المعارضة في تحقيق ذلك. هي جبهة وليست حزبا. وعادة ما يكون هناك آراء مختلفة، يأخذ التوفيق بينها زمناً وجهداً. لكننا قطعاً متمسكون بالسير قدماً في تصفية النظام. ونرى أن محاولات الحوار الداخلي والخارجي ستقود إلى إطالة عمر النظام، وفي رأينا، فإن الحوار توقف.
- المعارضة في العادة تنتظر الفعل لتقوم بردة الفعل؟
ينهض الشارع في كثير من الأحيان من دون قيادة له، رغم أن أولادنا وبناتنا يقفون خلفها إلى جانب من لهم ارتباط بالأحزاب المنضوية تحت التحالف، كالاحتجاجات حول السدود. وجميعهم مرتبطون بنا في الوجهة العامة المتصلة بمعارضة النظام. المجهود الذي تبذله المعارضة في توعية الشارع من خلال الندوات والتعبئة وتهيئة الناس، للوصول إلى الفعل يجعلها جزءاً منه، كما الماء الذي يوضع على النار ليبدأ بدرجة غليان محددة لتصل مرحلة الانفجار.
- كيف تنظر لاجتماع أديس أبابا الذي دعت له الوساطة الأفريقية الحكومة، وحزب الصادق المهدي والحركات واستثنتكم منه؟
نحن لم ندع لذاك الاجتماع، وأي شيء لسنا طرفاً فيه لا مصلحة لنا به ولا يعنينا. وأنا على قناعة أنه لن يخرج بنتائج، خصوصاً أن الحكومة، إن شاركت، فستشارك بضغط ومن دون نفس ولن تعمل على إنجاحه.
- درجت المعارضة على توجيه الانتقادات للوسيط الأفريقي ثامبو أمبيكي؟
أمبيكي فاشل، لم ينجح حتى الآن في أن يقدم للشعب السوداني شيئاً. سبق أن دخل في وساطة بين السودان وجنوب السودان، لكنه لم ينجح، إلى أن دخل الجنوب في حرب أهلية. ليتحول بعدها بقدرة قادر لحل أزمات السودان الداخلية، لكنه في الأصل يميل إلى الحكومة، ولا يسمع إلا حديث الحكومة. ولا أعتقد أنه يمكن أن يقدم شيئاً.
العربي الجديد

الاثنين، 14 مارس 2016

لقد حان موسم تساقط (الإخوان) كثمرةِ (الخُرِّيمْ) من ضلوع الحَرَازْ .. بقلم/ أحمد يوسف حمد النيل

wadalqaid1971@gmail.com

    ... ليس هذا عنوانٌ لرواية أو قصة أدبية, ولكن إيحاء أدبي صادق لتجربة سياسية خربة, أبطالها يمثلون الشر بكل اتجاهاته. مكانها السودان , مشاهديها يستظلون بأعواد الحراز القاحلة, يفتحون أفواههم لثمرة الخريم اليابسة,زمانها (26) سنة ويزيد من السنوات العجاف.

    فترة زمنية كافية لكل انسان من هذا البلد أن يقيم ويحكم بتجربتة ومعرفته على ساستها ومهندسيها. هي في الحقيقة (حبكة) مملة بلا اثارة ولا تدرج, أكلتهم ألسنة (الجهل الصحفي) من مناكفات وتصريحات الجهال. اعتصرهم (عناد السياسي المتزمت) , هشمت عظامهم (سياسة الاقتصاد العضلي), وباعت عزتهم (استهتارات الفكر الغاوي) , صلبتهم على أعمدة الصبر (عجينة العسس الفطيرة). وليس بعد ذلك إلا خيارين أما أن (يموتوا) فداء للإصرار الفالت عن العقل ورجاحته, أو (اتبعونا) نمكنكم من نصيب الدنيا البخس المسروق من وجوه الكادحين. فصبروا صبرا سالت على إثره دماء قانية نجسوها بأبخس الأفكار وهي ماتزال دماء طاهرة غير ملزمة للغسل والاغتسال, شهداء ارتوت منهم أرض المليون ميل التي مزقت بسبب الاستهتار والضغينة, شهداء في شتى ساحات المدنية وتحت بنادق العسس الطائشة وأدنى سنابك الخيول المتوحشة الماردة, الممردة بصلف الظلام.

    لا يبدو المشهد السياسي والموقف الفكري إلا عاطفة أو صراع مصالح ذاتية,تحركها عواصف الأيام وأيادي القدر. حينما شهدت هذه الأيام موت شيخهم الترابي, تسابقوا وتفننوا في البكاء والنحيب, كأنما لم تلد حواء رجلا من قبل مثله وكأنما لم تأخد الأقدار من قبل رجلا في شاكلته. فتعددت بهم الأسباب, لكي يتزاحموا في تأبينه ومدحه. ويتزاحموا في اللهاث من أجل ثرى قد وطأه من قبل,مقتفين أثره ,يرفعون من شأنه , ثم ينكصون عن المواقف السياسية التي صمدت طيلة فترة حياته, يهبون من كل حدب وصوب , يهرن من أجل المصالحة فيما بينهم, وكأنهم يخافون الموت توهم أو قد ترك فيهم خوفا من الرحيل المفاجيء قبل أن يلعقوا ما تبقى من فتات هذا البلد الطاهر الصابر أهله. لقد مات كثير من السياسيين السودانيين والقادة ولكنهم لم يلقوا حظا من التمجيد الذي لقيه شيخهم الترابي, خاصة في اعلامهم الخاوي, فقد جعلوا كل القنوات الفضائية سرادقا ومآتم حافلة. لقد طغى رحيلة حتى على برامج التلفزيون ونصبوه شهيدا للوطن وغيره جعلوه (كالفطيس) وهذا فيه غطرسة الجاهلين. وكبر المكابرين, ورفعوه مكانا عليا , ولسان حالهم يقول ليس ميتا إلا هو , وليس شهيدا إلا هو. ناهيك عن أحلام المتصابيين سياسيا ودينيا من خارج وداخل حدود الوطن. ودارت المعارك الكلامية بين الصحفيين كل واحد يريد ان يعبر عن انتمائه لشيخ حسن من المؤتمرين(الشعبي والوطني) وقد طرأ على السطح نغمة التوحد على هامش أشواق الإسلاميين المتعطشة للحكم والسلطة. وقد برز كل واحد من الصحفيين والسياسيين يحمل قلما أو سيفا يداهن به شيخهم حتى بعد موته, وأصبح لديهم الملاك السامي.

    وبرز مرة أخرى صاحب اللسان اللازع في النقد والبصيرة الجاهلة لينعت المعارضة والذي تدفعه الدوافع القبلية والعصبية الطائفية بانها ذات السهام الطائشة. فليحدثنا هو عن نجاحه , فلا نعرف له نجاح إلا في بيوت الأشباح أو المطاردات السياسية اللسانية في الصحف. لقد أثقلوا كاهل الوطن وغدا في عهدهم الوطن مثخن الجراح وأصبح السودان رجل أفريقا المريض بل والعالم كله.

    ولكن مثل هؤلاء حربهم لا تتم إلا بمزيدا من التركيز على المفهوم الديمقراطي للحكم , واتباع نماذج حديثة للحكم غير تلك النماذج السلفية المظلمة ذات الطابع الإرهابي والتي لا تمت للدين أو العدالة بصلة. ومن جهل هؤلاء يرون أنهم لا محالة سيحكمون عقولنا بالسيف و(الكرباج) وقد فاتهم ان الدين الإسلامي هو دين العدل والعدالة. يتحدثون عن الدين والعدل وقد فاتهم انهم لا يعرفون عنه شيء قياسا بتصرفاتهم, ولكن تقودهم عواطفهم الجياشة للحكم ليس إلا, ومثل هؤلاء لا نرجو منهم حكما راشدا أو عدلا أو حكمة في تسيير الأمور. لأنهم يُحَكِّمُون العاطفة والمجاز والمزاج فينا.

    ولكن هذه أفضل الأوقات لكي نجتهد نحن أبناء الوطن الحادبون على مصلحته وشعبه , ونتفق برؤية المستنير الواقعي ونتحد في كل بقاع الدنيا وداخل أرض السودان , لصياغة تجربة من الحكم الديمقراطي تزيل عن وجوهنا وصمة الجهل وعن عقولنا سمة الحمق, لنبني دولة القانون والحقوق والعدالة , ولا يكون ذلك إلا بالنضج السياسي والثقافي والاجتماعي, ولقد يكون النضج فينا قائما ولكن شيطان السياسة دائما يثير في وجوهنا غبار المكايدات والعناد. فدعونا نستدعي العقل الراجح فينا ونبتعد عن العواطف ثم ننطلق نحو الهدف الغالي والنبيل من أجل الوطن لا من أجل أشواق طائفة أو حزب أو شيخ أو قائد. فمرجعيتنا القول الراجح من أفواه مفكرينا , والعمل الناضج الجاد من عقول قياداتنا وساستنا وقبل كل ذلك مثقفينا وعلمائنا الذين يضعون الأُطُرالنظرية فيصدقها العمل الجاد. وتكون بذلك دولة العدل والمساواة والقانون.

    علينا التحرك الجاد وأن نضع نصب أعيننا الوطن والمواطن, فرسالتنا في هذا الكون وهذا البلد المعطاء كبشر ليس الحكم في حد ذاته وانما إعمار الكون والوطن بالمنظور الكلي للبشر والخاص لوطننا كسودانيين, فلو اتحدنا في ماعون الفهم الحكيم سنصل لا محالة. ولكن لتكن أدواتنا في الحكم المثقفين والعلماء السياسيين الوطنيين. فلا ننظر لرجل أو امرأة بأنه من حزب فلان فيتم حجبة بل بالمساواة والعدل في الحكم على أساس ديمقراطي تحت وسيلة الديمقراطية والتي تحترم الرأي والرأي الآخر. فالذي ينجح في بيته مع أسرته وفي سلوكه ينجح في إدارة بلدة ما أو وطن ما والذي يفشل في بيته كالفاشل في سياسة أمور الناس , فالوطن بيت كبير تديره الحكمة والسلوك القويم.

    ولكي نحافظ على الكائن البشري في بلادي عزيزا , علينا تقدير الظرف الراهن وأن نجنب هذا الوطن ويلات الحرب وعبث العابثين, وألا نترك للجهلاء أن يقودونا بعقول الجاهلية , أو ينعتونا بصفات المارقين عن ملتهم, يجب أن نوقف نزيف الدم والاحباط والتدهور وإذلال البشر في بلادي. أليس هذا هو الدين؟ أليس هذا هو مغذى الرسالة المحمدية الخالدة؟ والذي بُعث ليتمم مكارم الأخلاق. حينما يتجرد السياسي الظالم من كل الصفات السيئة ويشعل فيه شعلة الخير كما يفعل لأبنائه كذلك يفعل لوطنه حينها فقط يظهر صلاحه وتختفي شروره ويكون بذلك رجلا أو امرأة صالحين للناس والوطن. فمقدار التدين لا يقاس إلا بالسلوك وفقه التعامل, فالخطيب لا يلينا منه إلا الإعجاب بخطبته والانبهار بها, ولكن الذي يعمل ويطبق يلينا منه فقه الدين وتطبيقه. فالانسان العادل هو متدين ومتفقه وصالح للبشر. والظالم هو جاهل يتشدق باشواق عاطفية رسولها الخُطب التي تحرك العواطف والشجون والتواجد. 

سودانايل

ديكتاتور الخرطوم… لا يرِيكم إلا ما يراه!

ليس بخافٍ على أحد، تشعب الأزمة السودانية في تقاطعاتها ومداخل فهمها وطبيعة مجال الصراع فيها وتعريفها الدقيق. في هذا الإطار، الكل له تصوره، جماعات ومؤسسات، منظومات حكم ومعارضات. 
الخلل بنيوي في الظاهرة السودانية، عنوانه التباين والانقسام العميق والحاد بين مكونات الشعوب – ليس الشعب- السودانية، في الأبعاد التاريخية والثقافية والاجتماعية التي انعكست بدورها على السياسة والثقافة والاجتماع والدين، ومع ذلك سيظل بدون تضليل، الأس الجوهري، الجامع بين كل تلك التناقضات ومتناقضاتها، هو صراع الهوية في الداخل السوداني، الذي صنع مأساة تعريف السوداني المتذبذب لنفسه ومع ذاته، أو في فهم إدارة تقاربه أو اختلافه أو حتى مشاركته للآخر السوداني، الذي يختلف عن الآخر الخارجي، في الإقليم أو حتى خارجه.
الموروث التاريخي للأزمة، هو محط التوظيف ومعمل لتوليد كل الأزمات في عناوينها المختلفة، على بنية نسق صراع الإرادات المجتمعية السودانية بين بعضها بعضا، بعيدا عن اللافتات السياسية وشعاراتها، من اليمين في أقصاه، إلى اليسار والوسط. الشاهد في هذا، حتى أن لعبة صراع المصالح بين الإسلامويين بعضهم مع بعض، بعدما وصلوا محل المال الذي توفره الدولة التي تعني السلطة والحكم فكروا في سرقته، فجاءت سياسات الاغتيال والاقصاء حتى ضد زعيمهم الراحل حسن الترابي، الذي ما كان ليتم ولا يقع، لولا الاستعانة بمفهوم الهوية العنصرية، فإقصاء الترابي، كان على أساس عرقي قح، من طرف تلامذته، حيث تبين من خلال تجربة حكم الحركة الإسلامية للخرطوم، أن منهج حكمها في تدبير الشأن العام، منهج عنصري مكتمل الجوانب، ضد العامة وفيما بينهم. هذا المعطى والفرز، الذي هو أمر واقع وماثل في المشهد السوداني وكذا محل لتوزيع الأدوار، فيه الجلي المكشوف والمخفي، الذي يشير ويؤكد بدون جدال، أن المتفق عليه بين جل النخب العسكرية والأمنية والسياسية المتحكمة والنافذة، هو بقاء مركز القرار والحكم السوداني، كما هو بدون زحزحة، يظل هو الثابت والكائن ومحل الشرعية «التاريخية»، مع دعوات لجراحات بسيطة بدون مس للجوهر، ومع ذلك، جواز ووجوب استعمال كل الأدوات لإبطال مفعول هيجان ما يعرف بـ»الهامش السوداني، والعمل على سقوط ما يعرف بجدلية صراع التمركز والمحيط السوداني، عنوان الحراك الجماهيري السوداني، وهو يختلف عن صراع الهامش والمركز، الذي تعرض لتحريف في المفاهيم والدلالات، لمقتضيات تتطلبها إدارة الصراع مع قوى الهامش، حيث الأخير، هم مجموعة من الحاقدين، الأفارقة، العبيد… إلخ، يريدون القضاء على المركز الذي هو، النقي، جمهرة الصفوة، رواية، قد تجد سندها في ثنائية الزنج/ العرب، أو بنوهاشم/قريش، أو قريش/ والعرب، عموما في حال كهذا، طبيعي أن يصطف الكل وراء منظومته التي يعتقد، في المتخيل أو حتى التوهم، الأمر سيان، لا يختلفان. لذا وفي سياق فحص بنية طبيعة الصراع السوداني الحالي، لا نستطيع القول، إنه صراع تحكمه صراعات أيديولوجية، وفق مدارس فكرية أو حتى شعارات قيم الدولة الحديثة، لا مثاليات ولا ما ورائيات ميتافيزيقية، وإنما بشكل كبير ومكرر، هو صراع لإرادات اجتماعية متباينة مختلفة ومتخاصمة نفسيا وتاريخيا، وقدرها أن تكون ضمن تلك الجغرافيا
البائسة، ولا خيار نظريا لحل إرث تراكم هذه الأزمة، إلا على أساس تسوية اجتماعية سياسية، وفق محاصصات اجتماعية على أساس الهوية، وفق اعتقاد كل فريق، وحقه في الاعتقاد، أو العمل على إسقاط مؤسسة الدولة نفسها محل الصراع، لتقاسم نتاج هذا الإسقاط، وهو الخسارة العامة وللجميع. وبعد تذوق مرارة الخسارة، طبيعي أن تجتهد النخب في تسوية جديدة وعقلانية قد تكون مرضية حينئذ. المعروف في سيناريو الأزمة، أن المبتدأ والمتفق عليه إلى حد كبير هو استعادة الدولة أولا، كأحد أهم الأجندات الوطنية للسودانيين من حكم البشير. كما المعروف في ظل هذه الأزمة، أن أهم العوامل التي دفعت بإطالة ديكتاتورية الهمج القائمة الآن، بوجه عنصري في كل محاورها، هو المتغير الجديد في «تابو» اللعبة السياسية في البلاد، حيث اختل البناء القديم الناتج عن بنيات الدولة الاستعمارية، التي هي امتداد لها أيضا، بظهور قوى جديدة كانت خاضعة «للتابو» القديم، هذه القوى تمتاز بكمها ونوعيتها التي عرفت التطور، رغم حصارها التاريخي بوعي وتنظيم سابق.
هذا الانزلاق الذي عرفه المشهد السياسي القديم، بظهور القوى الجديدة، غير اللعبة السياسية في البلاد، ولن تهدأ إلا بتسوية حقيقية جادة. والغريب أن هناك حيرة في التعاطي معها، مقابل التخوف منها، عبر كم هائل من الإسقاطات والتشويهات لفائدة العزل والإقصاء، منظم ومنسق، ليس المجال فسيحا لذكرها ولكن الأهم ما فيها، ليس هناك أي فعل سياسي في الجغرافيا السياسية السودانية له لبوس الفعل السياسي الوطني ومحل للشرعية والمشروعية إلا ما ينتج عبر جغرافيا المركز وحواضنه، غير ذلك، فهو عنصري، قميء، قبلي، فيما الدولة نفسها لا تعرف إلا أنت من أين؟ وما قبيلتك؟ في هذا، ترى الاضمحلال والسخرية والإزعاج عندما يتحدث الديكتاتور عن دين الله والدين الإسلامي.
راهنا، في عمق هذه الأزمة، ترفع القوى الوطنية المناهضة للديكتاتورية شعارات كثيرة تتلخص في «الإسقاط» أو التسوية، التي تسمح بانتقال تدريجي يؤدي إلى تفكيك الديكتاتورية لاستعادة الدولة أو استردادها، في المقابل ترى المنظومة الديكتاتورية، لا هذا ولا ذاك، في هذا الخضم، يبقى سؤال الآليات التي تحقق لكل طرف أهدافه، وبالتالي مهماً أن تفحص المعارضة السودانية آلياتها من جديد، وأهم هذه الآليات هو الخيار العسكري مهما بلغت صعوبته، بدون أن يتحمله طرف دون آخر، واختيار مكان استعادة الدولة، فكما ثبت، ليس فيما يعرف بالهامش السوداني وإنما حُصر في الخرطوم وفي الخرطوم ذاتها في مصنع القتل والتحكم فيه بحي «كافوري»، السؤال، كيف تتحول الحروبات السودانية وتنتقل بحروب نوعية إلى كافوري مباشرة، الثاني في هذه المعادلة، هي العودة إلى الجيش السوداني مرة أخرى، لأنه قد يرجح الكفة ويعيد التوازن المختل بين الديكتاتور والقوى الوطنية، مؤسسة القوات المسلحة يجب أن تفرز نفسها على أساس أبناء الهامش، بتصنيفات المركز نفسها، حيث المطلوب وطنيا، وفي كمها للانحياز لقوى الوطن، هذا الفرز وقع أصلا بعد تكوين مؤسسات ما عرف بقوات «الدعم السريع». 
إذن، الدعوة مستمرة لأبناء هامش القوات المسلحة وهم هامش الوطن لتحديد موقعهم في طريق البحث الطويل لتحقيق إنسانيتهم، أو أن يبقوا هكذا وللأبد.

محجوب حسين
٭ كاتب سوداني مقيم في لندن

منصور خالد:الدولة تتجه نحو الهاوية بسبب فشل "النخبة"


حذّر المفكر والسياسي، منصور خالد، من مغبة وقوع الدولة في الهاوية بسبب فشل النُّخَب في حل مشكلاتها. وأشار د.منصور إلى أن التطرّف بات يهدد تماسك المجتمع السوداني
وقال خلال محاضرة ألقاها بالنادي الدبلوماسي بالخرطوم، في بمناسبة تكريمه، أن النخب السياسية فشلت في إيجاد حل لمشكلات البلاد من الاستقلال، مشيرا إلي أن أي فشل آخر سيودي"إلي ذوبان الدولة ، وهو سيودي الي طريق الهاوية"ووصف خالد السياسيين السودانيين بمن فيهم شخصه "بالمستهبلين"، لأنهم فشلوا في تحقيق أمنيات السودانيين واستمرارهم في أنكار ذلك. وأضاف: " لم يستطيعوا حل مشكلة الجنوب الذي انفصل، والآن البلاد تعاني من حروب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق"وقال ان البلاد تعيش في أسوأ فتراتها منذ الاستقلال بعد تردي الأوضاع الاقتصادية إلي مستويات سيئة، ومشى قائلاً:"تزايدت معدلات الهجرة، وعدم توفر الخدمات لأكثر من ٦٢٪ من السكان، وارتفاع عدد حالات الانتحار لتصل إلي الأعلي في المنطقة العربية والإفريقية"وشدد خالد الذي ظل يتحدث لساعة ونصف، على أن التطرّف الذي انتشر بصورة كبيرة، بات مهددا كبيرا لوحدة المجتمع، في ظل انتشار ثقافة عدم التسامح التي جاءت بها الجماعات الاسلامية، مشيرا الي ان " هذا الوضع لا يساعد الي الوصول الي اي تسوية سياسية او حوار مثمر، وهنالك ظواهر سالبة كثيرة انتشرت في المجتمع بسبب سياسات الحكومة الحالية مثل التدين الشكلاني وشيوع ثقافة النفاق".
 وتوقع د. منصور الذي شغل منصب وزير الخارجية في وقت سابق،أن يثور الجيل الحالي في أيّة لحظة، مشيرا إلي السلطة ليس لديها خيار سوي الاستماع إليهم
التغيير

البشير في حوار مع عكاظ السعودية: الأسد سيُقتل.. جنوب السودان دولة فاشلة


الرئيس السوداني يؤكد أن الملك سلمان مهتم بقضـــايا الخرطوم ويرى أن تدخلات حزب الله مكشوفة
البشير لـ «عكاظ» لا نقبل المساس بالمملكة.. والأسد سيُقتل..ولا أعترف بالمحكمة الجنائية
«رعد الشمال» عمل جبار تجاوز المكون العربي إلى الإسلامي
إيران لديها مشروع توسعي وحذرتنا المملكة منهم فطردناهم

وصف الرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير علاقته بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بأنها «ودية وأخوية وحميمية وممتازة جدا». وأكد ـ في مقابلة تنشرها «عكاظ» ـ أن السودان يقدم أمن المملكة على أمنه؛ لأنه أمن الحرمين الشريفين. وزاد: «أمن السعودية خط أحمر». ووصف البشير تمرين رعد الشمال ـ الذي حضر مناوراته الختامية وعرضه العسكري في حفر الباطن ـ بأنه عمل جبَّار. وأضاف أن تجمع جيوش الدول الـ20 المشاركة في التمرين يمثل المرة الأولى التي تم فيها تجاوز المكوِّن العربي إلى الإسلامي؛ وهو عمل احترافي كبير. وكشف البشير عن أن بلاده أعادت مجموعات متطرفة سعودية إلى سلطات الرياض. وقال إن علاقته بالولايات المتحدة لم تتحسن، وإنه لا يعترف بالمحكمة الجنائية الدولية التي تلاحقه بتهمة الإبادة الجماعية.
وأكد الرئيس السوداني أن الدولة السودانية لن تتأثر برحيل الزعيم الإسلامي حسن الترابي؛ لكنه رجح أن وفاة الترابي ستضعف المعارضة التي انضم إليها بعد خلافه مع النظام. ووصف البشير دولة جنوب السودان بأنها دولة فاشلة، وأقر بعلاقته الوثيقة في فترة سابقة بالرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح، وقال «إن صالح لم يستطع تحمل الإبعاد عن السلطة». ووصف تحالف المخلوع مع الحوثيين بأنه خطأ كبير وقع فيه الرئيس السابق. وأوضح أن إيران لديها مشروع توسعي كبير، وقال: «لم نكن نعرف ذلك». وزاد أن السعودية لم تكن راضية عن الوجود الإيراني في السودان، «واكتشفنا صحة هذا الكلام عن سلوكيات إيران ونياتها فطردناهم من بلادنا». وفي الشأن السوري، رأى البشير أن بشار الأسد لن يرحل بغير القوة؛ لأنه رئيس طائفة أقلية، مرجحا أن بشار سيظل يقاتل إلى أن يقتل.
• كيف تصف علاقتك بالملك سلمان والعلاقة السعودية ـ السودانية في الفترة الحالية؟
•• بيني وبين الملك سلمان لقاءات قديمة، منذ كان أميراً للرياض، وهي علاقة ودية وأخوية وحميمية وممتازة جداً، والملك سلمان مهتم ومتابع لقضايا السودان والقضايا العربية والإسلامية، وأتذكر الاتفاقيات التي وقعناها بالرياض، ولا أظن الملك حضر توقيع اتفاقيات كالاتفاقيات مع السودان، وهذا دليل على محبته للسودان وأهله وتعبير عن عمق العلاقة الأخوية.

• منذ انطلاق عمليات «عاصفة الحزم» جمعتكم لقاءات مع ولي العهد الأمير محمد بن نايف وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هل النقاشات واللقاءات كانت تدور حول «عاصفة الحزم» ومشاركة القوات السودانية، أم عن العلاقات بين البلدين، أم أمور أخرى؟
•• علاقتي بالأميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان ممتازة جداً حتى من قبل تقلدهما مناصبهما ومواقعهما الأخيرة وفقهما الله. الأمير محمد بن نايف تربطني به علاقة متميزة منذ كان مساعداً لوزير الداخلية، فحينما أؤدي الحج كان يأتي إلى زيارتي في مشعر منى، وكذلك الأمير محمد بن سلمان تربطني به علاقة ممتازة وعلى تواصل معه.
• لكن ألا تعتقد أن مشاركة بلادكم في «عاصفة الحزم» أعطتكم قوة دافعة للعلاقة مع المملكة؛ كونها أوضحت بجلاء جدية موقف السودان.. كيف ترى ذلك؟
•• العلاقة مع الشقيقة السعودية قديمة ومتميزة، وأمن المملكة مقدم على أمن السودان، فهذا أمن الحرمين الشريفين، وقد بدأت بعض اعتداءات وانتهاكات الحوثيين لحدود المملكة منذ عهد الملك عبدالله رحمه الله، ومنذ ذلك الحين اتصلت بالمملكة وأبديت جاهزيتنا؛ لأن أمن المملكة خط أحمر بالنسبة لنا، وحينما تواصلنا لعاصفة الحزم، لم نتردد نهائياً؛ لأننا كنا نتابع الأوضاع السيئة في اليمن، وكان الوضع في اليمن خطراً على المنطقة كلها لا المملكة وحدها؛ لأن الحوثيين لو تمكنوا في اليمن قطعاً لن تكون اليمن آخر محطة لهم.

هل مازلت على تواصل مع صديقك الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، أم أن العلاقة انتهت؟
•• الرجل كان صديقاً وقريباً منا، وكذلك كان صديقاً وقريباً من المملكة، لكن بكل أسف لم يستطع تحمل الإبعاد عن السلطة، وتحالفه مع الحوثيين خطأ كبير وقع فيه ويتحمل نتائجه.

• هل تواصل معك طالباً منك الوساطة؟
•• لم يتواصل معي، قبل خروجه من الرئاسة وعندما حدثت له محاولة الاغتيال وتفجير المسجد الذي كان يصلي فيه الجمعة وبعد أن تعالج في المملكة وعاد إلى اليمن، أرسلت الدكتور مصطفى عثمان في زيارة إلى اليمن، وقلت له: بلغ تحياتي لعلي عبدالله صالح وتحمد له بالسلامة لنجاته من هذه المحاولة الفاشلة، ومنذ ذلك الحين انقطعت العلاقة ولم نتواصل.

؛؛نحن ضد أي تنظيم دولي لجماعة الإخوان المسلمين.. وكل دولة لها سياستها وسيادتها؛؛
• هل أثر على علاقتكما تحالفه مع الحوثيين وعلاقته بإيران؟
•• هناك علاقة. وعلي عبدالله صالح كان يحارب الحوثيين (فجأة تحالف معهم)، وأتذكر أثناء حربه عليهم اتصلت به وقلت له إذا كان مطلوباً أي شيء من السودان، فنحن معكم، فطلب ذخائر وأمددناه بها على رغم ظروفنا؛ لأن اليمن بلد عربي عزيز علينا جميعا ويهمنا أمنه واستقراره، وكان يحارب المتمردين الحوثيين.

• لماذا كنت تغض الطرف عن تدخلات إيران في شؤون بلادكم؟
•• من الواضح أن لدى إيران مشروعاً توسعياً، لكننا لم نكن نعلم عن ذلك، بل لم نكن نعرف شيئاً عن تحركاتهم ومخططاتهم وسعيهم إلى تشيع الناس في البلاد، وعندما اكتشفنا ذلك تعاملنا مع الأمر مباشرة، ونحن لدنيا مشكلات قبلية وجهوية أخرى، وبلادنا لا تتحمل مشكلات إضافية من إيران أو غيرها، فكان موقفنا واضحاً منها.

• أليست الرياض من نبهكم وحذركم من الخطر الإيراني؛ لأن هناك من يقول إن المملكة قالت لكم أبعدوهم من بلادكم؟
•• حقيقة، المملكة لم تكن راضية على وجودهم أو توسعهم لدينا؛ لأن وجودهم في السودان مصدر خطر علينا وعلى المنطقة، واكتشفنا فيما بعد صحة هذا الكلام، وسوء سلوكيات إيران ونياتها فطردناهم من بلادنا.
• كيف تصف علاقتك بالرئيس عبدالفتاح السيسي، والعلاقة المصرية ـ السودانية؟
•• علاقتي بالرئيس السيسي ممتازة، وعلاقات السودان بمصر ممتازة أيضا وعلاقة أشقاء.

• وهل انتهت المشكلات بينكما؟
•• المشكلات غير موجودة، ما عدا الحدودية لم تنته بعد.
؛؛صالح كان صديقي
لكنه لم يتحمل الإبعاد
عن السلطة وتحالفه
مع الحوثي خطأ كبير؛؛
• ماذا عن علاقات السودان مع إثيوبيا، هل لاتزال المشكلات على حالها؟
•• علاقتنا مع إثيوبيا أستطيع أن أقول إنها ممتازة، بعدما حصل تغيير في نظام إثيوبيا، وليس لدينا مشكلات معهم.
• ما الحل في سورية من وجهة نظرك، هل أنت مع رحيل بشار الأسد أم لك وجهة نظر أخرى؟
•• قناعتنا منذ أول يوم أن الحل في سورية هو الحل السلمي؛ لأن الوضع في سورية مختلف عن أي وضع لأي دولة أخرى، و الحاكم هم طائفة أقلية، والأقلية تدافع عن نفسها وحكمها لآخر قطرة والحل عسكري يا قاتل يا مقتول، ويعاون بشار إيران وحزب الله والروس، وكان لا بد من حل سلمي.

• هل اتصلت ببشار الأسد منذ اندلاع الأزمة السورية؟
•• لقد طرحنا الحل السلمي منذ ثلاث سنوات، واتصلت ببشار آنذاك وقبل بحل سلمي، والدم لا يزال يسيل والقتلى يتزايدون والمهاجرون يتزايدون، كم عدد الذين قتلوا وشردوا في السنوات الثلاث الأخيرة؟، شخصياً أعتقد أن بشار لن يرحل الآن إلا بالقوة، فمن نفسه لن يرحل، والأمر صعب جداً في هذا البلد العربي. بشار رئيس طائفة أقلية، وحينما تكلمنا آنذاك عن الحل لم يكن ظاهراً لنا تدخل حزب الله وإيران، وروسيا لم تتدخل آنذاك، لكن بعد ذلك دخل حزب الله وغيره، وأصبح الصراع مفتوحاً.

• ماذا عن المعارضة السورية، ألم تلتقِهم؟
•• لقد التقيت بالمعارضة السورية في القمة العربية في الدوحة عام 2013، وقلت لهم ليس هناك خيار بين الحل السلمي والعسكري وهناك جهات كثيرة تتدخل في سورية، وتقول إنه يهمها التوازن العسكري داخل سورية، وهذا يعني استمرار التدمير والقتل والفوضى؛ يعني لو أن إسرائيل اليوم احتلت سورية لم تكن ستدمر كما حصل الآن، ولم تكن ستقتل كما هي الأعداد المقتولة الآن، ولن تشرد كما شرد الآن. الوضع صعب جداً، والحل لابد منه.

• ولِمَ لا تطالب بشار الأسد بالرحيل؟
•• لأنه لن يرحل.. لأنه يقاتل بكل طائفته، وهذه الطائفة مترابطة وتقاتل مع بعضها سواء في سورية أو لبنان والعراق، وأقول بشار لن يرحل، سيقاتل إلى أن يُقتل، وحزب الله وإيران وروسيا معه كما تشاهد الآن.

،،أعدنا متطرفين
إلى الرياض وتم
تأهيل 80 % من دواعش السودان؛؛
• السفارة السودانية لاتزال مفتوحة في دمشق؟
•• نعم.. لاتزال موجودة.
• وكيف ترى تدخلات حزب الله؟
•• بالنسبة لي.. تدخلات حزب الله مكشوفة وهناك طائفة تدافع عن بعضها في سورية وهي القلة الحاكمة ويمثلون 3 % لكن يهمه وجوده؛ لأنه طائفة واحدة سواء أكان لبنانياً أو سورياً أو عراقياً أو إيرانياً، هم طائفة واحدة يشدون ويؤازرون بعضاً، وحزب الله متورط في الدم السوري.

• ماذا عن «عاصفة الحزم» ثم «رعد الشمال»؟
•• نحن اجتمعنا وتحالفنا في «عاصفة الحزم» لإعادة الشرعية في اليمن بحكمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وكذلك اليوم نجتمع في (رعد الشمال) في حفر الباطن في تمرين عسكري تعبوي هو الأول من نوعه بحضور 20 دولة عربية وإسلامية، وهذا يحدث لأول مرة، وها نحن نصف سوياً والمملكة هي الرائدة في هذا العمل الموفق.
رعد الشمال عمل جبَّار وأنت صحفي مطلع، أقول لك بقدر ما أنا سعيد بهذا التجمع بمستوى هذا التمرين الرفيع وهذا الحشد الذي تم وبالترتيب الذي تم، لا أخفيك خشيتي من أعداء الأمة المتربصين؛ لأن تجمع 20 دولة أول مرة نتجاوز فيه المكوِّن العربي إلى المكوِّن الإسلامي، عمل احترافي كبير، وحقيقة هذه مرحلة لم تحصل من قبل، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا العمل في ميزان خادم الحرمين الشريفين.

• كيف ستحاربون «داعش»؟
•• نحن في السودان «شغالين» بطريقتنا.
• هل يوجد تنظيم «داعش» في السودان؟
•• داخل السودان لا يوجد «داعش»، لكن هناك من يؤيده ويتعاطف معه، بعضهم من الشباب ونحن نتعامل مع هؤلاء الشباب.. نقبض عليهم ونضعهم في أماكن آمنة، ونأتي لهم بعدد من العلماء الشباب للدخول معهم في حوار، واستطعنا تغيير أفكار أكثر من 80 % من هؤلاء المتعاطفين أو المؤيدين.
• لكن ««القاعدة»» موجودة في السودان؟
•• واجهناهم.
• أليست «القاعدة» نبتة إخوانية ؟
•• نعم في بعض المناطق، ونحن ضد أن يكون هناك تنظيم دولي للإخوان أو غيرهم، وداخل الدول كل دولة تدير سياساتها داخل أراضيها وسيادتها.
«داعش» طوروا فكر «القاعدة» وهم أكثر تشدداً من «القاعدة»؛ فلو درست فكر «القاعدة» وأسلوبها لوجدت «داعش» أكثر تشدداً، الخلاف بين «القاعدة» و«داعش»: «القاعدة» كان تنظيماً داخل الدول، أما الآن «داعش» يحتل أراضي ولديهم أموال وقيادة ودولة بمؤسسات للتعليم والصحة، وسكوا نقوداً ولديهم خليفة يبايعونه.

• في السودان ماذا فعلتم؟!
•• بالنسبة للشباب الذين نقبض عليهم نقيم لهم مراجعات ونحاورهم فقهياً ونجحنا مع 80 %؛ ففي الخرطوم كانوا أدوات قاعدة، كان الشباب يتسربون إلى العراق، وصدرت لهم توجيهات ألا يأتوا إلى العراق، وكونوا ما اسمه تنظيم «القاعدة» في بلاد النيلين، فهذه أول مجموعة تم القبض عليهم وأخضعناهم للمراجعة وجلس معهم علماء شباب وحاوروهم ونجحوا بنسبة 80 %.

• هل هؤلاء من رجيع حقبة أسامة بن لادن خلال وجوده في السودان؟
•• لا! هؤلاء بعد أسامة بن لادن. الكلام هذا متأخر جداً، إذ كان الشباب يذهبون إلى العراق، وطلب منهم: كوّنوا تنظيمكم في السودان، فالتنظيم هذا أغلبيته استرددناهم وأعدناهم، وبعضهم استخدمناهم في إقناع الآخرين، فكلما نقبض على خلية نخضعها للمحاورة والمراجعة، ومن يأتي من دول أخرى ومنها السعودية نعيدهم إليها.

• كم عدد الذين قبضتم عليهم من المتطرفين السعوديين وتمت إعادتهم لبلادهم؟
•• لا أتذكر كم العدد، لكن كان هناك محاولات منهم، وفي كل مرة تأتي مجموعة صغيرة، وحتى لا يتخذوا السودان مقراً لهم نعيدهم ونسلمهم إلى المملكة.

• الحل العسكري في اليمن يوشك على إعادة الشرعية اليمنية بعد تحرير 85 % من المناطق؟
•• الوضع العسكري في اليمن الآن أفضل كثيراً بفضل عاصفة الحزم، وحررت الكثير من المناطق من الحوثيين وآخرها تعز، وبدأ الوقت المناسب والحل السلمي ممكن إذا اقتنعوا به؛ لأنهم لن يتركوا ليسيطروا على اليمن عسكرياً، والنتائج واضحة والشرعية عادت، وبدأت العشائر اليمنية تتحرك ضد الحوثيين، والحل السلمي أفيد من الحل العسكري.
؛؛علاقتي بالسيسي
جيدة وليست بيننا مشكلات سوى الحدودية؛؛

• أنت مطارد من محكمة العدل الجنائية.. وتسافر من بلد لآخر، هل هو عدم اكتراث بقراراتها أم تحدٍ لهم؟
•• لست معترفاً بالمحكمة الجنائية وقراراتها ومن يحركها، وفي النهاية الأمر كله بيد الله.

• يقال إن علاقتك بواشنطن بدأت تتحسن؟
•• لا شيء يذكر من هذا القبيل!
• يعني لم تتقدم كما تردد؟
•• لم تتقدم كثيراً، هناك إشارات، لكن محاولات جادة جداً لم تحدث، وهناك ضغوط كبيرة جداً من المملكة العربية السعودية ومن الإمارات العربية المتحدة لتحسين العلاقات، وأمريكا الآن في مرحلة انتخابات فستظل علاقتنا بها كما هي حتى يتم انتخاب الرئيس القادم.

• يبدو أن السعودية فتحت أبواب العمل للسودانيين بشكل أوسع، هل طلبتم من المملكة ذلك؟
•• السودانيون بذاتهم يأتون إلى المملكة والآن زادوا. والجالية السودانية مرغوبة من المواطن السعودي نفسه فهو يفضل الطبيب السوداني والمعلم السوداني أكثر من غيرهم بحكم ثقة شعوب دول الخليج بهم وبثقافتهم وأخوتهم.

• هل طرحتم على دول مجلس التعاون الخليجي انضمام السودان عضواً في المجلس؟
•• والله نحن في السودان نتمنى ذلك، وفكرنا في ذلك، وعلاقتنا ممتازة مع كل قادة دول الخليج بلا استثناء ومع الشعوب الخليجية كذلك.
وفاة حسن الترابي والفراغ الذي تركه في الحركة السياسية السودانية.. هناك أناس كتبوا عنه أنه جدلي حياً وميتاً.. فكيف ترى ذلك بعد وفاته؟ (سؤال الزميل فهيم الحامد)
•• بالطبع، نحن اختلفنا مع الدكتور الترابي، وهو الذي كون حزبه، وحزبه كان موجوداً، قد يكون عمل موازنة في العملية السياسية، من خلال وجوده في المعارضة وإعطائها وزناً إضافياً، وغيابه عنها ربما يضعفها، لكن نحن كدولة لا تأثير له علينا.
• كيف ترى دولة جنوب السودان؟
•• دولة فاشلة.

هكذا واجه «المشير» تحديات «المفاصلة» ومعارك «ميوم» ولاهاي
تعود جذور الرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير إلى قبيلة الجعليين- أحد أعرق المجموعات العربية في السودان – وقاد حركة الجيش في يونيو العام 1989لإقصاء حكومة الصادق المهدي وحلفائه من الحكم.
البشير الذي ولد في منطقة «حوش بانقا» في شمال السودان، وأعيد انتخابه رئيسا أكثر من مرة، خاض معارك ضارية في الجنوب انتهت باستقلال وتشكل دولة السودان الجنوبي . وعندما تولى حكم البلاد كان «العميد» البشير في مهمة حربية في منطقة «ميوم» الجنوبية فعاد من مأموريته العسكرية رئيسا لجمهورية السودان في حركة ثورية يصفها خصومه بالانقلاب . ولم تكن المعارك في الجنوب هي أصعب ما واجهه المشير من تحديات إذ تلتها حرب «المفاصلة» بينه والراحل الدكتور حسن الترابي – عراب النظام – كما كان يقول البعض، ووضعت المفاصلة الشهيرة حدا للعلاقة بين تيارات الإنقاذ التي انشطرت قبل عدة أعوام إلى مؤتمرين، شعبي برئاسة الترابي ووطني يقوده المشير بنفسه.
يعرف عن الرئيس السوداني، شبكة علاقاته الاجتماعية الواسعة في بلاده ، وإجادته للعرضة السودانية وأهازيج الحماسة التي غالبا ما ينهي بها لقاءاته السياسية وسط أنصاره. لكن حزنا كبيرا سكن فؤاد الرئيس حين فقد عضده الأيمن نائبه الأول الزبير محمد صالح الذي توفي في سقوط طائرة رئاسية في جنوب السودان ليواجه في السنوات التالية تحديات وملاحقات من المحكمة الجنائية الدولية فانتصر عليها رافضا الإذعان لقاضيها «أوكامبو» الذي ودع منصبه في لاهاي فيما بقي البشير رئيسا يجوب البلدان بطائرته دون اكتراث بتهديدات الجنائية .. وهو أمر يعتبره السودانيون جزءا من ثقافتهم في الإباء والاعتداد بالنفس ورفض الضيم مع ميلهم الفطري للتسامح الذي يجسده الحوار الوطني الموسع الذي تشارك فيه أحزاب موالية ومعارضة بهدف إجراء تغييرات هيكلية في الدولة بهدف توحيد البلاد لمواجهة «الاستهداف العالمي» واستغلال ثروات البلاد لتعود .. سلة حقيقية لغذاء العالم !

حاوره في حفر الباطن: جميـــل الـــذيـابي
عكاظ السعودية

ماذا دهى اسحق؟!


دهشت لما كتبه اسحق فضل الله ولم أصدق عيني في البداية إلى أن أعدت القراءة لأتحقق من الأمر .. فقد جاء اسحق شيئاً إمرا لا ينبغي أن يصدر عن مجنون ناهيك عن أن يكتبه أحد أكبر وأبرز نجوم الكتابة الصحافية في بلادنا.
زعم اسحق أن المفاصلة بين (الوطني) و(الشعبي)، أو قل بين القصر والمنشية، أو بين البشير والترابي كانت مجرد تمثيلية خادع الترابي بها الناس حتى يخفف من الضغط على الإنقاذ.
كل ذلك الهراء يصدر عن اسحق حتى يبرر هجومه الكاسح بعد المفاصلة على الشيخ باعتبار أن كتاباته كانت جزءاً من المسرحية والخدعة التي تلاعب بها الترابي على الشعب السوداني طوال تلك السنوات العجاف، بما يعنى أن اسحق لم يكن جاداً أو يصدر عن عداء ووقائع حقيقية في حملته الضارية وغضبته المضرية على الشيخ، وإنما كان جزءاً من الخدعة والمسرحية التي أخرجها الترابي بما يعني أنه عندما سخر قلمه للحرب على الشيخ وحزبه إنما كان يفعل ذلك لإحكام الحبكة في (مسرحية القصر والمنشية)!.
كلام هرف به (شيخ) اسحق لا ينبغي أن ينطلي على طفل رضيع ولكن لله في خلقه شؤون.
أعلم يقيناً أن اسحق يعلم يقيناً أن تلك المفاصلة كانت حقيقية، وأنه لم يكن يمثل على الشعب السوداني، كما أن الترابي لم يكن يخدع أو يخادع الناس حين خاض معركة الحريات والتعديلات الدستورية، كما أن من انقلبوا على شيخهم بمذكرة العشرة لم يكونوا يمثلون على الشعب، وأن أحداث الرابع من رمضان التي أعقبتها المفاصلة ومن ثم ذلك الفصل الدامي من الخلاف والصراع الذي قضى فيه بعض أتباع الترابي أكثر من عشر سنوات في سجون الإنقاذ لم تكن سوى حقيقة ماثلة لا يزال رجالها أحياء يرزقون ويعجبون مما يكتب اسحق في حقهم .
بربكم ماذا دهى اسحق الذي تستهويه الدراما حتى غدا بحديثه الأخير يتخيل نفسه كاتب سيناريو لمسرح كوني يحيل فيه الحياة والأحياء إلى ممثلين في إطار مشاهد مدهشة في مسلسل اللامعقول؟!.
ماذا دهى اسحق حتى غدا يتفاخر ويتباهي بأنه يكذب أحياناً على قرائه لخدمة أجندته وأهدافه بحجة أن الحرب خدعة كما فعل قبل نحو عامين، ولماذا يقوم اليوم باختلاق كذبته الكبرى الجديدة التي نعلم أنه يحاول الآن تمريرها على الشعب السوداني بل والعالم أجمع؟.
أكل ذلك لأن أحدهم (زنقه) بسؤال عن كيف يجوز له أن يبكي الشيخ الترابي وقد قال فيه أيام المفاصلة ما لم يقل مالك في الخمر ؟
لقد عارضنا الترابي بعد المفاصلة في كثير من مواقفه كما عارضنا الإنقاذ وهاجمناها كتابة ولا نجد أدنى حرج اليوم في أن نبكي الشيخ بالدمع السخين بدون أن نضطر إلى الكذب والزعم بأننا كنا نخادع الناس في إطار مسرحية امتدت فصولها لسنوات، وأهم من ذلك بدون أن نجرّم الشيخ الترابي بعد وفاته، ونحط من قدره ونظهره للجميع بمظهر المخادع الكذاب؟.
يعلم اسحق علم اليقين أن الصراع بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي بلغ أوجه وتطاير شرره واشتعلت نيرانه للحد الذي جعل الطرف الآخر يرى قرنق رغم كل أنهار الدماء التي أسالها من قوات ومجاهدي السودان أقرب إليه من الشيخ الترابي الذي بلغ به الغضب والعداء كذلك درجة أن يؤيد محكمة الجنايات الدولية ويطالب الرئيس بتسليم نفسه إليها بل بلغ أخطر من ذلك حين أدلى بتصريحات أخرى أكثر عداء ورغم ذلك كله يخرج علينا اسحق بكذبته التي ما سبقه عليها أحد من العالمين ليقول في بساطة مدهشة أنها كانت مجرد مسرحية.
لقد رحل الشيخ يا اسحق فبالله عليك ارحمه من أكاذيبك فوالله ما انخرط الرجل في الحوار الجاري الآن إلا لأنه خشي على وطن صرح على رؤوس الأشهاد أنه يخشى من أن يغادر الدنيا قبل أن يطمئن عليه بعد أن رأى الموت والخراب والدمار والتشريد الذي حل بدول كانت آمنة مطمئنة مرزوقة أكثر منا ، معولاً على عهود ضربت أمامه بأن مخرجات الحوار سيلتزم بها وأن بلادنا ستستأنف مسيرة جديدة من الحكم الديمقراطي الراشد بعيداً عن الاحتراب والتغابن الذي هوى بها إلى القاع .



الأحد، 13 مارس 2016

بروفيسور “حسن مكي”: جمهور “محمود عبد العزيز” أكبر من أي حزب سياسي!!


بعض أعضاء الحركة الإسلامية كانوا يعتقدون أن تزوير الانتخابات عبادة يؤجرون عليها
“علي عثمان محمد طه” أول من أصدر حكماً ضد (الدعارة)
أحرقنا (أكشاك القمار) والمراهنات الرياضية.. ونضرب الطلاب (السكارى) في الجامعة
الشيوعيون نزيهون وكانوا يصومون ويصلون.. و”أحمد سليمان” كان يقيم الليل
“نقد” مات نظيفاً.. ولكنه لم يُمتحن بوزارة
حوار: محمد إبراهيم الحاج
يعرف الناس عن البروفيسور “حسن مكي” ميله الشديد إلى إطلاق الآراء الجريئة التي لا تعجب كثيرين من أعضاء الحركة الإسلامية أنفسهم، ولأن الرجل عايش كثيراً من التجارب السياسية والكروية بالبلاد، وكان له في أغلبها رأي واضح يميل إلى الصراحة الشديدة في أغلب الأوقات، تجده الآن لا يتجرأ على الحديث عن كثير من الأمور التي لها علاقة بالحركة الإسلامية أو المشهد الفكري والسياسي والاجتماعي بالبلاد.
لثلاثة أجزاء حاورت (المجهر) بروفيسور “حسن” بمكتبه بـ(جامعة أفريقيا العالمية)، فتح فيها عقله وقلبه وكثيراً جداً من خزائن أسراره، وتطوفنا معه عن بدايات تكوينه الفكري الأول وانضمامه للحركة الإسلامية، وتنقلنا معه عن الفترة التي قضاها حبيساً في عهد “نميري” التي قاربت من الثلاث سنوات على مرحلتين، وسألناه عن علاقته بالشيوعيين، وعن رأيه في كثير من قادة البلاد، ورغم المناطق الحساسة للغاية التي سألناه عنها، إلا أن بروفيسور “مكي” للأمانة كان واضحاً وسريع الرد على كل الأسئلة ولم يطلب مني الابتعاد عن أي سؤال، إلى مضابط الحوار:

{ نتحدث قليلاً عن علاقتكم مع الشيوعيين.. هل هناك علاقات اجتماعية بينكم؟
– أعتقد أن المرحوم “يس عمر الإمام” كان أفضلنا، حتى في السجن كان يتواصل معهم وكان لا يتقيد بالكلام الذي كنا نقوله بأن نفرض عليهم عزلة في السجن، ولكن بعض اليساريين نتواصل معهم، مثلاً “محمد يوسف” الذي أصبح وزيراً بعد ذلك، وكان في داخلية “المك نمر” وأنا كنت في داخلية “الزبير”، هنالك جسور تواصل بيننا وبين اليساريين.
{ هل تتبادلون الزيارات؟
– حتى مع الإسلاميين تكون العلاقة محدودة مع الناس الذين لديهم قدرات فكرية.
{ بصراحة ما هو رأيك في الشيوعيين؟
– هي حركة سياسية وأصلاً بعد استقلال السودان كان كل الناس مثلهم الأعلى هم الإنجليز، وبعضهم تزوج منهم مثل د.”أحمد الطيّب” و”عبد الله الطيّب” وكثير من النخب السودانية في ذلك الوقت، ومعظم الذين تم ابتعاثهم إلى “إنجلترا” للدراسات العليا، لذلك مجالس الشراب كانت حاجة عادية، والحركة الإسلامية بدأت كحركة صغيرة، التيار الشعبي مثل “عوض الإمام” والتيار النخبوي الجامعي بدأ بـ”بابكر كرار” وكان حركة سرية، لذلك التيار الشيوعي كان مهتماً بالقضية الاقتصادية وقضية الخدمة والمساواة واختراق الجمعيات السرية ومعجب بتجربة الاتحاد السوفيتي، وبالنسبة لنا كنا نرغب في التعبير عن الأصالة الإسلامية، والذي جعلنا نكون ضد الشيوعيين هي الأخلاق الجديدة التي كانت طابع كل المثقفين السودانيين.
{ ماذا تعني بالأخلاق الجديدة؟
– احتساء الخمر والعلاقات المفتوحة، وكانت (الدعارة) جزءاً من المجتمع السوداني وتنتشر في “الخرطوم”، كل إنسان ينتظر دوره مع (ست البيت).
{ هل من الممكن أن أنشر هذا الكلام؟
– أيوه.. أيوة.. نحن كنا ضد هذا التيار ويرجع الفضل إلى أن أول من أصدر حكماً ضد (الدعارة) هو الأستاذ “علي عثمان محمد طه”، والذي نفذ الحكم بدقة هو “مهدي مصطفى الهادي” الذي كان له الكعب الأعلى في جعل (الدعارة) أمراً غير مشروع في “الخرطوم”.
{ ثم توالت بعد ذلك الحملات ضد (الدعارة)؟
– نعم ثم جاء “محمد عبد القادر” حينما أصبح والياً مع “نميري” وطبق هذه المسألة في الولاية حتى جاءت قوانين سبتمبر 1983م وتعطلت كل الأحكام الموروثة مع الانجليز.. وبالمناسبة الانجليز أنفسهم في قانونهم يحرمون على المثقفين السودانيين تعاطي المشروبات الكحولية المستوردة، لأنهم كانوا بيفتكروا أحسن ليهم المشروبات الكحولية العادية مثل (المريسة)، (البقنية)، (العسلية) و(العرقي).
{ تريد أن تقول إن من أهم أسباب ظهور الحركة الإسلامية كان لمحاربة ما اسميتها بالـ(أخلاق الجديدة).. ما هي آلياتكم التي استخدمتموها في هذه المعركة؟
– أولاً في ثورة شعب أحرقنا أكشاش (توتو كورة) التي تختص بالمراهنات الرياضية و(القمار).
{ كيف أحرقتموها؟
– أحرقناها بالنار.. بنكب البنزين في الكشك ونحرقوا.
{ جيتوا بالليل وحرقتموها؟
– لا حرقناها بالنهار في المظاهرات.
{ كنتوا قاصدين تحرقوها؟
– أيوة كانت الأهداف.
{ وكيف حاربتوا الخمور؟
– في الجامعة ذاتها كان هناك ناس فرسان زي المرحوم “محمد عثمان محجوب” و”محمد عوض الجيد” وغيرهما.. وديل كانوا بيتصدوا للطلاب السكارى وبيضربوهم.. ودارت مشاكل كثيرة جداً بينهم وبين الطلاب (السكارى).. لأن الجامعة وقتها كانت لا تمنع السكر واسمها (كلية غردون التذكارية)، وكان بعض الطلاب يعتقدون أنه يمارس حقه الطبيعي.
{ يعني كنتوا بتضربوا الطلاب (السكرانين) في الجامعة؟
– أيوة.
{ مفرغون لهذا العمل؟
– ما بنقدر نقول مفرغنهم.. ولكنهم كانوا يتصدون لهم.. لأن الطلاب (السكارى) كانوا يعملون ضوضاء وده كان شيئاً عادياً، وكانت حادثة (العجكو) عندما نظمت الجبهة السكرتارية للجبهات التقدمية في جامعة الخرطوم حفلات مختلطة، تصدى الإسلاميون لهذا الموضوع و(كسروا) الكراسي على رؤوس الطلاب.
{ ما هي تفاصيل إلغاء (الدعارة) في السودان؟
– أول حكم قضائي أصدره “علي عثمان محمد طه” ونفذه “مهدي مصطفى” في نهاية السبعينيات.
{ استخدم الإسلاميون الدين لمحاربة خصومهم الشيوعيين؟
– قد يكون هذا حادث خاصة أن حل الحزب الشيوعي جاء نتاج لذلك في حادثة دار المعلمين وقادته “سعاد الفاتح البدوي” و”علي عبد الله يعقوب”، وكان بأن استغلوا إساءة طالب للسيدة “عائشة” رضي الله عنها واستخدموا الحادث لتعبئة الجماهير.
{ لكنها كانت حادثة فردية؟
– نعم كانت فردية ولم تكن سياسة الحزب الشيوعي.
{ الشيوعيون بيصوموا وبيصلوا؟
– نعم بيصلوا وبيصوموا وكانوا يصلون في الجامعة، وكثير منهم الآن رجعوا زي “أحمد سليمان” كان يقيم الليل.
{ الكثيرون يرون أن الشيوعيين عفيفان وأمناء للغاية؟
– لا أدري طبعاً لأنه في ناس إلى الآن مع البروليتاريا والكادحين مثل “سليمان حامد” و”محمد إبراهيم نقد” ومات وهو نظيف.. ولكن لم يمتحن.. هل امتحن بوزارة؟ هذا هو السؤال.. لكن البعض منهم امتحنوا بوزارات وكانوا نظيفين.
{ ننتقل إلى شأن الحركة الإسلامية ذاتها.. لماذا تم اختطافها؟
– أعتقد أن الحركة الإسلامية كانت موجودة حتى انقلاب 89 وحدث أنه أصبح هناك إسلاميون حكام وإسلاميون محكومون كغيرهم من الناس، وأصبحت المسافة كبيرة جداً بين الاثنين، والإسلاميون المحكومين أصبحوا يحسوا أنهم مهمشون وأن الحكام يستخدمون آليات الحكم، وأعتقد أن دكتور “الترابي” كانت لديه أخطاء من أهمها إيمانه بالنظام الرئاسي، وأعتقد أن النظام الرئاسي لا يصلح للسودان.
{ وما هو برأيك النظام الأصلح للسودان؟
– أعتقد أن النظام المختلط هو الأنسب، ونتيجة لإيمانه بالنظام الرئاسي تم حل مجلس قيادة الثورة، وبدلاً أن تكون هناك سلطتان واحدة لرئيس الدولة والأخرى لرئيس الحكومة تم دمج رئيس الدولة مع رئيس الحكومة، وأصبح “عمر البشير” هو رئيس الدولة والحكومة، وهم طبعاً كانوا يحكمون باسم الرئيس “البشير”، وده الخطأ الثاني.
{ وما هو الخطأ الثالث؟
– الخطأ الثالث هو أن الحركة الإسلامية تضم ثلاثة مكونات.. المكون الفكري والروحي.. ويقود العمل السياسي والثقافي والفكري وفيه مكون تاني من الناس الذين يسمونهم المكون الخاص أو التنظيم الخاص.. وهؤلاء هم الذين اخترقوا أجهزة الدولة سواء أكانت الأجهزة الأمنية أو العسكرية وديل كانوا مهمين جداً لأنه بدون جهاز عسكري وأمني لا تستطيع أن تناطح في السلطة، وكان هناك المكون الثالث وهو المكون الشعبي وديل ناس يؤيدون فقط، ولكن ليست لديهم قدرات على الكتابة أو الخطابة أو حتى مؤهلات عالية للعمل في القيادات السرية، و”الترابي” حينما جاء بعد الانقلاب همش المكون الفكري وركز على المكون التنظيمي، وهذا في النهاية عندما وقع الانقسام أصبح “الترابي” نفسه بعيداً كرأس رمح للمكون الفكري والروحي، وأصبحت الدولة في قبضة المكون التنظيمي الخاص السري وهو الذي حكم الدولة (16) سنة الماضية بعد ذهاب “الترابي” وذلك نتيجة لأخطائه بأن حول الدولة إلى تنظيم سري وإلى جماعة سرية وهي التي أدت إلى أخطاء كبيرة، واعتماد الحل الأمني والعسكري في القضايا السياسية، وأدى ذلك إلى انفصال جنوب السودان.
{ كيف استوصلت قيادة الحركة الإسلامية إلى “الترابي” رغم أن كثيرين كانوا يسبقونه؟
– “الترابي” كان متقدماً لأنه عندما وقعت ثورة أكتوبر كنت في ثالثة وسطى كان عميداً لكلية القانون لمدة ثلاثة شهور كان قبله “محمد إبراهيم خليل”، وجاء بعده “زكي مصطفى” وعميد لكلية القانون في كلية واحدة وكان عمره (3) سنوات، ويحمل شهادات جامعية من الخرطوم و”لندن” و”السوربون”، بالإضافة إلى مقدراته في الخطابة وتبحره في العلوم الشرعية لذلك كان متقدماً على الكثيرين، صحيح أن هناك من كان أقدم منه مثل “صادق عبد الله عبد الماجد”، لكن كل هؤلاء بايعوه أنه رجل المرحلة، وتم تكوين جبهة الميثاق الإسلامي، والتف حوله الناس إلى أن حدث انقلاب نميري في عام 1969م، ودخل “الترابي” السجن سبع سنوات في تلك الفترة، وقراءاته في السجن كشفت عن استقامته وقوته وزهده وتحمله للمصاعب.
{ هل كان هناك خلاف بينك وبين “الترابي”؟
– الخلافات دي مرحلة متأخرة.. نحن كنا تلامذة لـ”الترابي” وهذه الخلافات كانت بعد 1994م وزي ما قلت ليك أنا كنت ضد حكاية النظام الرئاسي، وكنت مؤمناً بالتداول السلمي للسلطة وكتبت ذلك في عدداً من المجلات والجرائد، وكان “الترابي” يحتاط من هذه الحكاية، ويقول لي ما تكتب في الجرائد وخليها مذكرات داخلية، ولكنني أصررت على هذه المسألة، ولذلك أصلا طيلة الـ(5) سنوات لم يعرض على أي منصب دستوري ولا حتى عضو مجلس نواب وهو شيء لا يذكر.
{ لماذا؟
– لأنهم كانوا يعتقدون أن لدي خطاً يختلف عن خط الحركة الإسلامية التي اشتقت، وهو وأن يكون الحكم للدولة والنظام الرئاسي والسلطة الواحدة والرؤية الواحدة.
{ نقد لاذع جداً للحركة الإسلامية رغم أنك أحد أبنائها؟
– نعم لأن هناك كثيراً من الأشياء أعتقد أنها لا تليق مثلاً التكاثر بالأوراق يعتبرونها مجرد لعبة، والبعض يعتقدون أنهم يؤجرون على تزوير الانتخابات، وأنا أرى أن هذه جريمة.
{ اختلفتوا في جواز تزوير الانتخابات؟
– نعم أنا أرى أنها جريمة.
{ هل تقصد انتخابات اتحاد الجامعة؟
– كل الانتخابات… انتخابات دستور “الترابي” الاولاني.. وكل الانتخابات يعتبرونها تكاثر في الأوراق فقط.. ومثلما تنتصر في المعركة على المتمردين ممكن تنتصر في المعركة بأن تكثف أوراق.
{ عندما جئتم إلى اتحاد جامعة الخرطوم.. هل زورتم الانتخابات؟
– لا أبداً انتخاباتنا كانت صريحة وواضحة، كان المندوب الشيوعي والبعثي يقضيان الليل مع صناديق الاقتراع وكانا يعرفان أن النتيجة نزيهة ما فيها “شق ولا طق”.
هذه رسائلي إلى الرئيس و”الصادق المهدي” والشيوعيين…!!
جمهور “محمود عبد العزيز” أكبر من أي حزب سياسي!!
الإسلاميين الشايفهم ديل كلهم ما عندهم الملكة النقدية والفكرية لمناقشة القضايا الملحة
“الترابي” قدم خدمات كثيرة والاختلاف السياسي معه شيء آخر
العلماء الذين يحرّمون الغناء والمسلسلات أصواتهم ضائعة ودعوهم يصيحون حتى تنشق حلوقهم
حوار- محمد إبراهيم الحاج
{ في حديثك السابق قلت إن بعض أعضاء الحركة الإسلامية كانوا يعتقدون أن تزوير الانتخابات عمل يؤجرون عليه وهذا هو الأمر الذي جعلك تكون بعيداً بالإضافة إلى مواقف أخرى كانت سبباً في ابتعادك.. ما هي هذه المواقف؟
_ أنا كنت أفتكر أن الجهاز الخاص مهم جداً لكن تسليم أمور الدولة والسياسة أدى إلى حروب السودان، لأن الجهاز الخاص ينبغي أن يكون معه وزنة سياسية، وهذه الوزنة يصنعها الناس بالنقاش والقيادة الجماعية والتفويض والمؤسسية، وأنا افتقدت ذلك.. والأمر الثاني أؤمن بالنظام المختلط، بأن يكون رئيس حكومة ورئيس دولة لكنهم كانوا يعتقدون أن العالم كله ضدهم وإسرائيل، وتحولوا إلى ما يشبه الجمعية السرية.
{ هل تعتقد أن تجربة الحكم أضرت بالحركة الإسلامية السودانية أم نفعتها؟
_ في بعض الجوانب نفعتها لأن الحركة الإسلامية من خلال الحكم كسرت خصومها وأصبحت لديها قاعدة كبيرة وانفتح عليها المجتمع السوداني وعندما تصل الحكم مهما كانت مساوئك فإن بصماتك ستظل باقية في التاريخ.. مثلاً المهدية كان فيها دماء كثيرة وظلم، ولكنها لا تزال متواصلة في حزب الأمة، والحركة الإسلامية، لذلك ستظل بصماتها موجودة في السودان لأن الحكم يمنح التمكين المالي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي وسيظل ذلك لأجيال، لهذا فإن الحركة الإسلامية لم تعد حركة صغيرة.
{ ما هي المراجعات التي تحتاجها؟
_ تحتاج إلى مراجعات كثيرة في باب التداول السلمي للسلطة والشفافية والمحاسبة، وبناء الدولة العصرية، تحتاج في كل ذلك إلى مراجعات كبيرة.
{ مدى صحة مقولة (ناس الحركة الإسلامية دخلوا الناس المساجد وهم مشوا السوق)؟
_ دخلوا الناس المساجد وهم أيضاً دخلوا معهم المساجد، كانت المساجد في السودان محدودة جداً، ففي الخرطوم قلب العاصمة كانت الكنائس أكثر من المساجد، لكن الحركة الإسلامية ضاعفت المساجد بنسبة (500%)، في كل الخرطوم لم تكن المساجد تصل إلى مائة مسجد، الآن المساجد في الخرطوم الكبرى حوالي (8) آلاف مسجد، يعني زيادة أكثر من (80) ضعفاً.
{ لكن بالمقابل تراجع المجتمع سلوكياً بدرجة ملفتة؟
_ اتفق معك.. وهذا نتيجة للفقر.. وأنا رددت عن سؤالك المتعلق بالمساجد وقلت لك تضاعفت إلى (80) ضعفاً.
{ نعم.. لكني أعني هل أثر انتشار المساجد في تنقية سلوك الناس؟
_ نعم أثرت على سلوك الناس، والآن كثير من دهاقنة الشيوعية أصبحوا مؤذنين في المساجد، لكن أكثر ما فشل فيه الإسلاميون المسألة الاقتصادية.. مسألة البطالة بالنسبة للشباب وتدهور الجنيه السوداني، وأصبحت القوة الشرائية له معدومة، وأنا عندما خرجت من الجامعة كان مرتبي يعادل أوقية دهب.
{ كم كان؟
_ زي خمسين أو ستين جنيه وأوقية الدهب كان سعرها (25) جنيهاً والآن مرتب الخريج الجامعي (800) جنيه، وهذا تدهور مريع خلف ظاهرة الفقر التي عمت (العطالى)، والأهم من ذلك أفتكر أن المساحة الفكرية في العقل، وأعتقد أن هناك قضايا كثيرة تطرح نفسها، قضايا تتصل بالمرأة وحريتها في المجتمع، وأخرى تتصل بالمساواة الاقتصادية، وقضايا تتصل بالحريات والتداول السلمي للسلطة.. (والإسلاميين الشايفهم ديل كلهم خصوصاً الشباب” ما عندهم الملكة النقدية والفكرية لمناقشة هذه القضايا ويستنبطوا استنباطات ترضي صدمة المستقبل)، نحن سنواجه صدمة المستقبل لأننا شعوب متخلفة.. هذه هي القضايا الكبيرة في المجتمع مثل قضايا الجنس والجندر والإجهاض وقضايا الحقوق والعمل النقابي والاتحادات والشفافية، ثم إجادة اللغات الخارجية وكيف تعبر عن حضارة الإسلام في مجتمعات الحداثة والمعاصرة، والفن والغناء والموسيقى.. هل نكتفي بحرام.. حرام.. هذه كلها أشياء تتحدث عن كيفية تقديم الثقافة الإسلامية للآخر وتقدمها كرافعة للوصول إلى المستقبل أو قيادة المستقبل، والآن الثقافة الإسلامية السائرة التي تدعو إلى “الخفاض” وإلى دونية المرأة ودولة الاستبداد ومصادرة الحريات، هذا سيقود إلى مجتمع متخلف.. لهذا نحن متخلفون سياسياً واجتماعياً.
{ ما هو سبيل الخروج؟
_ الإسلاميون الذين ليس لديهم القدرة على هذه القراءات ورد على الأسئلة الصعبة التي تشكل صدمة المستقبل لن يستطيعوا أن ينافسوا في هذا السوق الفكري والرؤى والسياسي.
{ أصبحت ذهنية التحريم هي الفكرة الغالبة وأصبح صوت المتشددين عالياً جداً؟
_ مش المتشددين، ما يقود العقل الإسلامي هو ثقافة القرن الرابع الهجري، وهي تكرار وتلقين وإعادة ضخ لما كتب قبل نحو ألف ومائتي عام، بينما الناس يحتاحون الآن إلى مخاطبة قضايا المستقبل، مثلاً في بعض الدول بقيادة السيارة وهذه ليست ثقافة إسلامية، هذه ثقافة من التقاليد العربية الجاهلية، وما هي وضعية المرأة وقضية الحريات وإلى أي مدى نؤمن بالحرية، وكيف يتم استنباط قوانين من الحرية والعدالة والمساواة من الثقافة الإسلامية، وكيف نعبر عن هذه القوانين بالثقافة الحية مثل اللغة الألمانية والفرنسية والإنجليزية، وقضايا الاقتصاد والبنوك، وقضايا الفوائد، وكيف ستنشأ البنوك، والبنوك الإسلامية الموجودة الآن محدودة جداً تؤمن بالصكوك وبالمضاربة والمشاركة لكنها لا تستطيع أن تنافس في الأفق العالمي.. كل هذه القضايا نحتاج فيها إلى حل ورؤية، بالإضافة إلى قضية الأرض والمياه.
{ صوبت هذا الحديث لنفسك لأن كل ما ذكرته معني بالمفكرين الإسلاميين وكأنك تنتقد نفسك؟
_ مؤكد.. لكن هل سمح لنا.. نحن كنا نكتب في بعض المجلات وتصادر.
{ الآن المنبر متاح لك ادفع برأيك في تلك القضايا مثل رأيك في اتفاقية (سيداو) وهل تعتقد أنها تحفظ حقوق المرأة؟
_ السودان موقع عليها.. والآن السودان موقع على ميثاق حقوق الإنسان.. وهو بيكون موقع وما بيكون عارف ماذا يعني التوقيع.. بيفتكروا التوقيع ده كلام وكده.. النائب العام لا يعرف ماذا يعني التوقيع.. انظر ماذا يحدث لبعض الصحف.. القضاء يصادرها، لكن ليس هناك تأصيل لهذه القضايا.
{ لكن “الترابي”– رحمه الله- أطلق عدداً من الآراء التي يعدّها البعض تجديدية والآخرون يرونها غير ذلك.. ما هو رأيك؟
_ أنا أؤمن بأن “الترابي”- رحمه الله- له كل الحق في أن يقول آراءه والفيصل هو رأي الآخر، يعني الرأي والرأي الآخر والمستقبل هو الذي سيحدد.. وأعتقد أن “الترابي” قدم خدمات كثيرة جداً للفقه الإسلامي وللثقافة الإسلامية- رحمه الله- والاختلاف السياسي معه شيء آخر، ولكن أعتقد أن الثقافة الوعظية الموجودة في السودان لن تقدم ولن تؤخر، نحتاج إلى مخاطبة القضايا الأساسية والقضايا الكبرى التي تكتب مسارات التاريخ.
{ اجاز البرلمان قبل فترة قرضاً وصفه الناس بالربوي.. هل تعتقد أن التعاطي مع مطلوبات العصر مثل (سعر الفائدة) الذي يعرف إسلامياً بالـ(ربا) لمصلحة الناس والعباد؟
_ أنا قلت إن الصوت الغالب هو للمجموعات الخاصة، لكن إذا كان الصوت الغالب للعلماء والمفكرين فهم المعنيون بمخاطبة هذه القضايا.
{ علاقة بروفيسور “حسن مكي” بالمرأة؟
_ أنا أب لابن وبنت، وابنتي الآن مغتربة ولم أقل لها لا تغتربي وسمحت لها بالاغتراب، وزوجتي امرأة جامعية مثلي ولا أتدخل أبداً في خياراتهم سواء الخيارات الاجتماعية أو السياسية.
{ علاقة النسب بينك ود. “غازي صلاح الدين”.. هل ساهم ذلك في تقارب وجداني وفكري بينكما؟
_ د. “غازي” من أسرة متنورة.. ونحن من أسرة تقليدية سودانية وأسرة “العتباني” كانوا جزءاً من بيروقراطية الدولة منذ القرن التاسع عشر، ونحن جزء من مجتمع زراعي في الشمالية ووالدي جاء من الشمالية ماشياً على أقدامه يبحث عن لقمة العيش، لكن الجامعة والحركة الإسلامية صهرت أفكاراً متقاربة في كثير من الأشياء والمجالات.
{ علاقتك بالغناء؟
_ بسمع الغناء.. لكني لست متبحراً في ذلك.
{ إلى من تستمع؟
_ أحياناً أسمع “الكاشف” في السيارة و”أحمد المصطفى” و”وردي” و”عثمان حسين”.
{ سبق أن قرأت لك رأياً إيجابياً في جمهور الفنان الراحل “محمود عبد العزيز”؟
_ (أطلق ضحكة عالية).. أحد أبنائي معجب بالراحل “محمود عبد العزيز”.
{ قلت إنو (الحواتة) وهم جمهور “محمود عبد العزيز” تقريباً أكبر من أي حزب سياسي؟
_ أيوة، صحيح، قلت ذلك.. حتى في منزلنا الآن الذين يهتمون بالفن أكثر من الذين يهتمون بالسياسة، حتى من أبنائي.
{ ما هو رأيك في كثير من الظواهر التي تصاحب المظاهر الاجتماعية مثل ما يحدث في حفلات بعض الفنانين من تفلت من الجمهور.. هل تعتقد أن الشباب السوداني يعاني من عدم وجود قدوة حقيقية؟
_ حتى لو كانت فيه قدوة حقيقية هذه ظواهر يجب أن تكون في المجتمعات، وإذا قرأت كتاب (الأغاني) لـ”أبي الفرج الأصفهاني” في قمة ازدهار الدولة كانت هذه الظواهر موجودة مثل الفنان “زرياب” والغناء والاختلاط، وهذا كله موجود في الحضارة الإسلامية.
{ لكن ألا ترى أن هذا الأمر غريب في دولة ترفع التقاليد الإسلامية بعد (26) سنة؟
_ لا ليس غريباً.. لا يمكن أن تشكل الناس.. الناس يختلفون.. فيه ناس بيحبوا الفن وناس بيحبوا الرقيص لكن المهم هو أن لا تفرض هذا السلوك على الآخرين.
{ هل تعتقد أن دعوات بعض العلماء لحرمة الغناء ومشاهدة المسلسلات يمكن أن يكون تأثيرها سالباً؟
_ هذه أصوات ضائعة، لأنه حتى النبي “صلى الله عليه وسلم” حينما جاء إلى المدينة استقبل بالغناء.. (طلع البدر علينا من ثنيات الوداع).. لكن الناس مذاهب، والمهم الحرية، والذين يريدون أن يتزمتوا وينغلقوا على أنفسهم دعهم ينغلقون على أنفسهم.. والجماعة البيحرموا الغنا ديل خليهم يصيحوا حتى تنشق حلوقهم والمسيرة ماشة، وهم أنفسهم بيسمعوا من تحت البطانية.
{ كثير من الأوضاع الحالية تنبئ عن أننا نسير إلى الخلف.. هل ترى ثمة مخرج؟
_ الحرية أولاً لنا ولسوانا، وأهم حاجة في الحرية تجعل كل الناس متساوين.. والعدالة وهي القيمة الثانية في الإسلام بعد التوحيد معها الحرية، ثم تأتي قيم مهمة جداً ذات طبيعة شخصية مثل الصدق والأمانة، لكن الحرية والعدالة زي الهواء والأوكسجين يجب أن تكون متاحة وغير مصادرة.
{ هل ترى أن الحوار يمكن أن يحل جزءاً من قضايا البلاد؟
_ مؤكد.. أنا أؤمن أن الحوار الوطني سيحل جزءاً من المشاكل.
{ في حال تم تطبيق مخرجاته؟
_ حتى إذا لم تطبق سيكون قد خلق وعياً بضرورة الحوار، وأنه واحدة من اللوازم والشعب يتابع هل سيتم تنزيلها.. طالما الناس يجمعون حولها فسيتم تنزيلها.
{ بصراحة.. ما هو أكثر (ما يغيظك) في السياسة؟
_ مصادرة حرية الآخر.
{ ما هو أكثر (ما يغيظك) في الحركة الفكرية؟
_ مصادرة حرية الآخر.
{ ما هو أكثر (ما يغيظك) في المجتمع السوداني؟
_ مصادرة حرية الآخر.
{ هل تعتقد أن هناك قضايا حقيقية في المجتمع السوداني تحتاج إلى تغيير؟
_ أنا غير مهتم بالانحرافات الشخصية، وأفتكر المشكلة الحقيقية الآن هي الفقر، لأن البطون الجائعة لا تعرف المعاني العالية، بالفقر لا يستطيع الشاب أن يتابع تقنياته العالية، ولا يستطيع أن يتزوج، ولا يستطيع أن يجد السكن اللائق، وبالفقر يهرب الإنسان إلى الكحول والمخدرات والعادات السرية الضارة.. أنا مع الحريات وبها نستطيع محاربة الفقر.
{ أخيراً.. هل ثمة رسائل إلى هؤلاء؟
} الرئيس “عمر البشير”؟
_ احترام الحرية.
} “الصادق المهدي”؟
_ الديمقراطية داخل الحزب والسماح للأجيال الجديدة.
} “الترابي” (قبل وفاته)؟
_ من بعدك.. لابد أن يكون خلال أيام أو ساعات.
} الشيوعيون؟
_ الثقافة السودانية أساسها الثقافة الإسلامية واللغة العربية.
} رسالة بتوقيعك.. لمن توجهها؟
_ لابد أن نكون قادرين على التفاهم في أجواء صدمة المستقبل، والآن العلم وصل إلى درجة أنه يستطيع أن يجعل الرجل أنثى والأنثى رجلاً.. وأن يجعل للرجل رحماً ويحمل، ولابد أن نتجهز لها بقدرات عقلية وروحية ونخاطب هذه القضايا.
المجهر


السبت، 12 مارس 2016

الترابي... الموت الضاجّ

يُنسب إلى الأديب السوداني الراحل الطيب صالح أنّه وصف حسن الترابي حينما خرج من سجن النظام الحاكم عام 2005 (تكرّر اعتقاله مرّات عديدة) بأنّه محظوظ، وأنّ الحياة تعطيه فرصة أخرى، والحياة عادة ليست سخية في إعطاء الفرص. وترك صالح سؤالاً: أسبغ الله على الترابي نعماً كثيرة، أعطاه الذكاء والبيان والفصاحة، ويسّر له تحصيل العلوم الدينية والدنيوية، وجعله للناس حجة وإماماً. ولكن، هل أحسن استغلال هذه الهبات الإلهية؟ ما زال السؤال معلقّاً، مثل سؤالٍ سابق للطيب صالح نفسه في عنوان مقال له: "من أين أتى هؤلاء؟". هزّت وفاة الترابي الذاكرة الشعبية السودانية، وجعلت الصفوف تتمايز من جديد، حواريوه المكلومون، في مواجهة مبغضيه الذين يحمّلونه كل ما حاق بالسودان من دمارٍ وتقسيمٍ وخراب. وبين هؤلاء وأولئك، لا يجد الرئيس عمر البشير، وأعوانه تلامذة الترابي القدامى، شبراً تطفو عليه أي مشاعر من أيّ نوع. بُهت الرئيس برحيل عرّاب نظامه، ومن حمله على ظهر دبابة، وأوصله إلى كرسي الحكم. حيارى تلامذته القدامى الذين خذلوه، وباعوا شعار الجبهة الإسلامية الذي تعالى مع عودة بعض القيادات من الخارج لأداء واجب العزاء، وبعد أن كان "هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه"، أصبح عند أهل النظام هي للسلطة بفقه التمكين، وهي للجاه بفقه التحلّل من كل مواقع الفساد المثبتة بالأدلة.لفهم شخصية مركبة ومكتنزة بالألغاز، مثل شخصية حسن الترابي، نحتاج إلى قول الفيلسوف الفرنسي، جيل دولوز، إنّه يلزمنا الاعتراف أخلاقياً، أحياناً، بتعليق الحكم، لكي نفهم الآخر، فيجب ألّا نعتمد على أحكام الإدانة أو البراءة، لكي نوجز حياة الآخر، في خلطٍ للموقف الأخلاقي مع الذي يُصدر الحكم. وللإنصاف، لا يمكن حصر فكر الترابي في هذه المساحة. كان يرتكز على "التوحيد في كل شيء والحرية في كل شيء"، داعياً إلى فهم الدين بطريقةٍ لا تصوّر الإسلام غريباً أو مهيباً، معالجاً قضية شمول الدين أوجه الحياة من فن وجمال وعلم وسياسة، وهي ما جعلت كتبه ذات طابع تجديدي تأسيسي في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر. أما صلابته، فاختبرت في موضعين لنظامين شرسين. الأول أنّه لم يلن عندما انقلب عليه نظام الديكتاتور جعفر النميري، بعدما فرضا قوانين الشريعة الإسلامية المتعارف عليها بقوانين سبتمبر/ أيلول في 1983. اعتقله النميري مع قادة الحركة الإسلامية في 1985، بتهمة التآمر، ثم سقط النظام بعد اعتقاله بشهر في انتفاضة 6 أبريل/ نيسان. خرج وقادة الحركة بعفو من رئيس المجلس العسكري المؤقت، المشير عبد الرحمن سوار الذهب، وأسس الجبهة القومية الإسلامية، ثم خاض بها انتخابات 1986 البرلمانية. حصد مقاعد 52 نائباً بفارق مقعدين عن الحزب الاتحادي الديمقراطي، ثاني أكبر الأحزاب السياسية السودانية مع حزب الأمة. بعد ذلك، انقلب على التجربة الديمقراطية الثالثة، وعلى حكومة الصادق المهدي زعيم حزب الأمة وشقيق زوجته وصال المهدي، ليأتي بحكم "نظام الإنقاذ". وكان الموضع الثاني حينما انقلبت عليه هذا النظام، بعد اختلافه معها حول قضايا الشورى والحريات والفساد، والتي انتهت بحل البرلمان عام 1999. وجرّدته من منصب الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني، وحلت البرلمان الذي يرأسه، ليتوالى التصعيد بينه وبين الحزب، وينشئ، فيما بعد، حزب المؤتمر الشعبي.صرعته الحكومات المختلفة وصرعها، وفي مأتمه، يروي شهود في العزاء أنّ قيادات الأحزاب "يروي شهود في العزاء أنّ قيادات الأحزاب المعارضة غاصت في حزن نبيل على الرغم من الخلاف" المعارضة غاصت في حزن نبيل على الرغم من الخلاف، وأنّ بعض تلامذة الشيخ القدامى من أهل السلطة كانوا مطأطئي رؤوسهم في خجل. والحقيقة أنّ الفريقين كانا يتوقعان دوراً إضافياً للترابي، لحذاقته في الأدوار التي كان يشغلها، وربطه بينهما. وهذه هي المشاعر نفسها التي ظلت تخالج دواخل عامة السودانيين، بأنّه، وإنْ لم يُكتب في صفة الخلود كبشر، فإنّه ارتبط بنظام حكم، ظلّ فاعلاً فيه، ومشاكساً يصعب أن يتركه ويرحل. وما عزّز هذه المشاعر كفاحه، حتى آخر لحظة من حياته، في سبيل تغيير، أو إن شئت تصحيح، ما قام به من خطأ فادح في حقّ السودان، وطناً ومواطنين، وذلك بدوره في الحوار الوطني، والتقريب بين وجهتي نظر الحكومة والمعارضة التي هو وحزبه جزءٌ منها.لم تشفع للترابي الخطوات الترجيحية التي قام بها، أخيراً، ربما لأنّ غبن الشعب السوداني مربوط ببقاء النظام نفسه، ولو نجحت محاولات التغيير بالثورات الشعبية الموءودة، لتغيرت النظرة الشامتة إلى وفاة الترابي، ولتفرّغت الشحنات في النظام الجديد، أيّاً كان شكله، فهذه الشحنات السالبة التي امتلأت بها الأسافير، غريبةٌ نوعاً ما عن أخلاق المجتمع السوداني الذي يحترم الموت حالة إنسانية تذخر بالطقوس الخاصة التي تُقام للمتوفى، أيّاً كانت مرتبته. والأغرب هو وقفة الضدين من دون أن تكون هناك منطقة وسطى بين الحزن حدّ الجزع والشماتة وحدّ الضحك الهستيري. والتفسير أنّ الفشل في تغيير النظام جعل هذه الجموع المتطرفة في بغضها توجّه سخطها إلى روح الترابي، بعد أن صعدت إلى بارئها، بدلاً من أن توجهه إلى نفسها، وكأنّما تراه أفلتَ من بين يديها من دون حساب، أو سجّل انتصاراً آخر بهذا الموت الضاجّ 
منى عبدالفتاح
العربي الجديد

الثلاثاء، 8 مارس 2016

الرحمة اولا لضحايا الترابي


من اول ما تراجع عنه الترابي بعد المفاصلة مع تلاميذه الحاكمين، كان دعواته السابقة للشباب والطلاب للذهاب للجهاد. بل ذهب إلى أن من ماتوا لم يكونوا شهداء من الأصل بل فطائس. لقد باع الترابي حلم الشهادة للالاف من الشباب السوداني الذين ماتوا وفي طريقهم إلى الشهادة أصبح بعضهم مجرمي حرب. فقد كانت هجمات المجاهدين على قرى جبال النوبة في بداية التسعينات من أكثر سنوات الحرب وحشية في المنطقة. فحسب تقارير دولية في تلك الفترة قتل ما لايقل عن مائة ألف من جبال النوبة وشرد مليون آخرين. أما جنوب السودان فقد كان ساحة المعركة الكبرى التي شهدت أهوالا لا توصف. 

ان فوضى دعوات الجهاد والحملات الوحشية التي قادها الدفاع الشعبي ومن ساندهم من مليشيات قبلية في الحملات الجهادية الاستشهادية في جنوب السودان كان من أهم أسباب ازدياد الشعور بالغضب والرغبة في الإنفصال لدى الجنوبيين. أما جبال النوبة فقد شهدت مرحلة دموية من التهجير والتمييز والترحيل القسري لما سمي بمعسكرات السلام وقتها. وهاجر عشرات الآلاف من مناطق الجهاد المحروقة إلى الخرطوم بحثا عن الطعام وبعض الأمن. فتكونت المعسكرات الكبرى حول الخرطوم، حيث تواصل القمع باسم الدين من الكشات عبر البوليس والأمن الذي اعتقل وعذب وسجن مئات الأبرياء بتهمة البحث عن لقمة العيش. 

بعد المفاصلة أصبح الترابي بعيدا عن المسؤولية المباشرة بل وانضم للمعارضة وإعداء الإمس بمن فيهم الكفار الذين دعا للجهاد ضدهم من زعماء الجنوب بما فيهم قرنق. لكن لا تزال هناك تساؤلات تدور حول دور الترابي في الصراع القائم في دارفور، وهو الذي شجع أعدادا كبيرة من ابناء الإقليم المتدينين بطبعهم للانضمام للحركة الإسلامية. واستخدم التباين الاثني في المنطقة لتجنيد الآلاف في المليشيات القبلية التي حاربت تحت لواء الدفاع الشعبي في الجنوب. بالتأكيد أن التسليح المفرط للشباب على أساس قبلي وعشائري أدى في النهاية لتحويل دارفور لبرميل من البارود، قابل للانفجار في أي لحظة. لكن جدير بالذكر هنا ان الصادق المهدي في حكومة الانتفاضة الثالثة كان أول من بدا عملية مباشرة لتسليح قبائل دارفور لمساندة الجيش في الجنوب. 

ورغم ما أعلنه الترابي من توبة ورغم العضوية الكبيرة والعلاقات الوثيقة لحزبه بقوي دارفورية مؤثرة، لم يقم الترابي بأي دور للوساطة أو المساهمة في إنهاء نار الحرب في المنطقة. وهو ما يضاف لرصيده من عدم الاكتراث بأرواح السودانيين. لا يمكن تجاوز أيضا دور الترابي في بناء الدولة الأمنية الحالية المرتكزة على فكرة التمكين. وهي النظرية التي أدت إلى أن تتخذ الإنقاذ في التسعينات أكثر الإجراءات تعسفية تجاه أعدائها في سبيل تمكين حكم الإسلاميين. فقد فتحت بيوت الأشباح التي قتل فيها وعذب وشوه نفسيا وجسديا عشرات الآلاف من النساء والرجال الذين خالفوا الإسلاميين ورفضوا نهجهم. ومن لم يكن سياسيا معروفا وكان مشكوكا في ولائه أحيل للصالح العام وطورد حتى ترك البلاد أو استسلم لدولة الفساد. ومنهم من مات غما وفقرا وغبنا. 

وهذا ليس في إطار ذكر مساوي أو محاسن الموتى، بل في إطار التاريخ الذي يجب أن لا ينسى حتى لا يتكرر. وفي إطار الأولويات الوطنية والعدالة الإنسانية والألهية التي جعلت الظلم محرما. ومن الأولى لنا انونذكر بالرحمة وندعو بالشفاء والصبر والثبات للملايين من ضحايا الترابي، الذين لم يأخذوا حقهم منه في الدنيا، ولهم الخيرة في العفو عنه أو تركه لربه في الآخرة.

لكن ما نجح فيه الترابي بدهاءه المشهود هو أن يحول نفسه من مجرم وشريك في الجريمة إلى ضحية، وهو قد كان السياسي السوداني الاول من سياسي المركز الذي ايد تسليم البشير للجنائية. وكان بكرى الصائغ قد كتب عن أخطاء الترابي من 1983-2014، قائلا إنه قد أجرى عشرات اللقاءات مع الرجل الذي أباح له فيها بالكثير، لكنه رفض الإجابة على سؤال واحد وقال الكاتب "وكلما سألت (الشيخ)- من بعد ذلك- إن كانت المفاصلة مسرحية (ذات أبطال معدودين) تهرّب من الإجابة (القاطعة) واكتفى قائلاً وهو يتبسّم: (يا أخي الكريم، السياسة كلها قائمة على التدابير)". أما وقد سارت تدابير القدر بأن يذهب الترابي قبل أن تنتهي آخر تدابيره وهو الحوار الوطني والنظام الخالف الذي بشر به، فستظل خططه المستقبلية حبيسة قبره لكن تاريخه سيظل محل محاكمة مستمرة على كل جرائمه التي دبر لها وشجع عليها وسكت عن معظمها.

عثمان نواي
osman.habila@gmail.com

الأحد، 6 مارس 2016

في التأدّب مع موت الترابي !!

*ألم يقل حسين خوجلي في افتتاحيته : ليس من موتانا
* الترابي ليس بطلا قوميا
* أيهما أولى بالنصيحة من قتل نفسا أم من امتنع عن الترحم عليها
ليس من اللائق - في الدين والأخلاق - التعرّض لشخص إنتقلت روحه للسماء باللعنة والشتيمة الشخصية، ويذكر التاريخ أن أتباع الفكر الذي ينتمي إليه الراحل الدكتور حسن الترابي (والصحيح الذين ينتمون إلى فكره) كانوا أول من أدخل هذه الجرثومة إلى أدب الخلاف الفكري والسياسي، فقد أطلقوا – ولا يزالون - على الشهيد محمود محمد طه وصف "الهالك"، بما يعني أنه خارج دائرة الرحمة وكأنهم وقفوا معه يوم الحساب، وهكذا يفعلون مع كثيرين غيره من الخصوم السياسيين، فحينما توفى الفريق فتحي أحمد علي نهشت سيرته أقلام النظام من قبل أن يصل جثمانه من القاهرة، وحينما كتب عُقّال منهم بأن هذا عيب، ردّ عليهم الصحفي حسين خوجلي في إفتتاحية صحيفته (ألوان) يقول: "نعم أن ديننا يأمرنا بذكر محاسن موتانا .. ولكنه ليس من موتانا" وواصل في لعنه للمتوفي.

في المقابل، ليس هناك ما يمنع - في الدين أو الأخلاق - من التعرض لسيرة المتوفي فيما يتصل بكونه شخصية عامة، فقد تناولت كتب التاريخ الإسلامي سيرة الخليفة الراشد العادل سيدنا عمر بن الخطاب عمر رضي الله عنه ولم تحذف منها ما كان يفعله من أفعال الجاهلية قبل دخوله الإسلام، ولا شيئ أضاع معالم التاريخ السوداني خلاف الفهم الخاطئ لقاعدة (الإحسان في ذكر الموتى)، فقد بدّلنا فشل القادة إلى نجاح في كتب التاريخ حتى لا يُقال أننا نُسيئ إليهم، كما بدّلنا كثيرا من الهزائم إلى إنتصارات حتى نزهو بأمجادنا ونتغنّى بها ونطرب، فزيّفنا التاريخ بالحد الذي لم يعد في إمكان شخص اليوم أن يُجاهر بخلاف ما إستقرّ في عقول الناس بسبب ما يتعرّض له من إرهاب أنصار أي فترة يتم تناولها بالنقد أو بيان الحقيقة، ويصدق هذا الكلام من فترة المهدية حتى الديمقراطية الأخيرة.

الذين يظلمون الترابي ويسيئون لسيرته هم الذين يريدون أن يخرجونه من كونه عالِم دين ومُفكّر إسلامي بجعله بطل قومي في دنيا السياسة، فتاريخ الترابي ليس فيه ما يجعله كذلك، والعكس صحيح، فالترابي يُنسب إليه أنه كان وراء وأد أول تجربة ديمقراطية في السودان، ولم تقم لها قائمة بعد ذلك بوقوفه - مع آخرين - وراء طرد أعضاء الحزب الشيوعي من البرلمان (نوفمبر 1965)، ورفض البرلمان تنفيذ حكم قضائي ببطلان القرار الذي تحجّجت فيه القوة التقليدية بإثارة أحد حضور ندوة أقيمت في ذلك التاريخ بمعهد المعلمين العالي بأمدرمان لمسألة تضمنت إساءة للدين خلال ندوة بدعوى أنه ينتمي للحزب الشيوعي، وقد كان ذلك سبباً مباشراً في قيام الضباط الأحرار – بمشاركة رئيس القضاء بابكر عوض الله – بتدبير إنقلاب مايو 1969.

كما أن الترابي – وتنظيمه – عاد وتحالف مع الرئيس النميري في الوقت الذي كان ينتظر فيه كل الشعب على إسقاط حكمه، ووقف الترابي وراء قوانين سبتمبر التي - على سؤئها - تم تطبيقها بصورة شائهة، فقُطعت مئات الأيدي والأرجل في محاكمات إيجازية لم يكن يُسمح فيها للمتهمين بالإستعانة بمحامين، ودون تدوين المحاكم للبينة كاملة بما كانت تعجز معه محاكم الإستئناف – وكانت هي الأخرى شائهة – من مراجعة ونقض الأحكام بطريقة سليمة، وهي المحاكم التي كانت وراء إعدام شهيد الفكر محمود محمد طه الذي كان إعدامه – مع أسباب أخرى – في إشعال إنتفاضة أبريل. ثم قفز الترابي من مركب مايو وإلتحق بالعملية الديمقراطية ثم سرعان ما إنقلب عليها بتدبيره لإنقلاب الإنقاذ.

لا يستطيع تنظيم المؤتمر الشعبي (فصيل الترابي) أن يخدع الشعب بالحجة التي يرددها بأن خلافه مع المؤتمر الوطني يرجع إلى أنه كان يُنادي بالإنفتاح وتحقيق الديمقراطية، وأنه كان يريد أن ينتصر للشعب من قبضة العسكر، فكل جرائم الإنقاذ الكبرى حدثت خلال فترة مشاركة الترابي وجماعته في الحكم (تخلّى عنه أنصاره واحداً بعد الآخر وقفزوا لجناح السلطة)، فقد شهدت تلك الفترة جرائم التعذيب في بيوت الأشباح، والإغتيالات السياسية (د.علي فضل والمهندس أبوبكر راسخ ..الخ)، وإعدام شهداء رمضان، وإعدام الشهيد مجدي محجوب ورفاقة في قضايا العملة، وتصفية الخدمة العامة بالصالح العام وتمكين أعضاء التنظيم بما أدّى إلى إنهيار الخدمة المدنية، كما شهدت فترة وجود الترابي في الحكم إنهيار القضاء وتسييسه بالنحو الذي لا يزال يعاني منه إلى اليوم.
لا يُضير المرحوم الترابي أن يحجب عنه أيّ مُعارض دعواته له بالرحمة وحسن القبول، فلديه من الأنصار والأتباع والأهل ما يكفون للقيام بهذه المهمّة، كما أن جميع القنوات التلفزيونية والإذاعية السودانية قد توقفت عن بث برامجها العادية وإنقطعت - ولا تزال - إلى قراءة القرآن الكريم على روحه برغم أنه ليس للفقيد صفة رسمية في جهاز الدولة بخلاف كونه رئيس حزب سياسي، وقد توفى قبله الفقيد محمد إبراهيم نقد وهو الآخر رئيس حزب سياسي ولم يُذكر إسمه في نشرة الأخبار.
ليس لائقاً أن تحدث هذه المجادلة التي نراها تشتعل بين الأفراد حول واجب الترحّم على من يرحلوا من هذه الفانية من الشخصيات العامة، فهذا شأن كل أمرء مع نفسه، ففي كل يوم يموت ألوف المواطنين بمختلف الأسباب ولا يجدون من يترحم عليهم غير الأهل والجيران، فالذي يجعل لا شماتة في الموت، أن الشامِت ليس معصوماً منه، فكل نفس ذائقة الموت، فلنترك أمر الترابي إلى ربه، أما ما قام به من أفعال فسوف نذكره له في مماته كما ذكرناه حال حياته ولم يعتذر عنه ولم يطلب صفح ضحاياه.
تبقى علينا أن نسأل: أي قواعد الدين أولى بالإتّباع، ومن تُقدّم له النصيحة: الذي يقتل النفس، أم الذي يمتنع عن الترحّم عليها !!

 سيف الدولة حمدنا الله