كثير من مشروعات التعاون المشترك بين الدول العربية تبدأ بحماس واندفاع ثم تأخذ في التراجع رويداً رويدا إلى أن تتعثر أو تختفي وتتلاشى والسبب الرئيسي في ذلك هو أن أكثر تلك المشروعات يقبل الناس عليها باندفاع عاطفي دون دراسات جادة أو تخطيط محكم أو قناعة راسخة وعندما تظهر بعض العقبات يتلاشى الحماس وتفتر الهمة.
في سبعينيات القرن الماضي وبعد أن توفر قدر كبير من فوائض ارتفاع أسعار النفط اندفعت العديد من الدول العربية لرسم صورة باهرة لمستقبل التعاون الاقتصادي العربي والاستثمارات العربية في الموارد الطبيعية المتاحة لتلك الدول وقد تركز الحديث بوجه خاص حول مشاريع الأمن الغذائي العربي المعتمدة على استثمار الفوائض الدولارية النفطية في تطوير الإنتاج الزراعي العربي عبر الاستغلال الأمثل لموارد الأرض والمياه المتوفرة في بعض البلدان العربية وبصفة خاصة السودان، وتحمس الجميع لتلك المشاريع وأنشئت الهيئات المطلوبة وتأسست الشركات وأعدت مقارها وتم تعيين مديريها وموظفيها وتوفرت الإمكانات المالية الكاملة- وعندما أزف موعد التنفيذ بدأت تظهر بعض الصعوبات والمعوقات بسبب سوء التخطيط والإعداد فضعفت الإرادة وتقاصرت الهمة وبرزت الصعوبات وتعثرت المشروعات وخمد الحماس وضعف الأداء ثم تبخر الحلم.
وفي تطور آخر خلال نفس الفترة بحثت حكومة السودان مع المملكة العربية السعودية مشروعاً رائداً وواعداً باستغلال ثروات قاع البحر الأحمر فتم ترسيم الحدود البحرية بين البلدين وحددت المواقع المشتركة وصرفت الأموال على مسح قاع البحر وتحديد كميات وأنواع كنوزه المعدنية وإمكانية استغلالها لصالح البلدين وتوصل البلدان إلى اتفاقية مشتركة للاستثمار في هذا المشروع الرائد وأعدت الخرائط وخطط العمل وتأسست الهيئة المسؤولة عن المشروع... ثم رويداً رويدا تعثر المشروع وفترت الهمة وضعفت الإرادة وتبخر الحلم!! ونستطيع أن نواصل سرد الكثير من الأمثلة لمشاريع ثنائية أو جماعية مشتركة تم تخطيطها والإعلان عنها والترويج لها في أجهزة الإعلام ولكنها لم تر النور.
والآن يتجدد الحديث عن تحالفات جديدة وعن مشاريع مشتركة جديدة وعن خطط واستراتيجيات واسعة لأعمال عربية مشتركة كلها تبدو واعدة ورائدة والتصريحات حولها متفائلة وأخشى ما نخشاه أن نكون على وشك أن نكرر سيناريو الفشل السابق.
العمل العربي المشترك الثنائي أو الجماعي هدف مشروع وهو يجد الاهتمام والمساندة من الجماهير العربية متى ما كان موجها نحو تحقيق مصالحها ولكننا لا نريد لأنفسنا أن نعيد تكرار المشهد السابق الذي عرفه الناس في الماضي وعاشوا زخمه ووعوده المغرية وفشله عند التنفيذ وقصوره عن تحقيق أي نتائج محسوسة وقبل أن نندفع في مشروعات جديدة ينبغي أن نسأل أنفسنا هل حدث من التغيير على أرض الواقع ما يعظم فرص نجاح التجارب الجديدة وهل حدثت في الواقع العربي متغيرات تثبت أن مشاريع اليوم أمامها فرصة أفضل للنجاح؟
النظرة العملية للواقع لا تدعو للإسراف في مثل هذا التفاؤل والأجدى بنا أن نعيد النظر في واقعنا حتى نطمئن إلى أن الظروف الموضوعية الكفيلة بإنجاح مشاريع التعاون المشترك أصبحت راسخة وكافية للإقدام على مثل هذه التجارب، ولتكن البدايات متواضعة وفي حدود الإمكانات لأن مجرد نجاحها حتى ولو كانت محدودة الأثر سيسهم في بناء الثقة حول العمل المشترك.;
نخبة السودان