لم تعد دراسة “ظاهرة” تنظيم الدولة الإسلامية حكرا على مراكز الأبحاث ومعاهد الدراسات العسكرية، إذ انضمت إليهم المجلة الطبية البريطانية “بي أم جي”، إحدى أعرق المجلات الطبية في العالم، في مقال نشر في عددها الأخير واستعرض محطات مهمة في علاقة تنظيم الدولة بالأطباء، ولكنه لم يقدم تفسيرات.
وجاء المقال* الذي نشر بتاريخ 30 من الشهر الماضي، تحت عنوان “الدولة الإسلامية تخلق نظاما صحيا للجهاديين”، وكتبه الصحفي المتخصص في الشؤون الأمنية دانكن غاردهام.
وقال المقال إن ترك مجموعة من طلاب العلوم الطبية في السودان دراستهم في شهر مارس/آذار الماضي وانضمامهم لتنظيم الدولة قد لفت الانتباه الدولي إلى ما يبدو تدفقا مستمرا للأطباء المسلمين الدارسين في الغرب إلى التنظيم.
واستعرض المقال تغريدات وإصدارات فيديو للتنظيم، ظهر فيها من قالوا إنهم أطباء من دول غربية التحقوا بالتنظيم، وحملت دعوة للأطباء المسلمين للقدوم إلى “الشام”، كما تم الإعلان عن إنشاء كلية طب في مدينة الرقة.
أمر لافت حدث في شهر أبريل/نيسان الماضي، إذ صدر فيديو يظهر فيه شعار نظام الخدمة الصحية للدولة الاسلامية (ISHS) الذي كان واضحا أنه تم اقتباسه من شعار الخدمة الصحية البريطانية
(NHS).
شهادة مروعة
ومع أن المقال يقول إنه من الصعب معرفة طبيعة النظام الصحي الذي يديره تنظيم الدولة، فإن معطيات من تقارير من الموصل في العراق تقول إن الطبيبات يرغمن على العمل وهن يرتدين غطاء كاملا بما في ذلك قفازات اليدين، وإن النساء يسمح لهن بالعلاج عند النساء فقط، وإن أطقم المستشفيات من النساء لا يسمح لهن بالعمل بعد هبوط الظلام، مع اعتراف المقال بأن هذه التقارير لا يمكن التأكد من مدى مصداقيتها.
كما ضم المقال شهادة مروعة من استشاري في الجراحة العامة وجراحة الشرايين يعمل في الخدمة الصحية الوطنية البريطانية، واسمه ديفد نوت، وكان قد عاد في أكتوبر/تشرين الأول الماضي من سوريا.
هذا الجراح قام بثلاث رحلات تطوعية لسوريا للمساعدة في العمل الإغاثي، كما سبق له التطوع في مناطق حرب صعبة أخرى، مثل البوسنة وأفغانستان والعراق وسيراليون وليبيا وغزة.
يقول نوت إنه في رحلته الأولى كان يعمل في منطقة تحت سيطرة الجيش السوري الحر، ووقتها كانت أكبر مخاوفه أن يتعرض للقصف بالبراميل المتفجرة من طائرات النظام، ولكن هذا الأمر تغير لاحقا وأصبحت لديه مخاوف أكبر، والفضل في ذلك يعود إلى تنظيم الدولة.
يتابع أنه في عام 2013 عندما كان في حلب كانت مليئة بمقاتلي تنظيم الدولة ولكنهم لم يكونوا متطرفين بهذه الصورة، وكانوا يعرفون أنه غربي ولكن لم يؤذه أحد. لاحقا تغير الوضع، إذ أصبح لا يأمن أن يأتي أحد من التنظيم أو جبهة النصرة أو أي فصائل للقاعدة ويأخذه، ولذلك أصبح الوضع الآن خطرا للغاية للعمل هناك.
تفسيرات
ويحكي نوت قصة طبيب زميل له في حلب قرر أن يقوم بمهمة وساطة للإصلاح بين تنظيم الدولة وفصيل معارض آخر، فقام التنظيم بقتله وتقطيع أوصاله.
المقال لا يقدم تفسيرات عن ظاهرة التحاق الأطباء المسلمين الذين تلقوا تعليمهم في الغرب بتنظيم الدولة، والتي قد ترجع إلى عوامل عدة منها:
تأثر الأطباء بالدعاية التي يمارسها التنظيم، والتي من غير الدقيق -كما هو واضح- افتراض أن كون الشخص طبيبا أو ذا شهادة عليا أو تعليم غربي سيكون محصنا منها أو من الفكر الذي يوصف بالمتطرف.
فظاعة الأعمال التي يرتكبها النظام السوري ومليشياته التي توصف بالطائفية في سوريا، والتي يرى البعض أنه تم استنساخها في العراق أيضا عبر تجربة مليشيات الحشد الشعبي والبراميل المتفجرة، والفيديوهات التي توثق أعمالا يرى البعض أنها تصل لحد التطهير الطائفي، الأمر الذي يدفع هؤلاء الأطباء -وغيرهم- للالتحاق بتنظيم الدولة.
يرى البعض أن من اللافت أن العديدين من قيادات الفكر السلفي الجهادي في إطاره العام هم من الوسط الطبي، فزعيم تنظيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري هو طبيب وأخصائي في الجراحة، وخالد المساعد أحد مؤسسي العمل المسلح في سيناء هو طبيب أسنان، وهمام البلوي -الذي كان عميلا مزودجا للقاعدة و”سي آي أي” وقتل سبعة ضباط أميركيين وضابطا أردنيا في تفجير انتحاري عام 2009 في أفغانستان- هو طبيب أيضا، وقائد جبهة النصرة أبو محمد الجولاني هو طالب طب قطع دراسته للالتحاق بالقاعدة.
وتجدر الإشارة أخيرا هنا إلى أنه وسط الصراع الدائر في سوريا، فإن البعض يقول إن النظام السوري كان له السبق في استهداف الأطباء، ومن ذلك واقعة قتل الطبيب البريطاني عباس خان.
وكان عباس خان قد دخل إلى سوريا من تركيا أواخر عام 2012، واعتقلته السلطات السورية بعد يومين خلال علاجه مصابين في مدينة حلب، ثم مكث لـ13 شهرا في الاعتقال ثم تم تسليمه يوم 21 ديسمبر/كانون الأول 2013 للجنة الدولية للصليب الأحمر من قبل السلطات السورية التي زعمت أنه انتحر، في حين اتهم رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون وعائلته السلطات السورية بقتله.
الجزيرة