‏إظهار الرسائل ذات التسميات حوارات ومقالات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حوارات ومقالات. إظهار كافة الرسائل

السبت، 5 مارس 2016

تباينت وجهات النظر بعد إعلان “قوى المستقبل للتغيير” عن نفسها.. إلى أي مدى سيصمد التحالف الجديد في مواجهة أنواء وعواصف الانقسامات التي طالت ما عداه من مجموعات؟ على المحك

في الثالث والعشرين من فبراير الماضي دشن (41) حزبا سياسيا تحالفا جديدا تحت مسمى (قوى المستقبل للتغيير) وتبنى التحالف الجديد خيار الانتفاضة الشعبية لتغيير النظام، ويضم التحالف الجديد ثلاثة أجسام كانت تمثل تحالفات سابقة هي (تحالف القوى الوطنية والقوى الوطنية للتغيير “قوت” وأحزاب الوحدة الوطنية) وأبرز الأحزاب المنضوية تحت التحالف الجديد هي (حركة الإصلاح الآن ومنبر السلام العادل والحزب العربي الناصري والحزب الوطني الاتحادي والحزب الاتحادي الديمقراطي الليبرالي وحزب الوسط الإسلامي) وغيرها من الأحزاب الأخرى، وحظي التحالف الجديد فور إعلانه بمواقف متباينة من قبل القوى السياسية المختلفة بين مؤيد ومتحفظ، ولكنه حصد فيما بعد الكثير من التأييد السياسي.
وبعد أسبوع من إعلان التحالف الجديد اتفق حزب الأمة القومي وتحالف (قوى المستقبل للتغيير) الوليد على تشكيل آلية مشتركة لبحث إكمال مشروع وحدة المعارضة السودانية كأهم استحقاق لتغيير النظام وبناء المستقبل الوطني، وفي الاجتماع الذي التأم أمس الأول (الثلاثاء) بدار الأمة بين التحالف الجديد وحزب الأمة القومي تعهد الطرفان بحسب بيان مشترك تحصلت (اليوم التالي) على نسخة منه بأن لا تكون آليات العمل المشترك الداعي للتغيير خصما على أي من التحالفات السياسية القائمة وإنما تتكامل معها، وأمن الطرفان على التنسيق البرامجي في العمل الجماهيري في حملة “هنا الشعب” التي أطلقها حزب الأمة ورفع وتيرة التعبئة الشعبية لتغيير النظام وإقامة بديل ديمقراطي يعبر عن كافة مكونات السودانيين.. ورحب البيان بالتحالف الجديد واعتبره أحد الاختراقات الإيجابية لصالح التغيير والمستقبل وأقر العمل الجاد والمسؤول الهادف إلى وحدة المعارضة السودانية “وفق برنامج الحد الأدنى لمجابهة الراهن المأزوم ورسم معالم المستقبل”.
ووصفت بعض قيادات التحالف الجديد حزبي (الأمة القومي والمؤتمر السوداني) واللذين شاركا في إعلان التحالف الجديد بأنهما أقرب للانضمام إلى التحالف الجديد.. وفي سياق متصل بما ذكره بعض قيادات التحالف الجديد اعتبر إبراهيم الشيخ الرئيس السابق لحزب المؤتمر السوداني إعلان التحالف بأنه خطوة في الاتجاه السليم، مؤكدا أن التحديات الماثلة تفرض وحدة المعارضة موضحاً أن التقاء ثلاث مجموعات معارضة في جسم تنسيقي واحد يجسر المسافة بين الحلم والواقع المأزوم ومن شأنه إلهام الآخرين للمضي في نفس طريق توحيد المعارضة، وأكد الشيخ عدم ممانعته في التنسيق مع التحالف الجديد رغم حرصه على تحالف قوى الإجماع الوطني ونداء السودان.. وقال الشيخ في رسالة وجهها للقيادي في حزب البعث محمد ضياء في إحدى مجموعات التواصل الاجتماعي (لا أظن أن في ذلك عيبا يدارى.. على العكس لو توفر لنا الحد الأدنى بما هو مطلوب لرحبنا كقوى إجماع بقوى المستقبل وتركنا الباب مواربا بيننا وبينها باعتبار قرارنا السابق القاضي بالتنسيق مع أي كيان معارض).
وتقوم رؤية التحالف الجديد بحسب البيان التأسيسي على “العمل من أجل إحلال السلام وإنهاء الحرب بمخاطبة جذورها ومعالجة الآثار المترتبة عليها”، ويتبنى التحالف الجديد “العمل السياسي السلمي عبر الوسائل الديمقراطية”، وينظر للحوار الذي يدور حالياً في قاعة الصداقة بالخرطوم بأنه “يعبر عن رؤية أحادية للحكومة والحزب الحاكم وواجهاته” و”لا يعبر عن الإرادة الوطنية التي قبلت الحوار وفق خارطة الطريق واتفاقية (أديس أبابا)”. ونوه التحالف الجديد في بيانه التأسيسي إلى أن “القوى والحركات المسلحة التي تجاوزها حوار الوثبة تفوق في مجموعها السبعين حزباً مما يجعل الحوار الحالي ونتائجه يعبر عن فشل أهم وأكبر مشروع سياسي وطني”.
وبعد إعلان تحالف (قوى المستقبل للتغيير) عن نفسه وتباين وجهات النظر السياسية حوله وترحيب بعض القوى السياسية المدنية والعسكرية به ستبقى التجربة على المحك إلى أن يثبت التحالف الجديد أنه ضد أنواء وعواصف الانقسامات التي طالت ما عداه من مجموعات ومسميات تحالفية.
عبد الرحمن العاجب
صحيفة اليوم التالي

الجمعة، 19 فبراير 2016

خبير يقول إن الهدف من استفتاء دارفور تمزيق وحدة المجتمع الدارفوري وإشعال نيران الفتنة

أكد الدكتور يوسف تكنة الخبير في شئون الحكم المحلي أن استفتاء دارفور سيعمق من انقسام الراي العام هناك وسيؤدي الي المزيد من تشظي الإقليم الذي قال إنه انهار وتمزق نسيجه الاجتماعي بسبب الصراعات التي اشعلها نظام الخرطوم. وانتقد تكنة سياسة القفز علي المصالح التي ينتهجها نظام الخرطوم مؤكدا أن وثيقة الدوحة لم تحقق الأمن والاستقرار في الإقليم. ووصف الاستفتاء بأنه بلا قيمة ويهدف إلى صرف الأنظار عن القضاية الأساسية.

وحول الأهداف والدواعى السياسية والاجتماعية للاستفتاء قال الدكتور تكنة إن الحكومة تسعى إلى تمزيق صف ووحدة المجتمع الدارفوري واشعال نيران الفتنة لتمرير أجندتها، مضيفا ان الحكومة لن تستطيع تحقيق ذلك بل سيحدث العكس تماما، ذلك أن الإقليم عرف تاريخيا وعلي مر الحقب بأنه وحدة جغرافية وتاريخية واجتماعية واحدة ومتكاملة. وحذر الحكومة من مغبة ما يمكن أن يحدثه هذا المخطط والتفكير المعوج.

دبنقا

الأربعاء، 10 فبراير 2016

لماذا طرح التطبيع مع إسرائيل في السودان الآن؟


صرّح وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، في منتصف يناير/كانون ثاني 2016 أنّ السودان يمكن أن يدرس مسألة التطبيع مع إسرائيل. وجاء هذا الحديث إثر الأنباء التي أوردتها وكالة السودان للأنباء "سونا"، وهي الوكالة الحكومية الرسمية، أنّ مسألة التطبيع مع إسرائيل موضوعة ضمن جدول أعمال لجنة العلاقات الخارجية لمؤتمر الحوار الوطني السوداني، الذي يجري حالياً في السودان. وجاء في خبر "سونا" أنّ أغلبية أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمؤتمر الحوار الوطني يوافقون على إقامة علاقات "مشروطة" مع إسرائيل. 

نفي أم تأكيد؟
على الرغم من نفي الحكومة السودانية مسألة التطبيع مع إسرائيل، على لسان كُلٍ من نائب رئيس الجمهورية، حسبو محمد عبد الرحمن، ونائب رئيس مؤتمر الحوار الوطني، إبراهيم محمود، ومع تأكيد الأخير أنّ الحزب الحاكم لم يناقش هذه المسألة في أيٍّ من اجتماعاته، فإنّ الشواهد تشير إلى أنّ التطبيع مع إسرائيل ظل خياراً يراود بعض قيادات حزب المؤتمر الوطني خلف الكواليس. فقد صرح والي ولاية القضارف السابق، كرم الله عباس الشيخ، في إبريل/نيسان 2012 أنّ هناك تياراً داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم يوافق على التطبيع مع إسرائيل. وقد علّق الحزب على هذا التصريح بأنه مجرد رأي شخصي. كما سبق أن طالب والي النيل الأبيض الحالي ورئيس لجنة الاستثمار والصناعة في البرلمان سابقًا، عبد الحميد موسى كاشا، بالتطبيع مع إسرائيل، قائلاً: "ما دمنا قد قبلنا بأميركا فلنقبل بإسرائيل". وإضافة إلى تصريحات وزير الخارجية، إبراهيم غندور، لم يدحض رئيس القطاع السياسي في الحزب الحاكم، مصطفى عثمان إسماعيل، الفكرة من أساسها، بل قال إنّ اتخاذ قرارٍ بقبول التطبيع مع إسرائيل أو عدمه إنما يعود إلى مؤتمر الحوار الوطني.


وضع مسألة التطبيع مع إسرائيل في مثل هذا الإطار يجعلها تبدو مثل بالون اختبار لفحص ردود الفعل عليها، أو تعويد الناس على هذا الموضوع، تمهيدًا لقبوله، فتصريح عضو لجنة العلاقات الخارجية في مؤتمر الحوار، إبراهيم سليمان، بأنه لا يستبعد أن يكون التطبيع مع إسرائيل من ضمن التوصيات النهائية لمؤتمر الحوار الوطني، لا يبدو أنه صدر من فراغ، خصوصاً أنّه نشر في وكالة "سونا" الرسمية.
تزامن الحديث عن التطبيع مع وصول ناشطة سودانية مقيمة في كندا إلى الخرطوم، بدعوةٍ من الحكومة للمشاركة في أعمال الحوار الوطني. وبدا لافتاً مدى احتفاء الحكومة بهذه الناشطة، ودعوتها إلى مؤتمر الحوار الوطني، بوصفها شخصية وطنية مهمة؛ إذ استقبلها في مطار الخرطوم، حامد ممتاز، الذي يشغل منصب الأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم. وبلغت الحفاوة بها حدّ السماح لها بمقابلة رئيس الجمهورية. ولكنْ، حتى وقت قريب جدًا، كانت هذه الناشطة معارضةً لسياسات الحكومة السودانية، وتحوم شبهاتٌ حول انخراطها مع جمعياتٍ صهيونيةٍ أميركيةٍ تنشط في قضية دارفور. وقد ساهمت هذه الجمعيات في استصدار أمر القبض على الرئيس عمر حسن البشير من محكمة الجنايات الدولية. كما عُرف عن هذه الناشطة أيضاً تكوينها جمعية "للصداقة" السودانية – الإسرائيلية"؛ ما يدعم الشكوك في أنّ الحكومة السودانية منشغلة بالتقارب مع إسرائيل، فإسرائيل هي بنظرها مفتاح العلاقة بأميركا. إنّ احتفاء الحكومة بهذه السيدة التي لا وزن فكرياً أو سياسيًا لها، لا يخرج عن هذا الإطار. ويبدو أنه، من منظور من طرح فكرة التطبيع، أنّ من أدى دوراً لدى أميركا وإسرائيل لفتح موضوع مشكلة دارفور، يمكنه أن يساعد أيضاً في غلقه.

تحولات السياسة الخارجية وخيار التطبيع
جرت، في الآونة الأخيرة، تحولات حادة في السياسة الخارجية السودانية (من دون انتظار قرار من مؤتمر الحوار؛ ما يؤكد أنّ صاحب القرار في السودان هو الرئيس، ولا أحد غيره). وقد ظلت حكومة السودان تسعى جاهدةً، منذ سنوات طويلة، إلى تطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية، بغرض رفع عقوبات الأخيرة عنها. وقد تعاونت الحكومة السودانية مع الإدارة الأميركية، تعاوناً تاماً في مسألة فصل الجنوب، لكنها لم تجنِ شيئًا مما وُعدت به. كما تعاونت معها في ما سُمي "محاربة الإرهاب"؛ إذ زار رئيس المخابرات السودانية واشنطن، وسلم الأميركيين قوائم بأسماء "إرهابيين خطرين"، غير أنّ تلك الخطوة لم تأتِ أيضاً بمردودٍ تجاه رفع العقوبات؛ فقد ظلت الإدارة الأميركية تجدّد هذه العقوبات بصورة مستمرة. 
أثّرت العقوبات الأميركية تأثيراً كبيراً في الاقتصاد السوداني الضعيف أصلًا؛ فقد ازدادت الضغوط عليه، عقب انفصال الجنوب في عام 2011، من خلال أيلولة ثلثي الإنتاج النفطي السوداني إلى دولة الجنوب الوليدة. ومع اشتعال الحرب الأهلية في جنوب السودان، واضطراب الأحوال فيه، انخفض إنتاج النفط الجنوبي بصورة حادّة، وتدهورت أسعاره، إثر انخفاض أسعار النفط عالمياً. وقد أدى تراجع الإنتاج والأسعار إلى انخفاضٍ حادٍ في ما يناله السودان من رسوم عبور نفط جنوب السودان أراضيه، ومن استخدام حكومة جنوب السودان أنابيب السودان وموانئ التحميل على ساحل البحر الأحمر. وقد تفسّر هذه الضغوط المتنوعة التغيرات الحادة الأخيرة في السياسة الخارجية السودانية.


شرع الرئيس البشير، عندما وصل إلى الحكم في عام 1989، في ترجيح كفة إيران إستراتيجياً على دول الجوار العربي في الخليج ومصر، بسبب العلاقات المتوترة بين السودان وجيرانه العرب. ومن جانبها، ألقت إيران بثقلها في السودان، بوصفه موطئ قدم حيوية؛ وهو ما يمكِّنها من تعضيد وجودها العسكري في البحر الأحمر، والضغط على السعودية من جهة الغرب. كما رأى الإيرانيون في السودان نقطةً بالغة الأهمية للانطلاق في خططهم نحو التغلغل والانتشار في أعماق أفريقيا جنوب الصحراء. وقد ساعدت إيران السودان في إنشاء أجهزته الأمنية، كما ساعدته في تطوير صناعاته العسكرية. وانتشرت، عبر العقدين الماضيين، المراكز الثقافية الإيرانية فيه. ولكن، في سبتمبر/أيلول 2014، أصدرت الحكومة السودانية قراراً بإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في البلاد، بتهمة أنها تبشر بالمذهب الشيعي، مع أنّ هذا التبشير كان قائماً سنوات عديدة، وأمهلت موظفيها 72 ساعة لمغادرة البلاد. وكانت تلك أولى الإشارات الدالة على أنّ الحكومة السودانية بدأت أولى خطواتها في طريق العودة إلى المنظومة العربية، وخصوصاً الخليجية. 
وباتخاذ قرار إرسال لواء من المشاة إلى اليمن، مع عددٍ من طائرات السوخوي، للمشاركة في "عاصفة الحزم" إلى جانب التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، يكون السودان قد اتخذ قرار القطيعة التامة مع إيران التي تدعم قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح وجماعة الحوثي. وحين جرى الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، ردًا على إعدام المعارض الشيعي السعودي، نمر النمر، ضمن عشرات ممن حاكمتهم السعودية بتهمة الإرهاب، بادرت حكومة الرئيس البشير إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، تضامنًا مع السعودية. وقد تخطى السودان في قوة الإجراء الذي اتخذه تجاه إيران دولاً خليجيةً اكتفت بتخفيض تمثيلها الدبلوماسي.
ويبدو أنّ الحكومات العسكرية السودانية، ونعني بها هنا تحديدًا حكومات الرئيسين جعفر النميري وعمر البشير، قد دفعت إلى أبعد مدى ممكن العبارة القائلة: "ليس في السياسة صديق دائم، كما ليس فيها عدو دائم"، فحين أصبح الوضع الاقتصادي في البلاد على حافة الانهيار، وزاد ضغط المعارضة على نظام النميري في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي، لجأ إلى "تطبيق" الشريعة الإسلامية عام 1983. وبعد عامٍ من تطبيق الشريعة، دخل في صفقة مع الإسرائيليين والإدارة الأميركية، والتي سمح السودان بموجبها بترحيل آلاف من يهود الفلاشا الإثيوبيين، من إثيوبيا إلى إسرائيل عبر أراضي السودان، في ما سمي "عملية موسى". وظنّ النميري، الذي نال نظير موافقته على تنفيذ تلك العملية مساعدات بقيمة 200 مليون دولار، إضافة إلى 60 مليون دولار، كانت قد وصلت إليه بصورة عاجلة، أنه اشترى عمراً جديدًا لنظام حكمه، فغادر إلى واشنطن، عقب انتهاء تلك العملية لتلقي الثناء ومزيد من القبول، غير أنّ انتفاضة شعبية عارمة اندلعت ضد نظامه، وهو خارج البلاد. وانحازت القيادة العسكرية للشعب، فسقط نظامه، وانتهى النميري منفياً في مصر. 

خاتمة
 تشير كل الدلائل إلى أنّ مسألة التطبيع مع إسرائيل، حقيقة كانت أم ظلت في إطار التصريحات والاختبارات، أصبح التفكير فيها كأحد أطواق النجاة الممكنة للنظام الحاكم في السودان من أزماته، وأصضمن ما يشغل النخب الحاكمة. وعموماً، فإنّ التحولات الحادة في السياسة الخارجية، حيثما جرت، إنما تدل، بقدر ما، على تأزّم الأوضاع الداخلية بصورة بالغة الحدة.بحت 
وقد أظهرت نتائج المؤشر العربي الذي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن نسبة قبول التطبيع مع إسرائيل بين السودانيين في عام 2015، كانت الأعلى في العالم العربي (18%مقارنة بـ 16% في مصر ولبنان) ، على الرغم من أنها تبقى صغيرة. ويبدو أنّ عوامل، مثل تدهور الأحوال المعيشية وتفشّي البطالة وانسداد الأفق، في ظل أنظمة استبدادية قد ساعدت على بروز هذا الميل. وفي حالة السودان، ثمّة ما يدل، بصورة أكبر على هذا التحول، وهو ازدياد نسبة الشباب السودانيين الذين يهاجرون إلى إسرائيل. ويمكن للمرء أن يلمح نشوء علاقةٍ أخذت تبرز وسط قطاع من الجمهور العربي بين سوء الأحوال الاقتصادية وانعدام الفرص وتمكّن الاستبداد من جهة، والابتعاد عن الهمّ العربي المشترك والقضايا العربية، من جهة أخرى. وفضلًا عن أنّ الاستبداد هو الأبعد عن الهمّ العربي، فهو، في الوقت نفسه، الأكثر تنفيراً للناس منه، وهو (أي الاستبداد) يرتكب جريمةً بحق قضية فلسطين نفسها، حين يستخدمها في الدعاية لسياساته. 
ويلاحظ أنّ اليأس من الحالة العربية يزداد في الأقطار العربية التي تقع على تخوم الوطن العربي، كالسودان والصومال، حيث تعيش أيضاً أقوام غير عربية تشعر بالاغتراب عن الدعاية التي تمارسها الأنظمة الحاكمة. كما يمكن ملاحظة نشوء شعور بانعدام الجدوى من الوقوف في الصف العربي، وسط قطاعاتٍ من شباب هذه الأقطار، وبأنّ الارتباط بالمشترك العربي قد يعوق أكثر مما يساعد. وهذا تصور معطوب من دون شك، ولا يصلح لتفسير تردّي الأحوال في بعض الأقطار العربية. ومع ذلك، لا بد من التفكير بصورة أعمق وأوسع وأكثر جديةً في ما يجري من تفكّك وتشظٍ في المنظومة السياسية العربية، فالفراغات التي تنشأ وسط الأقطار العربية لا تبقى شاغرة، وإنما يملأها الآخرون.
مرت على الأقطار العربية زعامات اتجهت نحو التطبيع مع إسرائيل، فلا حُلت قضية التنمية ولا قضية الاستبداد. وما حصل هو العكس، فقد ازدادت الفجوة بين هذا الأنظمة ورأيها العام. كان هدف هذه الزعامات مقايضة الرضا الأميركي بالتخلي عن القضية الفلسطينية، لأهدافٍ متعلقة ببقاء النظام، وليس بهموم الشعوب نفسها. وهذا ما يجري في السودان حالياً. ولكن أميركا تبخل بالرضا قبل الخضوع لشروطها كلها، وغالباً ما لا يسعف هذا الرضا الغالي الثمن نظام الحكم، بل يعقّد علاقته - 

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
العربي الجديد

حامد ممتاز الأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان لـ «القدس العربي»: من الممكن أن نحكم السودان ليس فقط 25 عاماً بل 50 عاماً



لندن – «القدس العربي»:

تحولات مفاجئة شهدها المسرح السياسي السوداني في الآونة الأخيرة (على الصعيدين المحلي والدولي)، والأبرز تحول بوصلة السياسة الخارجية على الصعيد الإقليمي من موجبات الطاعة لسياسات الولي الفقيه أو «المرشد الإيراني الأعلى» إلى التماهي مع مستجدات المسرح السياسي العربي ومناصرة الحسّ القومي.
كثيرة هي الاستفهامات حول دواعي الارتدادات السياسية التي مارستها الخرطوم حيث تَشَي الكواليس أن وزارة الخارجية السودانية لم تعد الجهة المعنية بملف العلاقات مع كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بعد أن أسند الرئيس السوداني عمر البشير هذين الملفين إلى وزير الدولة برئاسة الجمهورية السودانية الفريق طه عثمان الحسين، الأمر الذي يصفه المراقبون بـ (الحالة الشاذة على التقاليد الدبلوماسية) وذلك حرصا من الرئيس على الإشراف على تنفيذ سياساته الجديدة في المنطقة.
الخرطوم إتخذت الكثير من المواقف التي أثارت تساؤلات، بداية من خطوة إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية ومروراً بإرسال قوات للمشاركة في حرب اليمن ضد الحوثيين، وانتهاء بقرارها قطع العلاقات الدبلوماسية كلياً مع إيران وطرد سفيرها من السودان على خلفية الاعتداء على السفارة السعودية في طهران في أعقاب إعدام المملكة السعودية لرجل الدين الشيعي نمر النمر، في وقت أبقت فيه بعض دول التعاون الخليجي «شعرة معاوية» مع إيران وهي المعنية بالأمر أكثر من السودان.
القرارات السودانية يصفها البعض أيضاً (بالمواقف مدفوعة القيمة) من أجل الخروج من الضائقة الاقتصادية التي تعانيها البلاد وآخرون يصفونها (باللهث وراء المال)، كما جاء على لسان البرفيسور الفلسطيني عبد الستار قاسم أستاذ العلوم السياسية، في تصريحات صحافية لوكالة أنباء فارس أعقبت إعلان الخرطوم وعلى لسان وزير خارجيتها البروفيسور إبراهيم غندور رغبة بلاده التطبيع مع إسرائيل.
كل المعنيين بتقلبات الأنواء السودانية يتساءلون حول دواعي إتخاذ هكذا خطوات، لا سيما وان الخرطوم كانت واحدة من أكبر مناصري القضية الفلسطينية على الصعيد العربي فيما عرف بدول الممانعة وتتهمها إسرائيل بتمرير السلاح الإيراني لحركة المقاومة الفلسطينية حماس.
«القدس العربي» طرحت العديد من هذه التساؤلات الملحة على مسؤول العلاقات السياسية في حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان حامد ممتاز.


○ بداية ما هي المستجدات التي دفعت الخارجية البريطانية لدعوتكم لزيارة بريطانيا ونعلم أن العلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين متضاربة في بعض المواقف وهذا تصنيف الحكومة السودانية.. فما الذي استجد في هذا الملف؟
• دعني بداية أقول إننا لم ننقّب في البحث عن المستجدات التي دفعت الخارجية البريطانية لتقديم هذه الدعوة. ولكن على المستوى العام في اعتقادي أنه تحوّل ايجابي يُحسب للخارجية البريطانية في إطار التواصل السياسي في ظل القطيعة غير المشروعة في العمل السياسي بين السودان وبريطانيا، ولكن على العموم هي زيارة تمثل نقطة تحول جديدة في العلاقة ما بين الدولتين. وأعتقد ان هذه مرحلة مهمة جداً في التحول ليكون بيننا تواصل خلافا لما كان في السابق.

○ هل لهذه الزيارة أي علاقة بقرار طردكم لمنظمة «ايركون» البريطانية من دارفور خلال الأسابيع الماضية؟
• ليست هناك علاقة بين هذا وذاك ولكن الأمر هو فقط دعوة لا علاقة لها بهذا الموضوع من قريب أو بعيد، ولم نتطرق له في جولات التواصل التي تمت خلال الأيام الماضية.

○ إذن هل هي دعوة روتينية أم لها أجندات خاصة؟
• هي دعوة خاصة فيها برامج متعددة حيث إلتقينا عددا من القيادات السياسية البريطانية في برنامج استمر لخمسة أيام، ومن ثم كانت هنالك لقاءات خاصة بالمسؤولين الرسميين والسياسيين.

○ إذن أين الخصوصية وأنتم مدعوون ضمن مجموعة من المسؤولين الآخرين من دول أخرى؟
• الخصوصية في الجزء الثاني من البرنامج الذي إتفقنا عليه في الخرطوم بأن تكون هنالك لقاءات خاصة ذات طبيعة سياسية ترتبط بالخارجية والبرلمان البريطانيين.

○ بالعودة لملف العلاقات السودانية – الأوروبية كيف تقيّم مسيرة العمل الأوروبي في السودان في ظل الأوضاع الإنسانية المعقدة التي برزت مؤخرا للسطح بعد الصراعات التي ظهرت في اقاليم دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق؟
• أعتقد ان الدور الأوروبي غائب كلياً عن المشهد السياسي في السودان في ظل مقاطعة غير مشروعة، وهذا قائم فقط على عوامل سياسية لا تمت للواقع الإنساني بصلة واعتقادي يجب أن تتغير هذه السياسة تجاه السودان من أجل تغيير الواقع والمساهمة الايجابية في تحقيق عملية السلام في السودان والتنمية المستدامة، بإعتبار ان السودان يلعب دورا كبيرا جدا في استقرار افريقيا بصورة عامة والقرن الافريقي بصورة خاصة وبالتالي يجب على دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا القيام بدور ايجابي في عملية تحقيق السلام في السودان؟

○ شهد المشهد السياسي السوداني في الآونة الأخيرة الكثير من التقلبات والمواقف المرتجلة لخلق علاقات سياسية ودبلوماسية مع دول كثيرة، كما نشهد حراكا في الملف الإسرائيلي وقد عبّر حزبكم على لسان وزير الخارجية انه لا يمانع في إقامة علاقات تطبيع مع دولة إسرائيل وعاد نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن لينفي ذلك وهذا يقود للتساؤل الذي يدور في وجدان كل العرب والجهات المعنية بشؤون المنطقة العربية.. هل هناك توجهات فعلية للحزب الحاكم في السودان للتطبيع سرا مع إسرائيل وأنت المعني بهذا الملف؟
• أولاً ليست هناك تقلبات في الواقع السياسي وانما هي مسيرة العمل السياسي بطبيعة الحال تتغير حيث تغير المراحل السياسية. هذا هو الواقع ونحن الآن في ظل حوار وطني سياسي مفتوح تُناقش فيه القضايا التي تعيق مسيرة الاستقرار السياسي في السودان منذ سنوات طويلة جداً وهنالك حرية في نقاش القضايا بصورة واسعة وشفافية كاملة ولكل حزب رؤيته الخاصة في القضايا الست، وبالتالي من الممكن ان يظهر رأي مخالف للواقع العام وهذا لا يشكل مشكلة كبيرة. على مستوى العلاقة مع إسرائيل لم نتطرق إلى هذا الأمر في أوراقنا المقدمة ولا حتى في مشروعات الحزب، على مستوى الدولة ان تكون هنالك علاقات مع دولة إسرائيل وما ظهر في الإعلام ما هو إلا مجرد اقتضاب واختصار لحديث أُخرج من سياقه العام في إقامة علاقات مع إسرائيل، ولكنه لم يصدر من حزب المؤتمر الوطني وإنما عن أحد المشاركين في الحوار، وأعاد بذلك القضية إلى صدر اهتمامات الإعلام.

○ فلنفترض انكم لم تدعوا للتطبيع مع إسرائيل في هذه المرحلة، فهل لديكم أي خطط للتطبيع في المستقبل أو سرا كما يتحدث البعض؟
• لم ندرس ذلك أصلاً باعتبار ان الموقف مع إسرائيل مبدأ شعبي عام وليس موقف المؤتمر الوطني تجاه أرض مغتصبة من دولة إسرائيل.. نحن لم نطبّع ولم ندع لتطبيع ولم ندرس ذلك من قبل ولن نفكر فيه في المستقبل.

○ إذن أنتم ملتزمون بما جاءت به قرارات الجامعة العربية فيما يخص قضايا التطبيع مع إسرائيل؟
• نحن ملتزمون بقرارات الجامعة العربية وبقيمنا وأخلاقياتنا التي تحتّم علينا التعامل مع هذه القضية وفق ما ذكرت سابقاً.
○ في بداية حديثك ذكرت تقلبات المواقف السياسية والشاهد أن السودان كان دولة حليفة لإيران ولسنوات طويلة خلت وما أن جاءت أزمة اليمن تحول بدرجة أثارت الكثير من التساؤلات، خاصة وأن كثيرا من دول مجلس التعاون الخليجي لم تتخذ مواقف متطرفة وهناك من يرى ان موقف السودان متطرف لأنه ليس عضواً في مجلس التعاون الخليجي لكي يتداعى بكل هذه الدراماتيكية في مناصرة السعودية إلى حد القطيعة الدبلوماسية الكاملة مع إيران والتي تمثّلت في طرد السفير الإيراني من الخرطوم وسحب السفير السوداني من إيران؟

• تأكيدا لحقيقة سابقة لم يكن السودان حليفاً لإيران وإنما هي علاقات دبلوماسية عادية في إطار التواصل السياسي، وما ظهر مؤخراً أن لدينا قراراً مسبقاً تمثّل في غلق الملحقيات الثقافية لأسباب تخالف القوانين المحلية والأخلاقية وبالتالي تم هذا الاجراء استكمالاً لما بدأ في المرحلة السابقة، ونحن نراه موقفاً عادياً في اطار التبادل الدبلوماسي.
نحن في حلف لاستقرار عربي بيننا وبين أشقائنا في السعودية ودول الخليج الأخرى لذلك نرى مخالفات كثيرة في هذا الواقع الذي يظهر في الخليج من الحرب التي تُقام الآن في اليمن وبالتالي ملتزمون بتحالفنا مع السعودية وهذه هي قبلتنا الأولى والعلاقة بين السعودية والسودان تقوم على أساس الأخلاق والدين.


○ هناك شعور لدى السودانيين بأن حزب المؤتمر الوطني الحاكم يستخدم المواقف السياسية خدمة لأجندات وضرورات الحاجة الاقتصادية الملحة التي تعاني منها البلاد الآن، وتمثَل ذلك جلياً في ارسال قوات سودانية إلى اليمن، وأنتم الآن بصدد ارسال قوات إلى بعض دول الخليج مقابل المال، فما حقيقة ذلك؟

• هذا إتهام، لم نشتر ونبيع في قيمنا ومبادئنا وهذا ثابت في تفكيرنا السياسي وتجربة ارسال قوات إلى دول عربية، هذه سابقة في تاريخ السودان وليس ظاهرة في ظل حكومة المؤتمر الوطني.. هذا هو تواصل للتاريخ الذي ظل يقوم به السودان كشعب تجاه اشقائه في المنطقة العربية.
ونحن الآن نواصل ذات المسيرة في الدفاع عن مقدساتنا واشقائنا العرب بموجب مواثيق جامعة الدول العربية وهذا الاتهام ليس صحيحاً بأي حال من الأحوال. ظللنا نستخدم مواردنا المحلية طيلة سبع وعشرين عاماً وسنظل كذلك حفاظاً على المبادئ التي كتبناها في سيرتنا السياسية خلال المرحلة السابقة.


○ وماذا تقول هذه المبادئ إذا سُؤلت من قبل الشعب الفلسطيني المعني بملف التطبيع مع إسرائيل كمثال؟
• الشعب الفلسطيني ندعمه على المستوى العام وقوفاً خلف الحقوق المشروعة لاقامة دولتهم المستقلة في فلسطين المحتلة وما تزال هذه هي ذات الرسالة وما يزال هذا هو الموقف.

○ هل استقبالكم للاجئين السوريين جاء لقناعتكم بالمبادئ القومية أم انه فعل أملته الضغوطات الاقتصادية ونعلم ان الاتحاد الاوروبي وعدكم بأموال طائلة للمساهمة في الحد من هواجس الهجرة غير الشرعية التي اجتاحت أوروبا مؤخراً؟

• نعلم تماماً انه ليست هناك حوافز من المجتمع الاوروبي، ولا حتى السوريين أنفسهم يحملون معهم أموالا تحفّزنا لإستيعابهم بدواعي الفائدة، ولكنها ذات القناعة الأخلاقية التي تشكّل بطبيعة الحال أخلاق أهل السودان للوقوف مع صاحب المِحَن، والسوريون الآن بعد الحرب التي طالت بلادهم يتجهون نحو أشقائهم في السودان حيث استقبلوهم استقبالاً يليق بمكانة الشعب السوري ومحنته.

○ إلى أين وصل ملف العلاقات السودانية – الأمريكية ونعلم ان حزب المؤتمر الوطني ظل يردد بأن المعاناة الاقتصادية سببها العقوبات الاقتصادية الأمريكية؟

• هو ليس ترديدا، ولكن الواقع يقول ان العقوبات الأمريكية تضررت منها مشروعات التنمية في السودان وهذا الواقع اظهر عطالة بالآلاف وسط الشباب السوداني، وقد تضررت مشروعات الشركات كما هو الحال مع خطوط الطيران والمشروعات الزراعية والصناعية الأخرى والنقل عموماً. أمريكا تعاقب حتى من يتعامل مع السودان بموجب قانون الحصار الظالم. وهذا واقع ظلت تمارسه الولايات المتحدة تجاه السودان، وفي ظل هذا نحن ندير حواراً بدأ وهو يخص الخارجية السودانية رغبة في تحقيق توافق في ظل السياسة الندية بين السودان والولايات المتحدة الأمريكية من أجل اعادة العلاقات إلى طبيعتها والتواصل السياسي.


○ الإدارة الأمريكية تقول ان عودة العلاقات لن تتحقق بخلاف ان تكتمل خريطة طريق وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية عقب اتفاقية السلام الشامل لحل الخلافات الداخلية السودانية ومن بينها قضية دارفور ونشهد هذه الأيام عودة الصراع مرة أخرى إلى هذا الاقليم الأمر الذي دفع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للقول بأنه يستبعد انتهاء النزاع بين الحكومة والجماعات المسلحة في الاقليم.

السؤال هو، هل يمكن أن تتحقق العلاقات بينكم وأمريكا في ظل هذا الوضع الشائك؟


• ما يجري بين الولايات المتحدة والسودان هو ليس خريطة طريق وانما استعداء بيّن للشعب السوداني وليس النظام، والدليل هو الحصار المفروض الذي تحدثت عنه في نقطة سابقة وما يجري في دارفور هو فقط تحركات إدارية لتأمين المواطنين في الاقليم ضد المتمردين الذين يقومون بهجمات مستمرة على مواقع وقرى المواطنين.
وهو ليس جريمة إنسانية بطبيعة الحال ولكن ما يجري في دهاليز سياسة المجتمع الدولي تجاه السودان يصوّر كل ما تقوم به الحكومة من إجراءات لمواطنيها في إطار الاستهداف، ونحن نعتقد ان الوعود الأمريكية السابقة بالحوافز بعد توقيع اتفاقية «نيفاشا» والقيام بعملية تطبيق اتفاقية السلام الشامل كان وعداً كذوب وما يزال باعتقادي. ان الاستمرار في هذا الإجراء هو تأكيد لاستمرار مخالفة الخارجية الأمريكية لأطر الأخلاق في العلاقة المبدئية بين البلدين.


○ إذن أنتم لا تتوقعون ان تنفرج هذه العلاقة في المدى القريب؟
• نعمل جهدنا لأن تنفرج، ولكننا نعمل وفقاً لمصالح بلادنا وسيادة دولتنا على أراضينا، وما نقوم به من إجراءات قانونية ومشروعة وفقاً لمتطلبات حماية المواطن في التراب السوداني.
○ ألا ترى أن الإدارة الأمريكية أكثر منكم حرصاً على حماية المواطن السوداني وذلك من خلال تشددها في تنفيذ خريطة الطريق المذكورة والتي بموجبها ستتخذ قرار التطبيع من عدمه؟
• بالتأكيد لا..
○ كيف لا، وقد أدرجت أولويات حصول المواطن السوداني على حق العيش بسلام وحرية ضمن الأجندات الرئيسية التي اشترطت بموجبها عودة علاقاتها مع بلادكم؟
• أكرر بالتأكيد لا، الولايات المتحدة ليس لديها حرص على أي مواطن في العالم، فقط تهمها مصلحة المواطن الأمريكي. هناك مواطنون كثر يتعرضون لانتهاكات في العالم كما الحال في فلسطين المحتلة وبورما وبعض الدول في شرق آسيا والصين ولكن أمريكا تغض الطرف عن هؤلاء جميعاً لأن ذلك يتوافق مع سياساتها الخارجية ولكن من يخالف سياستها في اطار استقلال قراره السياسي كما هو الحال مع السودان تقف ضده بهذه الصورة الممنهجة والعدائية.

○ وهل استقلال القرار عندكم من شأنه ان يسهم في انشطار دولتكم إلى قسمين كما حدث مع الجنوب، وهناك الكثير من الولايات مهددة بالانفصال حالياً؟
• ليست هناك علاقة بين هذا وذاك، وانما بطبيعة الحال مشكلة جنوب السودان خُلقت في السابق كما تعلم من الاستعمار البريطاني في بدايات القرن الماضي، واستمرت تطعن خاصرة الاقتصاد والمجتمع السوداني بفعل التدخلات الأمريكية ودعمها للجنوب، وقد كان القرار الشجاع ان تعرض هذه القضية إلى الاستفتاء، فاذا أراد شعب الجنوب الانفصال فذاك حقهم، وقد قرروا ذلك وذهبت دولتهم إلى سبيل حالها وأقام شعب الجنوب هذه الدولة على وعود أمريكية ولكننا قدمنا لهم الدعم الأكبر من أجل الاستقرار.

○ على ذكرك لجنوب السودان هناك من يرى أن شعرة معاوية بينكم والولايات المتحدة لا تزال قضية استقرار جنوب السودان، بمعنى ان كل ما ترغب فيه الولايات المتحدة في هذه المرحلة هو استقرار دولة الجنوب ولا تُولي أي اهتمام لملف العلاقة معكم، هل صحيح هذا الأمر؟
• نعمل ما نراه مناسبا، لأن العلاقة بيننا وشعب الجنوب هي علاقة دم وثقافة اجتماعية تاريخية، نقوم بالواجب نحوهم من أجل الاستقرار والمصالح المشتركة، لا نفعل ذلك لأجل ان تستمر هذه الشعرة مع الولايات المتحدة أو تنقطع، الولايات المتحدة لا تقدم في هذا حوافز للشعب السوداني ولا للحكومة السودانية من أجل الاستقرار.

○ وانت تتحدث عن الاستقرار يجدر بنا السؤال عن شعب دارفور، هناك من يتحدث عن ان الحكومة أغفلت ملف النازحين واللاجئين والشاهد الآن وجود أكثر من مليوني شخص من النازحين واللاجئين داخل الاقليم ودول الجوار؟

• أرقام اللاجئين بالخارج هي غير الذي تحدثت عنه. والنازحون داخل الأراضي السودانية بعضهم رجع إلى قراه وبعضهم لا يزال في معسكرات النزوح، والدولة تبذل مع السلطة الاقليمية لدارفور جهودا كثيفة من أجل عودتهم إلى قراهم، وفي هذا نشكر دولة قطر الشقيقة التي ظلت تقدم كل أنواع الدعم التنموي والمادي للنازحين في السودان.
ولكن اللاجئين خارج حدود السودان يجب ان يكون هناك تعاون مشترك بيننا والأمم المتحدة باعتبار المواثيق الدولية، ونحن دولة عضو في منظومة الأمم المتحدة ولكنها عمليا لم تقدم أي معونات في عودة اللاجئين السودانيين إلى قراهم.


○ قضية دارفور وفي سياق الحوار الوطني الجاري حالياً في الخرطوم، سمعنا بمشاركة شخصيات غير معروفة في المسرح السياسي السوداني من قبل بينما المعنيون أصلاً بالقضية من قادة الحركات المسلحة والتنظيمات السياسية الأخرى لا يزالون خارج دائرة الحوار، كيف إذاً سيتم التوافق؟
• بالتأكيد أنت لا تعرف كل قادة الحركات المسلحة وهي كثيرة جداً، «ولا أنا كذلك»، ولكن الذين يشاركون الآن كانوا في يوم ما يحملون السلاح ضد الدولة لكنهم ارتضوا مشروع السلام والحوار الوطني وعادوا ليناقشوا قضايا السودان والقضايا التي تواجه الحكم فيه والاستقرار، وهم الآن جزء من هذا الحوار، وكانوا في السابق جزءاً من عملية الحرب في دارفور.
○ .. ولكن الشاهد ان الحركة الشعبية لتحرير السودان وغالب حركات دارفور المسلحة الكبرى ومعظم القادة المعارضين في الأحزاب الكبرى غير منضوين لهذا الحوار الوطني الذي يصفونه بالشكلي؟
• الحوار هو مشروع وطني دعت إليه رئاسة الجمهورية كفكرة لجمع السودانيين للتوافق على معالجة المشكلات التي تواجه الحكم والاستقرار والتنمية كذلك، وعدد كبير من القوى السياسية الوطنية استجابت لهذا الحوار وأيضا عدد كبير من الحركات المسلحة، وبالتأكيد هناك جزء لم يستجب وما يزال المجهود مستمرا ليُشركوا هؤلاء في الحوار لوضع الصورة النهائية للحلول السياسية لهذه المشكلات، كثير من الأحزاب السياسية استجابت وسيُبذل مجهود من أجل اشراك الممانعين متى ما رأوا المصلحة الوطنية العليا في هذا العمل.

○ تتحدث الحكومة عن فشل الحوار في برلين، ما هي الأسباب الخفية من وراء ذلك؟
• ما جرى في برلين ليس جلسات حوار، وانما هي جلسات غير رسمية لتقريب وجهات النظر في بعض القضايا المطروحة بين الطرفين، في المرة السابقة اتفقنا على قضايا التطور المطلوب في الجلسة الأخيرة ولكن عاد قادة الحركة الشعبية قطاع الشمال وغيّروا كل ما تم الاتفاق عليه وهذه عادتهم في كثير من جلسات التفاوض.

○ هناك حديث عن العودة لاتفاق نافع – عقار الذي تم حوله اتفاق إطاري وقد رفضه حزبكم المؤتمر الوطني آنذاك ولكننا اليوم نشهد حديثا عن انه النموذج الأفضل للاتفاق بين الحكومة والحركة الشعبية، فلماذا هذا الارتداد والتقلبات في سياساتكم؟
• نحن لا نرجع للوراء في العملية السياسية ولكن الواقع يحكم عملية العلاقة بين الطرفين في التفاوض، لذلك بعد هذا الاتفاق عُقدت احدى عشرة جلسة للمفاوضات في اديس أبابا باثيوبيا وتمت مناقشة كل القضايا واتفقنا على الكثير منها حتى بلغنا نسبة 80% ولكن عادت الحركة الشعبية وألغت ما تم الاتفاق عليه وهذا هو دأبهم في عملية إطالة الحرب لأنهم لا يرغبون في تحقيق السلام ولا رفع المعاناة في جنوب كردفان والنيل الأزرق.
○ في سياق الحوار الوطني هناك من يتحدث عن ان حزب المؤتمر الوطني سنّ مؤخراً قانوناً عقابياً جديداً لمعاقبة المتظاهرين (وأنتم تسمونهم المتفلتين) بالسجن خمسة أعوام في حال المشاركة في أي عمل تظاهري (وتسمونه تخريبي) علما بأنه حالة من حالات التعبير عن الحريات في سياق التراضي الديمقراطي؟
• ليس هناك قانون جنائي جديد وانما هو القانون الذي أُجيز في عام 1991 نفسه ولم يُغير بعد، ولكن الواقع الآن أن السودان يشهد حريات واسعة جداً في ظل تهيئة المناخ العام للحوار الوطني، نحن لم نشهد مظاهرات بأي حال من الأحوال. هذا هو الواقع الماثل في السودان، لذا ليست هنالك تغييرات لقوانين وانما هو واقع يشهد اتساعا في الحريات العامة. هناك أكثر من 20 صحيفة سياسية تصدر يومياً وندوات تُقام في الطرقات والميادين العامة وفي دور الأحزاب، هذا هو الواقع الذي يجب ان يُشاهد في السودان والمعبّر عن تطور الحريات فيه.

○ أسمح لي أن أقول لك هذا غير صحيح.. أنتم تتحدثون عن الحوار الوطني، شهدنا قبل أشهر ايقاف 14 صحيفة سياسية في يوم واحد «وبقرار واحد»، كيف من شأن ذلك ان يسهم في عملية إتاحة الحريات لدعم الوفاق الوطني؟ وتعلم ان الحريات الصحافية تمثل أهم البنود التي تطالب بها الأحزاب الأخرى، حالياً ومع إنعقاد جلسات الحوار الوطني أيضا تم منع إقامة عدد من الندوات السياسية لأحزاب أخرى، بل وصدر مؤخراً قرار تعسفي جديد بايقاف صحيفة «التيار» ولا تزال موقوفة إلى الآن؟
• نحن في ظروف استثنائية على المستوى الأمني وتعلم ان هناك نزاعات مسلحة في أطراف السودان وحربا استمرت سنوات طويلة جداً، وفي مثل هذه الأوضاع الاستثنائية بطبيعة الحال تكون الحريات منقوصة نوعاً ما من أجل الحفاظ على الأمن الوطني، فما يجري هو حالة استثنائية جداً وتحدث في كثير من البلدان، وقد حدثت من قبل حتى في بريطانيا التي نحن فيها الآن، عندما تأثرت بقرارات مباشرة بايقاف كثير من الصحف أثناء الحرب في جزر الفولكلاند وذلك يجري من أجل حماية الأمن القومي. ولكن هامش الحريات عندنا يتطور يوماً بعد يوم والحوار الوطني يناقش الآن حزمة الحريات العامة كجزء من استكمال حلقة ايقاف هذه الحالة الاستثنائية التي تعيشها البلاد.

○ الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية الأسبق، صرح بأن حالة المواطن السوداني متردية وقاسية وان الواقع الاقتصادي مرير إلى حد بعيد وأنه لم يكن يعلم ذلك عندما كان نائبا أول للرئيس، وأشار إلى وجود هوة كبيرة بين دوائر صناعة القرار في الحكومة والمصادر المعنية بنقل المعلومة لقمة هرم السلطة، كيف تفسّر ذلك؟

• هو بالتأكيد يعلم بها عندما كان نائبا أول، والواقع الاقتصادي نعلمه تماماً وتعلمه الدولة ويراه المراقب والمواطن المكتوي بنيرانه، ولكن كل ذلك كان بسبب الحصار الأمريكي الذي ذكرناه في بداية حديثنا، الأمر الذي تسبب في الضغوط التي حدثت عقب انفصال الجنوب وذهاب عائدات النفط.
ولكن في إطار بحثنا عن موارد جديدة نعلم ان ذلك قد يأخذ زمناً ربما يحتاج إلى أربع أو خمس سنوات، ولكن ستعود بعدها العافية للاقتصاد. والدولة تبذل حاليا مجهودا كبيرا من أجل رفع المعاناة عن المواطنين.


○ ألا ترى أن رفع المعاناة عن المواطنين يتطلب تخفيض الأسعار ودعم السلع التي تتصل بمعيشة الناس والفقراء، ولكننا شهدنا مؤخراً رفع الدعم عن الغاز وارتفاعا كبيرا جدا في أسعار العملات الأجنبية وشبه إنعدام للخبز، إذن هنالك أزمة حقيقية وكبيرة في الاقتصاد؟

• نعم، هنالك أزمة، ولكن في إطار إعادة هيكلة الاقتصاد من البديهي ان يتعرض المواطن لضغوط شديدة في المرحلة الحالية، ولكن عندما يتوازن الاقتصاد ستعود بالضرورة الأوضاع إلى طبيعتها.
انخفاض الأسعار يرتبط تماماً بهيكلة الاقتصاد وتوفر وزيادة الانتاج المحلي من أجل التوازن في الميزان التجاري العام بالنسبة للدولة وهذا ما تقوم به الدولة الآن في البرنامج الخماسي للاصلاح الاقتصادي وربما نشهد تطوراً في المرحلة المقبلة، وحالياً تسعى الدولة بكامل مجهودها من أجل راحة المواطن ورفع المعاناة عنه.


○ تحدثت عن البرنامج الخماسي للاصلاح الاقتصادي وان هذه المرحلة الأولى قد توجب معاناة للمواطن حتى يصل مرحلة الرفاه ولكن أنتم في الحكم أكثر من ربع قرن من الزمان والأوضاع الاقتصادية لا تزال تراوح مكانها وظللتم ترددون هذه الوعود لسنوات طويلة.. واليوم تقولون انكم في المربع الأول؟
• هذا ليس صحيحا ولكن كمثال المرحلة التي استقر فيها الاقتصاد بتوفّر ايرادات البترول في الفترة من العام 1998 وحتى عام 2011 كان الاقتصاد مستقراً والأوضاع طبيعية جداً ولكن بعد ذهاب عائدات نفط الجنوب اختل ميزان الاقتصاد مرة أخرى وعادت المشكلات. والأسباب يمكن جملتها في الحصار الاقتصادي الذي ذكرته وتعلم ان السودان يدير اقتصاده بموارد محلية جداً وليست هناك منح أو قروض أو أي مساعدات دولية، بالتالي من البديهي ان تعاني الدولة حتى توفر راحة المواطن بموجب ايرادات محلية وبلا أي دعم خارجي.

○ أليس من الأفضل لكم كسودانيين حريصين أخلاقياً على مصالح الأمة السودانية «وهكذا تتحدثون عادة» بان تترجلوا لكي تتقلّد الحكم وجوه وطنية جديدة، تكون مقبولة للمجتمع الدولي وتتبوأ المسؤولية بدلاً منكم، وبدلاً من ان تبقوا هكذا علة للشعب السوداني ويبقى السودان في دوامة هذه المعاناة؟
• دعني في هذا أسألك، إذا ترجلنا اليوم هل ستحل كل قضايا السودان غداً؟ أم ان هذا الترجل يمكن أن يتم في حال قيام الدولة التي تُدار باجراءات دستورية على ان نعرض نحن أنفسنا للتصويت؟

○ أرجو أن لا تجيبني بسؤال عكسي، أنا أستند في هذا التساؤل القيمي إلى ما جاء على لسان مسؤولي البنك الدولي وصناديق التمويل الدولي بأن عدم ترشّح الرئيس عمر البشير لفترة رئاسية جديدة في الانتخابات الماضية كان من شأنه ان يسهم في اعفاء ديون السودان ودعم اقتصاده، إذاً أليس من الأجدى ان يترجّل الرئيس عمر البشير حتى ينال السودان وشعبه حالة أفضل من تلك التي يعيشونها الآن من المعاناة والفقر والجوع؟

• وماذا قدم البنك الدولي لدعم حكومة السودان أصلاً من مساعدة؟ وماذا قدمت حتى الدول الغربية من دعم قبل مجيء الانقاذ، والرئيس البشير نفسه إلى السلطة حتى تطالب بترجلنا من الحكم؟
السودان ظل مُحارباً ولسنوات طويلة، منذ الاستقلال وحتى عام 1989. قضية الحصار الغربي والأمريكي على وجه التحديد للسودان ليست متعلقة بوجود الرئيس عمر البشير أو حزب المؤتمر الوطني، ولكن الهدف منها هو الشعب السوداني وموارده الاقتصادية، وبالتالي الحديث عن ترجّل البشير عن السلطة هو حديث غير لائق ولا حتى أخلاقي ولا يرتبط بالواقع الذي تديره الولايات المتحدة والمجتمع الغربي تجاه السودان.
ثم الترجّل يعني أننا نخرج تماماً من السلطة، ولكننا قد عرضنا أنفسنا بانتخابات شرعية كل خمس سنوات وبموجب الدستور، فاذا صوّت الشعب السوداني ضدنا سنترك السلطة.


○ ولكن الشعب السوداني لم يصوّت لكم أخيراً وقد شهد العالم كله مقاطعته للانتخابات وبصورة غير مسبوقة ولكنكم مع ذلك أعلنتم الفوز وبقيتم في السلطة، لماذا؟
• ومن الذي قال لك ذلك.

○ هكذا تقول الشواهد، وكل المنظمات التي راقبت العملية الانتخابية قالت إنها مقاطعة بصورة كبيرة جدا وغير مسبوقة؟
• ليست هذه شواهد بل اتهامات، الانتخابات كانت حرة ونزيهة وشارك فيها الشعب السوداني كله.

○ وكيف تكون حرّة والمرشحون لا يملكون حتى حق اقامة الندوات؟
• ومن الذي قال لك ذلك؟ وكل الناخبين و45 حزباً سياسياً شاركوا في هذه الانتخابات وأقاموا عدداً من الندوات والمحاضرات والمشاركات السياسية والإعلامية وطبعوا ملصقاتهم الدعائية، هناك اليوم أكثر من 119 نائباً في البرلمان من غير نواب المؤتمر الوطني الحاكم، إذاً من أين جاء هؤلاء؟.. هؤلاء يمثلون أحزابهم وهم مستقلّون داخل البرلمان.

○ أليست هي أحزاب مصنوعة لخلق موازنة شكلية هدفها مثل هذه الاجابات الجاهزة التي تفضّلت بها، وهكذا تقول حتى المعارضة السودانية كلها؟
• ليست هنالك أحزاب مصنوعة بالتأكيد، الحزب المصنوع لا يعمل أصلاً.

○ هناك من يعتقد أن العقلية الحاكمة في السودان وتحديداً في حزبكم المؤتمر الوطني لا تكترث بمعاناة الشعب بقدر ما تهتم ببقائها في السلطة وتحقيق مصالحها غصبا عن مصالح الأمة السودانية كافة؟
• الحكم في السودان مكلّف جداً ونحن نعاني كما يعاني الآخرون، نتعرض لضغوط على مستوى عالي جداً من هذه السياسات التي تأتي من الخارج، ولكن مسؤوليتنا الوطنية والدستورية تحتم علينا البقاء في السلطة ولكن بموجب الدستور.

○ عن أي دستورتتحدث وقد خرج عليكم أبناء الشعب السوداني في تظاهرات هادرة وكبيرة جداً في ايلول/سبتمبر 2013، انتفضوا ضدكم فمارستم ضدهم أقسى أنواع البطش والقتل وعدم الرأفة باستخدامكم للذخيرة الحية والتصويب إلى الرؤوس، إذن هي ضغوطات من الداخل بفعل الغضب الشعبي المتزايد وليس من الخارج كما ظللت تردد في إجاباتك السابقة؟
• فقدان مواطن سوداني واحد يعد خسارة للمجتمع السوداني، وبطبيعة الحال السودان كله ضد العنف، وضد القتل وضد السياسات التي تخالف الأخلاق وما جرى في ايلول/سبتمبر 2013 لم يُخطط له أصلاً بأي حال من الأحوال ولكنه تم في إطار سياسة حماية المنشآت والمواطن نفسه حتى لا يحدث انفلات أمني يسهم في عدم استقرار البلاد.

○ ماذا أنت قائل للمعارضة في أوروبا ونعلم أنها نشطة وتؤثر في دوائر صناعة القرار الغربي تجاه السودان؟
• أقول لهم يجب ان يفرقوا بين النظام والدولة، النظام زائل والدولة باقية كشعب ويجب ان تكون المعارضة شريفة في هذا الإطار الذي نتحدث عنه، ويجب أن لا تعادى الدولة بمؤسساتها، العداء للنظم شيء عارض وعابر ولكن الواقع يجب تكون هناك أخلاق تراعي الفرق بين النظام والدولة.

○ هناك حديث عن ان قوات الدعم السريع سحبت البساط من الجيش السوداني، وتعلم ان الجيش السوداني قد أعلن في أكثر من مرة ولثلاثة أعوام متتالية ما عُرف بـ»الصيف الحاسم» وانه بصدد القضاء على الحركات المسلحة والحركة الشعبية وتحرير المناطق التي تسيطر عليها في جنوب كردفان والنيل الأزرق ولكن الحال كما هو، ما يشير إلى ضعف كبير في الجيش قياساً بما كان عليه الحال في السابق، بينما قوات الدعم السريع يسميها البعض بأنها مرتزقة تنال دعماً أكبر وأنها مكونة من مرتزقة؟
• الجيش السوداني مؤسسة عريقة جداً وله تاريخ طويل وعقيدة قتالية عالية المستوى في المنطقة، وظل يواجه هذه التحديات أكثر من خمسين عاماً يقاتل بشرف وما يزال بهذه القوة وما يزال بهذه الأخلاق والعقيدة القتالية، أما قوات الدعم السريع فهي تتبع للمؤسسات التي من شأنها حماية البلاد والشعب كما هو الحال مع جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وفي المقابل الجيش دوره لم ينقطع وسيظل، ولكن في إطار حماية الشعب السوداني، هناك مؤسسات أخرى تعين القوات المسلحة في تحقيق أهدافها الاستراتيجية وفق القانون والدستور وقوات الدعم السريع واحدة من هذه القوات.

○ رشحت أخبار عن ان توصيات الحوار الوطني من شأنها ان تأتي بحكومة انتقالية، تُرى هل سيأتي الرئيس عمر البشير على رأس هذه الحكومة الانتقالية مرة أخرى، هكذا تقول الكواليس؟
• الحديث مبكر عن نهايات الحوار الوطني، وانت تعلم ان الحوار الوطني لم ينته بعد، وهذه من ضمن القضايا قيد النقاش. وهناك الكثير من الإجراءات التي تتعلق بعملية الوصول إلى المخرجات النهائية التي تُوجب التراضي العام، هذا حديث سابق لأوانه وسننظر في ما سيأتي به الحوار من مخرجات في النهاية.

○ أنت شاب، وفي مقتبل العمر؛ وتشغل حالياً منصباً قيادياً مرموقاً في الحزب الحاكم، وهذا يعضد من القول السائد بأن النظام بدأ يجدد دماءه، وأننا مقبلون على ربع قرن آخر من حكم المؤتمر الوطني؟
• نحن كحزب في الساحة السياسية لدينا وثيقة إصلاح داخل الحزب وبموجبها جددنا سياسات الحزب وقياداته استعداداً للمراحل المقبلة، نحن كما الأحزاب الأخرى ننافس على الحكم، فاذا ارتضانا الشعب سنأتي من جديد للحكم، ليس فقط لـ 25 عاماً بل من الممكن 50 عاماً، ولكن بكل تأكيد في إطار قبول الشعب في المرحلة المقبلة، فلا داعي للخوف.

خالد الاعيسر

الاثنين، 1 فبراير 2016

سيف الدولة حمدناالله يكتب : حول مظلمة إشراقة محمود


أفضل ما يفعله النظام أنه يسقي أتباعه من نفس الكأس التي يسقي منها خصومه، فقد رمى بالضباط الذين شاركوا في الإنقلاب واحداً بعد الآخر للشارع، حتى أن واحداً منهم (صلاح كرار) أبدى تبرّمه في إحدى لقاءاته الصحفية من عدم السماح له بالدخول بسيارته داخل نادي ضباط الجيش (بحسب قوله يُسمح بذلك لرتبة لواء فأعلى)، وبدوره، تنكّر صلاح كرار لكل ما نُسب إليه من مخازي خلال وجوده في السلطة، فقال – مثلاً – أنه لم يعرف بموضوع الشهيد مجدي أو يسمع بإسمه قبل الحكم عليه بالإعدام. وبالمثل، أطاح النظام بقضاة المحاكم العسكرية الذين إستعاضوا عن ضمائرهم بكراسي السلطة وأصدروا أحكاماً جائرة بالإعدام على أبرياء في قضايا العملة وفي حق شهداء رمضان، وهم (القضاة) يدورون اليوم بنصف عقل حول أنفسهم، فقد طردت الإنقاذ المقدم عثمان خليفة (رئيس المحكمة التي حكمت بالإعدام على الشهيد مجدي) من الجيش وجرّدته من رتبته العسكرية وسُجن لمدة ثلاث سنوات في تهمة جنائية (شارك خليفة في عضوية المحكمة كل من الرائد حسن صالح بريمة والنقيب مهندس يوسف آدم نورين)، ومن بين جميع الضباط الذين شاركوا في محاكمة شهداء رمضان لم تُبق الإنقاذ على واحد منهم بالوظيفة أو المركز الذي باعوا أنفسهم للحصول عليه (كانت المحكمة الأولى برئاسة العقيد محمد الأمين شمس الدين وعضوية العقيدين محمد الطيب الخنجر ومحمد إبراهيم محمد الحسن، فيما كانت المحكمة الثانية برئاسة العقيد محمد علي عبدالرحمن وعضوية العقيدين يس عربي وسيد كُنّة).
وهكذا فعلت الإنقاذ بكثيرين ممن أخلصوا لها فقامت بعزل ضباط شرطة وأمن من العمل بعد أن شاركوا في الفتك بأبرياء ومتظاهرين وهم اليوم يعتبرون أنفسهم مظاليم ويلعنون الإنقاذ ويتمنون زوالها.
مشكلة السيدة إشراقة محمود التي تولول اليوم بسبب تجاوزها في التعيين الوزاري، أنها صدّقت نفسها بأنها وزير بحق وحقيق، ففي ظروف عادية، غاية ما كانت يطمح إليه مثلها – بحسب عمرها وتجربتها – لا يزيد عن وظيفة مفتش عمل في موطنها بمحلية عطبرة، فما أوصلها إلى كرسي الوزارة أنها تنتمي إلى حزب (الإتحادي الديمقراطي المُسجّل) تمكّن صاحبه (جلال الدقير) من الحصول على حصة مقاعد لوظائف وزراء ومستشارين ومُعتمدين بحيث يستطيع أي عواطلي يقبل بعضوية الحزب أن يحظى بنصيب منها، فهو هو حزب وهمي ليس له جمهور، ولم أسمع بسوداني – بخلاف وزرائه – قال أنه (إتحادي دقيري).
ليس هناك سبب يحمل السيدة إشراقة محمود على إحداث مثل هذه الجلبة غير رغبتها في الحفاظ على النِعمة التي ألِفت عليها، فالسبب الرئيسي الذي طرحته في المعركة التي تقودها ضد قيادة حزبها هو قولها (الصيحة 26/1/2016) بعدم شرعية القيادة لعدم إنعقاد المؤتمر العام للحزب منذ سنة 2003 خلافاً لما ينص عليه دستور الحزب الذي يقول بإنعقاد المؤتمر العام كل سنتين، وما فات على فطنة إشراقة أن هذا السبب كان قائماً عند مشاركتها في وزارتين سابقتين، وسبق لآخرين أن تقدوا في وجهها بنفس هذه الحجة في ديسمبر 2010 دون أن تلفت إليهم، وكان عدد من أعضاء الحزب الذين لم تشملهم المناصب الدستورية قد قاموا فيما بينهم بإنشاء تيار بإسم “شباب الإصلاح” وأصدروا قراراً في ذلك التاريخ بفصل قيادة الحزب وكانت السيدة إشراقة محمود واحدة من بينهم إلى جانب جلال الدقير وأحمد بلال عثمان والسماني الوسيلة والأمين الشريف الصديق القيادي.



لا أستغرب إذا فكّرت السيدة إشراقة في الإنضمام إلى صفوف المعارضة لتنادي بالحرية والديمقراطية وزوال حكم العسكر، فكل الذين لفظهم النظام فعلوا ذلك بعد خروجهم من السلطة، ولا أستبعد أن تجد من يأخذ بيدها من المعارضين، فالترابي نفسه وجد من يجبر بخاطره ويقبل به في المعارضة وأصبح كمال عمر ممثلاً له في صفوفها قبل أن ينقلب عليها من جديد، كما قبلت (المعارضة) بغازي صلاح الدين ومبارك الفاضل المهدي وآخرين.
ليس هناك سبب جعل رموز نظام مايو مثل عبدالعزيز شدو وسبدرات وبدرية سليمان وإسماعيل الحاج موسى ..الخ يتجرأون علينا من جديد ويعودوا للمشاركة في نظام الإنقاذ برغم عدم إنتمائهم فكرياً لتنظيم الإخوان المسلمين غير أننا قد تقاعسنا عن محاسبتهم بعد قيام ثورة أبريل، ولا أعتقد أن الجرّة ستسلم هذه المرّة، فأخطاء هذا النظام في حق الوطن والأفراد تختلف هذه المرة في النوع والمقدار، وما يبعث الطمأنينة على تحقق القصاص هذه المرة أن هناك من أبناء الوطن من قاموا بالإعداد والتحضير لمثل هذا اليوم، وسوف لن ينسى الوطن لأستاذ الأجيال علي محمود حسنين أنه قام سلفاً بإعداد ما أسماه بقوانين العدالة الإنتقالية، والتي قصد منها تحقيق أقصى معايير العدالة بأيسر إجراءات، بحيث لا تتكرر مثل المحاكمات التعيسة التي أعقبت ثورة أبريل، التي إستغرقت وقتاً طويلاً ولم تخرج في معظمها بنتيجة، من بينها محاكمة من قاموا بتنفيذ إنقلاب مايو وقد أخذت قضية الإتهام وحدها أكثر من عام لتثبت أن الإنقلاب قد وقع، وهي واقعة تدخل فيما يُسمّى بالعلم القضائي ولا تحتاج من الأصل لإثبات، فيما إنتهت معظم القضايا التي أثيرت بتسويات مالية. كذلك ما يُبشّر هذه المرة أن هناك وطنيون قاموا ويقومون برصد وتدوين جميع الإنتهاكات وجرائم الفساد التي أرتكبت طوال فترة هذا الحكم بحيث لا تكون العبرة في المحاسبة مبنية على من يكون داخل الحكومة لحظة التغيير.
إذا كان هناك ثمة فائدة وحيدة لهذا النظام، فهو أنه جمع كل القمامة في سلة واحدة، حتى يسهل على الشعب إزالتها بدور غسيل واحد، فلن تقوم قائمة لهذا الوطن دون أن تتحقق له محاسبة كل الذين تعاقبوا على حلاقة رؤوسنا، وتبادلوا الأدوار في خذلاننا وتحطيم أحلامنا، وتسببوا في تدمير بلادنا، وإن غداً لناظره قريب،،

الثلاثاء، 19 يناير 2016

ماذا تريد الدبلوماسية السودانية ان تحقق ؟

بعد طول انقطاع ينعقد مؤتمر للدبلوماسيين السودانيين لمناقشة مرتكزات السياسة الخارجية ازاء المتغيرات الدولية والتحديات التي تواجه العالمين العربي والافريقي وافاق التعاون الثنائي والتعاون الدولي وما يكتنف كل هذه المسارات من صعوبات تقتضي وضع خريطة الموقف السوداني من السياسة الخارجية والعلاقات الاقليمية والدولية.
وغياب هذا المؤتمر لعقد من الزمان يمثل نقطة ضعف ينبغي تجاوزها خاصة وان هذه الفترة الطويلة شهدت متغيرات اقليمية ودولية بل ومحلية كان ابرزها انفصال جنوب السودان وتشظي السودان الى دولتين ونشوب حروب وثورات في الدول العربية والدول الافريقية وانتشار مهددات ذات طبيعة عالية.
والسياسة الخارجية في اي بلد تتأثر بالسياسات الداخلية للبلد المعني وتؤثر فيها وقدرة الدبلوماسية على مواجهة تلك المتغيرات تتوقف على كثيرا على ما يدور في الساحة الداخلية والساحة الداخلية السودانية ظلت تعاني- ومازالت- تعاني من ازمات سياسية وتوتر وحروب اهلية لها تداعياتها وصراعات سياسية داخلية محتدمة تنعكس بصورة ما على الحراك الدبلوماسي السوداني وفي غيبة التنسيق بين الداخل والخارج تبدو السياسة الخارجية السودانية مضطربة وغير مستقرة وتزداد الصعوبات التي تواجه العمل الدبلوماسي الخارجي.
وقد عبر وزير الخارجية السابق عن هذا الاضطراب في تصريحات علنية العام الماضي اذ كشف في تصريحاته عن قطع من الاسطول الايراني تزور بورتسودان لم يكن للخارجية السودانية بها علم ولم تسمع بها الا عبر الاعلام- كا رددت بعض المواقع الاعلامية انباء عن قرارات في السياسة الخارجية السودانية تتخذ بعيدا عن الدبلوماسية السودانية ودون ان تدرس تلك القرارات على مستوى الوزارة بطريقة مهنية ومؤسسية ويجتهد كثير من المسئولين في اصدار تصريحات في صميم العمل السياسي الخارجي دون استصحاب للموقف الرسمي للخارجية السودانية والآن وهذا المؤتمر ينعقد فإن ثمة قضايا تدور في الساحة السياسية ومحاولات لتوسيع دائرة الحوار الداخلي واجتماعات تنعقد خارج السودان – في اثيوبيا والمانيا مثلا- مع قوى حاملة للسلاح بغرض الوصول لاتفاق سلام معها وللخارج دور كبير في هذه الجولات التفاوضية الرسمية وغير الرسمية فالاتحاد الافريقي يتدخل فيها عبر لجنة الوساطة والحكومة الالمانية تنشط عبر مبادرة المانيا وتستضيف بعض جولات التفاوض والدوحة تتحرك في اطار ازمة دارفور ولقاءات ومشاركات من دول اخرى هنا وهناك- فاين مكان الخارجية السودانية وما دورها في هذه التحركات؟ – الحرب الأهلية في السودان والانقسام والتوتر السياسي الحاد هو الذي يدفع التحرك الاقليمي والدولي تجاه السودان وستقف الدبلوماسية السودانية عاجزة عن احداث اختراقات ما دامت القوى الخارجية لا تجد اي تحسن يطرأ على الموقف في السودان تجاه معالجة هذه القضايا الجذرية فهل في مقدور الدبلوماسية ومؤتمرها الذي ينعقد الآن طريقة لاحداث نقلة في السياسات الداخلية السودانية لمعالجة جذور الازمات السودانية؟.
 اذا لم يكن في مقدورها المشاركة في اصلاحات السياسات الداخلية فهي لن تستطيع ان تحقق انجازات على الصعيد الخارجي وستكتشف في كل محاولة ان سياسات الداخل تعيق حركاتها وتقيدها وتسد امامها ابواب الحراك الدبلوماسي الفاعل سواء وكان ذلك في الجوانب السياسية او الجوانب الاقتصادية وغاية ما تستطيع ان تفعله هو ان تحاول التعامل مع الملف الانساني الذي هو الانشط الآن!!
محجوب محمد صالح 

السبت، 16 يناير 2016

خيارات الشعب..




من أجمل العبارات التي سمعتها آخر الأسبوع الماضي، هي قول أحد المتحدثين في ملتقى الحوار المجتمعي الخاص بمنسوبي المنظمات الوطنية، والذي نظمه ظهر الخميس الماضي المجلس السوداني للجمعيات الطوعية (اسكوفا)، بقاعة اتحاد أصحاب العمل. المتحدث قال في معرض تساؤلاته عن هل رئاسة الجمهورية في تعهداتها بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني؟ ثم مضى الى القول بأن الشعب السوداني وقطاعاته الحية يملكون الخيار الغالب والكلمة الفصل، وستطبق مخرجات الحوار الوطني حتى وإن تم الغدر بها والاستجابة لتخرصات ودعاوى تسفيه مخرجات الحوار. وقال إن الشعب يملك خياره البديل حينما يتم الكفر بمخرجات الحوار، ولا يمكن أن يرضى بالمزيد من الخراب وتضييع الموارد وإهلاك الحرث والنسل.
وحسب الدعوة التي وجهها الأمين العام للمجلس إبراهيم محمد الحسن الشهير بـ(اسكوفا)، فقد تداعى الى قاعة اتحاد أصحاب العمل مدراء العديد من المنظمات الناشطة في الساحة مثل المنظمة السودانية لحماية البيئة، والمنظمة السودانية للشفافية، ومكافحة الفساد، ومنظمة أصدقاء السلام والتنمية، ومؤسسة الشرق الخيرية، وشبكة منظمات شرق السودان، ومنظمة الزبير الخيرية، والمنظمة الإفريقية للتنمية، وغيرها من المنظمات التي لبت دعوة (اسكوفا)، ودار حوار كثيف أفرغ فيه الحضور الهواء الساخن من الصدور وأبانوا رؤيتهم حول قضايا الساعة وما ينبغي أن يرفع من توصيات للسيد رئيس الجمهورية عبر مندوبه الذي جاء الى الملتقى خصيصاً لهذا الغرض، وتناول الحضور تحديات عملية الحوار الوطني الجارية والتي شارفت على نهاياتها، حيث طالبوا بتنفيذ مطلوبات الشعب وإلغاء مطلوبات الفئة الباغية التي ماتزال مساعيها جارية لإجهاض ثمرات الحوار الوطني بمختلف الأساليب الملتوية، ظناً منهم أن الشعب السوداني بلا خيارات أو أن قيادة الدولة إنما تطلق الكلام على عواهنه حينما تعهدت بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وهي مخرجات بدت ملامحها تتضح من خلال تصريحات أبناء السودان العاكفين على إخراج الثمرة النهائية المطلوبة بعد نقاشات مستفيضة حول كيفية إقرار دستور دائم يرتضيه جميع السودانيين وتوسيع قاعدة مشاركة الشعب في السلطة وطرق إيقاف النزاعات الأهلية المسلحة وطرائق تضييق الخناق على غول الفساد ومحاربة الانتهازية الطفيلية التي انسربت داخل مؤسسات الحكم وتخللتها نهباً وإفساداً وتخريباً.
إن كثرة التصريحات المناهضة لمطلوبات الإصلاح وتحقيق تطلعات وأشواق الجماهير والقوى الحية المؤمنة بالحوار، تجيء كفرفرة مذبوح او كردة فعل طبيعية من القوى الظلامية التي أدمنت تهميش الجماهير والتلاعب منفردة بإمكانيات البلد وإيصالها الى مرحلة حصاد الهشيم، ولقد قُضيَ الأمر بالنسبة لهم وانتهت اللعبة، ولذلك هم يخافون من عملية انفتاح الشعب على السلطة ومشاركته بكل أطيافه فيها لأن هذا يعني كنس القوى الظلامية التي نصَّبت نفسها عبر تزوير إرادة الجماهير وممارسة الفساد بكل إشكاله والإثراء على حساب افقار الأغلبية الساحقة من أبناء البلد، وهم يخافون إعادة الميزان الى وضعه الطبيعي حيث لن يتولى أصحاب الولاء ولا المتخلفون في الأرض المواقع التنفيذية، وإنما أصحاب الخبرة حينما يتم إقرار منهجية تكافؤ الفرص وإلغاء دجل التمكين، هذه واحدة وقس على ذلك كل شيء ومحفل ومؤسسة وموضوع.
إن القوى الظلامية الرافضة لعملية الانفتاح الكبير، إنما أدمنت في ظل استحكام الفساد وغياب دولة القانون نهب موارد البلد باسم المخصصات والجهويات والعشائر وجميع أنواع وأشكال وأنماط التجاوزات، ولذلك ترتفع أصواتهم كلما اقتربت مرحلة الحسم الكبير، باعتبار أنها مرحلة تعني بالنسبة لهم (القيامة الصغرى)، هذا عدا أنه يوم تقوم الساعة سيتعين عليهم اختبار معاني ودلالات الوعد القرآني «بئس الورد المورود».

محمد كامل عبد الرحمن
الانتباهة

الجمعة، 15 يناير 2016

"ضلفة الترباس"..!



عبد الله الشيخ
البعض يعقد آمالاً عظيمة على مؤتمر الحوار الوطني ، وصديقنا محمد المعتصم حاكم يؤكد أن حوار قاعة الصداقة "هو الخطوة السياسية الكبرى منذ الاستقلال"،، ومشايخنا في المؤتمر الشعبي يدعون إلى تشكيل حكومة قومية ،تضم كافة الوان الطيف السياسي..
في الآونة الأخيرة يُلاحظ أن المؤتمر الشعبي يلوِّح كثيراً  لعضويته بهذا الأمل، ويضيف عليه ضرورة أن تكون الحكومة انتقالية لمدة عامين ،يرأسها المشير البشير،على أن تجري بعد ذلك انتخابات عامة، تفرز حكومتها... أي أن الشعبيين، يأملون في استعادة النظام الديمقراطي التعددي الذي انقلبوا عليه..!
لا يخفى طبعاً، أن هؤلاء الأخوان، هم من أبطل مشروع الحلم الفسيح هذا.. لكنهم الآن يرون أن للديمقراطية مستقبلاً  في هذه البلاد ، وأن القضية السودانية، بعد أن تشربكت وتعقّدت هكذا، يمكن تشخيصها وحلّها بهذه الطريقة المجرّبة،التي لا يُستبعد ايضاً، أن يعقبها انقلاب..! شيخنا المحامي، ابوبكر عبد الرازق، المشهور بمنافحته عن ديمقراطية الترابي ، يروّج لهذا الحُلُم الفسيح، الذي يتمحور في فكرة تنازل الحزب الحاكم "حبّة كِدا" للآخرين...!
كثيراً ما ينسى شيخ ابوبكر ،وينسى الكثير من الديمقراطيين كذلك، أن أشقاءهم في المؤتمر الوطني ــ الاقوياء بضعف الآخرين ــ هُم من ينتظر التنازلات..!
 فالحزب الحاكم، ومن أجل حصد التنازلات شرع الحوار. ولكي تكون مخرجاته قابلة لتضمين الآخرين في داخله، يوافق على تمديد الجلسات.. وحرصاً منه "على تولا"، سيقبل بما يمكن أن تسميه حكومة وطنية "تحتوي الجميع"..! كيف فات هذا على الشيخ ، وهو من الأذكياء، أنه بهذه الطريقة، يحاول فتح "ضلفة الترباس"، التي يفتحها بسهولة من هُم بالدّاخل ــ أهل الدّار ــ الذين هم أشقاءه من الوطنيين..! وحكاية ضلفة الترباس، تستاهل أن نحكيها  للشيخ بابكر عبد الرزاق ، ومن لفَّ لفّه.. عندنا واحد قريبنا ،كان زول راس هوّس ،و جنّو "لعوبات"..أي حفلة "كاتِلا"..أي حِنّة ، شرق أو غرب ،يقطع ليها البحر أنصاص الليالي.
الجّماعة قالوا يعصروا ليهو فوق حبلو ويعرسوا ليهو ، عشان يهبط ويقعد مرّة واحدة...وفعلاً  كانت العرسة هي السبب..زولك  شوية شوية انسحب من الدّارة ،وبقى في هم الوليدات، والبقيرات..بعد شويتين الوليدات كبرو ، ودخلوا المدارس..بعد شويتين البنات عرّسوهن، وجابنْ  ليهو العساسق..زولك بعد ذاك لقى روحو "مافي فركيق" تاني.. قطع وديجة الطرب من حياته ، وأنشغل في "تنظيف اغترافات الماضي" و أصبح مؤذناً يبدأ صباحه في الزاوية ويختم مساءه فيها ، ويرابط داخلها طول النهار لتنظيفها  وسقاية أشجارها..و ما تستعجل ،أنا ماشي عليك ، عشان أورّيك"ضلفة الترباس"..!
الزِّويل برضو مرق بي فايدة من هناك ، لأنه سمع نذراً غير يسير  من الثقافة الدينية، وتعلّم الكثير من الاحكام الفقهية التي طبّقها  في نفسه لكنه لم يحفظها نصّاً..ذات يوم، وبعد صلاة العصر، كان صاحبنا في الزاوية يرتِّب البروش، ويملأ الازيار،، فدخل عليه اتنين من عابري السبيل..توضيا و توازيا جنباً إلى جنب للصلاة .. بعد قليل لحق بهما آخر ،أراد  ذلك الآخر ، أن  يلحق بأجر الجماعة، لكنه لم يكن يدري، أيهما الإمام وأيهما المأموم..على التّعتِرو ، بدأ يجُر جلّابية الإمام لعله يرجع الى الوراء ليشكل معه صفاً ..وما درى أن الإمام لن يتراجع..!
 لم يفهم ذلك، فظل يعافر ويجابد في  الجلّابية حتى تدخل صاحبنا ،على قدر حاله الفقهي، ليصيح  فيه :"يا زول دي ضلفة الترباس"..!
 ودحين يا ود عبد الرازق، إنت زول متفقه في الدين والسياسة ، وفي فنون التنظيم،، و كتيرة عليك تقعُد تعافِر  في"ضلفة الترباس"..!
إنت فاهمني يا شيخنا..!؟

الأربعاء، 13 يناير 2016

الكشف عن سوق للمخدرات بالجامعات وانتشار للحبوب المهلوسة بالعاصمة



قطعت شرطة إدارة مكافحة المخدرات عهداً على نفسها بالقضاء على المخدرات بكافة أنواعها والحد من انتشارها وسط المجتمع. حيث نرى أن الكثير من الشباب اتجهوا الى تعاطي العقاقير المخدرة باعتبارها أكثر خفية وتبعد الشبهات عنهم وتجنبهم الوقوع في، المخالفات إلا أن شرطة المكافحة كانت بالمرصاد وكثفت مجهوداتها بأساليب أمنية وخطط منعية واعية، مكنتها من توقيف العديد من المتهمين وضبط حبوب مخدرة. وتفيد معلومات بوجود أماكن مخصصة يتم فيها ترويج هذه الحبوب ما ساعد الشرطة في الوصول على اوكار المتهمين الذين يستهدفون فئة الشباب على وجه الخصوص بغرض تدمير عقولهم وتدمير الأجيال القادمة. وكشفت سجلات الشرطة عن تدوين الكثير من بلاغات ضبطيات الحبوب المخدرة التي تزايدت في الفترة الاخيرة، ما ادى الى ظهور مؤشرات خطيرة لظاهرة الترويج تسبب مخاوف خاصة ما تم من تنفيذ ضبطيات لحبوب مخدرة بكميات كبيرة في مطلع العام الحالي.

سوق توزيع المخدرات
أكدت الشبكة القومية لمكافحة المخدرات أن الجامعات السودانية واحدة من اسواق توزيع وترويج المخدرات الحديثة في البلاد، لافته الى انتشارها وسط طلاب وطالبات الجامعات، وأشارت الى سهولة تأثيرها وسط المجتمعات الطالبية، وقالت إنها تجمع أعداداً كبيرة من الطلاب من مختلف بقاع البلاد، وكشف تقرير تحصلت عليه الشبكة القومية عن ارتفاع كبير في عدد بلاغات المخدرات في الأعوام المنصرمة لتصل أكثر من «5.063» بلاغ مخدرات، ضبط «8» أطنان من الحشيش وطنين من القات، بالإضافة الى «412,085» حبة مخدرة من حبوب «الاكزول والفتاقون والترامادول»، مؤكداً أن جرائم المخدرات من الجرائم المنظمة في السودان والتي تديرها شبكات عالمية «مافيا مخدرات»، بالإضافة الى دخول كميات كبيرة من الحبوب المخدرة من دول مختلفة.
دوافع نفسية
وأرجعت اختصاصية علم النفس والاجتماع رشا عبدالرحمن لـ«الإنتباهة»، أن انحراف الشباب وتعاطيهم للمخدرات يرجع الى عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والفقر والنزاعات والحروب باعتبارها عوامل سلبية تحفز على انتشار المخدرات، وقالت إن معظم المخدرات التي يستخدمها السودانيين ذات قيمة مالية ضعيفة، وأشارت لاعتماد أكثر من 90% من المزارعين بولايات دارفور على البنقو كمصدر لدخل الشخص، وأضافت تعتبر المخدرات بأنواعها تجارة رائجة وسريعة العائد لذا الطلب عليها مستمر. ولفتت الى انتشار الحبوب المخدرة وسط شريحة الشباب في الآوانة الأخيرة واحتلالها المرتبة الثانية من حيث التعاطي عالمياً. وأكدت أن سوء استخدام العقاقير منتشر في كل أنحاء العالم، ولكن في الآوانة الأخيرة شملت عقاقير طبية، وأصبح الناس يستخدمونها للشعور بالفرحة والمتعة وحسن الخاطر، أشهرها حبوب «المورفين»، وحديثاً ظهر «الأكسول» وهو يستعمل لمعالجة الأعراض الجانبية لبعض مضادات مرض الذهان وهو نوع من الاضطراب النفسي والسلوكي الشديد أو هلاوس سمعية وقد تحدث بعض الأعراض الجانبية الشعور بالنشوة وإنشراح المزاج، وأشارت الى وجود آثار سالبة لحبوب الأكسول تؤثر على على الجسم إذا أخذ المتعاطي جرعة كبيرة يمكن أن تؤدي إلى شلل في الأمعاء واختلال في ضربات القلب تؤدي الى الموت الفجائي.
نماذج ضبطيات
تضمن محضر التحري على كثير من ضبطيات لمروجي الحبوب المخدرة وتدوين بلاغات جنائية، فيما تمكنت شرطة المخدرات بولاية الخرطوم من القبض على شاب يروج الحبوب المخدرة بوسط الخرطوم. وقالت مصادر إن معلومات توفرت لشرطة المخدرات بوجود شاب يروج حبوب الـ«اكسول فايف» المخدرة بوسط السوق العربي بالخرطوم، وبالرصد والمتابعة تم نصب كمين أسفر عن ضبط «5» كراتين تحتوي على «300» حبة. وتم اقتياد المتهم إلى قسم الشرطة. وفي بلاغ آخر تمكنت الادارة العامة لمكافحة المخدرات من ضبط كميات من الحبوب المخدرة بلغت«12,692» حبة بحوزتة « 5» المتهمين وأفاد مصدر مطلع لـ«الإنتباهة» إن شرطة المكافحة واصلت جهودها لتتمكن من توقيف المتهمين وضبط المخدرات بحوزتهم في خلال العشر أيام الاوائل من العام الجديد متخوفاً من تفاقم الظاهرة، وأشار المصدر الى أن معلومات وردت لرجال المكافحة تفيد بوجود المتهمين وبحوزتهم الحبوب وتمت مداهمة مقر المتهمين بمناطق مختلفة في العاصمة كما ضبط بحوزتهم كمية من العملات الاجنبية وتم اقتياد المتهمين الى قسم الشرطة ودون في مواجهتهم بلاغ تحت المادة 15/أ مؤثرات عقلية.

تقرير نجلاء عباس
الانتباهة

عرمان لناشطين: السودان أمام خياري التغيير أو الإنهيار



قال الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، ياسر عرمان، إن السودان بات أمام خياري التغيير أو الانهيار، بوقتٍ لم يخف تبرمه من محاولات الحكومة لضرب الأسافين بين قوى المعارضة والشعب.
وأشار عرمان، خلال دائرة اتصال بعدد من النشطاء في الولايات المتحدة وأوروبا، الأربعاء، الى أن الأوضاع الحالية في البلاد ازدادت تعقيداً، وقال: “السودان الآن مواجه باحتمالين، أما التغيير بأي وسيلة من الوسائل والتي تؤدي للاستجابة لمطالب المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية أو الانهيار”.
وتخوض الحركة الشعبية- شمال -، معارك ضارية ضد الجيش الحكومي منذ العام 2011، في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وذلك دون إحراز أكثر من عشر جولات تفاوض برعاية افريقية توافقات تنهي الحرب.
ورأى عرمان في الاضطرابات التي شهدتها مدينة الجنينة غرّبي البلاد، دليلاً على قرب انهيار الدولة. وقال: “الدولة على وشك الإنهيار، فهي لا توفر الأمن لمواطنيها، وتتصرف أجهزتها كمليشيات موازية”.
وأقر مسؤول حكومي بمقتل 12 شخصا في أحداث دامية نجمت بعد احتكاكات واقتحام محتجين مقر حكومة ولاية غرب دارفور، مطلع هذا الأسبوع فقابلتهم الأجهزة الأمنية بإطلاق الرصاص والغاز المسيل للدموع.
وطالب الناشطين في عواصم العالم المختلفة بتنظيم احتجاجات ومواكب تضامنية مع الأهالي في مدينة الجنينة، بغرب دارفور والعباسية بكردفان، والعمل على ارجاع القضية السودانية من جديد الى واجهة الأجندة الدولية.
ونوه عرمان إلى وجود محاولات قال إنها مستميتة من حكومة الخرطوم وذلك لتشكيك الشعب في قوى المعارضة، والعمل على بث الفرقة في صفوفها، فضلاً عن اللعب على حبل التناقضات.
وقال: “الحركة الشعبية تقاتل في جبهات عسكرية وسياسية طويلة ومتعددة ومتنوعة وتقدم شهداء يومياً، ويتهمها من هم على بعد الآف الأميال من تلك الجبهات بالمساومة مع النظام من دون أن يرمش لهم جفن”.
وأشارت بعض الدوائر المقربة من الحكومة السودانية، مؤخرا إلى قرب التحاق الحركة بالحوار الوطني الذي دعا له الرئيس السوداني عمر البشير وذلك استناداً إلى اختراق تم في جولة تفاوض غير رسمية بين الطرفين ونادى بضرورة إنهاء الحرب ومشاركة جميع الأطراف في الحوار الوطني الشامل.
وحث الأمين العام للحركة، النشطاء، على استخدام كرت المخاوف الأوروبية من اللاجئين، وتصعيد حملة التضامن ضد الانتهاكات الحكومية.
وقال: “إن كانت أوروبا تخشى المهاجرين، فإن ما يحدث في الجنينة والعباسية وحروب السودان ستزيد أعداد المهاجرين اليها، خصوصاً إن السودان بلد مصدر للهجرات”.
وطالب عرمان النشطاء في الدول الغربية بإعادة قضية السودان إلى السطح الدولي مجدداً، وذلك بمختلف وسائل التعبير.
وقال: “إذا كانت جماهير المدن تعاني الأمرين من تحكم أجهزة الأمن، فإنه لا عذر للناشطين في المهجر”.
سودان تربيون

مذبحة الجنينة حلقة في مسلسل الموت المجاني


العشرات من الرجال المدججين بكامل الأسلحة يتحركون في موكب كبير وهم يمتطون الأحصنة وسيارات الدفع الرباعي ويقومون بمحاصرة قرية " مولي" بغرب دارفور  والتي تبعد ١٥ كيلومترا فقط من عاصمة الولاية الجنينة. الرجال المسلحون والملثمون كانوا يتبعون لإحدى القبائل في المنطقة وطوقوا القرية بحثا عن شخص يعتقدون انه قتل احد المنتمين لهم ويختبئ هنالك.
أمهلوا سكان القرية - معظمهم من النساء والأطفال - ساعات فقط من أجل اخراج الرجل ثم أحرقوا القرية بمن فيها ، الامر الذي اضطر العشرات من الأسر للهروب واللجوء الى مقر الحكومة باعتبارها الجهة التي ستقوم بحمايتهم. 
 ازاء ذلك تحرك عدد من الرجال الذين ينتمون للقبيلة التي تقطن القرية(المساليت)  صوبها بعد ان سمعوا بأنها محاصرة ، واشتبكوا مع المهاجمين(الجنجويد) مستخدمين الأسلحة النارية وسقط عدد من القتلى وعدد أكبر من الجرحى ، ويحدث كل هذا وحكومة الولاية لم تحرك ساكنا وظلت في موقف المتفرج!
 ومع تزايد أعداد المعتصمين داخل مقر الحكومة بوصول المئات من النازحين الذين يقطنون المدينة في خطوة تضامنية ، ومع ارتفاع درجة الحرج عند والي الولاية خاصة وانه كان يستقبل وفدا من الحكومة المركزية في ولايته صدرت تعليمات للأجهزة الأمنية " بإيقاف الفوضي وبأي ثمن". وفعلا ، حاصرت قوات من الشرطة وعناصر من الأمن الوطني المعتصمين داخل مقر الحكومة وأطلقت الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي الأمر الذي ادى الى وفاة ١٥ شخصا بحسب مصادر مستقلة ومعظمهم من النساء. 
 في الوقت الحالي ، يمكن وصف الأوضاع بأنها " هادئة ومشوبة بتوتر عال" في ظل وجود القوات العسكرية في الطرقات والقرى المجاورة ، وحشود عسكرية كبرى من مقاتلي الاثنيتين وهم على أهبة الاستعداد للقتال مرة اخرى خاصة وان المشكلة الأصلية لم تحل بعد. 
وتكرر ذات الامر في مدينة الفاشر عاصمة ولاية دارفور ، الأسبوع الماضي ، عندما حمل المئات من المواطنين الغاضبين جثمانين لقتلاهم الذين تم اغتيالهم بواسطة مجهولين في قريتهم التي تبعد كيلومترات قليلة جدا من مقر الحكومة وسكن الوالي. الغاضبون طالبوا الوالي بضرروة القبض على الجناة سريعا وتقديمهم للمحاكمة ، وقالوا للوالي وبلهجة تهديدية انهم سيتصرفون بطريقتهم الخاصة في حال فشله في القبض على الجناة. 
 تعكس هاتان الواقعتان وغيرهما من الوقائع في عدد من مدن وقري دارفور  ، ما وصلت إليه الأوضاع الأمنية والاجتماعية من خطورة ظلت تتفاقم يوما بعد يوم. وفي هذا الصدد يقول الناطق باسم السلطة الانتقالية لدارفور عبد الكريم موسي ان هنالك شرخا اجتماعيا كبيرا وقع في الإقليم بسبب الحرب المستمرة. وقال خلال تصريحات صحافية الاثنين ان هنالك خللا في الطريقة الإدارية التي يتم بها الحكم في دارفور ، مشيرا الى ان مراجعات ستقوم بها السلطة تجاه هذا الامر. 
وقسمت الحكومة السودانية  دارفور الى ٥ ولايات بعد ان كانت ٣ بسبب الضغوط التي تمارسها القبائل عليها بعد ان تحالفت مع العديد منهم في حربها مع الحركات المسلحة. ومنحت كل قبيلة او إثنية ولايات بكاملها لإدارتها على حساب إثنيات تعيش معها في نفس المنطقة منذ سنوات مما ولد لديها الكثير من الاحقاد بسبب الشعور بالتهميش.
وما واقعة الجنينة التي حدثت قبل يومين الا دليل علي ذلك. فالاثنية الأكبر عددا ونفوذا في غرب دارفور تقول انها وجدت نفسها خارج نطاق السيطرة والحكم ، خاصة وان الوالي الحالي خليل الشريف ليس من أبناء الولاية ، ولا يبدو انه يسيطر على الاوضاع بدليل انه شكل لجنة للتحقيق في الأحداث ، وتراجع عنها بعد ساعات حيث شكلت وزارة العدل الاتحادية لجنة لتقصي الحقائق ، وكذلك تأكيداته بان عدد القتلي هو ٦ اشخاص فيما يقول معتمد الجنينة ان عددهم ١٣. 
ويري الخبير في شئون دارفور صلاح الدومة ان ما يحدث في الإقليم في الوقت الحالي هو دليل واضح " على غياب الدولة وهيمنة القبيلة بكل ما في هذه الكلمة من معنى". وأضاف خلال حديثه " للتغيير الالكترونية" ان الأحزاب السياسية نفسها أصبحت رهينة للقبيلة وأصبحت تسمي ممثليها في المناصب الحكومية والدستورية على أساس قبلي " كل شي اصبح في دارفور مربوطا بالمحاصصة القبلية ، فمثلا ولاية غرب دارفور قائمة تماما علي المحاصصة القبلية وليس الكفاءة وما حدث هو احد اسباب النزاع الذي سيستمر بعد ان شعرت بعض الاثنيات انها مهمشة ولجأت الى حمل السلاح ضد الاثنيات الاخرى". 
 وازدادت في الآونة الاخيرة النزاعات القبيلة بسبب البحث عن السلطة والنفوذ السياسي بعد ان كان ذات النزاع محصورا على الارض والحواكير والديات. وتقول إحصاءات الامم المتحدة - والتي يبدو انها بدات تكتفي بالدعوات لضبط النفس على غرار ما فعلته في الجنينة - ان اكثر من ٢٥٠ الف شخص تأثروا من النزاع القبلي العام الماضي ما بين قتيل وجريح ونازح. 
التغيير

السبت، 9 يناير 2016

"بلداً فيها أيلا، يااا حِليلا"..!


قدّم أيلا نفسه نموذجاً "للطهر الأُخواني" المدوّن في أدبيّات الحركة، وتعهد بعد نقله من بورتسودان الي مدني ، باستنهاض السودان من خلال مشروع الجزيرة..فهل يفعلها، أم هي "شنشنةٌ نعرفها من أخزم"..؟ 
الانطباع العام هو أن الوالي أيلا، قد صنع لنفسه أسطورة تلامس الخيال لإداري  مُبدع وجماهيري، في زمانٍ عزّ فيه أن تجد كوزاً يتهيّب التاريخ،أو يحترم عقول المشاهدين..!
 لكنه بهذه الاسطرة، يستدعي صورة طالها القِدم ،هي صورة يوسف عبد الفتاح.. إنّ أيلا  ــ ايها السّادة ــ مثله كمثل رامبو،"بتاع الصّواني"،الذي ضرب "البوهية" على وجه العاصمة الحضارية، ولكلٍ بصماته واسهاماته .. فالمتعافي ــ مقارنةً بالخَضر ــ كان أكثر سيطرة وتحويرا، وأيلا مقارنةً بالزبير بشير طه، كان أكثر قبولاً للتطريب، وعم عبد الرحيم أبدى دهشته من بيع"كل الحِتّات"، وهكذا وهكذا، كل ولايات السودان زاخرة بما يجعل هذه القيادات في حالة ابداع مستدام، كلٌ في مجاله، وكلٌ حسب خياله..هناك من يفعلها بذكاء،وهناك من يُبلِي..وإن كنت ممن يحسنون الظن، فيمكنك القول أن "الأخ" أيلا من الصنف الأول.
يؤكد إعلام عاصمتنا، أن أيلا أحيا بورتسودان، التي وجد فيها دعماً مطلقاً جعله والياً ، بصلاحيات رئيس جمهورية..فكم استقبل فيها رؤساءاً ، وكم رفع صورته "حيطة بالحيطة" الى جانب الصدر العالي،وكم أكّد أنه أزاح البؤس عن إنسان الشرق..لكنّه والحق يقال،تقدم خطوة باتجاه تحسين ظروف شغيلة الميناء، ولامَسَ حياة البسطاء وحلِم أحلام الضعفاء، لكنه لم ينفذ ــ وما ينبغي له ــ الى قواعد اللعبة..! و في بورتسودان، دار لغط كثيف ، حول نشاط "غير مُرحّب به "مع بعض دول الجوار، ولم تأخذ العدالة مجراها..!
  نُقل أيلا  إلى مدني، فاستقبلته البرجوازية الصغيرة هناك بالزغاريد، على قاعدة "بلداً ما فيها أيلا، يا حليلا"..! و معذرة لاستخدام هذا المصطلح، إذ لا أجد وصفاً لتشعير تلك البرجوازية، التي تظل صغيرة دائما، بينما تكبر أحزانها..!
المُهم تمّت النقلية من الثغر إلى النهر، أي من "الفنار" الى "الخدار" بناءاً على رغبة عارمة في اسعاد الجماهير..وعندما وقع الرحيل، كانت حوريات البحر تبكي بين الامواج المتكسرة، وكان هو ــ أيلا ــ يحمل صخب الحشد،إلى مدني التي تعهّد فيها بتأهيل مشروع الجزيرة..ومن قولة تيت أعدّ العُدّة داخل الاستاد،لافتتاح أكبر وأطول مهرجان تسوُّق، بلا سِلع..!
 ضرب المنقول بتقارير المختصين عرض الحائط  وقرر ــ هو بنفسه ــ تأهيل مشروع يحتاج الى خمسين سنة، حتى يعود الى "سيرته الاولى" قبل الانقاذ..وبدلاً عن تطوير العمل السياسي وتخليق المؤسسات والمراكز البحثية الراصدة، لجأ أيلا وطائفته المُؤمنة ، الى استرجاع كرنفالات التحشيد المُعتمدة لدى بلاشفة الاتحاد السوفيتي السابق، فطلعت الطلائع في الميدان بألعاب الجمباز والأعلام الفاتنة، حتّى "تبسّم ضاحكاً من قولها :"يا حليلا"..!
 وفعلاً يا حليلا.. فبلادنا غرقت بكلياتها بين تمكين وتخريب، دون رقيب من صحافة جادّة أو مراقب حذر..لقد ظهرت نعماءك أيها الحبيب على الكورنيش، وفي المشاغل المخملية المتخصصة في الطلاء..طلاءاً مصحوباً بأهازيج الشعار ، و"الأمباية" و كيتة التنظيم..و باسلوب البسطاء وقولهم، فأنت ــ أيلا ــ " أيلا زول كويس، لكن الناس المعاهو ما كويسين"..! لنفترض جدلاً أنه خطّاب زمانه..كيف له انقاذ مشروع دمّرته "النّفرة الخضراء "التي اردفها الفصام التنظيمي،على ظهر المشروع، "بمنهجية عثمانية"بين الادارة والوزارة..؟! سؤال..! مجرد سؤال..!
يستطيع أيلا كتاجر شاطر ملاعبة البيضة والحجر، ولكن بالقدر الذي يحفظ له فضائل الترويج لبرنامج اصلاح الدولة..لهذا الأخ حدود، لا تتعدى حدود الاشادة الرسمية بنظام الرّي الانسيابي، أما المشروع كمشروع، فأمره محسوم من خلال استنان الانقاذ لقانون 2005..كل شيئ ــ أيّها الأخ ــ معروض للبيع العاجل، وفق "الخصخصة"..وإنت ما قصّرت تبْ ..قل للجماهير،أن المشروع "خرج عن دائرة الانتاج بسبب عامل السِّنْ"..!
 وتكفيك في هذه السِّن أيضا، طرطشة الشوارع، ومداهمة "بيشيتات" الهيئات التي تُصرف بها مواهي الموتى..! أما أولئك الذين ــ أجارك الله ــ يرضعوا غنماية اللبن، فـ "خلّيهم لي الله"..! 
عبدالله الشيخ
التغيير

الأربعاء، 23 ديسمبر 2015

مدير جهاز الأمن السوداني: لدينا علاقات جيدة معوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)


قطع مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني، بوجود “علاقة جيدة” بين الجهاز ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “CIA”، فضلا عن حوار لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
مدير جهاز الأمن السوداني الفريق اول محمد عطا المولى
ونفى الفريق أول محمد عطا المولى في حوار مع صحيفة “السوداني”، الثلاثاء، أن يكون جهاز الأمن “دولة داخل دولة”، وقال إن الجهاز يعمل بفاعلية كبيرة وكفاءة معقولة، “لذا يرى بعض الناس أنه يعمل في أي شيء لكن هذا الرأي غير صحيح”.
وتابع “هناك أيضاً من يرى أن جهاز الأمن أحد مصادر قوة (الإنقاذ) بالتالي يستهدفون الجهاز بالدعاية والشائعات، لذا تأتي مثل هذه المقولات التي نسمعها”.
وفي سؤال عن تعاون جهاز الأمن مع المخابرات الأميركية، وما إذا كانت العلاقات السياسية تعيق حدوث تطور بين الطرفين، قال محمد عطا إن من المعلوم للجميع أن العلاقات موجودة بين الـ (CIA) والجهاز السوداني منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي.
وذكر أن الكثير من الحقائق والشائعات دارت في الإعلام خلال السنوات الماضية، “لكن ما أستطيع أن أقوله إن هناك علاقةً جيدةً وحواراً حالياً معهم حول ضرورة رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب”.
نص الحوار في حلقته الرابعة مع مدير جهاز الأمن السوداني
ونحن في ردهات فندق شيراتون بأديس أبابا، متجهين إلى مقر إقامة مدير جهاز الأمن، طاف بخاطري أننا سنطرح أسئلة على رجل بحكم مهنته ووظيفته إلى أن تدرج على قمة الجهاز، طرح مئات الأسئلة واستجوب عشرات الأفراد..
اتفق معي من رتب لي الحوار، أن لا أطيل عن الساعة.. والساعة كافية جداً للجلوس مع هذه الشخصية الصامتة والخروج بالكثير المثير..
استقبلنا الفريق أول محمد عطا، بابتسامة قلما تظهر له في الصور وشاشات التلفاز.. تحدث قليلاً في مواضيع لا تتعلق الحوار وترك لي مجال الحديث.. أسرعت بوضع التسجيل فالأسئلة مازالت مبعثرة وغير مرتبة إثر إبلاغي قبل ساعة من الموعد المحدد..
بدأ الحوار، وزادت الساعة إلى اثنتين، والأسئلة بدأت تترتب رويداً رويداً، والمدير مازال سخياً.. انتهت الساعتين واتجهنا نحو الدقيقة (40) وأسئلة عديدة لم تطرح بعد.
قلت للمدير “مازالت لدي أسئلة”، فرد سريعاً “لا مانع من الإكمال”.. إلا أن المستشار قرشي صالح، طالب بإنهاء الحوار قائلاً “الاتفاق كان لساعة واحدة، وللمدير اجتماعات أخرى في الصباح الباكر”..
وكما كان سخياً في أديس أبابا، لم يمانع بأن يمنحنا عشر دقائق أخرى بمكتبه في الخرطوم..
الكثير المتعلق بجهاز الأمن وبنائه دولة داخل دولة، قوات الدعم السريع والاتهامات التي طالتها، مصادرة الصحف ومدى قانونية قرارات الجهاز، مصادر تمويله، وإنجازاته وأشياء أخرى عديدة، كانت محاورَ هامة في هذا الحوار، فإلى ما أدلى به:
حوار: لينا يعقوب

*ماذا عن الحركة الشعبية شمال، هل قوتهم كما هي أم حدثت متغيرات؟
هم يواجهون مشكلات، لكنهم أفضل حالاً من حركات دارفور، مثلاً من الناحية العسكرية في جبال النوبة لدى الحركة الشعبية شمال وجود ومناطق ما زالوا يحتفظون بها، كما أنهم قريبون من أهلهم وأطفالهم، أيضاً خط الإمداد ما زال موجوداً ويتمثل في جنوب السودان، وكما قلت سابقا: الجنوب سيضحي بحركات دارفور لكنه لن يضحي قريباً بالحركة الشعبية شمال، ربما الآن ينظرون إلى سلفاكير الذي وعدهم باستمرار الدعم لكن يعتمد الأمر بعد ذلك على المتغيرات التي قد تحدث، وما هو موقف رياك مشار أو غيره وإلى أي مدى يمكن أن يقبلوا بهذا الوضع. يمكن القول إن وضعهم أفضل، ومناصرة المجتمع الدولي لهم أقوى من حركات دارفور بدليل أنهم حينما كانوا موجودين في باريس ذهبت الجهات الداعمة إلى حركات دارفور لتطلب منهم التنازل عن الرئاسة، ولم يذهبوا للحركة الشعبية كي تطبق الاتفاق وتمنح حق الرئاسة للحركات المسلحة، وبهذه الاعتبارات موقفهم أفضل، لكن على العموم جنوب السودان بدأت فيه حرب، والحرب حتى إن توقفت لن يكون جنوب قبل الحرب هو جنوب بعد الحرب، الأمر الذي سيقلل أمامهم الفرص.

*لماذا برأيك تجد الحركة الشعبية شمال سنداً دولياً؟ حتى في جولة المفاوضات الأخيرة، اتهمت الحكومة الوساطة الإفريقية بتبني وجهة نظر الحركة الشعبية؟
صحيح.. أولاً، هناك مجموعات ضغط ضد السودان بإمكانها التأثير على المواقف الغربية، الأمر الآخر أن هناك حركة تضليل كبيرة حدثت منذ قديم الزمان، أعني أيام حرب الجنوب، وما زالوا يعتمدون على هذه الخلفية، باعتبار غير صحيح، بأننا نصنف دارفور لعرب وأفارقة، وقبل أن ينفصل الجنوب كنا نميز بين أهل الجنوب بمسلمين ومسيحيين.. ويبدو أن الاعتماد على هذه الدعايات مؤثر خاصة في جبال النوبة، حيث تعمل العديد من المنظمات التي تروج لهذه الدعاية وتحشد لها الآخرين، وهنالك عامل آخر وهو ما أثير عن وجود موارد طبيعية ضخمة وهائلة في باطن الأرض بمناطق التمرد وهو ما يدخل أيضاً من ضمن الأسباب في تقديم الدعم لهم.. الناس رأت كيف أن الموارد الموجودة في إفريقيا الوسطى والكونغو وغيرها، تشكل سبباً رئيسياً في التدخلات الأجنبية وإثارة الحروب الداخلية وعدم الاستقرار.

*هل إحداث سلام في دارفور وجبال النوبة يعد التحدي الأبرز بالنسبة لكم خاصة أنه طال؟ أم أن مواضيع أخرى تشكل تحدياً أكبر، كالاقتصاد أو غيره؟
الاقتصاد تحدٍّ كبيرٌ وأساسيٌّ، لكن رغم ذلك الفرص موجودة لتجاوز هذا التحدي، فالتمرد ما عاد ذلك الهاجس الذي كان قبل أعوام، أذكر أننا كنا نسمع منهم تهديدات بغرض إشاعة الذعر، حينما كانوا يعلنون نواياهم بالذهاب إلى كوستي أو الأبيض أو الفاشر حتى أن الخرطوم لم تأمن من تهديداتهم، لكني أقول بثقة شديدة إنه لا توجد مدينة في السودان مهددة الآن من قبل التمرد، إن استمررنا في الاهتمام بالتحدي الأمني رغم صغره يمكن أن ننهيه تماماً، وإن تجاهلناه يمكن أن ينمو ويعود مرة أخرى.

*هناك إنفاق كبير على الأمن والقوات المقاتلة ومحاربة التمرد.. هل يمكن أن يقل هذا الصرف خاصة بعد إشاراتك لضعف حركات دارفور؟
الإنفاق على القوات لن يقل وبرأيي يجب أن لا يقل، الإنفاق على الحرب يختلف عن الأمن، والإنفاق على القوات من مرتبات وتحسين البيئة والإدارة سيستمر، وهذا ما سيزيد بحسب رأيي مصحوباً بالإنفاق على التدريب، ما سيقل هو الإنفاق على الحرب من ذخائر وأسلحة واستهلاك للآليات وهو إنفاق كبير.. رغم ذلك أرى أن لا نفكر فقط في كيفية توفير الميزانية، صحيح أننا نريد للحرب أن تتوقف لأن إنفاقها كبير لكننا نرغب في إيقافها وإنهائها لأنها حرب بكل ما تحمل الكلمة من معنى، لا بد من إعطاء بناء الجيش والقوات أولوية.
*ما صحة بناء جهاز الأمن والمخابرات جيشاً داخل الجهاز؟ يرى عدد من الناس أن قوات الدعم السريع قوة عسكرية كان من المفترض أن تتبع للجيش إلا أن الجهاز قام بتكوينها وتسليحها لتقوم بعمليات عسكرية كما تفعل القوات المسلحة؟
عفواً إن أطلت قليلاً، لكني أرغب بذكر الحيثيات والظروف التي جعلتنا نفكر في تكوين قوة الدعم السريع. نتيجة لظروف التمرد الداخلي والحرب والتحديات، التحق الموظفون والطلاب بالقتال ليشاركوا في الحرب ضد التمرد. كان هذا وضعاً محزناً بالنسبة لي، أن نرى السودانيين جميعهم في الخنادق مع القوات المسلحة، ونحن في الأمن نقدم المعلومات فقط.. في جهاز الأمن نحن نعمل على حفظ البلاد من المهددات.. فإن كان هناك مهدد ما بإمكانه أن يهد السقف على رؤوسنا، هل ننظر إليه وننتظر المهددات المتوقعة والبعيدة ونتأمل أثرها علينا وكيفية مقاومتها؟ أم نحشد جهودنا لدرء التهديد الآني؟ أم إن كان باستطاعتنا التحرك بسرعة لمعالجة المشكلة نفعل ذلك؟ نحن رؤيتنا أنه لا بد من المساهمة في علاج الإشكاليات والمهددات الماثلة بكل ما أوتينا من قوة، والجهاز كان وظل يساهم دائماً في إيجاد المعالجات حتى قبل تكوين الدعم السريع.

*لكن كانت القوة تتبع في ذلك الوقت للقوات المسلحة وتؤدي مهامها؟
لا، هي قوات أمن في نهاية الأمر، زمان كانت قوات الأمن التي تسمى “سرية العمليات”، تذهب مع الجيش إلى أية منطقة، وهو من يحدد طبيعة المهمة والمكان، وعادة ما يقود القوة التي لم تُدرَّب على استخدام الأسلحة الثقيلة والمدرعات أحد ضباط الجيش. كان الأمر مستمراً لما بعد معركة هجليج، حيث استشهد عدد كبير من أفراد جهاز الأمن في منطقة بوطـة (غرب كردفان)، لكني أتساءل هنا: ما الذي يجعلنا نوافق على التحاق الطلاب والموظفين للقتال ضد المتمردين؟ لماذا حينما قاتلت قوات الأمن المتمردين ثار بعض السياسيين؟.. من هو الأولى بمقاتلة المتمردين؟.

*القوات المسلحة كانت تؤدي هذه المهام؟
القوات المسلحة مبنية لتؤدي مهاماً كبيرة، وهذا شيء معلوم، تركيبة القوات المسلحة مبينة لتأدية المهام الكبيرة، والتمرد في دارفور استخدم أسلوب المجموعات الصغيرة المزعجة المنتشرة على مساحة كبيرة، ومثل هذه العمليات تصنف أنها عمليات أمن داخلي والأجسام الصغيرة كقوات الأمن يمكن أن تؤدي دورها بفاعلية كبيرة لكن إن تم إعطاء هذا الجسم مهمة كبيرة ستفشل فيها.. لهذا السبب جاء التفكير بتكوين قوات الدعم السريع، قوات بنظام معركة مختلفة لتؤدي مهاماً مُختلفة، قوات تتميز بخفة الحركة والسرعة والاقتحام، وهذه القوة إن احتاجت إلى إسناد أو قيادة فالمسؤول هو الجيش، ولا يمكن أن تعمل بمفردها.

*ألم يسبب تكوين هذه القوات حساسية بينكم وبين القوات المسلحة؟
يمكن القول إنه على المستويات القيادية وللذين يعرفون الهدف من هذه القوات ومهمتها لا توجد أية حساسية، بل هناك تعاون وتفهُّم كامل، فالجميع على المستوى القيادي يدرك معاني التضحية والبذل من أجل أمن البلاد.

*هناك تجاوزات عدّة تناقلتها وسائل الإعلام في مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت لقوات الدعم السريع، إن لم يكن التجاوز حقيقياً كما رُوِّج له، لِمَ لَمْ يسعَ الجهاز لنفي ما أحاط بقواته؟
كانت تجاوزات عادية مثل أي تجاوز يمكن أن يحدث في أي قوة أو مجتمع.. لكن ما هو الفرق؟ الفرق أنه لا يوجد تجاوز لدينا يمر هكذا، فهناك قانون ومحكمة فصلت في عدد كبير من أفراد قوات الدعم السريع، وحكمت على بعضهم بالسجن، أؤكد أن هناك إصراراً على تنفيذ القانون وروحاً انضباطية جديدة في هذه القوات لتعطي مثالاً لتجربة جديدة تختلف عن كل التجارب السابقة، هذه القوات مهتمة بمظهرها وسمعتها وبالهدف التي تقاتل من أجله، والمتمثل في إشاعة السلام والاستقرار وحماية المواطنين، وهذه القوات حينما دخلت إلى دارفور شيدت المدارس وحفرت الآبار وصانت المستشفيات وعالجت المرضى وعالجت المتمردين وأنجزت الكثير، ونحن نخصص جزءاً من المال لهذه البرامج وسيستمر هذا الدور.

*هل من المعقول أن يكون الأمر كله شائعات؟
هناك دعاية تروج ضد هذه القوات لا سبب لها سوى الاستهداف لإجهاض التجربة، لكن هناك سبباً آخر وهو وجود مجموعات في دارفور تستغل حركة الجيش أو قوات الدعم السريع لتسير خلفها ومن بعد ذلك ترتكب تجاوزات. أؤكد أنه بالنسبة للتجاوزات المتعلقة بالدعم السريع حدثت مرة واحدة فقط، كما أن هذه القوات لا تقبل متطوعاً يأتي ليقاتل معها، وبإمكانها تأدية المهام السريعة دون مساعدة من ما يعرف بالمتطوعين الذين غالباً ما يرتكبون التجاوزات. لا يوجد متطوعون في عمليات الدعم السريع.

*جهاز الأمن دولة داخل دولة؟
أعتقد أن الجهاز حينما يحيط به غموض في حركته ومهامه والذين يعملون فيه يمكن أن يكون مرتعاً للشائعات. أحد الأشياء التي نعمل على معالجتها إزالة هذا الغموض، نحن لا نرغب بالترويج لأنفسنا، نريد فقط أن نكون قريبين من الناس ونطمئنهم ونؤكد لهم ماهية عملنا. لذا هناك الآن مساعد مدير له خبرة كبيرة في عمل الجهاز ويهتم بحركة الجهاز مع المجتمع، ويشارك معهم المناسبات المختلفة، كما أن الجهاز أصبح مؤسسة مختلفة، يتيح فرص لتدريب الناس وإشاعه مفاهيم الأمن القومي والوطنية السامية على الولاءات الضيقة ببرامج مكثفة. والجهاز يعمل بفاعلية كبيرة وكفاءة معقولة، لذا يرى بعض الناس أن الجهاز يعمل في أي شيء لكن هذا الرأي غير صحيح، هناك أيضاً من يرى الجهاز أنه أحد مصادر قوة الإنقاذ بالتالي يستهدفون الجهاز بالدعاية والشائعات، لذا تأتي مثل هذه المقولات التي نسمعها.

*للمخابرات السودانية علاقة جيدة اتضحت للإعلام مع المخابرات الإفريقية، لكن ماذا عن تعاونكم مع المخابرات الأمريكية، هل تعيق العلاقة السياسية غير الجيدة بين البلدين حدوث تطور فيما بينكما؟ فيمَ يتم التعاون وعلى أي قضايا أو مستوى؟
معلوم للجميع أن العلاقات موجودة بين (CIA) والجهاز السوداني منذ نهاية التسعينيات ودارت حولها كثير من الحقائق وكثير من الإشاعات أيضاً في الإعلام خلال السنوات الماضية، وما أستطيع أن أقوله إن هناك علاقةً جيدةً وحواراً حالياً معهم حول ضرورة رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

الاثنين، 21 ديسمبر 2015

مدير جهاز الأمن السوداني : لنا علاقات داخل تنظيم داعش نفسه ..لا نستحي من حماية الحكومة بل نفتخر بذلك …التنصت ومراقبة الهواتف أمور لا ينحرف نحوها الجهاز إطلاقاً



الجهاز متهم بحماية المؤتمر الوطني وتنفيذ سياساته؟
متهم كيف؟

على سبيل المثال فقط، تقومون بحماية مؤتمرات المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، ويتواجد أفراد الأمن بكثرة في هذه المؤتمرات، في حين لا يظهر أثر لتأمينكم وحمايتكم مؤتمرات الأحزاب الأخرى؟
نحن كجهاز لا نؤمن المؤتمر الوطني كحزب ولا علاقة لنا بذلك، هناك إجراءات إدارية كثيرة تتبع في هذه المؤتمرات تتم من قبل الجهات الإدارية بالحزب او الحركة الإسلامية أو غيرها، ماذا نفعل نحن؟ في حال تواجدت شخصية هامة رسمية بغرض الحضور أو المشاركة في مؤتمر نقوم نحن أو الأجهزة الرسمية الأخرى بتأمينها، مثلاً إن ذهب الرئيس لحضور جلسة افتتاحية لمؤتمر الحركة الإسلامية من واجبنا كأمن وشرطة واستخبارات عسكرية أن نوفر الحماية له عبر عدة إجراءات تأمينية.

وهل تتبع هذه الإجراءات للرئيس فقط أم لمسئولين آخرين في الحكومة؟
أي شخصية هامة، ضربت مثلاً بالرئيس، نوابه الاثنين وعدد من الوزراء، وكلما قلت المستويات قل التأمين بحيث يمكن الاكتفاء بتوفير حراسة فقط.

وماذا عن مؤتمرات الأحزاب الأخرى وشخصياتها؟
حينما يوجهوا دعوة لشخصية مهمة نهتم بتوفير التأمين للشخصية وللمؤتمر نفسه، وفي أحيان تدعونا الأحزاب لحضور مؤتمراتها ونحضر.

إذا هل تنفي التهمة التي لحقت بجهاز الأمن أنه يحمي المؤتمر الوطني وينفذ سياساته؟
أنا لا انفي حماية الجهاز للحكومة، أي حكومة اليوم، وكما يقول البريطانيون The government of today ماذا يعني ذلك؟ يعني أن الجهاز جهاز دولة ولابد أن يحمي الحكومة لكي يتحقق السلام والأمن في الدولة ان تغيرت الحكومة بالوسائل الدستورية وجاءت حكومة اخرى بلا شك يحمي الجهاز الحكومة الجديدة، جهاز الأمن يحمي الحكومة بكل ما يملك من قوة ويحميها بالجهد والعرق وبالدماء والاوراح ولا يستحي بل يفتخر بذلك.

لماذا لا تتيحون أجواء سياسية أكثر حرية فتسمحون للأحزاب بإقامة ندواتها واختيار جماهيريتها كما تسمحون للمؤتمر الوطني بذلك؟
المؤتمر الوطني أقام ندواته خارج دوره بعد أن عقدت الأحزاب ندواتها.

لكنكم تسمحون للأحزاب المشاركة في الحوار فقط بعقد ندواتها، ماذا عن الأحزاب المعارضة للحوار، لماذا لا تسمحون لها؟
حتى الأحزاب المعارضة نسمح لها.

هذه الأحزاب أصدرت بيانات أشارت الى رفض جهاز الأمن السماح لها بإقامة ندوات خارج دورها؟
منذ توجيه الرئيس قبل شهرين تقريباً لم نمنع أحد.

إذاً ألن تمنعوهم مجدداً، وبإمكان أي حزب عقد ندواته خارج دوره؟
حسب الظروف، هناك أشياء من المهم ان يتفق الناس معنا حولها، مثلاً ان رغب حزب بعقد ندوة عامة عليه أن يتخير المكان المناسب لحضور الناس واستماعهم، لكن أن يذهب حزب الى موقف كركر للمواصلات ويقوم بتجهيز الميكروفونات والسماعات فلا نعتقد في هذه الحالة أن الحزب يرغب بمخاطبة الجماهير.

من الذين يراقب جهاز الأمن هواتفهم ويتنصت عليهم؟
أبداً نحن لا نفعل ذلك، كمدير لجهاز الأمن، اعلم أن الجهاز ينجح ان اهتم ورتب أولوياته جيداً في التهديدات، التهديد الأكبر يعطيه مجهوده الأكبر، والتهديد البسيط يعطيه مجهوده القليل، فكرة الاستخبارات نفسها لا تنفصل عن سرعة الوقت، المعلومة ان لم تأت في وقتها لن يكون لها قيمة، لكي ننجح لابد من ترتيب الأولويات وتوظيف الجهد المتاح من موارد بشرية ومادية التوظيف الأمثل.

التحاق الطلاب بداعش ألا يشكل خطراً على الشباب وعلى الدولة، خاصة بعد انضمام مجموعتين للتنظيم، ما جهودكم في هذا الصدد؟
هناك جهود كثيرة مبذولة لكننا لا نقول كل شئ للعلن، فليس من المصلحة الإسهام في خلق توتر في المجتمع، بعد انضمام المجموعة الأولى لم تنقطع جهودنا في إرجاعهم لأسرهم حتى اللحظة، هذه الجهود تشمل استخدام علاقتنا مع تركيا ودول أخرى فضلاً عن جهود اخرى داخل تنظيم داعش نفسه، الأمر الآخر قمنا بإجراءات احترازية، مثلاً نحن لم نمنع الناس أو الشباب من السفر الى تركيا، لكن في حال تشككنا أو اشتبهنا في أي شاب شابة نسارع الاتصال بالأسرة لنسأل، ان كانت تعلم بان ابنها أو ابنتها في المطار للسفر وما هو الغرض منه، وهذا الأمر يعرفه فقط الذين اتصلنا عليهم أي أنه ليس مشاعاً، المجموعة الاخيرة التي التحقت بداعش، لم تسافر عبر المطار ولم تذهب الى تركيا إنما الى ليبيا، وآخر شخص أراد الالتحاق بداعش وقرر السفر عبر مطار الخرطوم كان يعرف هذا الاجراء، لذا بدلاً من ان يسافر من الخرطوم الى تركيا سافر الى أديس ومن أديس الى تركيا.

هذا عن الملتحقين بالتنظيم.. ماذا عن من يقومون بتجنيدهم ودعوتهم للانضمام خاصة أنكم تعرفونهم؟
جميعهم معتقلين لدينا من يروجون للفكرة ومن يجندون الطلاب، انتم في الاعلام تقولون دائماً أن الامن يعتقل، وهناك عاطفة شديدة وحساسية ضد الكلمة، اذكر ان اول مجموعة القينا القبض عليها من تنظيم داعش مورست علينا ضغوط كي نطلق سراحهم، فأطلقنا سراحهم وفق ضمانات، لكننا ألقينا القبض على كل من روج للفكرة وجند الطلاب، آخر خلية قامت بتسفير الفتيات الأربع هم محتجزون لدينا، آبائهم وأسرهم على علم بذلك وأخبرناهم بالمعلومات وهناك تواصل معهم.

لينا يعقوب
صحيفة السوداني