‏إظهار الرسائل ذات التسميات حوارات ومقالات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حوارات ومقالات. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 30 مارس 2016

خديعة .. إستفتاء دارفور !! .. بقلم: د. عمر القراي

(أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ* أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ) صدق الله العظيم

إن فكرة إقامة استفتاء أهالي دارفور، ليختاروا بين بقاء إقليمهم كإقليم واحد من الناحية الإدارية، أو أن يقسم إلى 5 ولايات مستقلة عن بعضها إدارياً، فكرة قديمة، أثيرت في محادثات أبوجا 2006م، وفي محادثات الدوحة 2011م .. فقد جاء (أعلنت الحكومة السودانية امس الاربعاء 2 مارس الحالي  أنها ستنظم فى غضون ثلاثة أشهر استفتاء لحسم الجدل حول الشكل الاداري لاقليم دارفور بغربى السودان ، فى وقت تشهد فيه مباحثات السلام المتعلقة بالاقليم تعثرا واضحاً. وقال غازى صلاح الدين مسؤل ملف دارفور بالحكومة السودانية في مؤتمر صحفي عقده بمطار الخرطوم عقب عودته اليوم من الدوحة " النبأ الاهم حتى الان في غياب وثيقة سلام ، اننا ملتزمون باتفاقية ابوجا والتي تتحدث عن حسم شكل الاقليم". وأضاف " قضية الاقليم يجب ان تحسم من قبل اهل دارفور وسنمضي في اجراءات الاستفتاء على الشكل الاداري في دارفور وسنبدأ في اجراءات التعامل مع هذا المطلب ونتوقع ان يأخذ هذا عدة اسابيع وفق للقانون الذي سيصدر)(الشرق الاوسط3 مارس 2011م). ولقد صمتت الحكومة عن هذا الأمر، كل هذا الوقت، حتى أعلن السيد الرئيس في أكتوبر 2015م، بأن إستفتاء دارفور سيتم في أبريل 2016م.

إن حكومة الاخوان المسلمين، لا تنظر إلى أبعد من مصلحتها المباشرة، وبقائها في الحكم بكل سبيل.. وهي تظن أنها بخدعة الإستفتاء، وتقسيم دارفور، تستطيع القضاء على المعارضة المسلحة، واخضاع دارفور تماما. ولكن الشعب السوداني، وأحزابه، وحركاته المسلحة، ومواطني دارفور، وكافة السودانيين، يجب أن لا تغيب عنهم الحقائق التالية:

لو كانت الحكومة إنما تقيم هذا الاستفتاء، لأنها تحترم رأي الأغلبية من أبناء دارفور، فلماذا لم تسمع رأيهم حين سلحت القبائل العربية ضد الزرقة، وكونت مليشيات "الجنجويد"، فقتلت أكثر من 250 ألف مواطن من دارفور، وشردت حوالي 2 مليون آخرين؟! لماذا لم تسأل أهالي دارفور حين جاءت بقوات "الدعم السريع"، فحرقت القرى، وقتلت الشيوخ والأطفال، واغتصبت الحرائر، حتى بلغ من جرأة الحكومة، على أهالي دارفور، أن اغتصبت قواتها الرسمية، نساء قرية كاملة تسمى "تابت" ؟! وحين فر أهالي شرق دارفور، من جحيم حرب غشوم، الى قمة جبل مرة، لماذا لم تسألهم حكومة الإخوان المسلمين رأيهم، قبل ان تقصفهم بالطائرات، فتحرق الزرع والضرع ؟!

وقد يقول قائل، أن الحكومة إنما تريد ان تقيم الإستفتاء، لأنها شعرت بخطئها، وتريد ان ترجع عنه، وأن توقف الحرب، وتقيم السلام في دارفور، حسب الاتفاقيات التي تمت في "أبوجا" و "الدوحة" ، خاصة وأن السيد الرئيس، كان قد اعترف في لقاء رمضاني في منزل التجاني السيسي، بأن أيديهم ملطخة بدماء أهل دارفور، وأن الحرب في دارفور لم يكن لها أي مبرر !! فإن كان ذلك كذلك، فإن البداية ليست الاستفتاء .. وإنما الاقلاع الفوري، كشرط للتوبة، عن الحرب. ثم رد الحقوق الى أهلها، وهذه تعني المحاكمات لمن قتل أهالي دارفور، والتعويض لكافة المتضررين .. فإذا تم ذلك، يمكن ان يحل السلام في ربوع دارفور، وعندئذ يمكن ان يسأل أهلها، بعد ان يكونوا قد رجعوا من معسكرات اللجوء، ومنافي النزوح، إذا كانوا يريدون دارفور أقليماً واحداً أم عدة أقاليم.

لقد كان أقليم دارفور وحدة إدارية واحدة، واستمر كذلك بعد الاستقلال في عام 1956م. ولم يتقسم إلا بواسطة هذه الحكومة في عام 1994م. ولقد أدى تقسيمه إلى إستعلاء العصبية، وأشتعال النعرة القبلية، بالتنافس على مواقع السلطة، ثم فاغمت الحكومة ذلك، بتسليح القبائل العربية، وإثارة الفتنة بينها وبين القبائل الأخرى في الأقليم. وحين قسمت الحكومة الأقليم لم تشاور أهله، ولم تشر إلى إمكانية إستفتاء لمعرفة رأي المواطنين، فلماذا تشاورهم اليوم ؟! ولماذا يعطى أهل دارفور وحدهم الحق في تقرير مصير أقليمهم، ولا يعطى نفس الحق لأهل كردفان، وشرق السودان، وشماله؟! فربما طالبوا جميعاً بالغاء هذا التقسيم، وإعادة السودان كما كان قبل الإنقاذ، ووفروا على شعوب هذه الاقاليم، مرتبات الولاة، ونوابهم، ومخصصاتهم، التي أرهقت هذه الإقاليم، ثم لم تحقق كفاءة في إدارتها أو تنميتها.

لقد حاولت حكومة الاخوان المسلمين، التخلص من قوات الأمم المتحدة "يونميد"، وقوات الاتحاد الأفريقي، فلم تستطع. وهي تريد التخلص منها، لأن بقاءها دليل على أن الدولة تعتدي على شعبها، ومهمة هذه القوات، هي مراقبة، ووقف، والتبليغ عن هذه الاعتداءات. وتقسيم الأقليم يهدف إلى توزيع هذه القوات الأممية، واجبارها على التعامل مع وحدات ادارية مختلفة، تدخل معها في منازعات، تعوق عملها، فتعجزها عن التدخل، حين تعتدي "قوات الدعم السريع" على المواطنين ، أو تضطرها بسبب التضييق عليها، إلى الانسحاب.

والحكومة أيضاً تهدف الى تفكيك معسكرات النازحين، لأن بقاءها شاهد لا ينكرعلى فشل الحكومة، وعلى تشريدها لشعبها، وتقسيم الأقليم يؤدي الى هذا التفكيك، ويضع النازحين بكميات أقل، تحت رحمة ولاة مختلفين، مهمتهم عدم الاعتراف بهؤلاء النازحين، بعد ان أحضرت الحكومة قبائل من غرب أفريقيا، وملكتهم الأراضي التي نزح أهلها بسبب غارات " الجنجويد"، الى معسكرات النازحين. لقد تمت تغييرات ديمغرافية رهيبة في أقليم دارفور، فالقبائل التي أحضرت من غرب إفريقيا تزايدت أعدادها بالهجرة وبالمواليد، ومنحت الجنسية السودانية، واحتلت أراضي قبائل أخرى أضطرت الى اللجوء والنزوح، فكيف يتم استفتاء دون مراعاة لكل ذلك؟!

والإستفتاء يجب ان يرفض، لأنه يتم في ظروف لا يمكن ان تهيئ له أي قدر من النزاهة. فدارفور الآن مقسمة الى ولايات، وحكام هذه الولايات هم الذين يشرفون على الإستفتاء!! فهل سيسمحوا أن تكون النتيجة أقليم إداري واحد، حتى يفقدوا وظائفهم وإمتيازاتهم؟! وهؤلاء الحكام ليسوا مواطنين عاديين، وإنما هم عسكريين، وتابعين لجهاز الأمن: فوالي شرق دارفور عقيد أمن أنس عمر، ووالي غرب دارفور لواء أمن شعبي خليل عبد الله محمد، ووالي جنوب دارفور لواء أمن شعبي آدم الفكي محمد الطيب، ووالي شمال دارفور لواء أمن عبد الواحد يوسف ابراهيم. ولقد أختارت الحكومة رجال أمن ليحكموا الأقليم، حتى يفرطوا في القتل، والتعذيب، والإرهاب، شأنهم شأن رجال الأمن في جميع أنحاء السودان .. وحتى ينفذوا الأوامر العليا، بتزوير الاستفتاء لصالح الحكومة. وليس هنالك أحزاب، أو جماعات، أو منظمات أجنبية أو محلية، مسموح لها بمراقبة الإستفتاء. كما أن سجلات الإستفتاء، هي نفسها سجلات المواطنين في إنتخابات عام 2015م المزورة، والتي ظهر فيها كثير من أسماء الموتى، والأسماء المكررة، وغيرها، مما شاب إنتخابات عام 2015م من التزوير.

وإذا كان الوالي يكلف الحكومة مبالغ طائلة، كمخصصات، وبدلات، وعربات تخدمه وأسرته، وكذلك نائب الوالي، وأعضاء المجلس الولائي، ووزراء الولاية، فإن هذه التكلفة ستضاعف 5 مرات، على عاتق أهالي دارفور، الذين ستجبى كل دخولهم، ثم تعجزعن توفير هذه المخصصات. وما دام هذا الوضع الإداري لا تصاحبه تنمية للأقليم، تعوض التكاليف الزائدة، فإن تقسيم أقليم دارفور لخمسة وحدات إدارية، مشروع فاشل أقتصادياً، كما هو فاشل سياسياً، واجتماعياً.

إن إستفتاء دارفور ليس عملاً إدارياً بسيطاً، ولا هو إجراء ديمقراطياً، من حكومة ظلت تحكم بالبندقية لمدة سبعة وعشرين عاماً، ثم تنبهت فجأة للديمقراطية !! وإنما هو محاولة شيطانية، لإحكام السيطرة على دارفور، بتفريغها من أهلها، وارتكاب جرائم بشعبها، وتسليم أمرها لمجرمي جهاز الأمن، بعد إبعاد القوات الدولية، والمنظمات الانسانية، التي تطلع العالم على الإنتهاكات، المتكررة، لحقوق الإنسان، والجرائم العديدة ضد الإنسانية.

لهذا فإن على أهالي دارفور مقاطعة هذا الإستفتاء، وإعلان تلك المقاطعة بكل الوسائل. كما أن على أبناء دارفور، وغيرهم من المثقفين السودانيين، خارج الوطن، رفض هذا الإستفتاء، والمطالبة بعودة دارفور الى وضعها السابق، واطلاع كافة المنظمات الدولية، على مؤامرة حكومة الاخوان المسلمين، التي تريد بها القضاء على دارفور.

سودانايل

د. عمر القراي



جقلبة الإسلاميين



* بدأت جقلبة الإسلاميين بشقيهم الوطني والشعبي إثر إعلان قناة الجزيرة بثها لحوار مع الراحل الدكتور حسن عبدالله الترابي.
* والذي أثار الهلع والجزع في أوساط الإسلاميين، إعلان القناة أن هذا الحوار وبطلب شيخ حسن نفسه أن يبث عقب وفاته ما يؤكد أن الحوار يحوي من الأسرار الكثير وسيكون له ما بعده.

* جقلبة الإسلاميين التي أعنيها متمثلة في تصريح الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي( كمال عمر)بأنهم سيعملون المستحيل للحيلولة دون بث قناة الجزيرة للحوار.

* تصريح غير موفق كالعادة لكمال عمر، ويؤكد أن رأس السوط سيصل الجميع بما فيهم كمال نفسه، ولن يستطيع كمال أن يقنعنا أن تخوفه ناتج عن حب حقيقي للمؤتمر الشعبي أو لشيخه عليه الرحمة.

* شيخ حسن الشخصية الأكثر جدلاً في الساحة السياسية السودانية، دخل في صراع فكري وسياسي طويل مع تلاميذه الذين وثق فيهم وائتمنهم على قيادة البلاد عقب انقلاب 89 الشهير، إلا أن المتغيرات التي حدثت بعد ذلك والتي نتجت عنها المفاصلة الأشهر والتي لم يعلن عن أسبابها (الحقيقية) حتى الآن، وهو أحد الأسباب التي تجعل الجميع بلا استثناء الكل يضع يده على قلبه قبل بث الجزيرة للحوار (الخبطة).

* الإسلاميون يعولون على علاقتهم بدولة قطر بحسب التقارب الذي حدث بينهما خاصة عقب انقلاب الإسلاميين وأحداث رابعة، إلا أن التقارب الأخير بين النظام في السودان ونظام السيسي في مصر أحدث بروداً في العلاقات، بجانب الدور الكبير الذي لعبته المملكة العربية السعودية في هذا التقارب من ناحية، ومن ناحية أخرى التقارب الشديد بين النظام بالسودان والمملكة نفسها ودولة الإمارات العربية المتحدة، ولعل الوجود السوداني الواضح في عاصفة الحزم الأخيرة، أدى لفتور العلاقة مع دولة قطر التي تعتقد أن النظام السوداني لم يعد هو ذات النظام (الطيِّع) المغلوب على أمره، لذا فلن تتوانى الدولة الصغيرة مساحة والكبيرة بثرواتها والمثيرة للجدل في ضرب النظام السوداني بهذا الحوار الذي سيؤدي إلى المزيد من الانشقاقات وسط الإسلاميين بالسودان، ولن يفوت على فطنة الإسلاميين أن قناة الجزيرة ستكون قد أخذت الضوء الأخضر من القيادة العليا لدولة قطر قبل أن تبدأ في الترويج لهذا الحوار.

* لن يستطيع كمال عمر أو أي إسلامي آخر وطني أو شعبي منع هذا الحوار الأشبه بالقنبلة النووية التي ستطيح بالكثير من الرؤوس الإسلامية وغير الإسلامية بالتأكيد، اللهم إلا إن دخلت المساومة السياسية الميس، وهذه تحديداً متوقعة جداً مهما كان الثمن، لأن السياسة دائماً ما تلعب على جميع الحبال.

* عموماً هذه الجقلبة الإسلاموية سيكون لها ما بعدها وما قبلها، والأسرار التي ستغير من خارطة المنظومة السياسية بالداخل، والتي سيمتد تأثيرها لخارج الحدود خاصة دول الخليج ومصر.

* ولا نملك إلا أن نقول اللهم جنب بلادنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأعني فتن الإسلاميين خاصة من تذوقوا طعم العز من فئة الخمس نجوم، ويعز عليهم العودة إلى مربع الفقر والحاجة والعوز الذي جاءوا منه.

هنادي الصديق
الجريدة

الثلاثاء، 29 مارس 2016

رسالة للسيد ثامبو امبيكي ..!

أتوجه إليك بهذه الرسالة، من منطلق كوني مواطن، ينتمي لهذا البلد غير المحظوظ، لانه حتى كتابة هذه الرسالة لم يتمتع شعبه بنظام سياسي ديمقراطي، يحقق التوازن بين الحرية والعدالة الاجتماعية.. واعرف هذا لا يعينك،لانك لديك في بلدك الذي خاض نضالاً مريراً ضد العنصرية ما يكفيك لإعطائه المزيد من وقتك وإهتمامك لمواجهة أزمة الحكم التي تواجه بلادك، التي تخلصت من نظام الفصل العنصري، في جنوب افريقيا، لكنها ما زالت تعاني، من أمراض اخرى على رأسها الفساد

 وهنا، ربما تطرح سؤالاً، ان كان الامر بهذا الفهم فلما توجيه الرسالة..؟ والاشارة الى ان بلدي غير محظوظ..؟ نعم بلدي يا للاسف غير محظوظ..! وهذا سأشرحه لاحقاً.

 اماالرسالة اوجهها لك بحكم كونك تضطلع بدور الوسيط، بين النظام وبعض أطراف للمعارضة السودانية، ولعلك تتفق معي أن مهمة الوسيط هذه، تحكمها وتضبطها قيم ومعايير وضوابط في القانون، الذي بموجبه تم تكليفك بدور الوساطة في بلدي السودان..! ألم أقل لك انه بلد غير محظوظ..؟ وكما هو معروف ان الوسيط يضطلع بدور عظيم  ورسالة سامية إن قام هو بها على الوجه الأكمل

وهذا لن يتحقق بدون النزاهة والحياد والاستقلالية.. ولا اخفي عليك منذ ان تم تعيينك او اختيارك او تكليفك للقيام بهذا الدور، لم تكن لدي قناعة في انك ستقوم بهذا الدور، على النحو السليم، وهذا الرأي قد يشاركني فيه البعض من أبناء السودان، وعدد آخر من شباب القارة الافريقية، وربما حتى البعض من أبناء بلدك، الشقيقة جنوب افريقيا، نظراً لسلوك اغلب القادة الافارقة المتهمون بالفساد وعدم النزاهة في الحكم وممارسة التمييز وعدم إحترام حقوق الانسان..! ولعل الشواهد في هذا الجانب لا عد ولا حصر لها..! ومن هذه البيئة الفاسدة جاء النظام المكروه في الخرطوم، قبل ستة وعشرين عاماً، عبر الانقلاب العسكري، الذي غيّب مسيرة الحياة الديمقراطية، ومن ثم ارتكب بحق شعبه كل أشكال الانتهاكات لحقوق الانسان، من ملاحقات واعتقالات وتعذيب وقتل وقطع أرزاق، وشن حروب عبثية تارة باسم الدين، واُخرى على أساس العرق، تطبيقاً لسياسة” فرق تسد” لاضعاف دور الشعب، للحد الذي اصبح فيه رأس النظام وبعض رموزه ملاحقين من قبل محكمة الجنايات الدولية، بسبب انتهاكاته لحقوق الانسان..!  هذا بجانب أساليب الإقصاء الممنهج لكل من يعارض النظام او يبدي وجهة نظر مغايرة، حتى لو كان من أنصاره، مضافاً اليه سياسة التمييز ضد المرأة السودانية، ولعل آخر تقرير لمنظمة ” هيومن رايتس ووتوش” الذي، وثق للجرائم والانتهاكات لحقوق المرأة السودانية لاسيما الناشطات سياسياً منهن .. وهذا موثق له بالصوت والصورة

وما يقوم به الشعب السوداني ممثلاً في بعض أطراف المعارضة السودانية التي تهددها بالمعاقبة في حال عدم توقيعها، هذه المعارضة لعلمك، ليست عاشقة للحرب والموت وضنك العيش وقساوته، ولكنها مضت في طريق النضال والكفاح، لانها وجدت استحالة في بلوغ الحرية وتحقيق الاستقرار، في ظل هذا النظام الذي يمارس سرقة المال العام في وضح النهار، والعبث بممتلكات الدولة، وشراء ذمم ضعاف النفوس، بجانب الاتهامات الموجهة اليه بدفع الرشاوى، لبعض العاملين في منظمات الدولية لاسيما الاتحاد الأفريقي الذي كلفك بمهمة الوسيط

اما الحقيقة الثّانية: وهي فشل النظام الحاكم حتى الان بلا شرعية وانتخابات حرة نزيهة..!  في تحمل مسؤولياته تجاه الشعب والوطن، بل كان عاملاً فاعلاً في تأجيج الصراعات والحروب على أسس عنصرية بغيضة، للدرجة التي وصلت معها الأمور  حداً، أصبح فيها من المستحيل التوصل للسلام والاستقرار في ظل وجوده، بحكم طبيعته المناقضة للاستقرار والسلام

اما الحقيقة الثالثة: وهي ان أية حوارات او مفاوضات تجري سواء في داخل السودان او خارجه، في ظل غياب النزاهة والحياد، بين أطراف الصراع، ينجم عنها إختلال المعايير، والانحياز، كما هو حاصل الان..! وهي نتيجة مؤسفة،  ليس فقط، في حق الشعب السوداني الذي عانى كثيراً، بل حتى بحق الاتحاد الأفريقي امام الرأي العام العالمي..! وهذا موقف مخزي، في حق شعبنا، وقارتنا

 لذلك نقول: ان توقع اي نتائج إيجابية هو من قبيل الوهم، ولسنا في حاجة لسوق الأدلة من التجارب البعيدة عنا، بل تجربتنا السودانية كفيلة بذلك، فكل جولات الحوار التي تمت بين النظام والمعارضة السودانية ومحطاته التي عرفتها كل قارات العالم، افريقيا وآسيا وأوروبا وربما حتى أمريكا، كان احد أسباب فشلها، هو غياب الإرادة الحقيقية من قبل النظام، بجانب غياب التكافؤ بين الأطراف المتحاورة،  وفقدان الثقة في الوسطاء الدوليين، لاسيما الافارقة منهم، هذه معضلة اخرى زادت من تعقيد الأزمة

ولعل توقيعكم مؤخراً، إلى جانب ممثل النظام، الذي اعقبتموهم بتهديد ووعيد للمعارضة السودانية التي تتفاوض مع النظام، جعل الشكوك تزداد، وتتعمق مشاعر انعدام الثقة بين أطراف المعارضة السودانية وبين صفوف الشعب السوداني، حيال ما تقومون به من دور غير نزيه تجاه قضية عادلة لشعب ظل يدفع لمدة تجاوزت الربع قرن كل غالي ونفيس في سبيلها

وفي ضوء التاريخ المحدد للمعارضة، للتوقيع على الوثيقة او المذكرة.. وبالمناسبة ليس كل المعارضة السودانية،  تؤمن بفكرة الحوار، هناك بعض قوى المعارضة لا ترى حلاً للازمة الوطنية سوى الثورة الشاملة،  وكاتب المقال احد المؤمنين بهذا الخيار، لذا كان الاجدر بكم، وبمفوضية الأمن والسلم الأفريقي، ان تتعامل مع أولئك الذين يشاركون في جولات المفاوضات، بقدر من الاحترام

 وهنا ينطرح سؤال، اذا افترضنا ان المعارضة وقعت على الوثيقة او المذكرة،

وهذا أمر مستعبد، فهل أنت ومن ورائك الاتحاد الأفريقي، قادرون على الضغط على النظام في الخرطوم، على مغادرة السلطة، وتسليم مقاليد الحكم للشعب السوداني..؟

لأن أية تسوية تسفر عن نتيجة غير هذه، فهي تعتبر مساومة رخيصة، لا فائدة تترجى من ورائها، سواء رعاها الاتحاد الافريقي، او المجتمع الدولي.  نقول هذا الكلام، لأن المؤسسات هذه قبل غيرها، تعرف ان رأس النظام وبعض رموزه، صدرت بحقهم مذكرات اعتقال من محكمة الجنايات الدولية، وهذه الإتهامات لا يتم تفنيدها عبر الاعلام وإنما عبر المحاكم، فهؤلاء لو كانوا ابرياء، فليذهبوا للمحكمة ويسلموا أنفسهم لكي يبرءوا أنفسهم من الاتهامات الموجهة اليهم، فهل الاتحاد الأفريقي ومفوضية الأمن والسلام الافريقية وشخصك كونك وسيط في الأزمة قادرون على فعل شيء من هذا القبيل..؟ حتى تعود للشعب السوداني الثقة فيكم وفي الاتحاد الأفريقي وغيره من المؤسّسات والمنظمات الدولية، ام ان الاتحاد الأفريقي ومفوضية الأمن والسلام، هي مجرد أدوات في يد الحكام، وبالتالي لم يعد الامر ليس اكثر من ملهاة يستغلها السماسرة لجني الفوائد والمكاسب على حساب القيم والمثل وحقوق الانسان.. لذا قلت ان وطني بلد غير محظوظ..! ولعل هذا يجعل رسالتي تصلك ومن خلفك مفوضية الأمن والسلم الافريقية وهي أكثر وضوحا

بقلم: الطيب الزين

دبنقا

الاثنين، 28 مارس 2016

إلى.. طاغية القصر.. ثورة المظاليم قادمة


إن الثورة الشاملة لإسقاط وتغيير الأنظمة المستبدة التي تذل شعوبها لا تأتي نتيجة مباشرة للظلم الذي ترتكبه في حق مواطنيها الذين تسومهم سوء العذاب ليل نهار، إنما نتيجة للادارك والوعي بهذا الظلم، ومعرفة أسبابه وفهم جذوره، والشعور بفداحته وثقل وطأته واليأس من بوادر كل أمل في فتح نافذة فرج قريب.
ومرحلة الوعي بالظلم هي المرحلة الفاصلة واللحظة الحاسمة التي تدفع الشعوب المظلومة والمقهورة للثورة على ظالميها وجلاديها وقاهريها، والعمل الجاد والمثابر من أجل فعل التغيير والخلاص، لتأسيس واقعا سياسيا أكثر عدلا وإنصافا ومساواة.
فالظلم بمختلف أوجهه ـ ومع تعاقب الأنظمة الحاكمة مدنية كانت أم انقلابية عسكرية ـ قد وقع على كل فرد من أفراد الشعب السوداني، مع اختلاف في الدرجة هنا، والمقدار هناك. وبلغ الظلم درجاته القصوى عندما استولى نظام الجنرال عمر البشير الدموي على النظام الديمقراطي القائم وقتذاك، وتحكم في رقاب العباد ومقدرات البلاد، فأصبح الفساد السياسي والإداري والمالي والاقتصادي والاجتماعي هو الشاهد والعنوان لحكمه وتسلطه وجبروته.
فالثورات تقودها الشعوب التي يوحدها الشعور بالظلم الواقع عليها، والرغبة الجامحة في التخلص منه، للبحث عن وضع بديل أفضل يليق بالإنسان بصفته آدميا. هكذا تقرر سيرورة التاريخ التي لم تضع لنا شرط نجاح أي ثورة بأن يكون في مقدمتها قائدا ملهما أو قادة طائفيون متخشبون أو حزبا سياسيا تقدميا كان أم رجعيا أو حركة مسلحة أو نقابة، فإن وجدوا فإن وجودهم صدفة في الفعل الثوري، وليس ضرورة لازمة له.
فثورة الشعب الليبي قد أوردت نظام العقيد معمر القذافي مورد الهلاك، ولم يُعرف لليبيا حزبا سياسيا واحدا أو قائدا سياسيا التف حوله الليبيون ليكون قائدا وملهما لهم. والوضع السياسي في تونس ومصر لا يختلف عن وضع ليبيا قبل الثورة إن لم يكن أسوأ منه نسبة للدعم غير المحدود الذي وجدته تلك الأنظمة من بعض الدولة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يكن هذا حائلا بين هذه الشعوب وبين الثورة على الظلم واقتلاع طغاتها، بالرغم من من وحشية أجهزتها الأمنية.
فالثورات لا تقبل القسمة على اثنين، ولا توجد نصف ثورة، فانتصار ثورة الشعوب المظلومة أكيد ليس في ذلك من شك. أما المحافظة على شعاراتها حتى تبلغ مراميها فهذا تحدده ظروف أخرى قد تعلمها الشعب السوداني من تجربتيه السابقتين ولن تكون هذه المرة كسابقاتها.
بالرغم من التزام أكثرية الشعب السوداني النضال الصامت، والرفض السلبي للظلم نتيجة لسياسات النظام القمعية، لم يمنع ذلك من قيام المظاهرات في الجامعات والاحتجاجات النقابية المطلبية والاعتصامات في الساحات العامة وهبات في الأحياء وانتفاضات في المدن بما فيها العاصمة لأسباب قاسمها المشترك هو الظلم، وإن بدت هذه التحركات معزولة عن بعضها البعض، إلا أنها سوف تكون مخزونا للثورة القادمة التي بدأت ملامحها في التشكل والظهور.
فللتمهيد لثورة الكرامة القادمة التي يراها البعض حلما بعيد المنال، ونكاد نراها رأي العين، قامت هبة سبتمبر 2013، التي دكت عرش الطاغية وجعلته يستعمل أسلحة غدره الفتاكة، فدفع خيرة أبناء وبنات السودان العُزل دمائهم الطاهرة مهرا رخيصا من أجل استعادة الحرية السليبة.
قد يبدو ظاهريا أن الطغاة يملكون قوة لا يمكن ردعها أو التغلب عليها، ولكنهم في النهاية ينهارون، ويتساقطون ويستسلمون إلى قدرهم المحتوم. لأن كل ممالك القهر والخوف قد شيدت ملكها على متغير مجهول لا يستطيع الطغاة التحكم فيه، وهو اعتماد سياسة الولاء الجبري، التي تعتمد على التخويف والقمع والترغيب والترهيب، لضمان استمرار حكمهم، وعندما تنكسر حواجز هذه المتغيرات، تنكسر معها أرجل كراسيهم بالتبعية، فنظام الجنرال العابث، قد فقد أهم مقومات بقائه الأساسية، فما بقي للشعب السوداني شيئا يخاف منه أو عليه، سوى الخروج إلى ميادين الحرية الرحبة.
إن اعتماد النظام على تدجين ممتهني السياسة ومرتزقيها، والتضييق على منظمات المجتمع المدني، من نقابات شرعية واتحادات ومنظمات حقوقية. واتباعه لسياسة تكميم الأفواه وكبت الحريات العامة ومصادرة حرية الصحافة واحتكار وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة، والقمع الوحشي لكل ناقد لسياساته، ومحاولته التخفي خلف الاستغفار والتعاويذ والغيبيات لمحاولة التغلب على الانهيار الاقتصادي الذي حدث بالفعل ظنا منه أن ذلك سيحميه وينجيه من مواجهة مصيره المحتوم، فإنه بذلك يقرأ الصفحات الخاطئة من التاريخ.
فالثورة على الظلم يمكن تأخيرها ولو لبعض حين، لكن من المستحيل منع حدوثها. لأنها تملك قوة دفعها الذاتية. فالانهيار الشامل مرحلة تسبق السقوط الشامل. وهذه سُنة الدول الهشة التي يحكمها الطغاة، فما الذي يجعل دولة الطاغية عمر البشير الآيلة للسقوط أستثناءً؟. 
والجنرال عمر البشير هو أحد هؤلاء الطغاة، بل أسوأهم قياسا على عدد ضحاياه الذين يزدادون كل صباح يوم جديد في متوالية هندسية لا نهائية.
وتكمن خطورة الرجل في ارتداده إلي عوالم العته والجنون في كل مناسبة خطابة جماهيرية بالرغم من بلوغه من العمر عتيا في عالم ساس يسوس، ومع ذلك عندما يدخل في نوبة غضب منبرية فإن خسائره السياسية تتخطى الترميم والإصلاح، وتصبح عبئا ثقيلا على الأجيال القادمة عليها أن تدفع ثمنه كاملا غير منقوص.
وظهر ذلك جليا في آخر مخاطبة جماهيرية له أمام الشرفاء من المواطنين الذين يقاومون سدود التشرد والدمار، وبرغم رفضهم ومقاومتهم الشرسة إلا أن الطاغية وعلى الهواء مباشرة قد بدأ مصمما على أنفاذ سياساته الرعناء ليكتب فصلا جديدا من حياة الظلم والتشرد والنزوح، وطمس حضارة آلاف السنين تحت سدود عائدها صفرا كبير بحسب دراسات الجدوى، وقياسا على مثيلاتها من سدود قامت بالفعل، فتشريد الإنسان من أرض جدوده هو قتل له ولثقافته فهل هناك ظلم أكثر من هذا؟..

وصفة الدموية التي ظلت ملازمة لحكمه، وجموحه الأهوج للتعامل مع كل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية بلغة العنف والتعالي الأجوف الذي لم يتم اختباره في محك حقيقي بعد. فالتهديد والوعيد وفقر اللغة وإدقاعها، والسوقية والإبتذال مفردات حاضرة في سلوكه قبل صفة الاتزان والحكمة والتريث لوزن الأمور السياسية التي تمس مصائر شعوب بأكملها بميزان عظمة وجلالة المنصب الذي اغتصبه ليلا، فأي شخص تصدى لقيادة مجموعة فإنه يستمع لشكواهم ويتحقق من صحتها، هكذا تقول طبائع الأشياء، ولكن طاغية زمانه أبى واستكبر.
هناك مثل إفريقي يقول (لا يمكنك تغيير اتجاه الريح لذا غير اتجاه الشراع). فالشعب السوداني ليس مطالبا أن يسلك ذات الطريق الذي أوصله إلى ثورة الحادي والعشرين من أكتوبر المجيدة، وانتفاضة السادس من أبريل الظافرة، فهنالك دائما طرق للثورة على الظلم وقهره، فشعبنا لا يعدم وسيلة لالحاق الهزيمة بهذا النظام الذي جلب له حياة الفقر والذل والعار.
لقد أعطيت لهذا النظام داخليا، وخارجيا أكثر من فرصة للسلام، ليعدل عن سلوكه الإجرامي ويتصالح مع شعبه بالتزام جانب الدستور، والإقرار بالنهج الديمقراطي لتداول السلطة سلميا، وتأسيس دولة المواطنة المتساوية. ـ لا للاستمرار الأعمى في دولة الجماعة المغلقة التي فشلت وشبعت فشلا، ـ ولكنه أبى واستعصم بالقوة، وتمترس خلف الميليشات بدلا عن استدعاء الحكمة، وأصر أن يصل بحصان حواره الأعرج إلى آخر خطوط نهاياته التي سوف تودي بحياة الفارس والحصان معا. فهل يتعظ طاغية القصر من المصير المظلم الذي ينتظره، ويستمع إلى صوت العقلاء من أبناء وبنات هذا الشعب العظيم قبل فوات الأوان؟.
الراكوبة
الصادق حمدين.
umniaissa@hotmail.com

الأحد، 27 مارس 2016

القيادي بالعدل والمساواة “أبو سن بخيت ضو البيت” : السيسي وابو قردة عنصريون ويعملون في تكتلات

نعم تمردنا وأخطأنا.. أعلن توبتي ولو أبيع كريمات للنساء لن أحمل سلاحاً
الحركات تجني الأموال وتتاجر بالقضية.. ودارفور تعيش أوضاعاً قاسية
“عبد الواحد” و”مناوي”.. لم يعد لهم تأثير على المتمردين..
أعترف.. ما زال بعض منتسبي الحركات جناح السلام يحدثون التفلتات الأمنية لهذا السبب…!!
إسرائيل تدعم الحركات المسلحة الآن.. وبعض المتمردين غيروا مذاهبهم ودينهم هناك
حوار- نجدة بشارة
ثلاثة عشر عاماً مضت قبل أن يضع السلاح أرضاً ويستمع لصوت العقل بعد أن اكتشف- حسب قوله- أن المطالب تتأتى بالحوار الوطني، وبعد أن فقد الثقة في قيادات حركة التمرد ووصفهم بأنهم (منتفعين) وأنهم قد باعوا قضية دارفور، ويعملون الآن وفقاً لمصالحهم الشخصية.. وأعلن “أبو سن” (جقلا) العائد من التمرد الذي عمل داخل حركة تحرير السودان جناح “عبد الواحد” قبل أن ينشق عنها وينضوي تحت قيادة حركة العدل والمساواة السودانية الإصلاح، المنحدر من منطقة (دارارتاج) بدارفور عن توبته من حمل السلاح وشعوره بالندم لما اقترفه طيلة السنوات السابقة، وقال: (أفضل أن أكون مواطناً عادياً يطالب بحقوقه بطرق مشروعة). وأضاف إن القيادات بالحركات استغلت المتمردين وأصبحت تتحرك بأوامر من الدول الأوروبية وإسرائيل.. وكشف عن فقدان معظم منتسبي الحركات المسلحة للبوصلة والدليل الآن، وقال إنهم أصبحوا يعملون بلا دليل أو هدف الشيء الذي يفسر الانفلات الأمني والنهب المسلح في دارفور.
وأكد (جقلا) أن هنالك أعداداً كبيرة من أبناء دارفور منتشرون بالدول الأجنبية يلبسون “السلاسل والحلقان”، وبعض منهم ترك مذهبه ودينه، وقال إن هؤلاء يتصيدون زيارات المسؤولين في الحكومة السودانية ليقوموا برفع اللافتات والهتاف بلا دليل أو هدف واضح، طالباً من الحكومة السودانية الاهتمام بإرجاع هؤلاء الشباب إلى بلادهم.

{ الآن وقد وضعت السلاح جانباً وحكّمت صوت العقل كيف تنظر لحملة السلاح؟
_ صحيح أن كل أبناء دارفور لديهم قضية مشتركة، لكن أنظر إلى المتمردين الآن بأنهم أصبحوا مجرد أشخاص يسعون نحو المصالح الشخصية ويتاجرون باسم دارفور، بل ويجنون المال لأجل مصالحهم الشخصية، بينما أهلنا في دارفور ما زالوا يعيشون في ظروف قاسية.
{ وأنت كنت قد حملت السلاح وخرجت في بواكير حرب دارفور وكنت واحداً من المتمردين لفترة طويلة؟
_ أشعر بالندم لأنني حملت يوماً البندقية ورفعتها في وجه الوطن.
{ هل استشعرت تأنيب الضمير أم أن أسباباً دفعتك للتفكير في الانخراط في السلام وسبق أن رفضت عندما أعلن “مناوي” انضمامه للسلام؟
_ صراحة هنالك جملة من الأسباب جعلتني أفكر في ترك السلاح والانخراط في السلام، منها فقداني الثقة في قيادات الحركات المسلحة.. أيضاً من الأشياء التي ما تزال عالقة بذاكرتي أننا اجتمعنا يوماً وكنا عدداً من الحركات في أنجمينا عام (2006)م بـ(مجموعة الأزمات الدولية)، وهي منظمة أجنبية ورئيس المنظمة كان نائب “أوباما” في الحزب قبل أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة، وأذكر أنه قال لنا يومها بالحرف إن المنظمة سافرت لـ(85) دولة في العالم حتى تستطيع أن تستقطب هذه الدول من أجل تغيير نظام الخرطوم.. وقال إن هذه الدول جميعها اعتذرت بحجة أن لها مصالح مع نظام الخرطوم، وطلب منا أن نتحاور مع نظام الخرطوم بدلاً عن أن نكرر تجربة رواندا في دارفور، وأردف بقوله: إذا ساعدناكم ومن ثم جئنا إلى دارفور واستخرجنا موارد في باطن الأرض وأخذنا (70%) منها وأعطينا أهل دارفور (30%) هل تخسرون شيئاً؟! هذا الحديث جعلني أفكر أن دارفور مستهدفة حقاً من الدول الأجنبية.
{ كيف تنظر للحوار الوطني؟
_ كان ناجحاً، وأعتقد أنه الوسيلة التي تحقق مطالب كل أهل السودان بالتفاهم والعقل، وأنا كنت عضواً في الحوار المجتمعي بمحلية كرري.
{ كيف قرأت الحركات المسلحة الموجودة الآن في الميدان انضمامكم لركب السلام؟
_ قبل فترة اتصل بي أحد قيادات المتمردين موجود حالياً في أوروبا وقال لي: أنت خلاص بقيت مؤتمر وطني، قلت ليهو: لا أنا بقيت وطني وأعيش الآن بسلام مع أبنائي، فقال لي: ما رأيك إذا وفرنا لكم السكن وتعليم أبنائك في أوروبا مقابل أن تعود للالتحاق بالحركة، فقلت له بالحرف: ما أريده هو أن ألبس الجلابية السودانية وأتجول مع أبنائي في وطني وأصبح مجرد مواطن، لذلك أنا ندمان وأعلن التوبة، وأنني لا أريد العودة للتمرد مهما حدث.
{ البعض يرى أن الحركات المسلحة رغم التحاقها بركب السلام والحوار ما زالت تشعل فتيل الحرب بدارفور؟
_ هذا صحيح لأن الحكومة في المنابر السياسية والاتفاقيات تتفق فقط مع القيادات أو المفوض من قبلها، ورغم أنني أرى أنها كانت تضع أرجلها على أكتافنا، لكن ماذا فعلوا؟ أخذوا الأموال وباعوا القضية وهاجروا إلى أوروبا لذلك، حالياً منا من اقتنع بصوت العقل ووضع السلاح جانباً بطوعه، وهنالك من يعيش في الدول الأجنبية بلا هدف واضح أو يتحرك دون دليل على الحدود ويخطط للهجمات من وقت لآخر.
{ حديثك يفسر على أنه حدث انقلاب لهذه الحركات وأصبحت تتحرك بدوافع فردية وجماعية؟
_ نعم، فمثلاً عندما ذهبت لافتتاح الحوار الوطني وجدت وجوهاً ظهرت على أساس أنها من الحركات المسلحة، وأؤكد وأنا كنت متمرداً منذ العام 2003م وأعرف معظم قيادات الحركات والمنضوين تحت لوائها أنني لم التقهم من قبل، لذلك صراحة منذ بداية اندلاع حرب دارفور وحتى الآن ظهرت قرابة الـ(60) حركة انشطرت تباعاً عن الحركات الأم.
لذا أعتقد أن المشكلة لم تعد في “عبد الواحد أو مناوي أو غيره حتى أنني أقول صراحة إن هؤلاء القادة لم يعد لهم تأثير كبير على المتمردين، ودائماً المشكلة في فقدان المنضوين تحت لواء الحركات البوصلة.
{ إذن هذا ما يفسر التفلتات الأمنية والنهب الذي يحدث في طرقات دارفور؟
_ صحيح، لا أنكر أن هنالك بعض التصرفات التي أعدّها فردية، وتصدر عن أشخاص معنيين بهذه الحركات، فمثلاً عندما كانت تجتمع هذه الحركات كنا نجلس آلاف العساكر في الأودية ونتناقش ونتباحث ونخطط لتحركاتنا، في الأثناء تظهر تكتلات من المتمردين تتصيد الأخبار عن تحركات السيارات من المدن الكبيرة وعن ما تحمله من مواد ثم تتحرك بالتعاون مع أحد القادة وتقوم (بنهب) السيارة، ثم اقتسام ما حصلوا عليه بينهم، لكن ليس لصالح كل الحركة.. هذه حركات فردية.
{ بالتأكيد هنالك علاقة تربط هذه الحركات.. كيف يتم التنسيق بينها؟
_ ليس هنالك ثقة بين هذه الحركات، وكل يعمل لمصلحته فمثلاً فترة وجودنا في تشاد أنشأنا (حركة جبهة الخلص الوطني) وكانت حركة سلمية نشأت في ألمانيا برئاسة “دريج”، ونقل تجربتها إلى تشاد وقمنا بدمج عدة حركات مع بعض بمتحرك (160) عربة شرق تشاد كوحدة مقاومة، وكتبنا الميثاق بين هذه الحركات بأيدينا على الرمال في الأودية، وأعلنا هذا الدمج في أسمرا على أن تكون الجبهة برئاسة (4) قيادات كل قيادي يعمل لـ(6) شهور، بداية ترأس “خميس أبكر” ثم “دريج”، و”خليل إبراهيم” ود. “شريف الحريري”، في أول عمل لنا كانت ضربة حمرة الشيخ بقيادة “آدم بخيت عبد الرحمن” كان رئيس هيئة الأركان للجبهة، لكن ما حدث أننا عندما وضعنا ثقتنا فيه تركنا نائمين بالأودية وباع القضية وأخذ الأموال وذهب إلى كمبالا ثم إلى لندن والآن هو يملك قرابة (5 ملايين) جنيه إسترليني، ونحن ما زلنا ماشين (كداري).
{ كيف تجتذب الحركات المسلحة الشباب للانخراط في التمرد؟ وكيف تم استقطابك وأنت كنت موظفاً ومقيماً بالخرطوم؟
_ كنت أعمل في المجلس الأعلى للدعوة بولاية الخرطوم.. عندما حدثت ضربة الفاشر من قبل حركة “مناوي” 2003م في تلك الفترة صادف وجود أحد قيادات اللجان الثورية “محمدين سليمان جار النبي” من الحركة في الخرطوم، تحدث معي وقال لي: كيف تجلس هنا وأهلك يموتون لأجل قضيتهم، وطلب مني الانضمام للحركة، فقبلت مباشرة رغم أنني كنت لا أملك خلفية عما يحدث داخل تلك الحركات.
{ ولكن كيف تقبل حمل السلاح دون وجود أسباب حقيقية تدفعك للتمرد على النظام وأنت شبه مستقر وقتها؟
_ كان لدينا أساساً بالتهميش والغبن، أيضاً سبق أن تعرض والدي للظلم من قبل أحد أفراد قوات النظام بدارفور، وسجن رغم أنه كان بريئاً، ووالدي كان إنساناً خدمياً خدم منطقته وأهله، هذا الشيء خلق في داخلي دوافع الانتقام ووجدت أن الفرصة مواتية للخروج على النظام.
{ صف لنا انضمامك للحركة؟
_ طلب مني التحرك إلى ليبيا فذهبت وانضممت إلى حركة تحرير السودان جناح “عبد الواحد” وأُلحقت بمكتب طرابلس، وقتها كانت حركة واحدة بقيادة “عبد الواحد” ونائبه “منصور أرباب”، والأمين العام “أركو مناوي” ثم حدثت خلافات في ذات العام وقسمت إدارة الحركة حسب القبائل: الرئاسة للفور، الأمانة للزغاوة والنيابة للمساليت.
{ ما كان السبب وراء الخلافات؟
_ لأن “منصور أرباب” كان قيادياً بالحركة الإسلامية آنذاك لذلك طالبت الحركة استبداله بشخص آخر لخلفيته السياسية، فاستبعد وعين “خميس عبد الله أبكر” بدلاً عنه.. لكن خلافات الحركة لم تهدأ حتى تدخل العقيد “القذافي” في العام 2005 ودعا لملتقى جامع يضم كل أبناء دارفور.
{ لكن ما طبيعة علاقة العقيد “القذافي” بالحركات السودانية؟
_ كان يدعمها مادياً وبالسلاح وكل متطلبات هذه الحركات.
{ وما كانت المسوغات التي يبررها لكم لدعمكم؟
_ لتغيير النظام وإسقاطه في الخرطوم.
{ ما كانت طبيعة عملك بالحركة في طرابلس؟
_ كنت في مكتب الاستقطاب وكنت أعمل على تجنيد الشباب للحركة من أبناء دارفور الموجودين بليبيا أو من ترسلهم الحركة من دارفور وأقم بإرسالهم عن طريق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا وإسرائيل، وكنت أقايض انضمام الشباب للحركة مقابل تهجيرهم، رحلت أكثر من (1065) شاباً في تلك الفترة.
{ لكن ما كان الدافع في إرسال هؤلاء الشباب إلى أوروبا وإسرائيل؟
_ طلبنا منهم أن يذهبوا ليدرسوا ويتعلموا، لكنهم لسوء الحظ أغلبهم أصبحوا مدمني خمور، وتائهين في الدول الأجنبية يلبسون “السلاسل والحلقان”، حتى أن بعضاً منهم غير مذهبه وغير دينه، وأغلبهم أصبح يحمل اللافتات عندما يذهب أي مسؤول حكومي من السودان ويهتف.. يعيشون في أوهام بلا هدف أو رؤية واضحة، لأنهم لا يملكون دليلاً، نحن نسعى لعودة هؤلاء الشباب خاصة وأن أسرهم في دارفور يعيشون في أوضاع قاسية ولا يوجد عائل لهم، وأنا على استعداد لأعيد الشباب الذين هاجروا بواسطتي من ليبيا.
{ ما موقف هذه الحركات في أعقاب اندلاع ثورة ليبيا؟
_ كنت وقتها ابتعثت إلى أنجمينا للعمل في منسقية المكتب، فحدث أن وقع “مني أركو مناوي” اتفاقية السلام، فاجتمعنا كل الحركات وكوّنا مجموعة الـ(19) وكان معنا وقتها “آدم علي شوقار”، “شريف الحريري” نائب “دريج” و”هاشم حماد” الآن الأمين العام لصندوق إعمار دارفور وكوّنا جبهة الخلاص.
{ لماذا انتقلت الحركات مباشرة في ليبيا إلى أنجمينا؟
_ لأنها وجدت الدعم من “إدريس دبي” كما أن له صلة قرابة مع بعض أفراد الحركات المسلحة، وقاتلنا معه في معركة (ترس إبريل) و(القصر)، عندما هاجمه المتمردون بقيادة “محمد نور” تدخلنا وحسمنا المعركة لصالح “دبي”، لذلك فتح بابه للحركات.
{ ضربة “خليل” لأم درمان حدثت عندما كانت هذه الحركات موجودة في أنجمينا؟
_ كنا نملك وحدة مقاومة مشتركة مع تشاد، وحقيقة رغم أن “إدريس دبي” له صلة قرابة كما أسلفت إلا أنه كانت لا يؤمن بالمسلمات الاجتماعية، والقرابة لديه كان كرسيه فقط، ولا يقبل أن يقترب منه أحد.. لكن تنسيقاً جرى بين “خليل إبراهيم” و”تيمان” شقيق “إدريس”، ليحصل على الضمان لتغيير النظام في الخرطوم، إلا أن “دبي” شكك في نواياه، وتخوف من أن يتفق “خليل” و”تيمان”، بعد أن يغير “خليل” النظام في الخرطوم يعود ويغير النظام في تشاد، واستمر في رفضه فترة قبل أن يوقع لـ”خليل” ورقة تحرك.. في تلك الفترة كانت الحركات تعيش أوقاتاً حرجة من الانقسامات حتى أصبحت قرابة (33) حركة ترابط بين حدود تشاد ودارفور، لكن “دبي” جهز “خليل” بالأسلحة والجيش.
{ أتعني أن الجيش الذي ضرب أم درمان بقيادة “خليل” من التشاديين؟
_ جزء منهم متمردو دارفور، والجزء الأكبر تشاديون حتى أنهم لا يعرفون مداخل ومخارج الخرطوم، ولو كانوا يعلمون جغرافيتها لحققوا الهدف.
{ هل كنت مع المتمردين الذين ضربوا أم درمان؟
_ لا، كنت في تشاد ولم أشارك.
{ السودان اتهم الجنوب بإيواء الحركات المسلحة.. هل ما تزال هذه الحركات بالجنوب؟
_ عندما كنا في وحدة المقاومة بشرق تشاد كان معنا في الوحدة “أحمد عبد الشافع” (حركة شعبية) وهو مقرب من “سلفا كير”، وكان رابطاً للحركات مع الحركة الشعبية بهدف المصلحة، لذلك عقب الانفصال طلبت الحركة الشعبية من هذه الحركات الاتجاه للجنوب ليكونوا كرت ضغط يستخدمه الجنوب على الشمال.
{ لكن في ظل أوضاع الجنوب الاقتصادية من أين تجد حركات دارفور المتمردة الآن الدعم وبعد أن اتفقت تشاد مع نظام الخرطوم؟
_ تدعمها إسرائيل، والاتحادات الأوروبية، وفي إسرائيل هنالك مكاتب لعدة حركات، والقيادات يقيمون في الفنادق الفخمة ويحصدون الملايين باسم دارفور.
{ كيف تقيّم الحركات الموجودة الآن بالميدان؟
_ أنا على ثقة من حديثي، أن هذه الحركات الآن قد باعت قضية دارفور برمتها، وهي لا تبحث عن أي سلام، فقط تعمل لأجل مصالح شخصية، وأعتقد أن هذه الحركات أصبحت ضعيفة وبدأت تفقد تأثيرها على المجتمع الدولي، وأن هنالك دولاً أجنبية تحرك هذه الحركات فقط لزعزعة الاستقرار في السودان.. لذلك أحيي كل الشباب الذين تركوا منطق السلاح وهبوا لنداء الوطن.. كما أناشد كل الحركات من ليبيا إلى أسمرا، كمبالا وحتى أقصى غانا أن يعودوا ويتركوا السلاح، وأؤكد لهم أنه ليس هنالك شخص في السودان سيرفع في وجههم السلاح، وأن الرئيس قدم ضمانات ونحن الآن نتمتع بالأمن والاستقرار.. ما زلت أذكر وصية صديقي كنا نقاتل معاً في التمرد، وأوصاني قبل أن توافيه المنية وقال لي: اذهب إلى الخرطوم وتزوج واستقر وإن شاء الله تبيع كريمات للنساء ما تمشي مع هؤلاء المتمردين.. ونحن الآن ندرك أخطاءنا وفداحة ما قمنا به.
{ هل وجدتم ما جئتم من أجله في الحوار مع الحكومة؟
_ نحن سعينا للسلام.. صحيح أنني كنت متمرداً لكن صراحة وأنا في قمة تمردي سافرت يوماً إلى دولة غانا، أول شخص صادفته كان في المؤتمر الوطني هنالك ورحب بي وأكرمني، لذلك أعتقد أن الأحزاب الكثيرة والتمرد لن تحل مشكلة السودان.. الحل في الحوار فقط.
{ مع كثرة الحركات المسلحة وتضارب مصالحها تعتقد أن مشكلة دارفور ستجد الحل؟
_ بالتأكيد، والحركات الموقعة على السلام ستساهم في جذب هذه الحركات عن طريق استقطابها لأبناء دارفور بالخارج ومحاولة إرجاعهم لأرض الوطن، لكن نحتاج إلى دعم من الحكومة السودانية وتوفيق لأوضاعنا حتى يشعر المتمرد بأن ترك السلاح يصنع وضعاً أفضل من الغابة.
{ كيف تنظر لـ”مني أركو مناوي” الذي عاد مجدداً لحمل السلاح عقب اتفاقه مع الحكومة؟
_ “مني أركو” إنسان مخادع وسبق أن خدع جدنا الملك “أبكر حسب النبي” (ملك دارارتاج) ولأنه يملك نفوذاً داخل المنطقة اصطحبه معه إلى أمريكا وقابلا الرئيس الأمريكي السابق “بوش” وشرح له قضايا المنطقة والحرب، وطلب منه الدفع المادي، ولأن الملك “أبكر” لا يجيد اللغة الإنجليزية جيداً فقد خدعه “مني” واستولى على الأموال التي أخذها من أمريكا.. لذلك أهل المنطقة قالوا نفضل أن نصبح (مؤتمر وطني) بدلاً عن أن نثق بحركة “مناوي”.
{ ما رأيك في “التيجاني سيسي” و”أبو قردة”؟
_ يرفضون التعامل مع القبائل الأخرى.. هم عنصريون ويعملون في تكتلات.

صحيفة المجهر السياسي

الجمعة، 25 مارس 2016

حوار غير منشور مع الراحل حسن الترابي


غيّب الموت في الخامس من مارس/آذار الجاري القيادي والمفكر والسياسي الإسلامي السوداني، حسن الترابي، بعد حياة حافلة بالعمل السياسي والنشاط الفكري وفي الحكم والمعارضة. وقد ظل شخصية جدلية وإشكالية إلى حد بعيد. في الحوار التالي معه، والذي ينشر لأول مرة، وأجري في الدوحة في 7 أكتوبر/تشرين الثاني 2012، يطرح الترابي آراء وتصورات بشأن ما يحسن بالإسلاميين أن يكونوا عليه في الحكم، بعدما وصلوا إليه، في بعض البلاد العربية، في أجواء ثورات الربيع العربي. يقول إنه يأمل أن يكون الإسلاميون سنداً للحريات، لا قامعاً لها، ويقرّ بما فشلت فيه الحركة الإسلامية السودانية، ويقول إنها في مرحلة مزاولتها السلطة لم تحوّل تجربتها السياسية إلى نجاح تنموي واقتصادي. ويرى الترابي في أجواء الثورات العربية أن أيام حكم الرئيس السوداني عمر البشير معدودة. وينتقد "الإخوان المسلمين" بقوله إنهم يعلون من قيمة مبدأ الشورى في الخطاب، ويتنكرون له في الممارسة. ويأتي الحوار على آراء فقهية جدلية للترابي، ومنها أنه لا يوجد حكم للمرتد في الإسلام.
* لو طُلب من الدّكتور حسن الترابي أن يقدّم نفسه، ماذا يقول؟
- حسن الترابي، مواطن سوداني مسلم حرّ، يريد أن يعيش بين مواطنين أحرار، أنشد المساواة بيني وبينهم، لي ولهم.
* الحركة الإسلاميّة في السّودان من الحكم إلى المعارضة، ماذا تغيّر؟
- قبل الحكم، كنّا في المعارضة. وبعد الحكم، عدنا إلى صفّ المعارضة. وبين هذا المسار وذاك أمور كثيرة تغيّرت، لكنّ الثّابت أنّنا كنّا، في كلّ المراحل، نناضل من أجل مجتمع سوداني أفضل. عارضنا جعفر النّميري في سبعينيات القرن الماضي احتجاجاً على الدّيكتاتوريّة، فتمّ اعتقالي وأتباع جبهة الميثاق الإسلاميّة، وكنّا من الفاعلين في الثّورة الشعبيّة على نظام النميري سنة 1985. أسّسنا بعد ذلك الجبهة الإسلاميّة القوميّة، وساهمنا في تشكيل حكومة الإنقاذ سنة 1989، وأيّدنا تسلّم العسكر للسّلطة، على أمل أن يحافظ رجال العسكر على الوحدة الوطنيّة للبلاد، وحتّى نضمن الاستقرار والسّلم الاجتماعي. وشاركنا في الحكم عشر سنوات، وذلك إلى حدود العام 1999، بعدها انقلب عمر حسن البشير على الشرعيّة الشعبيّة، وحلّ البرلمان، وانخرط في مسارات التّفريط في مكتسبات البلاد، وفي فرض الحكم الأحادي والتّفتيت الدّاخلي للوحدة الوطنيّة. وأمام استشراء الفساد الإداري والمالي والسّياسي، أسّسنا حزب المؤتمر الشّعبي في 31 يونيو/حزيران 2001، بمعيّة عدد من رموز ثورة الإنقاذ الوطني ومسؤولين آخرين انسحبوا من حكومة العسكر، واختاروا النّضال من أجل تغيير سلمي للسّلطة في البلاد. وقد واجهنا، خلال العشريّة المنقضية، مختلف ألوان التّنكيل والمتابعة والمحاصرة والملاحقة من نظام البشير. واشتدّ ذلك، بعد توقيعنا مذكّرة تفاهم مع الجبهة الشعبيّة، وبعد انخراطنا الفعلي في حركة المعارضة الوطنيّة للحكم الفردي، وقد تمّ اعتقالي سنة 2004 سنواتٍ، بتهمة محاولة الانقلاب على النّظام. وبناء عليه، نحن في السّودان لم ننته بعدُ من مشروع السّعي إلى إقامة الدّولة العادلة المنشودة.
* كيف تقيّم إدارة الإسلاميّين تجربة الحكم في السّودان؟
- نجحنا نسبيّاً في إدارة عدد من المشاريع، فأشعنا في الاجتماع السّوداني روح الاعتزاز بالانتماء إلى هذا البلد، ودفعنا نحو تحرير المرأة وتأمين حقوقها، ونشرنا اللّغة العربيّة، ونجحنا في تعريب كلّ العلوم، خصوصاً الهندسة والاقتصاد والطبّ وغير ذلك، وساهمنا في إحياء المنظومة القيميّة الإسلاميّة. لكنّنا فشلنا في مناحٍ أخرى، فلم نحوّل تجربتنا السياسيّة إلى نجاح تنموي واقتصادي، ولم نترجم الإسلام في حياتنا العمليّة وسلوكنا الحضاري/ المجتمعي، وانبرى آخرون إلى قمع الحرّيات، وإلى احتكار السّلطة وادّعاء امتلاك الحقيقة المطلقة. ولا أخفيك بأنّ بعضهم أخذته فتنة السّلطان، وأرسل يديه في المال العامّ بلا رقيبٍ ولا حسيب، ما أدّى إلى إعادة إنتاج نظام تَغَوُّل الدّولة، ومافيا إهدار الطّاقات والثّروات.
* ما أسباب الفشل في نظركم؟
- لم يكن الفشل كلّيا كما أسلفت، لكنّ أسباب الفشل الحاصل عدّة، فَشَلْنا لأنّنا لم نستعدّ لتجربة الحكم على أحسن وجه، ولأنّنا لم نكن نتوفّر على المقدار الكافي من الوعي بمعطيات الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسّياسي بالبلاد، وكانت أوّل تجربة للإسلاميّين في الحكم، فلم تكن لنا سابقة نستفيد منها، ووجدنا أنفسنا في مواجهة مشاريع عدّة، وتحدّيات جمّة، ولم نجد السّند من الفرقاء السياسيّين في الدّاخل. كما أنّ تجربة الإنقاذ الوليدة قد وُئدت وهي في طور النّشأة، فقد حاصرتنا الدّول العربيّة قبل الأجنبيّة من قبيل مصر والسعوديّة، ولم نجد الغطاء الدّولي المناسب الذي يمكّننا من إنجاح التّجربة. يُضاف إلى ذلك أنّنا لم نكن نتوفّر على أنتلجنسيا سياسيّة قادرة على إدارة دفّة الحكم، بل كان الحكّام الجدد خليطاً من الصوفيّة والعسكر وطلاّب الكراسي. زد على ذلك كله أنّنا ركّزنا، خلال فترة حكمنا، على جبهة العمل السّياسي. وأهملنا في المقابل جبهة العمل الثّقافي، والعمل الدّعوي، والعمل الجمعياتي المدني، ما أدّى إلى انحسار جهدنا في مواجهة خصومنا السياسيّين، وهو ما استهلك منّا الكثير من الوقت والطّاقة في غير كبير فائدة.
* كيف ترى الواقع العربي بعد وصول الإسلاميّين إلى الحكم في بعض دول المنطقة؟
- نتمنّى أن لا يكون الرّبيع العربي موسميّاً، وأن يكون التحوّل التّاريخي الذي عرفته الأمّة جذريّاً نحو بناء دولة عادلة توفّر الحقوق، وتؤمّن الأداء النّزيه للواجبات. والملاحظ أنّ التّجربة ما تزال في بداياتها، وتلك مرحلة يُتوقّع فيها التعثّر والانتقال المتّئد نحو الأفضل، لكنّ الإسلاميّين، اليوم، أحبّوا أم كرهوا، هُمْ في لحظةٍ تاريخيّةٍ مصيريّة، ومن الواجب عليهم تحويل شعارات الثّورة في طلب العدالة، والتّنمية، والحرّية، والكرامة إلى حقيقة معيشة يحياها النّاس. أنا أعلم أنّ الأمر صعب، لكنّ تحقيق المراد ممكن، فقط بشيء من الصّبر، والعزم، والتزام التدرّج لا التسرّع، والعمل على إيجاد التّوافق وتوظيف كلّ الجهود والطّاقات في المجتمع على اختلافها لكسب معركة البناء. ومن المفيد، في هذا السّياق أيضاً، الإفادة من تجارب الآخرين، والتعلّم من الأخطاء، ومراكمة جهود الخلف على جهود السّلف.
* ما هي أهمّ التحدّيات التي تواجه إدارة الإسلاميّين الحكم؟
- التحدّيات كثيرة، فنحن إزاء حركات عاشت مبعدة عن المشهد السّياسي عقوداً، والإسلاميّون في تونس ومصر وليبيا عاشوا لعقود العذاب، والتّشويه، والملاحقة في عهد الأنظمة المستبدّة. ولمّ شتات الحركة الإسلاميّة، بعد سنوات الإقصاء، وإعادة هيكلتها ودخولها معترك الحياة السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة أمر صعبٌ لا محالة، فليست لدى الجماعات الإسلاميّة تجربة في الحكم، وتكليف النّاس لها بهذه المهمّة يُعدّ تحدّياً كبيراً، وأنت ترى أنّ سياسة البلدان، في الفترات الانتقاليّة، أمر عسير، فالنّاس يفجّرون كلّ مكبوتاتهم في وجه الحكّام الجُدُد. لذلك، تتزايد الحركات المطلبيّة والاحتجاجات الشعبيّة، وتُفتح أمام الإسلاميّين، اليوم، جبهات عدّة، من بينها التّنمية، وإقامة العدالة، وإنصاف المظلومين، ومحاسبة الفاسدين، وتشغيل العاطلين، والإحاطة بالمعوزين، وتهيئة البنى التحتيّة للبلاد، وإعادة تشكيل الثّقافة والصّحافة والإعلام، وإصلاح الإدارة. ذلك كله تحدّيات جمّة، ضخمة، تقتضي تكاتف جهود الإسلاميّين وغير الإسلاميّين، والتفاف كلّ المواطنين، من أجل تحقيق النّهضة المرجوّة، وإلاّ فإنّ الثّورة قد تأكل نفسها، بسبب عودة خصومها، والتأخّر في تحقيق أهدافها.
* بماذا تنصح من تولّى مقاليد الحكم من الإسلاميين؟
- استفاد الإسلاميّون، اليوم، أيّما إفادة من رصيدهم النّضالي السّابق في مقارعة الدّيكتاتوريّة، وهناك من صوّت لهم متعاطفاً معهم. وعلى سبيل الانفعال الوجداني مع الضحيّة، أمّا اليوم فهم في موقع الحاكم، لا المعارض. وبناءً علـى طبيعة سياساتهم تجاه النّاس، سـيزداد تأييد المواطـنين لهم أو ينحسر. لذلك، أنصحهم بأن يحذّروا فتنة السّلطة وأبّهة الحكم، وأن لا يقيموا الحواجز بينهم وبين المحكومين، وأن لا يتحوّلوا إلى حزب/ طبقة، مثلما حصل مع الأحزاب الاشتراكيّة والأحزاب القوميّة واللّيبراليّة في عدد من الدّول العربيّة. السّلطة مفسدة، وأبواب الفساد أمام الحاكم مُشْرَعَةٌ وكثيرة، وأحرى بالإسلاميّين أن يكونوا في مستوى الأمانة والمسؤوليّة، وأملي أن يكونوا سنداً للحرّيات لا قامعا لها، وأن يجدّوا في تحقيق أحلام الثوّار والمضطهدين، وآمل ألاّ يأخذهم الكِبْرُ وألاّ يغلبهم التّعالي.

* كنت من أوائل الدّاعين إلى تجديد الدّين، والمنادين بتطوير فقه السياسة داخل الاجتماع الإسلامي. هل ترى ما ناديت به من طلب التّغيير والتّجديد قد تحقّق؟
- لا، ليس بعدُ، فما يزال مسلمون كثيرون يتمثّلون الدّين بطريقة آليّة وراثيّة، ويرجّعون الآيات والأحاديث، في غير علم بماهيتها ومناسباتها، ويصدرون الأحكام جزافاً، بل هناك من يفتي بغير علم، والعطالة الذهنيّة ما تزال منتشرة في النّاس. أمّا الاجتهاد فمحدود، وإيمان العجائز هو الغالب، فلم يتمّ تحويل الطّقوس الإسلاميّة إلى سلوكٍ تربويّ يوجّه حياة النّاس، والحال أنّ الإسلام منهج وسلوك عمليّ، والحاجة أكيدة إلى الوصل بين العلم والعمل. الجذر في العِلم والعمل واحد، وهو (ع. ل. م)، وصدور الجذر بتلك الطريقة في لغة الضّاد دالّ على حتميّة ربط العِلم بالعمل، فعِلم معلّق بالكتب أو واقر في الصّدور بغير عمل لا يفيد.
* ما هي المبادئ الإسلاميّة التي تراها معلّقة، ولم تُجرَ في الاجتماع الإسلامي بعدُ؟
- مبادئ عدّة. مثلاً، مبدأ الشّورى. ظلّ في تاريخ المسلمين مبدأ فضفاضاً، وكان إنجازه مؤجّلاً، وأنا عاشرت الإخوان المسلمين في مصر والسّودان والأردن، يتكلّمون فيُعْلُون من قيمة مبدأ الشّورى في الخطاب، لكنّهم يتنكّرون له في الممارسة، وإذا جادلتهم، قالوا لك الشّورى مُعْلِمة وليست مُلْزِمة. قد يقولون لك، مثلاً، شاور النّساء، لكن لا تعتدّ برأيهنّ، هل نسي هؤلاء أنّ المرأة كائن فاعل، أكرمه الله بمهمّة الحمل، وأجلّه الرّسول، فقد كان يلتقي النّساء، ويحاورهنّ ويجالسهنّ ويشاورهنّ في الأمر. نحن في حاجةٍ إلى التحلّي بأخلاق الإسلام في التّعامل مع النّاس، وفي إدارة شؤون الحكم، فمن المهمّ إحياء قيم التّآخي والتّراحم، والتّسامح وخدمة الرّاعي للرعيّة، وقيم طلب العلم والتّواضع والأمانة والوفاء بالعقود وبالوعود والعدل بين النّاس، والإشفاق على المساكين والأخذ بيد الفقراء. خذ مثلًا آخر: مبدأ التّسامح والاختلاف، أليس ذلك من صميم الدّين؟ أليس الاختلاف رحمةً، كما قال تعالى "ولولا دفع الله النّاس بعضهم ببعض لفسدت الأرض"، ألم يشيّد المسلمون أعظم حضارة في الأندلس في مجتمع تعدّدي، جمع المسلم وغير المسلم، والمتديّن وغير المتديّن، فكان الاختلاف سبب ثراء وتقدّم، واليوم يخرج علينا بعضهم رافعاً راية التّكفير والإقصاء والتفرّد بالحقيقة!
* هل تؤيّد تقسيم المجتمع إلى مؤمنين وكفّار؟
- كلّا، الإيمان مسألة شخصيّة فردانيّة، بين المسلم وربّه، ولا سبيل إلى الوصاية على النّاس في هذا الخصوص، فنحن لا نعلم بما تخفي النّفوس، والكفر في اللّغة هو التّغطية، أي تغطية الفطرة. كان الرّسول يعيش في مجتمعٍ فيه غير المسلمين وغير المتديّنين، ولم يبادر بإقصائهم أو تأليب النّاس عليهم، فالإيمان أو الكفر مسألة ذاتيّة، ولا سبيل لإكراه النّاس، أو دفعهم على تبنّي عقيدة مّا.

* ما موقفك من القائلين بالردّة وإقامة الحدّ على المرتدّ؟
- هذا هراء، لا يوجد حكم للمرتدّ في الإسلام، قرآناً وسنّة، والانتماء إلى الدّين أو الخروج عنه مسألة شخصيّة لا دخل للآخرين فيها.
* هل تقبل بتحكيم مرجعيّة الأزهر في الفتاوى؟
- لا أعتبر الأزهر مؤسّسة دينيّة مرجعيّة فيصلاً، فليس هناك كنيسة ولا مؤسّسة بابويّة في الإسلام، هم مجتهدون ونحن مجتهدون، والدّين مشروع قراءةٍ لكلّ مسلم، والتّرجيح لمن كانت حجّته أوضح وأقنع.
* تُعرف بأنّك وضعت اجتهاداتٍ لم يسبقك إليها الفقهاء، واتّهمك بعضهم بالضّلالة وركوب البدعة، فما رأيك؟
- لقد دعا الله إلى تدبّر كلامه والاجتهاد قدر المستطاع في تسيير شؤون النّاس، وتنظيم حياتهم وفق ما يقتضيه الصّالح العامّ. وقد بيّنت في كتابي "التّفسير التّوحيدي" وجهة نظري في فهم النّصوص، قرآنا وسنّة. واعتبرت أنّ رأي السّابقين أعود إليه، واستأنس به، لكنّه لا يحول دون إعمال الرّأي وممارسة حقّي في الاجتهاد. وأنا أقول إنّ من حق المرأة أن تؤمّ النّاس في الصّلاة مثل الرّجل، ولا أجد في كتاب الله وسنّة رسوله ما يمنع ذلك، ومن حقّها الرّئاسة، والولاية، فهي ذات عقل وذات دين. وهذا ما أثار سخط بعضهم عليّ، وبلغ بهم الأمر حدّ اتّهامي بالكفر. وقلت، أيضاً، إنّ زواج المسلمة من الكتابيّ ممكن، وأنّ الشّرع لا يمنعه، ولديّ اجتهادات أخرى في مسائل عدّة، لم يقبلها شيوخ الأزهر، وغيرهم من أعلام السلفيّة والقراءة الأحاديّة التقليديّة للنصّ المقدّس.
* ما رأيك في صعود التيّار السّلفي في دول عربيّة؟
- لا أرى أنّنا إزاء ظاهرة شعبيّة لها أنصار كثيرون في البلاد العربيّة، فإذا استثنينا مصر، فإنّ هؤلاء قلّة في تونس وليبيا، ولا يشكّلون خطراً حقيقيّاً على الدّولة، بل يتمّ النّفخ في صورتهم إعلاميّاً لخدمة أغراض خاصّة. وفي نظري، السلفيّة شكل من التخلّف، ومظهر من الإسلام المتطرّف، وهي حركة منغلقة تفهم النّصوص بشكل حرفي، وتجد الدّعم من أطرافٍ متنفّذةٍ وغنيّةٍ في الدّاخل والخارج، وهي أطراف تسعى إلى التحكّم في مسارات التحوّل نحو الحرّية والعدالة في عدد من دول الرّبيع العربي، وتحاول التّأثير على استقلاليّة الدّول، والتدخّل في سيادتها. ولا أستبعد أن تكون السلفيّة مخترقةً من أطرافٍ استخبارية عدّة وخادمة أجندات أجنبيّة. لكنّها، على الرغم من ذلك، تبقى ظاهرة لحْظِيّةً، عابرة مثل الجماعات اليساريّة واليمينيّة المتطرّفة في الدّول الغربيّة، وهي ظاهرة بلا عمق فكري وجماهيري. لذلك، مصيرها الانحسار أو الاندثار.
* هل تؤيّد الخروج على الحاكم؟
- أؤيّد ذلك إذا كان الخروج سيؤدّي إلى مصلحةٍ لا مفسدة، وإذا كان الطّريق إلى التّغيير مأموناً، ولا يضرّ بالنّاس وأموالهم وأعراضهم، ويمكن أن يقيم حكماً أفضل من الحكم القائم، فالخروج العشوائي مغامرة خطيرة، غير معروفة العواقب.
* هل التقيت أسامة بن لادن؟
- نعم زرته مرّة، و زارني مرّة.
* هل أمّنت له اللّجوء السّياسي في السّودان؟
- لا، لم أفعل، بل فعلت ذلك الحكومة السودانيّة، ولا علاقة لي به من قريب أو من بعيد، وكان بيتي قِبْلَةَ كلّ زائر إلى الخرطوم، وقد زارني هارباً من عدد من السلفيّة المتطرّفين الذين أرادوا اغتياله. وقد جادلته قليلاً، فوجدته مختلفا عنّي، ورأيت أنّنا لسنا على الموجة نفسها، فكأنّي وهو كموجات الرّاديو، أنا على موجة طويلة، وهو على موجة قصيرة، ولا سبيل إلى أن نلتقي البتّة، وكان استقباله في السّودان لأسبابٍ استثماريّة اقتصاديّة، لا غير.
* هل تتوقّع ثورة على نظام البشير؟
- نعم، الثورة آتية لا محالة، وأيّام البشير معدودة، وقد تراجعت شعبيّة العسكر بين النّاس، وأصبح النّظام معزولاً في الدّاخل والخارج، لكنّنا نريدها ثورةً سلميّة، تضمن الانتقال السّلس للسّلطة إلى أطرافٍ وطنيّةٍ أخرى وفاعلين سياسيّين جُدُدًا يختارهم الشّعب بمحض إرادته.
* يذهب بعضهم إلى أنّ الرّبيع العربي صنيعة قطريّة، بإخراج أميركي وتنفيذ إسلامي حركي؟
- الرّبيع العربي منتَج عربيّ خالص، صنعته الشّعوب العربيّة المنتفضة على الدّولة الجائرة، صنعته نضالات المساجين السياسيّين، والمظلومين، والمقهورين، والمعارضين للحكم المستبدّ في العالم العربي على مدى عقود. وكانت الثّورات العربيّة نتاج تراكم الإحساس بالظّلم والقمع، فقد ولّد الكبتُ الانفجارَ، وكان ما كان. وفكرة المؤامرة هاجسٌ ركب العرب، أو ركبوه من زمن بعيد، فهم يردّون أزماتنا إلى أميركا وإسرائيل والصهيونيّة العالميّة. وأصبحوا اليوم يردّون انتصاراتنا وأمجادنا إلى المتآمرين، فبئس ما فعلوا، يريدون تقزيم الثّورة والثوّار، والتّشويش على هذا التحوّل النّوعي في تاريخ العرب، سامحهم الله! أمّا الإسلاميّون فلم يكونوا يتوقّعون، أصلاً، زوال الطاغية (زين العابدين) بن علي ولا سقوط الدّيكتاتور (محمد حسني) مبارك، ولا نهاية (معمر) القذافي بتلك الطّريقة، وقد التقيتهم أكثر من مرّة قبيل الثورة، ورأيت عندهم قنوطاً من المستقبل، وما خطر على بال أحد أن يثور النّاس، ويرحل الطغاة عن بكرة أبيهم، لكنّ ربّك فعّال لما يريد، وإرادة الشّعوب لا تُقهر.
* كيف يبدو لكم مستقبل الإسلام السّياسي في العالم العربي؟
- التّفكير في المستقبل أمر ضروريّ، وإذا أراد الإسلاميّون أن ينجحوا في تجربة الحكم، فعليهم بالتّخطيط والنّقد الذاتي والتّجديد، ففي التّخطيط وعي الماضي والحاضر، واستشراف للمستقبل، وفي النّقد الذاتي معرفة بالنّواقص، وتدارك للأخطاء، وإعادة بناء للذات، وفي التّجديد مواكبة للعصر، وانفتاحٌ على العالم بلغةٍ عربيّةٍ حيّةٍ، وبقيم إسلاميّة سمحاء، تتفاعل مع الحداثة، وتستفيد من العلماء والمفكّرين، على اختلاف انتماءاتهم الإيديولوجيّة والعرقيّة، وتوظّف التّقانة للتّعريف بالوجه الحقيقي للإسلام، ولتّرويج فكر مستنير. ويتبين النّاظر في السّاحة السياسيّة اليوم أنّ الإسلاميّين هم أقلّ فشلاً من غيرهم، ولا نكاد نجد بديلاً عنهم، فقد جرّب العرب الاشتراكيّة والقوميّة واللّيبراليّة التي أنتجت أنظمةً استبداديّةً قمعيّةً على مدى ستّة عقود من قيام دولة الاستقلال. أمّا الآن، فالملاحظ حاليّا أنّ العلمانيّين لا يحظون بتأييد شعبيّ كبير، فالفجوة التنظيميّة والتنظيريّة والبرامجيّة بينهم وبين النّاس كبيرة، ويبدو الإسلاميّون في موقع المؤهَّل لقيادة المرحلة المقبلة، وهي مرحلة تقتضي الكثير من الجدّ، والدقّة، والرّصانة، والعلم، والعمل، ونأمل لهم التّوفيق، بما يخدم مصلحة النّاس كافّة.
حاوره أنور الجمعاوي
العربي الجديد

الخميس، 24 مارس 2016

حينما خرج الاسلامويون: “فارق لا تَلِمْ وانا بَهْوَى الألم”!!

* خرج الاسلامويون من كيانهم الجامع كما يسمونه “المؤتمر الوطني” أوزاعاً وجماعات على فترات، تباعدت وتقاربت في الزمن، واختلفت في التبريرات والأسباب ولكنهم جميعاً خرجوا مغاضبين “وذا النون إذ ذهب مغاضباً”، كان أول الخارجين المرحوم الترابي حيث خرج بمؤتمره الشعبي إثر مفاصلة 1999 بين قصر البشير ومنشية الترابي واجتمع عليه – في تكوينه المجانب – نفرٌ من محبيه!..
* خرج أمين بناني نيو – ولعله لم يدخل أصلاً – أحد ركائز إتحاد جامعة الخرطوم حين سيطر عليه الاسلامويون من قبيلة الطالبانيين الاسلاميين، ولعله كان من المتوقع (عند المراقبين) أن يتجه نحو شيخه الترابي وحزبه الشعبي، ولكنه لم يفعل، وإنما رأى أن المشكلة التي خرج من أجلها هي غياب العدالة (وحمدو في بطنو)، فسمى حزبه “العدالة” وجمع إليه عدد من المتفقين مع رؤيته، ولم يلتفت منه أحد ومضوا حيث يؤمرون!..
* خرج غازي صلاح الدين أحد المشاركين في غزوة دار الهاتف، وأحد مناطقة المؤتمر الوطني وحججه وداعميه بقوة، وأحد العشرة من رافعي مذكرة العشرة في شيخهم الترابي الذي ذهب (مموهاً) إلى السجن حبيساً، حين قال للبشير (مموهاً أيضاً): إذهب إلى القصر رئيساً، وما كنت أتوقع انضمامه إلى مؤتمر شيخه السابق الترابي “الشعبي”، خرج غازي (مغاضباً بالطبع) من “نفاج” الاصلاح الآن، يبتغي الاصلاح ولو بعد حين، وكوَّن مع بعض الـ “مقنجرين” معه من بيت طاعة المؤتمر الوطني، الغريبة بعد اسناد رئاسة تحالف قوى المستقبل لغازي خرج عليه من يقول: “أن المقترح مطبوخ من قبل غازي ومجموعته في الاصلاح”، (المستقلة – الثلاثاء 22 مارس 2016 – الصفحة الأولى)!..
* خرجت مجموعة “سائحون” (مجاهدي خلق الانقاذية) بقيادتها (مغاضبة بالكلية)، وبينها وبين الانقاذ ما صنع الحداد، ولهم موقع على الانترنت بالمسمى نفسه، واتخذت وجهتها التي تراها متحورة على أيقونتها الجهادية ومتمترسة خلفها ولم تلتفت أبداً لمن كانوا معها في المؤتمر الوطني وشايلاها “تقيلا” مع المؤتمر الوطني، و”الله يستر” ساهي من عواقب الغضب الذي يعتمل في نفوس مجاهدي خلق!..
* خرج “ود إبراهيم” بعد اتهامه بمحاولة انقلابية مع نفرٍ من حركة الاسلامويين بعد يأسهم من اصلاح الحال الذي أضحى من المحال، حيث استطاع حواة المؤتمر الوطني بحيلة قصر التصويت على مجموعة محددة، وليس على منسوبي المؤتمر العام، ونصبوا بذلك من اعتبره الخارجون “لا بيودي لا بيجيب”، وسيرمي في كفة المؤتمر الوطني، ود إبراهيم قال في حوار نشر قبل فترة قصيرة إذا خرج الشعب السوداني للشارع فسأخرج معه!!، ود إبراهيم هل هو فرد أم جماعة؟، ولماذا لم ينحز إلى أحد المكونات الخاجة لتوها من رحم المؤتمر الوطني؟!!..
* خرج البروف الطيب زين العابدين أستاذ السياسة بجامعة الخرطوم مكوناً “التغيير الآن” ماعون سياسي لطلبته في مجال السياسة، ومعه عدد، وبالطبع كان من ضمن “لكلٍ وجهة هو موليها”، وانفرد مغاضباً ومنادياً بالتغيير وكمان الآن،
* خرج نفرٌ لا يستهان بهم من المؤتمر الوطني ولكنهم ظلوا أوزاعا غير منتمين ومن هءلاء النفر دكتور الأفندي في بريطانيا، ودكتور حسن مكي في جامعة أفريقيا في السودان، ودكتور التجاني عبدالقادر لعله ما زال في السودان، وخرج دكتور جعفر شيخ إدريس “شيخ بلا حيران” في وقت مبكر “حرداناً” من تجديدات الترابي كما بُرات (يرحمه الله) وجلهم لم يعجبهم العجب في التكوينات المتسللة لواذا من المؤتمر الوطني ولا الصيام في رجب!!..
* “ نشأت الحركة الإسلامية السودانية الحديثة في أوساط طلاب الثانويات والجامعات في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي (بدءً باسم حركة التحرير الإسلامي (1949-1954) ثم تحت إسم الأخوان المسلمون (1954-1964)، كما اتخذت عدة أسماء لأحزاب سياسية مسجلة في فترات مختلفة: جبهة الميثاق الإسلامي (1965-1969)، الجبهة الإسلامية القومية (1985-1989)، المؤتمر الوطني (1993-2012)، المؤتمر الشعبي (2001-2012). وكان لنشأة الحركة في أوساط الطلاب بجامعة الخرطوم والمدارس الثانوية والجامعات المصرية أثره الكبير في تكوين الحركة النفسي والفكري والسياسي، خاصة وأن التنظيم المنافس لها في أوساط الطلاب هو الحركة الشيوعية التي تأسست قبلها في منتصف الأربعينيات وكسبت غالبية القاعدة الطلابية إلى نهاية الخمسينيات. كان وجود الحركة الشيوعية المهيمن بين الطلاب يمثل تحدياً كبيراً للحركة الإسلامية دخلت بسببه مباشرة إلى العمل السياسي الطلابي بقصد السيطرة على اتحاد طلاب جامعة الخرطوم واتحادات الجامعات الجديدة (جامعة القاهرة الفرع وجامعة أمدرمان الإسلامية) ومعهد المعلمين العالي والمدارس الثانوية (تجربة الحركة الإسلامية السودانية في مجال حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق
October 11, 2013 د. الطيب زين العابدين aalabdin1940@yahoo.com)
* في يوم الأحد 12 ديسمبر 1999 ، حدثت المفاصلة الشهيرة داخل الحركة الإسلامية السودانية !
أزاح الرئيس البشير الدكتور حسن الترابي من رئاسة المجلس التشريعي القومي ومن حزب المؤتمر الوطني . حل الرئيس البشير المجلس ، وأعلن حالة الطوارئ ، ونزلت الدبابات في شوارع الخرطوم . حدثت القطيعة الكاملة بين العراب وتلاميذه .
في يوم الأحد 8 ديسمبر 2013 ، وبعد 14 سنة بالتمام والكمال من المفاصلة الأولي ، حدثت المفاصلة الثانية . في ذلك اليوم ، تمت أزاحة الأستاذ علي عثمان محمد طه من وظيفته كنائب أول لرئيس الجمهورية ومن حزب المؤتمر الوطني ! خرج الأستاذ علي عثمان من القصر الجمهوري والوجع في عينيه وهو كسير النفس .
هل يمكن أن نعتبر يوم الأحد يوم نحس وشؤم للإسلاميين ؟  
عيسى ابراهيم 
* eisay@hotmail.com

ملطشة التوجيهية .. ملطشة الدكتوراه !!


• ساء كثيرون - وهو بالحق مُسيئ - ما ورد بمقال الكاتب الأردني فهد الخيطان الذي أخذ فيه على سلطات بلده أنها جعلت أبناءهم - بحسب تعبيره - ملطشة للعُربان، ويرجع ذلك بحسب الكاتب إلى أن الطالب الأردني الذي يخفق في الإمتحان "التوجيهي" أصبح ما عليه إلاّ أن يقطع تذكرة طائرة للخرطوم ويجلس لإمتحان الشهادة السودانية ويحصل بطريقة مُيسّرة على معدل مرتفع يؤهّله لدخول أي جامعة سودانية نُص كم بحسب وصفه ويعود بعدها إلى وطنه شامخ الرأس وهو طبيب أو مهندس، وفي موضِع آخر من المقال ذكر "الخيطان" أن الجامعات السودانية أغرقت السوق الأردني بشهادات الماجستير والدكتوراه، وأن من لا يجد عملاً بالأردن أصبح عليه أن يزور السودان لبضعة أشهر ويعود بشهادة عليا تمنحه حق التدريس بالجامعات الأردنية.
• الذين هاجموا الكاتب فهد الخيطان، تركوا الحمار وتشطّروا على البردعة، فالصحيح أن ينصب الغضب على من تسببّوا في الأذى لا على الذي يدفع به عن نفسه، وقد لا يعلم كثير ممن أغضبهم هذا الحديث أن الأردن - على مستوى الحكومة - لا يزال على عَمَاه ولم يُثبت الواقع المرير الذي إنتهى إليه حال التعليم في بلدنا بياناً بالعمل كما فعلت دول أخرى بقرارات حكومية لا بمقال أدبي على صحيفة يومية كما فعل "الخيطان"، بعد أن كان السودان - قبل الإنقاذ - في مقدمة الدول العربية والأفريقية في رِفعة مستوى التعليم الجامعي.
• قد لا يعلم الكثيرون أن عدد من الدول العربية قد أعلنت ومنذ فترة طويلة عدم الإعتراف بالشهادات العليا (الماجستير والدكتوراه) التي يحصل عليها رعاياها من الجامعات السودانية دون بقية جامعات العالم، وقد حدث ذلك بعد أن تلاحظ لها تزايد عدد مواطنيها الذين يحصلون على شهادة الدكتوراه عن طريق التوصيل المنزلي من السودان وبالسهولة التي يتم بها الحصول على رخصة قيادة السيارة، وأن (بعض) البحوث التي يتم بموجبها منح هذه الدرجات العلمية يتم شرائها جاهزة بواسطة سماسرة من مكاتب الطباعة دون تكبد الطالب مشقة الإطلاع عليها، وأن الذين يُقررون منح الشهادة أنفسهم ليس لهم باع في محيط العلوم محل البحث، ويفتقرون لمعرفة الأسس والضوابط التي يُمنح بموجبها هذا التتويج العلمي، وقد شهد العالم الهزل الذي قال به أحد أعضاء لجنة مناقشة رسالة الماجستير التي كان قد تقدم بها الرئيس عمر البشير (الدكتور عوض إبراهيم عوض) حين وصف البحث الذي تقدم به الرئيس بأنه متميز ويستحق أن يُمنح عليه صاحبه شهادة الدكتوراه (هكذا)، حتى أن الرئيس أضطر لأن يرد عليه مازِحاً: خلاص بدينا كِسّير الثلج !!
• بحسب فهم الإنقاذ، أن إنشاء جامعة لا يلزمه سوى سبورة ولوح طباشير، وأن الأستاذ الجامعي بدلاً عن أن يُلقي المحاضرة على (120) طالب في الصف الدراسي كما كان يحدث في جامعة الخرطوم ومثيلاتها، يستطيع - عن طريق مايكرفون - أن يُلقي نفس المحاضرة على آلاف الطلبة كما يحدث اليوم بقاعات الجامعات، دون النظر لما يستلزم إقامة الجامعة من مكتبات ومعامل وأساتذة متفرغون لمتابعة بحوث الطلبة وتوفير فرص التدريب العملي أثناء الدراسة بالمستشفيات التعليمية والمحاكم والمصارف كما كان يتم في السابق لطلبة الطب والصيدلة والمختبرات والتمريض والقانون والتجارة ..الخ.
• لم تفطن الإنقاذ للسبب الذي جعل الحكومات المتعاقبة تمتنع عن التوسّع في التعليم الجامعي بمثل البساطة التي تم بها في هذا العهد ودون ربط ذلك بإحتياج سوق العمل وتنمية البلاد، كما لم تفطن للحكمة التي جعلت تلك الحكومات تحرص على توفير ما كان يُعرف بالتعليم العالي الوسيط (المعاهد العليا ومراكز التدريب) الذي كان يقوم بتخريج حملة الدبلوم بعد دراسة سنتين أو ثلاثة في مجال البناء والهندسة والتمريض والزراعة والبيطرة والتدريس..الخ، فقامت الإنقاذ بإستبدال لافتات معاهد تدريب المعلمين بالدلنج وشندي والدويم (بخت الرضا) وأطلقت عليها إسم جامعات، وكذلك فعلت بالمعاهد العليا الأخرى التي كانت قائمة منذ عقود مثل معهد الكليات التكنلوجية (جامعة السودان) والكلية المهنية العليا (جامعة التقانة) ومعهد التمريض العالي ومعهد المساحة ومعهد شمبات الزراعي ومعهد الغابات ومعهد البريد والبرق ومعهد المصارِف ..الخ وحوّلتها إلى جامعات، فضلاً عن إنشائها لجامعات جديدة بالمدن والقرى والنجوع بإماكانيات مدارس ثانوية أو دونها.
• لا تنهض أمّة لأن سائق التاكسي وسمسار الأراضي يحمل درجة البكالريوس في الحقوق أو الآداب، أو أن مُحصّل العوائد بمؤهل بكالريوس علوم مختبرات، والصحيح أن من شأن ذلك تعطيل سواعِد كان يمكنها المساهمة في نهضة البلاد إذا ما وُجِّهت للطريق السليم في الدراسة بما ينفعهم وينفع الوطن. هذا تضخّم وإنفلات في الشهادات والألقاب العلمية ليس له قيمة، فما معنى أن يكون القاضي بالمحكمة الجزئية اليوم بشهادة دكتوراه والأحكام التي يصدرها بمستوى دبلوم صنايع !! وغاية ما حصل عليه القضاة العظماء الذين أثروا الفقه القانوني وأرسوا السوابق القضائية التي تدرّس بالجامعات مثل صلاح شبيكة وهنري رياض سكلا ودفع الله الرضي وزكي عبدالرحمن وعبدالله أبوعاقلة أبوسن والصادق سلمان ..الخ درجة الماجستير.
• ثم، ما قصة لقب "بروفسير" التي ضربت السوق هذه الأيام !! والأصل أنها لقب يُطلق على الأستاذ الجامعي المختص في علم من العلوم، وهو درجة علمية يتحصل عليها صاحبها بموجب ما يُسِهم به من بحوث (أكاديمية) من خلال عمله في التدريس الجامعي، وهي تُطلق اليوم على كل صاحب إسم له لمعان، أو بحسب ما يُتوسّم في هيئة صاحبها من وجاهة، وقد طالعت قصة طريفة وردت بمقال للكاتب عثمان محمد الحسن ذكر فيها أنه تابع مقابلة تلفزيونية مع وزير الداخلية الأسبق الأستاذ أحمد عبدالرحمن، خاطبه فيها المذيع بلقب "البروفسير"، فإمتعض الضيف ورد على المذيع بأدب جم: ( عفواً أنا لست بروفسير)، فقال له المذيع بخفة دم: " نحن في الحلقة دي حنعطيك درجة بروفسير لغاية ما تنتهي البرنامج".
• بخلاف درجة الدكتوراه، لا تُمنح "البروفسيرية" كدرجة فخرية، كما أن الدكتوراه الفخرية لا يُخاطب بها صاحبها كلقب رسمي، فقد حصل عليها كثير من أهل الفن والسياسة حول العالم دون أن تُربط أسمائهم بهذا اللقب، فقد حصل على الدكتوراه الفخرية رياض السنباطي وأحمد رامي والمطرب عبدالله الرويشد والرئيس السادات والرئيس أوباما دون أن يُطلق على أي منهم لقب "دكتور" كما هو الحال في السودان.
• هذا ما ناب الوطن من ثورة التعليم العالي التي جعل منها النظام أهم إنجازاته وشنّف بها آذان الشعب، حتى كشف الغطاء عن هذا الواقع أزمة الطلبة الأردنيين بعد أن وجدوا بلدنا مولد وصاحبه غائب.

سيف الدولة حمدناالله
saifuldawlah@hotmail.com

الأربعاء، 23 مارس 2016

قوى المستقبل.. عاصفة الـخلافات هل تعصف به؟!

قبل أن يجف المداد الذي وقعت به القوى السياسية المتحالفة تحت راية قوى المستقبل، لاحت في أفق التحالف خلافات وصراع حول زعامة الجسم الجديد، الذي ربما لا يصمد طويلاً في وجه العواصف القوية التي بدأت تقتلع خيامه المنصوبة على أرض رخوة رغم الاختلاف الأيديولوجي بين مكوناته، ولم يشأ المنضوون تحت راية التحالف أن يكتموا خلافاتهم ويكظموا غيظهم إلى حين أن يخرج الزرع شطأه ويستغلظ فيستوي وعملوا إلى نقض غزلهم قبل حتى أن يقوى، ففي الوقت الذي كانت طائرة الحالمون منهم تهبط في مطار أديس أبابا للمشاركة في اللقاء التحضيري، خلف من بعدهم خلف أضاعوا وثيقة المبادئ واختلفوا حول من يقود ركب التحالف، ولم يتورع بعضهم من تسريب الخلافات إلى وسائل الإعلام التي ضجت أمس بآخبار الخلافات داخل الجسم الجديد، الذي يجمع داخله أحزاب اليمين والوسط واليسار السوداني.
تضاد
كثيرون كانوا قد تنبأوا بفناء الجسم الجديد الذي يجمع في داخله تيارات متناقضة، وأطلق البعض عليه تسمية تحالف (التضاد) في ليلة ما بعد الإعلان عنه بدار حركة الإصلاح الآن، وتنبأ له تحالف قوى الإجماع الوطني بالفشل، وقال على لسان ناطقه الرسمي محمد ضياء الدين في آخر لقاء له مع الصحيفة، إنه يسعى لترقيع النظام القائم وغالبية أحزابه منسلخة من المؤتمر الوطني، لكن قيادات الأحزاب المكونة للجسم أرسلت تطمينات عديدة لأن يمضي التحالف الجديد حتى يحقق غاياته ومقاصده المرجوة منه، لأن الاتفاق الذي وقعت عليه قوى التضاد برنامج حد أدنى، يهدف إلى إيجاد حلول لأزمات البلاد المختلفة على رأسها وقف الحرب وإرساء السلام واستعادة الحريات والديمقراطية، وأعلنوا عن خطة وآليات لتنفيذها، بل ودعوا القوى السياسية الأخرى بالإسراع للانضمام للجسم الجديد، بيد أن أخباراً مزعجة بدأت تتسرب من الداخل وتظهر إلى العلن تقول بوجود خلاف حول رئاسة التحالف وحول الوفد الذي غادر إلى أديس أبابا للمشاركة في اللقاء التشاوري الذي دعت له الآلية الأفريقية رفيعة المستوى أمس الأول برئاسة زعيم الإصلاح الآن د.غازي صلاح الدين.
وحسب الخبر المنسوب إلى مصادر داخل التحالف، فإن الاجتماع الأخير الذي عقد يوم السبت الماضي شهد خلافات حادة حول مقترح إعادة الهيكلة الذي قدم غازي صلاح الدين بنواب ثلاثة لرئاسة التحالف الجديد، ونقل المصدر أن غالبية المشاركين رفضوا المقترح الذي دفعت به لجنة الهيكلة.

استهداف
ويرجح أن يكون تيار اليسار داخل التحالف هو من يقف وراء رفض أن يتسلم غازي دفة القيادة من منطلق أيديولوجي بحت، لكن عضو القيادة عمر عثمان نفى لـ(آخر لحظة) وجود خلافات داخل قوى المستقبل لكنه أقر بوجود تباين في وجهات النظر حول من يتولى رئاسة التحالف، ووصف الأمر بالطبيعي لأن طبيعة تكوينات القوى تقتضي وجود مثل هذا التباين في الآراء، بيد أن الأمر حسم بالأغلبية التي ارتضت أن يتولى زعيم الإصلاح الآن رئاسة التحالف مع تحفظ أقلية داخل اللجنة على الإجراء، وهذا بالطبع لا يسمى خلافاً بالمعنى المتعارف عليه لكلمة خلاف، وقال عمر فيما يبدو أن هذه الأقلية لم تسلم برأي الأغلبية وترتضي غازي رئيساً للتحالف، في وقت لم يستبعد وجود مؤامرة تحاك من جهات لم يسمها تجاه التحالف الجديد وتستهدفه لطبيعة تكوينه وبرنامجه المرن الذي يسع الجميع يساراً ووسطاً ويميناً وحتى اللا ديني والوثني يمكن أن يجد مكانه شاغراً في قوى المستقبل للتغيير، وقال واهم من يظن أن قوى المستقبل ستنهار بمجرد اختلاف في وجهات النظر، لأنها متفقة على برنامج ومن خلاله يمكنها معالجة كافة الخلافات الثانوية التي لا ترقى لمستوى أن يكون خلافاً ينسف التحالف ويحقق رغبات الذين في قلوبهم مرض.

رأي الأكثرية
وينظر محللون سياسيون إلى وضعية التحالف الحالية بنظرة شفقة على مصيره الذي أصبح في كف عفريت أسوة بالتحالفات السابقة التي تكونت في عهد الإنقاذ منذ قيام التجمع الوطني الديمقراطي في العام 1994 وانتهاءً بتحالف قوى الإجماع الوطني الذي يعاني الآن من خلافات داخلية كبيرة بعد تكوين قوى نداء السودان، ويحذر أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية البروفيسور حسن الساعوري من مغبة التباين الموجود الآن داخل التحالف، وينصح في حديثه لـ(آخر لحظة) مكوناته إلى اللجوء لتحكيم آلية الأكثرية والقبول برأي الأغلبية، لأنه سلوك ديمقراطي داخل جسم يسعى لاسترجاع الديمقراطية ويقوده ديمقراطيون، وأضاف إذا لم يلجأ قادة قوى المستقبل إلى تحكيم رأي الأكثرية والقبول به، فعلى السودان السلام.

تقرير:علي الدالي
صحيفة آخر لحظة

الأحد، 20 مارس 2016

الأمين السياسي للشعبي كمال عمر يفتح خزائن الأسرار


في ذلك اليوم طلب منه الترابي أن يديم النظر الى مقابر فاروق، حيث تطل نافذة مكتبه! استأمنته زوجة الشيخ وابنة الأنصار على ماورثته عن أمها! أصبح الأقرب الى عراب الحركة الإسلامية، ودخل قلب الأسرة.. سطع نجمه مع المفاصلة وصعد لمنصب الأمين السياسي من محامي مغمور بسوق السجانة الى سوق السياسة، يترافع أمام الكاميرات وعلى صفحات الصحف دفاعاً عن الترابي، اختلف حوله الكثيرون، وأدهش بعضهم وصوله السريع الى قلب وعقل الرجل، الذي لا يعرف العاطفة في عمله… ارتبط اسمه بأهم الشخصيات التي لعبت أطول الأدوار على خشبة مسرح السياسة السودانية، ظن الجميع أنه سيصمت وربما اعتزل السياسة، ولكنه عاد مرة أخرى يبحث عن معارك أخرى… كمال عمر عبدالسلام الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي، قصدنا أن ندير معه دردشة سياسية تبتعد عن التكرار والمألوف فتح لنا قلبه وفجر المفاجآت…. فالى مضابط الحوار:
* أستاذ كمال عمر ماهي حكايتك مع الترابي وسر هذا الارتباط الوجداني والصعود السريع لمكانة الأقرب ؟
– حقيقة الارتباط الخاص لي مع شيخ حسن بدأ مع المفاصلة، عقب تلك القرارات الخاطئة بحل المجلس الوطني وإعفاء الإمين العام للحركة الإسلامية من منصبه، شعرت بظلم للمشروع الإسلامي كله ورفضاً، لهذا دخلت الشعبي.
* مادمت مؤمناً بالمشروع الإسلامي وفكرة الترابي لماذا لم تسانده من قبل ؟
– كانت هناك مجموعة حول الشيخ يحولون دونه وبقية الأخوان

* لماذا؟
– لأنهم كانوا خائفين على المناصب.
* الى أي شيء استندت في هذا الحديث؟
– الترابي نفسه أخبرنا بأنه لم يكن يعلم بكثير من الأشياء التي تتم، والتقارير التي كانت ترفع له كانت مضروبة من رئيس قطاع الطلاب في ذلك الوقت.
* الجميع يعلم أن الترابي كان ينزل تعليماته فتطاع في الأمور صغيرة وكبيرة؟
– أبداً الترابي لم يكن لديه علم بالتعذيب في بيوت الأمن ولا الاغتيالات ولا الانتهاكات التي تمت، ولا التجاوزات المالية.
* لنعود الى البوابة التي دخل منها كمال الى الشعبي؟
– اثنان من المخلصين فتحوا الباب لي هم الشيخ مكاوي وجعفر فقير( ديل هم الجابوني) للترابي في بيته بالليل لأشرح تفاصيل قضيتهم مع جهاز الأمن، وقد كنت أحد عشرة محامين مترافعين في القضية.

* وبعدين ماذا حدث في تلك الأمسية؟
الله حرك فيني أشياء ..
صمت قليلاً ثم قال:
– كانت تلك أمسية مشهودة، فقد كان الترابي في تصوري شخصية عالية جداً جداً، ولم اتوقع هذا التواضع، جلس معي على الأرض ووضعت أمامنا صينية العشاء لكن انا ماعارف( اكلت شنو )، (أكلت ما أكلت غايتو يدي كان بتدخل وتمرق) وهو يطرح علي الأسئلة.. جيت أرد (اتلعثمت)
* وماسر حالة الارتبارك التي انتابتكم؟
– الهيبة العجيبة لشيخ حسن التي ظلت تلازمه حتى وفاته، عيون شيخ حسن ونظراته بتخليك ما تقدر تكذب أبداً، المهم بعد ذلك قدمت شرحاً تفصيلياً للقضية ودفوعاتنا.

* هل تعتقد انك لفتَ نظر الترابي الى شخصك من تلك الأمسية؟
– لا كان صعباً أن يحكم عليّ، لكن اللقاء الثاني كان عقب توقيعه لمذكرة التفاهم مع الحركة الشعبية، بعد أن تم القبض عليه وقتها تحركت مع عبد العزيز عشر، وهو من قيادات العدل والمساواة معتقل الآن وكان أقرب مني للشيخ وعبد السلام الجزولي رحمه الله، وقمت بالاتصال بمحامي القوى السياسية الأخرى، غازي سليمان، رحمة الله، وأمين مكي مدني، وغيرهم من كبار المحامين في ذلك الوقت كنا محامين مغمورين وكنت (محامي سوق ساكت)
* كأنه الحماس و……
– أجاب مقاطعاً… الحماس وجزء منه (رجالة) (الوقت داك العربية بتخاف تمر ببيت الترابي والبخلي ببقى والي) والخوف كان شديداً.
* إذن كان اللقاء الثاني بالسجن؟
– نعم زرناه في السجن والمحامين ومن القوى السياسية ورفع المذكرة وقال لينا كلموهم إني معترف بيها، ووقعت مع الحركه الشعبية وعليهم أن يتجهوا معي الى المحاكم، خرجنا منه واستمرت علاقتي بأسرته طوال العامين التي قضاها في السجن، اكتشفت خلالها أن الترابي عنده أسرة غريبة وأن لهذه السيدة وصال المهدي فضل كبير في ما وصل اليه الشيخ.

* واضح أن إعجابك بالسيدة وصال مرتبط بمواقف؟
– أجاب مقاطعاً…. نحنا كنا (قايلين) الترابي (عندو قروش) لكن لن أنسى ذلك الموقف عندما كان الترابي سجيناً طلبنا مبلغاً للعمل الحزبي، دخلت السيدة وصال وخرجت تحمل( كيسا فيه دهب) وهو الذي ورثته عن أمها وقالت لي( يا كمال شيلو أمشي بيعوا وحل المشكلة).. أذكر أنني دموعي نزلت ورفضت أخذه ولجأت لأحد الأخوان لحل الأزمة فعلاً أسرة غريبة وعندها قدرة على التضحية.
* لكن ألا ترى أن علاقتك بالأسرة فيها شيء من الغرابة، حيث لم تكن صديقاً قديماً حتى تحصل على هذه الثقة؟
– لكن الوقت داك دخول بيت الترابي (ما كان حااااار) (ما تشوفي البتكلموا عن كمال ديل كلهم جروا)
* واصبحت مقرباً وتوليت الأمانة العدلية؟
– أبداً شيخ حسن ما بكلف أو يقرب الأشخاص بالعواطف حتى ولو كان ابنه، والغريب في الأمر أنا قدموني للأمانة العدلية عبدالله حسن أحمد، وشيخ ابراهيم السنوسي، ورفعوها للترابي في السجن ووافق عليها.

* كمال عمر ما حصل زعلت من الشيخ؟
– كانت زعلة صغيرة أخذتني فيها العزة بالاثم وأنا(كنت قايل نفسي) محامي شاطر، ودخلت على الشيخ وقدمت ليه الورقة القانونية، فإذا بي أتفاجأ بأنها أصبحت مصححة كلها، وامتلأت هوامشها بالعبارات والحذف، وقتها باغتني الشيخ وقال لي: يا كمال أنت ما بتفرق بين الدستور والأحكام والسياسة (انت اشتغلت محامي كيف)، خرجت منه وانا زعلان وقلت (أنا الجابرني على الزول دا شنو).
لم يكن أمامك خيار آخر لم يقدم لك المؤتمر الوطني عرضاً كما فعل مع بقية الأخوان؟
* البقاء بجانب الترابي يجعلك في مكانة مرموقة وتحت الأضواء، وأيضاً تتاح لك فرصة الاستفادة من أفكاره والخروج عن الترابي كان يعتبر وصمة عار ستلاحقك خلال تاريخك السياسي.

* لم تتلق عروض من المؤتمر الوطني؟
تلقيت عروضاً عبر أسرتي ومن منافذ مادية وحاولوا التضييق عليّ وتقديم العروض لأسرتي لكن أسرنا محصنة.
*هناك من هم اقدم منك وغادروا؟
– الثبات من الله
* صعود سريع للأمانة السياسية؟
صعدت للأمانة السياسية بعد اختبارات اجتزتها بنجاح وعلى اكتاف اخوان اعزاء، وهم أصحاب فضل في صعودي، وتقربي من الشيخ فقد كان في مرحلة التحول لإسقاط النظام، وذات المرحلة التي جلبت لي المشاكل) وجابت لي الغضب.)

* لكنك أدرت صراعات في كل الاتجاهات وهذا طبعاً لأنك بقيت الأقرب للشيخ؟
– أبداً ليس لها علاقة بقربي من الشيخ وجزء منه متعلق بطبيعتي الشخصية، وأنا لم أظلم اي شخص منهم عانقت الكثيرين، واندفعت نحوهم في يوم رحيل الترابي،
اندفعت نحوهم ليس خوفاً ولا تملقاً ولا ضعفاً، ولكن قوة الابتلاء والمحنة والصدمة برحيل الشيخ التي ضربت كل الناس دفعتني للتسامح.
* تتحدثون عن رحيل مفاجئ وصدمة بينما آخر التقارير الطبية أكدت أن قلب الترابي كان يعمل بنسبة 30% الأمر الذي يوصف بالإهمال؟
– أبداً لم نتهاون أو نهمل الشيخ وكان لديه فريق طبي من أطباء سودانيين وأجانب.

* لكن اعتقد أنه كان يحتاج للرقابة الطبية أكثر؟
– نعم ولكن من الصعب أن تحجم نشاط الترابي الذي يقفز فوق كل المحاذير ليصل الى هدفه، شيخ حسن لا يعرف العلل والمصائب.
* الأيام الأخيرة للشيخ يقال إنه خصص ليك ساعة يومياً؟
– أكتر من ساعة، خمس أو ست ساعات خلال اليوم، بل أصبحت أرافقه في كل المناسبات، الزواج والعزاء والسفر لود الترابي كنت معه دائماً(ينزل من العربية الترابي من اليمين وكمال من اليسار)
* ماالذي لاحظت على الشيخ في الآونة الأخيرة ؟
– كان دائماً مشغول بقراءة المصحف ويردد عبارات تدل على أنها الأيام الأخيرة يتحدث عن دنو الأجل، وكبرنا خلاص، ومرة أشار الى قلبه وقال لي ياكمال الطرمبة دي اشتغلت كتير خلاص) )
* وصية خص بها كمال عمر؟
– زارني في مكتبي وطلب مني أن اعدل المنضدة، بحيث تصبح جلستي مقابلة للنافذة المطلة على مقابر فاروق،
* وسألته لماذا؟
فقال لي (انتو المحامين أحياناً طبيعة عملكم تدخلكم في دائرة الظلم، ولذلك دايرك تتعظ بل سأل مدير مكتبي تاج الدين بانقا إن كنت قد عدلته، ولما علم اني لم أفعل سألني مرة أخرى وقال لي( بطل استهبال المحامين دا) بصراحة ( خوفني من مهنتي دي عديل كدا).
* المرحلة القادمة أمين عام جديد كيف تتوقع أن تسير الأمور؟
– أنا عن نفسي مستعد(أمسح احذيتم) اذا التزموا بخط شيخ حسن، وسأقف ضد كل من يحاول أن يحيد عن طريقه، بل أنا بعتبر دا الخط الفاصل- اي زول يحاول يتجه نحو المؤتمر الوطني سأعمل ضده.

* لماذا هذا الموقف المتطرف من وحدة الإسلاميين؟
– آخر لقاء للترابي مع المؤتمر الوطني أنا كنت حاضراً، ولم يتحدث عن اي وحدة، ولذلك فالوحدة ليست من اولوياتنا.
* يقال إن الشيخ تفرغ للكتابة خلال المرحلة الأخيرة من حياته ماالذي كان يكتبه بخلاف المنظومة الخالفة؟
– كتب في التفسير التوحيدي وقضايا المسلمين الفكرية، وكلها ستخرج للعلن، بعد موته سيعرف الكثيرون الترابي.
* ألا ترى أن الترابي المفكر الإسلامي قد تفرغ لبرنامجه متأخراً ؟
– الترابي (ضرتو) الإنقاذ وخصمت منه، افتكر أنها كانت تجربة (بطالة) للإسلاميين
* أخذ عليك حديثك عن تقدم أبناء وبنات الترابي لقيادة الحزب؟
– أنا ما قصدت أنهم يتقدموا للقيادة فوق، لكن يأخذون مواقعهم الطبيعية في الحزب.
* لماذا ؟
– لأنهم كانوا محرومين من حقهم لأن الشيخ كان يمنعهم من ذلك خوفاً من الوراثة.
* انحصرت خيارات الخلافة في ابراهيم السنوسي وعلي الحاج؟
– أكبر (اتنين) واكثر خبرة وتجربة وهم نواب شيخ حسن ووفقاً للائحة مفترض يتقدموا.
* في تقديرك ما الذي يمكن أن يقدمه كل منهما حال وصولهم لرئاسة الأمانة عقب المؤتمر العام.

لكل حوبته وصعب ملء مكان الترابي،
* يعني علي الحاج ممكن يقدم شنو لو وصل والسنوسي ممكن يضيف شنو لو ثبت كأمين عام؟
– هما الاثنان حاينفذوا ما وضعه الترابي.
* لكن هناك من يقول إن الترابي طالما طالب بعودة علي الحاج والاستعانة به ألا يرجح ذلك كفته على الطرف الآخر؟
– لالا .. الترابي كان يتعامل معهما بمستوى واحد.
* إذن المطلوب قيادة جماعية للشعبي في المرحلة المقبلة حتى تتضح الأمور ؟
– مطالبين بتوحيد جهودنا والعمل بروح وفاقية، الترابي لم يترك لنا أموالاً ولا وزارات نتصارع عليها.
حوار / فاطمة احمدون
صحيفة آخر لحظة